القائمة الرئيسية

الصفحات

الأقليات المنسية في ظل الفيدرالية العراقية الدكتور حيدر أدهم الطائي



الأقليات المنسية في ظل الفيدرالية العراقية
الدكتور حيدر أدهم الطائي




الأقليات المنسية في ظل الفيدرالية العراقية
الدكتور حيدر أدهم الطائي

فيما مضى من السنين كان العراق محط انظار الاخرين من الاشقاء والاصدقاء حتى ان الدكتور علي كمال وقع اختياره على العراق ليكون له "محطا ووطنا ثانيا" عندما كان يعمل في معاهدها, ومستشفياتها, وهو يقول عن دوافع هذا الاختيار (طالما شعرت منذ حداثتي بجاذب نحو العراق....وبانه بمثابة الامتداد الروحي لفلسطين, وبان فيه الامل) هذا كله ايتها السيدات, وايها السادة تجدونه في تقديم دار النشر لكتاب الدكتور علي كمال الموسوم "النفس انفعالاتها وامراضها وعلاجها" في طبعته الرابعة. فهل ما زال العراق كما يقول الرجل؟ 
في الحقيقة ان المشاكل التي يعاني منها الانسان العراقي تتنوع حاليا بل هي في ازدياد مستمر نتيجة الفشل الواضح في تبني سياسات وتنفيذ برامج تصب في خدمة المواطن, "فالمؤسسات السياسية"!!!! التي قدر لها أن تقوم بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 تحولت الى مجرد واجهات مانحة بصورة مباشرة او غير مباشرة لامتيازات خرافية لكل من لا يستحق دون أن تقدم شيئا ملموسا يصب في خدمة المجتمع والوطن الذي يبدو أنه تحول الى اقطاعيات اقتصادية محاربة من الناحية الواقعية لمفهوم المواطنة, ولفكرة الانتماء الى وطن هو العراق كهوية يفخر بها كل من يحملها, وهذا التقطيع للروابط بين الناس يحاول أن يشرعن أو يقونن فكرة مضادة للعراق كوطن يستطيع النهوض مجددا ولملمة خيبات الأمل المزمنة التي يمر بها منذ عقود, ولكن بشيئ من النزاهة في ادارة الصراع السياسي في مظهره والاقتصادي في جوهره المادي والمعنوي مع ضرورة المحافظة على العراق باعتباره كيان روحي أولا لا يجوز المساس به في أي مكان, وتحت مختلف الظروف, وبصرف النظر عن طبيعتها أيا كانت. الأمر المذكور يتطلب اذا شيئا من التسامح وتبني قيم سلمية في الوصول الى الحقوق التي يمكن أن تطالب بها مجموعات مصالح موجودة أو هي في طور التكوين مصداقا لقوله تعالى:(ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)
ما أريد أن أصل اليه من خلال هذه المقدمة أن درجة الزيف ومستوى انعدام الوضوح قد بلغنا فيه منتهاه حتى في ميدان استخدام المفاهيم ذات الطابع القانوني, فالحديث عن الأقليات لا يشمل الكافة رغم أن المعيار الموضوعي في تحديد مفهوم الأقلية المبني على معرفة نسبة الحقوق التي يستوفيها المواطن نتيجة كونه طرفا في العقد الاجتماعي اذا سلمنا بفرضية صحة هذه النظرية وفقا لتصورات الاتجاهات العلمانية, ومن باب أولى طبقا للتصورات الدينية التي تقدم بعدا روحيا مضافا, لا يعتمد – المعيار الموضوعي – على أسس حسابية في تحديد مفهوم الأقلية, وبالنتيجة فهو معيار أكثر صلاحية في معالجة تحديد مفهوم الأقلية لأنه ينسجم مع التصورات المطروحة لفكرة المواطنة بجانبيها الشكلي أي الجنسية بالمعنى الضيق, والروحي أي فكرة الهوية التي قد لا تعبر عنها فكرة الجنسية بالضرورة طبقا لتوجهات البعض, وهذه مسالة خلافية مطروحة على مستوى الفقه القانوني المهتم بهذا الجانب.
المحكمة الاتحادية العليا في العراق تطرقت الى جانب متواضع للغاية يتعلق بمفهوم الأقلية, وان لم تتبنى معيارا دون اخر في أحد القرارات الصادرة عنها قبل بضع سنين, عندما ذكرت في قرارها المرقم (العدد/15/اتحادية/2008) الصادر بتأريخ 21/4/2008 الاتي:(ينصرف تعبير الكثافة السكانية الى الجماعات التي تشكل ثقلا وظهورا بارزا في المدن المتكونة من عدة قوميات ويكون لتلك الجماعات تأثيراتها في مسيرة المجتمع ومشاركتها في حركته وحيث ان ذلك ينطبق على التركمان وعلى الناطقين باللغة السريانية في محافظة كركوك فيكونان ضمن مفهوم الكثافة السكانية المنصوص عليها  في الفقرة رابعا من المادة 4 من الدستور لأن الكثافة السكانية لا تعني بالضرورة غالبية السكان وانما تعني ما تقدم. وبناء عليه تجد المحكمة الاتحادية العليا امكانية كتابة لوحات الدلالة للدوائر في مركز المحافظة وفي القضاء وفي الناحية باللغات العربية والكردية والتركمانية والسريانية) ومع ذلك لا نجد اشارة الى الأقلية المنسية, وأنا أقصد هنا على وجه التحديد كل فرد عراقي لا يؤمن بالولاءات الضيقة, وبالتالي هو لا يقدم نفسه ضحية للمتصارعين داخل الحلبة الانتخابية والسياسية أو متفرج على ما يجري بطريقة سلبية, ومن دون أن يكون له موقف يعكس من خلاله شكلا من أشكال الوطنية, ولعل أكبر الأقليات الموجودة في العراق الفيدرالي الديمقراطي التعددي !!! من يقدم نفسه باعتباره انسانا ومسلما وبما يعكسه هذا الدين الحنيف, وهذا الانتماء المتميز من أخلاقيات سامية تربط بين الوعي بأفكار بناءة وحضارية تحافظ على الهوية الانسانية والوطنية في ذات الوقت مع الممارسة المعبر عنها من خلال نمط الحياة, ولنا في المواقف التي اتخذتها بعض الهيئات القانونية في الولايات المتحدة الأمريكية من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع رعايا سبع –ثم ست- دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة خير مثال على من ينظر بايجابية تتجاوز الأطر الضيقة للحياة, بمعنى تبني توجهات تعكس قوة المبادئ والقيم الانسانية التي تتأصل في عقول الشعوب والتي تعبر عنها المؤسسات القانونية القضائية والتعليمية منها على وجه الخصوص....الخ وهي بذلك تشكل الاختبار الحقيقي للمدى الذي يستطيع فيه الشعب أن يحمي حقوقه وحرياته وقناعاته الانسانية عن طريق المؤسسات القائمة, واذا كان الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو يقول: "ليس التفكير في حد ذاته هو أفضل شيئ في الوجود, ولكن تفكير الخيار من الناس" فهو القائل أيضا: "أفلاطون أستاذي وصديقي, والحق أيضا أستاذي وصديقي, ولكن الحق دائما وأبدا أستاذ أعظم وصديق أصدق".
وفي العراق حيث بلاد ما بين النهرين مارست وتمارس "المؤسسات" ؟؟؟ ذات النفوذ نوعا من التهجير القسري المقنع دون أي وازع من ضمير يمكن له أن يقض مضجع أصحاب القرار رغم أن فكرة طرد الأجانب, وان كانت حقا أصيلا للدولة مستمد من سيادتها الا أن ممارسة الحق المذكور يخضع للاعتبارات المكرسة بموجب قواعد القانون الدولي العام ومبادئه الحاكمة في هذا السياق, ومن ثم فانه من باب أولى أن لا تقوم الدولة بتهجير مواطنيها باسلوب مقنع, واعمالا لما تقدم كرست المادة (11) من مشروع لجنة القانون الدولي الخاص بموضوع طرد الأجانب النص الاتي:
(1.يحظر أي شكل من أشكال الطرد المقنع للأجانب. 2.لأغراض مشاريع المواد هذه, يقصد بعبارة الطرد المقنع مغادرة أجنبي الدولة قسرا, متى كانت نتيجة غير مباشرة لفعل الدولة أو امتناعها عن الفعل, بما في ذلك الحالات التي تؤيد فيها الدولة أعمالا يرتكبها مواطنوها أو أشخاص اخرون, بقصد التحفيز على مغادرة الأجانب لاقليمها, أو تتغاضى عن تلك الأعمال).
 حقا ان من يتحدث عن "الاصلاح" بمفهومه الحقيقي أو الجذري لا يستطيع أن يميز بين المفاهيم, أي بين الاصلاح وبين امكانية الاصلاح ضمن الأطر القانونية والسياسية والأخلاقية القائمة, وأنا في هذا السياق لا أدعي أنني سأبلغ ما انتهى اليه الفيلسوف الفرنسي (برودون) من موقف في مواجهة الحكومة عام 1848 معبرا عن موقف اليسار المتطرف حيث أنكر وجود أية قدرة ثورية لدى الحكومة لمعالجة أوضاع العمال, فالذي يبدو حتى هذه اللحظة أن القطار يسير باتجاه الهاوية أو لنقل بشيئ من الرومانسية التأريخية وربما السياسية, وربما أشياء لا تمت بصلة الى السياسة لكنها تأخذ هذه التسمية – لكم أن تتصوروا حجم الخيال الذي أتمتع به عندما أتحدث عن الرومانسية في حضرة السياسة - ان من يتحدث عن الاصلاح تحت خيمة الواقع العراقي كمن يتحدث عن امكانية انقاذ عرش أبو عبد الله الصغير  ليلة سقوط غرناطة, وبالنتيجة فهو في واد والحقيقة الواقعية بكل مرارتها في واد اخر, فهل تجاوزت الأوضاع في العراق مرحلة امكانية الاصلاح ؟ سؤال في غاية الأهمية يحتاج الى اجابة شافية لن يكون القادر على تقديمها الا شعب حر لا شعب غاضب.
أما امكانية الاصلاح ودرجته في العراق الفيدرالي الديمقراطي التعددي!!!!! فلا يمكن تصور حصوله مطلقا - مع وجوب ملاحظة نفي له ابتداء – اذا كان من يدعي الاصلاح من "الطبقة السياسية" الا وفقا لدرجة من النسبية والبراغماتية سبق لكامل الجادرجي أن عبر عنها بأسلوب متميز للغاية أشار اليها حنا بطاطو في كتابه (العراق, الكتاب الأول, الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية) حيث ذكر الاتي:(في عام 1960 انفصل حديد عن الجادرجي ليؤسس حزبا لنفسه هو الحزب الوطني التقدمي, ولكن الجادرجي نفسه بدأ يتساءل بحلول عام 1962, عما اذا كانت اشتراكية حديد المبهمة في أيام شبابه قد تلاشت. وقال الجادرجي: وصلت أرباح شركة استخراج الزيوت النباتية التي يديرها حديد الى أرقام قياسية. ان اشتراكية حديد وتقدميته تنبعان من تعليمه. ولكن هل يمكن لانسان أن يبقى تقدميا عندما تكبر مصالحه وتنمو ؟ هذا ما لا أعرفه, ومفتاح الجواب يكمن في أن حديد نظيف ومثالي الى الحد الذي يمكن فيه لرأسمالي أن يكون نظيفا ومثاليا). دمتم أيها العراقيون للنضال والكفاح الى ما شاء الله, فالقانون طبقا للمبدأ اللاتيني المعروف يجب الا يؤخذ انطلاقا من القاعدة, بل يجب ان تؤخذ القاعدة من القانون الموجود, وكل ماذكرته في هذه السطور انما يمثل ردة فعل اوخاطرة قدحت في ذهني عن الحوادث وليس عن الذي حدث, الم يكن الشاعر الانكليزي "ت.س.اليوت" يصيح في احدى قصائده قائلا:
(ولكن كيف استطيع ان افسر
كيف استطيع ان افسر لكم ؟
ستفهمون الاقل بعد تفسيرها.
وكل ما ارجو افهامه لكم,
هو الحوادث فقط, وليس الذي حدث.
والناس الذين لم يحدث لهم شيئ ابدا,
لا يستطيعون فهم عدم اهمية الحوادث)

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع