القائمة الرئيسية

الصفحات

قضاه يملكون الجرأة بقلم المحامي ناصر رفاعي

هناك قضاه يملكون الجرأة 


قضاه يملكون الجرأة بقلم المحامي ناصر رفاعي
قضاه يملكون الجرأة بقلم المحامي ناصر رفاعي 

ويبدوا ان فكره القضاء التجريمي المستقرة في اذهان محامي الشأن الجنائي ستتغير عما قريب 

ويبدوا اننا وجدنا اخيرا محكمة فلسطينيه تعترف بالدفاع المشروع كنص ساري المفعول من نصوص قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 بعدما كان معطلا ومغيبا من اذهان السواد الاعظم من السادة القضاه لردح طويل من الزمن ... 
زملائي رجال القانون 


بالأمس القريب قامت الدنيا ولم تقعد عندما اصدرت محكمة الجنايات الكبرى / بيت لحم حكما باعتبار متهم واقعا في حالة دفاع مشروع ... 


لا استغرب على الاطلاق لمن ثارت ثائرتهم فقد تعودوا كما اسلفنا ان نصوص المواد (60 و 341 ) من قانون العقوبات هي نصوص معطله حسدا من عند انفسهم .. ورغم ان الشك في تلك النصوص يفسر لصالح المتهم اذ الدفاع المشروع سبب اباحه وتبرير ينفي الصفة الجرميه عن الافعال وهو حق لصيق بالشخصية الانسانيه ... الا انهم يتنكرون لهذا الحق 


لا غرابه في الامر فالقضاء التجريمي لم يكن يأخذ بالدفاع المشروع الا في حالات شبه نادره اذكر منها قرارا في حالة الدفاع الممتازة (دخول المساكن ليلا) وهي حاله واضحه لا جدال فيها اذ على النيابه العامة وليس على المتهم عبء الاثبات في ان صاحب البيت الذي دخله المغدور ليلا كان يعلم ان المغدور لم يكن داخلا لغايات الاعتداء و الا فصاحب البيت المدافع واقعا في حالة دفاع مهما فعل .. كما ان هذه الحاله الممتازه لا تقتضي لا التناسب ولا اللزوم قانونا اذ ان مجرد دخول المساكن ليلا يعطي صاحب البيت الحق في الدفاع المشروع حتى لو وصل الى القتل كما اسلفنا ، ما لم يكن عالما ان المجني عليه لم يكن داخلا لغايات الاعتداء ... كما رأيت حكمين اخرين طوال حياتي المهنيه كمختص في الشأن الجزائي وفيهما الدفاع كان واضحا كما الشمس بلا شك او غموض بحيث لم تستطع الهيئات مصدره القرار التملص من الحكم بالبراءة بان تدعي التجاوز او عدم التناسب بين الدفاع والاعتداء 


لا استغرب على الاطلاق لمن ثارت ثائرتهم فقد تعودوا ان القضاء منذ سنوات قضاء يميل في معظم هيئاته الى التجريم والى تفسير أي شك في الدفاع المشروع لصالح الادانه الا من رحم ربي ... مستغلين بذلك صعوبة تفسير الفقره الثالثه من الماده (60) الباحثه في حالة تجاوز حق الدفاع .


احتراما لتلك الجرأة التي اعتبرها انتصارا للحق وسيادة القانون من الهيئة مصدرة القرار التي استطاعت ان تقاوم نفوذ الخصم القوي في دعوى الحق العام .. كما انها استطاعت ان تقاوم فكرة وجدت عليها (اساطير الاولين) فانه اذ يغمرني شرفا ان انهض للدفاع عن القرار الصادر عن محكمة الجنايات الكبرى / بيت لحم في جناية كبرى رقم 30 /2018 على النحو التالي :


1. ان المحكمة قد توصلت الى نتيجه مستمده من اصل ثابت في ملف الدعوى بين يديها واخص بالذكر ما جاء في (1 و 2) من الادله التي قنعت بها و بنت بالنتيجه حكمها عليه وهي اعتراف المتهم امام المحكمه و افادته الدفاعيه و افادته امام النيابه العامة التي جاءت قاطعة بان ما حدث هو دفاع مشروع بامتياز ... وكذلك ما جاء في (4) و هو شهادة سليمان التعامره و (5) وهي شهاده جمال شلش .. و (7) وهو دليل قوي استمد من شهادة انور شلش .. و (8) وهو شهادة محمود كنعان فيما يتعلق بلحظه الضرب ... و ( 9 ) وهو شهادة نصري تعامره ...و ( 11 ) وهو دليل قوي استمد من شهادة عمر شوكه .. و (14 ) وهو شهادة جهاد الشويكي ... و ( 15 ) شهادة عبد الناصر المرازيق .. واستغرب الذين ثارت ثائرتهم من القرار اذ اغلب البينات التي استند اليها القرار هي بينات نيابه عامة و ليست بينات دفاع (أي من فمه ادينه )


2. من حيث التكييف القانوني : اتفق مع المحكمة مصدرة القرار من حيث النتيجه .. واتفهم عدم تعمق المحكمة في تشريح الوقائع والتعمق في تفسير حالة الدفاع المشروع لتكون اعم واشمل اذ على الاقل يمكن تبرير هذا الامر بان الحكم بحالة الدفاع المشروع اشبه ببكر تضع وليدها الاول وما يتبع ذلك من مخاض عسير .


3. احتراما مني لجرأة الهيئه الحاكمة ولاتفاقي المطبق مع النتيجه التي توصلت اليها وسعيا مني لإسكات أي صوت يتفوه على نتيجة ذلك القرار اقتضى التنويه الى تعريف الدفاع المشروع ووضع اسسه و تعريفاته و شروطه بإيجاز على النحو التالي : 


أ‌. ان يكون الاعتداء غير محق : و مفادة ان القانون اجاز الدفاع ضد كل فعل يشكل جريمة ، والمناط في اصباغ هذا الوصف على الافعال الغير محقه هو لقانون العقوبات بوصفه قانونا عاما و الى كل قانون خاص او عام اخر جرم افعالا معينه وقيده الوحيد لازما لوقف الاعتداء ... 


والدفاع جائز قانونا حتى لو كان المعتدي مجنونا او صبيا او غير مسؤول جزائيا ... الامر المتوفر بامتياز في فعل المجني عليه فان ضربه و/او محاوله ضربه للمتهم لسبع مرات رغم كان اخره بالتزامن مع الضربه القاتله حينما هجم عليه بقضيب حديدي (كلاب) تحقق هذا العنصر من عناصر الدفاع . وفي هذا قالت محكمة النقض المصريه ((الأصل أنه لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل بالفعل اعتداء علي النفس أو المال ، بل يكفي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشي منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي 



ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطرا حقيقيا في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنيا علي أسباب مقبولة ، وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعي فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان ، مما لا يصح معه محاسبته علي مقتضي التفكير الهاديء البعيد عن تلك الملابسات)) .

ب‌. غير مثار : هذه العباره يفهمها العديد من رجالات القانون بشكل خاطئ ولهذا لا بد من توضيحها ... ومعناها ان لا يكون المدافع هو الذي خلق الوضع الذي اضطر فيه المعتدي الى ارتكاب الفعل الذي هدده بالخطر وهو باختصار شديد قاعدة لا دفاع ضد الدفاع ... 


وعندما هجم المجني عليه على المتهم كان المتهم مكبلا ومقيدا من قبل شهود النيابه الذين حاولوا منع المجني عليه من الهجوم على المتهم لاكثر من مره الا انه بقي مصرا على الهجوم .. وعليه فلحظه ارتكاب الفعل المجرم من قبل المتهم كان مقيدا من قبل الناس المتواجده هناك .. وهجوم المجني عليه على المتهم مرات ومرات وهو لا يشكل أي خطر عليه لا يصدق فيها القول بان المجني عليه كان يدافع عن نفسه حتى نقول بان الوقائع جاءت قاصره في تفسير وتأول هذا العنصر .


ت‌. عن النفس و المال او نفس الغير وماله : وهنا لا يثور في قضيتنا الماثله صعوبة بشأنه فهجوم المجني عليه كان يشكل اعتدءا على حق المتهم في الحياه او سلامة جسده على اقل تعديل ...

4. يخلط الكثيرين من رجال القانون و تحديدا النيابه العامة في فهم وتعريف المشاجرة ... و سواء كان هذا الخلط بقصد كونها دائما خصما للمتهم او عن غير علم وان كنت اميل الى الاتجاه الاول .. فان المشاجرة وان لم يعرفها المشرع الأردني فقد عرفها الفقه العربي والسوري بشكل خاص وبعض القوانين العربية كالقانون السوداني لسنه 1974 ماده (249) حيث عرفتها على أنها :- ( قتال جماعي بين طرفين يهدف كل طرف فيه إلى المساس بسلامة جسد الطرف الآخر ) . 



وفي هذا قالت محكمة النقض المصريه ((التشاجر بين فريقين اما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه من مدافع ، حيث تنتفي مظنة الدفاع الشرعي عن النفس و اما أن يكون مبادأة بعدوان فريق وردا له من الفريق الآخر فتصدق في حقه حالة الدفاع الشرعي عن النفس ، ومن ثم يتعيّن علي محكمة الموضوع أن تبيّن واقع الحال في ذلك والباديء بالعدوان من الفريقين حتي تستطيع محكمة النقض مراقبة صحة تطبيق القانون علي الواقعة كما صار اثباتها في الحكم فاذا تنكبت المحكمة ذلك ، فإن حكمها يكون مشوبا بالقصور مما يستوجب نقضه والإحالة )) كما قالت محكمة النقض الجزائرية في الطعن رقم 1442 لسنة 36 مكتب فني 17 صفحة رقم 1015 بتاريخ 24-10-1966 (( الا يكون مشتركا في مشاجرة من كان في حالة دفاع مشروع و بررت حكمها بالقول : التشاجر بين فريقين إما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه من مدافع ، حيث تنتفى مظنة الدفاع الشرعى عن النفس ، و إما أن يكون مبادأة بعدوان فريق و رداً له من الفريق الآخر فتصدق في حقه حالة الدفاع الشرعى عن النفس.))

وعليه فحتى نقول ان هنالك مشاجرة يجب ان تتوفر الشروط التالية:- 

  • أ‌- قصد متبادل لإلحاق الأذى الجسدي بالأخر. 
  • ب‌- أن يكون هنالك قتال حقيقي فمجرد المشادة الكلامية لا تعتبر شجار.
  • ت‌- أن يكون المقتتلين جماعه أي أكثر من شخصين .

5. ما كان على المحكمة مصدرة القرار ان تتطرق الى تجاوز حق الدفاع فما حصل في الملف الماثل هو دفاع مشروع بامتياز وليس فيه من تجاز لتخوض في تفسيره ... اذ لا يشترط المشرع ولا الفقه ولا احكام القضاء في العالم العربي ان يكون التناسب بين الاعتداء والدفاع مطبقا بل هذا امر تقديري تنفرد في تقديره محكمة الموضوع لا معقب عليها .. ولكن ضمن المجرى العادي للأمور او التفكير المنطقي فان القضيب الحديدي (الكلاب) يتناسب مع السكين و ان صد هجوم المجني عليه الذي يحمل الكلاب و ينوي ضربه للمجني عليه هو فعل لازم بلا نقاش . 


و هذا ما قاله الدكتور كامل السعيد تعليقا على هذا الشرط حيث قال (( ان الدفاع جائز ضد هذه الجرائم شريطة ان يكون في ظروف الواقعة ما يحمل على القول بان استعمال العنف المادي من المدافع كان لازما لوقفها ، أي لمنع الجاني من التمادي في غية )) .... ثم يتابع (( ولا ادل على ان العبره في الاعتقاد الذي قام في ذهن المدافع لانه لا يمكن ان تضع المدافع في ظرف الرجل العادي الهاديء البال الذي يفكر باتزان)) و ايده في ذلك بشكل مطبق عميد القانون الجنائي الدكتور محمود نجيب حسني .


مما سبق بيانا وتفصيل فان القرار الصادر عن محكمة جنايات بيت لحم سالف الذكر هو قرار متفق استخلص النتائج من المقدمات و ضمن وزن صحيح وسليم للبينه التي طرحت في جلسة علنية وتناقش بها الخصوم لا بل و اغلب البينات التي ركن اليها هي بينات النيابة العامة وان ما توصلت اليه من حيث ان تطبيق اسباب الاباحه والتبرير على الوقائع بين يديها هو صحيح وسليمة .. 
انه وان كان لا يشكر القضاء على حكم .. الا انني وفي ظل ولادة قرار صادر عن القضاء الفلسطيني يقضي بالدفاع المشروع في واقعه تحتمل وان بنسبة ضئيلة التأويل هو قرار جريء جدا ونذير حير على العدالة وسيدة القانون .. لهذا شكرا سادتي اصحاب الشرف 


و معا وسويا نحو العدالة و سيادة القانون 
المحامي ناصر رفاعي
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع