القائمة الرئيسية

الصفحات

العوامل المؤثرة في اتجاهات الارادة السياسية للافراد الدكتور. حيدر ادهم الطائي (ج:2)


العوامل المؤثرة في اتجاهات الارادة السياسية للافراد الدكتور. حيدر ادهم الطائي (ج:2)


العوامل المؤثرة في اتجاهات الارادة السياسية للافراد
الدكتور. حيدر ادهم الطائي

الفئة الثانية تتمثل بالعوامل الاقتصادية فحجم التفاوت في الامكانيات التي يستطيع ان يوفرها كل انسان لمصلحته تعد من اهم المسوغات التي بررت الاهتمام بالعامل الاقتصادي على اعتبار انه عنصر مهم يساهم في تاجيج الصراع السياسي والاجتماعي بين ابناء المجتمع الواحد, فاصحاب الامتيازات والامكانيات الضخمة يعملون باتجاه المحافظة على امتيازاتهم ونمط حياتهم المترف في حين يسعى الطرف الاخر, وهو صاحب اليد السفلى الى اتباع اساليب الكفاح المرير من اجل تحسين مستوى معيشته على مختلف الصعد, وحقيقة وجود دور للعامل المذكور يرده البعض الى بدايات حياة الانسان الاولى على سطح المعمورة الامر الذي عبر عنه "جان جاك روسو" بقوله:(ان المؤسس الحقيقي للجماعات هو اول فرد عمد الى قطعة من الارض فاقام حولها سورا ثم قال: هذه ملكي ! ووجد من البلهاء من صدقوا دعواه ! كم من الدمار والحروب, وكم من الاجرام والشقاء كان يتاح للبشرية ان تتفاداه وتتجنبه, لو ان احدا اقدم فانتزع هذا السور وازال معالمه, وصاح في الناس قائلا: حذار ان تصدقوا هذا المخاتل الخداع ! لن يكون مصيركم الا التلف والضياع لو نسيتم ان الارض ليست ملكا لاحد, وان ثمارها لنا جميعا) واذا كنا امام راي يرى ان العامل الاقتصادي بمظاهره المختلفة يعد العنصر الاساسي الذي يحكم كافة تصرفات الانسان بل ويحدد مراحل تطوره الفكري, وهذ اتجاه "الاشتراكيين" عموما الذين يعتقدون باهمية العامل الاقتصادي في الاتجاهات السياسية للافراد, والتي تتمثل في جذوره "الطبقية", وبالاستناد لهذه الفكرة فان لغالبية ابناء كل فئة او "طبقة" من فئات او "طبقات" المجتمع الاتجاه السياسي ذاته, فالاتجاه السياسي لابناء اية "طبقة" سيكون مائلا باتجاه اليسار كلما تدنى او انخفض مستوى معيشتهم وارتفعت درجة وعيهم "الطبقي", والعكس صحيح ايضا. كما ان ما تقدم يعني ان تمرد او اعتراض بعض ابناء "الطبقة" على الاتجاه السياسي العام "لطبقتهم" اما ان يعود لهشاشة وعيهم "الطبقي" او انخفاض مستوى معيشتهم, فالوعي "الطبقي" بمعنى الايمان بمصالح الفئة الاجتماعية التي ينتمون اليها واسلوب الحياة ومستوى المعيشة انما هي طبقا للفكر الماركسي عوامل ثانوية بالمقارنة مع الاساس "الطبقي" الذي يعد العامل الفاعل والمسيطر والمحرك للصراعات السياسية ولاسباب نشوئها.
هناك راي اخر يذهب الى ان العامل الاقتصادي لا يمكن ان يشكل كل شيئ لكنه احد العوامل المهمة والمؤثرة في حياة الانسان, وهذا اتجاه معظم علماء الاقتصاد الغربيين الذين يعتقدون ان من اهم العوامل التي قد تقود الى نشوء الصراعات السياسية, وبالنتيجة تحديد الاتجاهات السياسية للافراد تتمثل في الاختلاف العنصري والانتماء "الطبقي" والاعتقاد الديني وطراز الحياة والاحساس او الشعور بحقيقة الوضع الاجتماعي للفرد وصلاته بالعائلة التي ينتمي اليها وعلاقاته بالاصدقاء, فالاحزاب القومية التي تضم قومية واحدة, وان اختلفت "الطبقات" الاجتماعية التي تنتمي اليها فان الملاحظ على هذه الاحزاب او التيارات انها وان كانت تعمل على حماية مصالح قومية لطبقات مختلفة الا ان الاتجاه السياسي العام يكون يساريا او يمينيا طبقا لوضع تلك القومية داخل الدولة وفيما اذا كانت تشكل الاغلبية او الاقلية بالنسبة لمجموع عدد السكان, وفيما اذا كانت تعاني من التهميش والاضطهاد فضلا عن مستوى معيشة غالبية ابناءها.
ان ما تقدم يشكل محاولات لفهم تاثير العامل الاقتصادي في ميدان السياسة التي تحشر انفها الطويل في كل ميدان, وفي كل زمان, وفي كل مكان, "فرجل السياسة" لا يمكن ان يتصرف دون ان ياخذ بنظر الاعتبار قوة العامل الاقتصادي في بلاده حتى ان وزير الخارجية الامريكي "مايك بومبيو" في ادارة "ترامب" يصرح جهارا نهارا ملخصا عوامل الجذب في الاقتصاد الامريكي بقوله (لدينا ثقافة رائعة لريادة الاعمال والابتكار, ولدينا اكبر سوق في العالم للسلع والخدمات, ولدينا استقرار سياسي هائل, وسيادة قانون لا نظير لها) وهو محق في التصريح المذكور بعد ان بلغ حجم الاستثمارات الاجنبية في الولايات المتحدة الامريكية للعام 2017 ما يقارب الاربعة تريليونات دولار الامر الذي وصفته وزارة التجارة الامريكية بانه عبارة عن رقم قياسي بكل المعايير حيث لا يوجد اي بلد في العالم يجتذب اكثر من ذلك. اما الدول التي لا تعي ان اقتصاديات الكاشير "الجباية" والاموال المتدفقة بسرعة لجني ارباح سريعة "الاموال الساخنة" لا يمكن ان تعكس قوة اقتصادية حقيقية طالما بقيت مجتمعاتها واقتصادها بعيدا عن التصنيع والتكنولوجيا المتقدمة المعتمدة على تشجيع الابتكار من خلال دعم برامج التعليم والبحث العلمي وتنمية الاسواق تدريجيا وضبط السياسات المالية وتشجيع التصنيع على المستوى الوطني, وهذه ليست وصفة سحرية مختفية في مغارة "علي بابا" فمنذ ان كنا صغارا طلبة في المدارس الابتدائية بل وقبل ذلك صغارا في رياض الاطفال كان "المعلم /المعلمة" يخبرنا ان "من لا يعمل لا ياكل"
الفئة الثالثة تتمثل بالعوامل ذات الطبيعة الاجتماعية فهي تساهم ايضا في التاثير على الاتجاهات السياسية للافراد حيث يؤكد علماء الاجتماع على ان الانسان يعيش في مجتمع يتكون من عادات وتقاليد واعراف وافكار وتوجهات مختلفة ومتنوعة تؤثر في اتجاهات الانسان السياسية بعد ان تتفاعل مع بعضها البعض ومع الجماعة البشرية التي يتشكل منها المجتمع, كما ان الروابط التي يرتبط بها الانسان مع غيره من افراد المجتمع تلعب دورا في تكوين منظومة القيم لديه, كالاسرة والمهنة والصداقة والمدرسة, فالاسرة على سبيل المثال تؤثر في اتجاهات الافراد السياسية وغير السياسية وذلك عن طريق ابويه سلبا او ايجابا عندما يحدد كل واحد منهما موقفه من تيار سياسي معين, كما قد تتاثر الزوجة باراء زوجها او العكس, والامر ذاته ينطبق بالنسبة لتاثير المدرسة او الصداقة فالكثير من القيم والمفاهيم والعادات التي اكتسبها الفرد من محيط اسرته يمكن لها ان تتغير بصورة او باخرى تبعا لما تتطلبه جماعة اصدقائه  وبيئته المدرسية سلبا او ايجابا.
ان السؤال المطروح في نهاية هذه السطور يتعلق بمدى امكانية فهم التوجهات السياسية للافراد في العراق طبقا لدور العوامل التي اشرنا اليها النفسية والاقتصادية والاجتماعية على هدي من حقيقة مفادها ان العوامل المذكورة لا تستقل الواحدة منها عن الاخرى بشكل كامل لكنها تتبادل التاثير فيما بينها لمصلحة الواحدة منها ضد الاخرى فما هي الية هذا التاثير المتبادل او الحركة المؤثرة في اتجاهات الافراد السياسية .


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع