القائمة الرئيسية

الصفحات

الصراع الأمريكي الايراني و تداعياته المحتملة على العراق الباحث : عمار احمد المكَوطر. معهد العلمين للدراسات العليا

الصراع الأمريكي الايراني وتداعياته المحتملة على العراق الباحث : عمار احمد المكَوطر. معهد العلمين للدراسات العليا  


 المقدمة :
يكاد يتماثل المشهد العراقي الحالي ببعض جوانبه، مع سابقه بعد إنهاء الحرب العراقية الايرانية ، حيث خرج العراق وهو يمتلك قدرات عسكرية هائلة على صعيد عدد القوات المسلحة و مهاراتها القتالية او على صعيد اسلحة ومعدات حديثة وفاعلة بأعداد كبيرة في شتى الصنوف القتالية وأنواعها. فائض القوة هذا دفع بالدول الكبرى و خاصة الولايات المتحدة الامريكية ولأسباب سنبينها في طيات المقال، الى السعي الى تفريغه او سحقه عبر دفع رأس النظام العراقي وإغراءه عبر إشارات ما، لإحتلال الكويت، ومن ثم تدمير القوة العسكرية العراقية وما آل إليه الحال فيما بعد من حصار مدمر و إحتلال، لا زالت آثاره المدمرة ماثلة حتى الآن . لقراءة واقع الصراع الامريكي الايراني في المسرح العراقي ، لابد لنا من التقاط صورة شاملة للمشهد، وقراءة مسحية للواقع ببعديه الداخلي (العراقي) والخارجي (الاقليمي والدولي)، عبر فقرتين، ومن ثم تفاعله وانعكاسه على الشأن المحلي العراقي المختنق بالفساد والأزمات .
الفقرة الاولى : المشهد العراقي بعد تحرير الاراضي العراقية في محافظات الانبار  الموصل وصلاح الدين من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، وخروج القوات العراقية منتصرة ،(الجيش، قوات مكافحة الإرهاب، الشرطة الاتحادية، او الحشد الشعبي)، وهي تمتلك قدرات عسكرية ومهارات مدعمة بمعنويات عالية، واسلحة متقدمة بأعداد كبيرة، فضلاً عن حجم هذه القوات الكبير من حيث العدد . شعرت قوى اقليمية و دولية، خاصة الولايات المتحدة ان فائض القوة هذا يمثل خطراً حقيقياً وفق رؤيتها على المصالح الامريكية وحلفاءها، خاصة و أن فصائل عديدة من قوات الحشد الشعبي توالي او تتلقى الدعم و التأييد من ايران
 لذا عملت جادة على تبديد هذا الفائض، عبر خطين متوازيين، سياسي وعسكري.  شمل الخط الاول (السياسي) بمعادلة استقطاب وتفتيت قوى ما كان يسمى بالتحالف الوطني سابقاً وهو تكتل سياسي شيعي، وقد نجحت الولايات المتحدة بإبعاد التيار الصدري عن المحور الايراني المتأرجح موقفة أصلاً من ايران، و ذلك عبر البوابة العربية و بالأخص السعودية، كما استقطبت تيار الحكمة المنشق عن المجلس الاعلى الموالي لإيران، اضف الى تعزيز دعمها لتيار النصر بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي المدعوم ابتداءً غربياً وامريكياً، رغم انتماءه لحزب الدعوة الاسلامي، وعلاقة امينه العام نوري المالكي الوطيدة بإيران، و الذي دعمته لدورتين متتاليتين لرئاسة الوزراء
وبعد الانتخابات الاخيرة التي شابها الكثير من الطعون، سواء من تزوير، قلة مشاركة شعبية ، تلاعب في اصوات الناخبين، او من عمليات حرق لدوائر وصناديق انتخابية . و تحاول كل من ايران و الولايات المتحدة جذب المزيد من الحلفاء سعياً منهما لتشكيل حكومة موالية لهما، وانقسم البيت السياسي الشيعي الى نصفين الاول موالي لإيران، و الابرز منهم تيار الفتح بقيادة هادي العامري، دولة القانون بزعامة نوري المالكي، و عصائب اهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، و كتل صغيرة اخرى، في حين كان النصف الآخر يمثل سائرون بزعامة مقتدى الصدر، تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، و النصر بقيادة العبادي، لكن من أثار شدة الصراع بين الكتلتين عجز كل منهما عن تشكيل الكتلة الاكبر التي تشكل الحكومة وفق الدستور العراقي، هو نجاح ايران في جذب فالح الفياض رئيس الحشد الشعبي و مسؤول الامن الوطني و مستشار العبادي، وجعله يتحول الى الكتلة الموالية لها، مما اضعف كتلة العبادي و حلفاءه عن تشكيل الحكومة . تحاول الولايات المتحدة اضعاف الدور الايراني و قطع ذراعه في التأثير السياسي في الساحة العراقية، و تشكيل الحكومة، خاصة بعد وصول ترامب الى الحكم في الولايات المتحدة و موقفه المتشدد حيال إيران الذي بدأه بالإنسحاب من الإتفاق النووي، ومن ثم فرض عقوبات وحصار على ايران، بغية دخولها في بيت الطاعة الامريكي و تغيير سياستها بما يتناسب مع سياسات ومصالح الولايات المتحدة.
ولذا يدفع كل من الطرفين بحلفائه للمواجهة، فأمريكا تهدف الى إبعاد ايران وتحجيم او قطع نفوذها في العراق، في حين تحاول ايران التصعيد معها عبر حلفاءها بغية الهاء الولايات المتحدة او اضعافها في العراق، عن التفكير في ضربها او شن حرب وكالة ضدها، حتى تتمكن من التقاط انفاسها والتعامل مع الادارة الجديدة والوضع الاقليمي والدولي بما يحقق مصالحها ويحفظ أمنها.
الفقرة الثانية : مشهد الصراع الامريكي الايراني خارج المسرح العراقي لا شك ان ايران تعاني من ضغوط امريكية حادة، حيث تطوقها الولايات المتحدة في كل من العراق، افغانستان، ودول الخليج العربي بقواتها واساطيلها وهي تشكل تهديداً للمصالح و الامن القومي الايراني ، بينما عملت ايران للضغط على الولايات المتحدة في نقل الصراع الى فضاءات ابعد ، تمس مصالح و حلفاء الولايات المتحدة . لتخفف الولايات المتحدة من ضغوطها السياسية و الاقتصادية تجاه ايران ، و تبعد شبح ضربة عسكرية امريكية اليها ، و عودتها (امريكا ) الى الاتفاق النووي . لذا عملت ايران على التهديد بغلق مضيق هرمز، الذي تمر منه اكبر امدادات الطاقة الى اوروبا، الذي تمثل فيه منطقة الخليج العربي اكبر حوض نفطي في العالم، والذي اذا ما اغلق ستشل حركة الدول الصناعية الكبرى في الصناعة و الانتاج و تكدر صفو سعادة و رفاه شعوبها، خاصة دول الاتحاد الاوربي و كندا . كما تحاصر ايران الحليف الاستراتيجي، ومالك اكبر احتياطي نفط في العالم (العربية السعودية) وتخوض حيالها حرب نيابة عبر وكلائها الحوثيين، الذين استنزفوا الثروات والقدرات السعودية، وهددوا ناقلات النفط في ال البحر الاحمر حتى وصلت صواريخهم الرياض . كما ان التواجد الايراني في سوريا وقرب الجولان المحتلة ، عبر قوات او مستشارين ايرانيين و مليشيات مدعومة ايرانياً، جعل من ايران على خط تماس مع الحليف الاستراتيجي الابرز للولايات المتحدة ، اسرائيل . هذا التواجد يهدد الامن و الوجود الاسرائيلي، ويضرب طوقاً على اسرائيل، حيث تحاصرها من جهة ثانية قوات حزب الله اللبنانية الموالية والمدعومة من ايران ، التي هزمت اسرائيل في حرب تموز 2006 .
من خلال ما تقدم نرى ان ايران تحاول ان تبعد خطر التواجد الامريكي، و ان من حقها كقوة اقليمية كبرى ان تمارس دورها في حماية امن المنطقة والنفوذ فيها، وترفض اي تواجد اجنبي يهدد امنها ومصالحها، في حين تسعى الولايات المتحدة تحجيم الدور الايراني و تعديل سلوكه كلاعب تابع للولايات المتحدة، وليس لاعب مستقل او شريك لها. كما ان الدور المزعج لإيران في الخليج ودعمها للاضطرابات في البحرين، ومطالبتها بعائديتها لها، واحتلال الجزر الاماراتية الثلاث، والتوغل في ساحة مصالح الولايات ومجالها الحيوي، وجعل العراق جسراً برياً لإمدادات السلاح الى حزب الله عبر سوريا والتهديد المباشر للأمن الاسرائيلي، دفع بالولايات المتحدة بالعمل الجاد لفعل مواجهة عسكرية معها ، قد تكون عبر وكلاء بالدرجة الاساس، خاصة اسرائيل عبر توجيه ضربات عسكرية لمواقع ايرانية في سوريا، و مواقع حلفاءها في لبنان .
وأخيراً هددت اسرائيل بضرب مقرات ايرانية في العراق كما زعمت .
أما الولايات المتحدة فتحاول اضعافها من خلال البوابة العراقية و ذلك بافتعال قتال شيعي بين الموالين لإيران و الموالين لها، لهدف تحقيق عاملين، إجهاض فائض القوة المتصاعد في القوات العسكرية العراقية، خاصة الحشد الشعبي الذي تعده بدرجة كبيرة موالياً لإيران، والقضاء على قياداته . هذه الحرب وما تجره من ويلات تجعل، الشارع العراقي يقبل بأي سياسة امريكية مفترضة، و العامل الآخر، إضعاف ايران سياسياً و عسكرياً، و بالتالي تغير سياستها وفق ما تراه الولايات المتحدة ، او تخوض حرباً خاسرة لإختلاف موازين القوة العسكرية مع الولايات المتحدة ، خاصة بعد تدمير حلفاءها . ولعله ايضاً توظف وتستثمر أزمة البصرة وإنتفاضة شعبها الحالية، المطالبة بالحقوق سياسياً، وإشعال نيران حرب أهلية فيها، ومختلف مناطق الوسط والجنوب، وقد تمتد بمديات واتجاهات أبعد، تحرق الأخضر واليابس في العراق

  وهنا يأتي دور ساسة العراق و صناع القرار فيه، هل يعون هذه المخططات الخارجية حيال بلدهم و ما يراد بهم ؟ . هل يدركون ان السياسة الدولية، سياسة مصالح وهيمنة و نفوذ، فلا تخضع لعلاقات جوار، وقيم، واخلاق، ومُثل. فالعلاقات الدولية تقوم على المصلحة والقوة، وليس للمبادئ والاخلاق او الانسانية وجود، إلا بقدر ما يحقق ذلك ؟ . فهل بوسعهم العمل بإستقلال لتحقيق امن و سلامة و سيادة بلدهم ، وسعادة شعبهم ؟
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة

التنقل السريع