القائمة الرئيسية

الصفحات

فحوى الصراع الأمريكي الإيراني مساراته وأهدافه بقلم الاستاذ الباحث عمار المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا



فحوى الصراع الأمريكي الإيراني مساراته وأهدافه
بقلم الاستاذ الباحث عمار المكوطر
معهد العلمين للدراسات العليا

فحوى الصراع الأمريكي الإيراني مساراته وأهدافه                        
بقلم الاستاذ الباحث عمار المكوطر

      منذ نجاح الثورة الإيرانية عام  1979 وحتى الآن لم تتغير السياسة الخارجية الإيرانية حيال الولايات المتحدة الأمريكية , والتي اتسمت بالمواجهة والصراع والتحدي , ولم تكف الثانية عن سياسة العقوبات الإقتصادية تجاه الأولى . فما الذي تغير في هذه المرحلة التأريخية الراهنة ؟.هل هو وصول رئيس أمريكي يدين بالمطلق للكيان المصطنع ويعد إيران مصدر تهديد مباشر له ؟. أهو دفاع عن مصالح أمريكية باتت إيران تهددها حقيقة بعد تطور قدراتها العسكرية وزيادة مطامحها ومطامعها في منطقة جيوستراتيجية حيوية للمصالح والنفوذ الأمريكي؟. أم أن الولايات المتحدة تهدف لعودة إيران الشاه كأداة تنفيذ للسياسة الخارجية الأمريكية وراعية لمصالها بالمنطقة , بينما تسعى إيران للعب دور الشريك ؟. لعل كل تلك التساؤلات محتملة كسبب للتصعيد الأخير ووصول الصراع درجة عالية السخونة , حتى كأننا نكاد نسمع طبول الحرب تقرع بين القوتين المتصاولتين !.
    ولأن الأزمات لا تولد جزافاً وتتصاعد , ولا تعود لسبب واحد في إشعال فتيلها , بيد أنه يبقى هناك سبب رئيسي هو الذي يحمي مرجل الصراع ويؤجج ألسنة نيرانه . وبغية كشفه ينبغي معرفة الأهداف العليا لكل منهما والتي باتت متناقضة متقاطعة دون لقاء في نقطة أو منعطف ما يمثل وجود الكيان المصطنع وأمنه مسألة حيوية لا محيص عنها لأي صانع قرار أو إدارة أمريكية وهو يتنافس (أمن الكيان) مع المصالح الحيوية الأمريكية الأخرى في الفكر الاستراتيجي الأمريكي بشتى توجهاته الايدلوجية والحزبية .
   غير انه في عهد ترامب غدت مصالح الكيان وأمنه تفوق مصالح الولايات المتحدة !. للحد الذي قدم فيه  تأييداً فدعماً لم يسبقه رئيس إدارة في البيت الأبيض منذ قيام الكيان عام 1948 !. وعرض سمعة وهيبة الولايات المتحدة وقواها الناعمة لكثير من التآكل والنقصان , وأثر في علاقاتها مع الكثير من حلفائها الذين رفضوا لبعض الدعم الذي أنتهك الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن , كالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان , ومنحه الجولان السورية المحتلة !!. أما إيران فمنذ  انتصار الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية فيها بزعامة آية الله الخميني فقد رفعت شعار الموت لإسرائيل , وإسرائيل غدة سرطانية في جسد العالم الإسلامي ولابد من استئصالها , وبقيت ملتزمة بتلك الشعارات في سياساتها ودعمها للدول والقوى التي تقف في الضد من وجود الكيان وممارساته نقطة التقاطع العظمى هذه في الصراع الأمريكي الإيراني , التي لم تحل ولم يتراجع أي من الخصمين المتصارعين حيالها .  
    حاولت الولايات المتحدة لتذليل بعض بؤر الخلاف وبدأت من نقاط أقل أهمية , فطرحت مسألة الخلاف النووي في عهد الرئيس السابق براك أوباما , ووقعا اتفاقية حيالها تمهيداً لبناء علاقات دبلوماسية سياسية تمهد لحل العقد الأكثر تعقيداً في العلاقات بينهما .
    إلا ان وصول ترامب المفاجئ للبيت الأبيض قلب السياسة الأمريكية وأولوياتها رأساً على عقب .
     فألغى الاتفاق النووي المبرم , وطالب بإعادة المفاوضات بتأملات أمريكية جديدة . تزامن ذلك مع الحرب في سوريا , ودخول إيران بكامل قوتها للحفاظ على بقاء حليفها الإستراتيجي الرئيس السوري بشار الأسد .
      بينما رأت الولايات المتحدة في سقوطه (بشار الأسد) كسراً لذراع إيران الأقوى في المنطقة , ومجيء نظام سياسي آخر سيعزز من أمن كيانها . فقامت بدعم القوى والدول المعادية لبقاء الأسد .
     وبعد هزيمة حلفاءها ونجاح الأسد في البقاء على رأس السلطة , وبدعم شديد من حلفاءه خاصة إيران وروسيا ، شعرت الولايات المتحدة بهزيمة سياسية كبرى , فضلاً عن نفوذ إيران في العراق المحاذي لسوريا والسعودية , وتأثيرها الكبير في السياسة العراقية , وهذه تشكل نكسة كبرى ثانية للمشروع الأمريكي , فضلاً عن بقاء الحوثيين ونجاحهم في حربهم في اليمن ضد قوى التحالف العربي بزعامة السعودية الحليف الأبرز للولايات المتحدة بعد الكيان المصطنع بالمنطقة , وتصاعد قوة حزب الله اللبناني السياسية والعسكرية بدعم إيراني واسع .
     سلسلة الهزائم هذه وسواها دعت الإدارة الأمريكية وبضغط صهيوني واضح للضغط على ترامب للوقوف بحزم ضد السياسة الإيرانية وقوتها العسكرية والاقتصادية ونفوذها المتنامي .
فبات الوجود الإيراني بنظامه الحالي خطراً حقيقياً على وجود الكيان المصطنع أولاً والمصالح الأمريكية ثانياً . فبدأت الولايات المتحدة حصاراً اقتصادياً على إيران بغية ثنيها عن سياستها أو تستمر الولايات المتحدة في فرض مزيداً من العقوبات , علها تحرك الشارع الإيراني الذي لم يزل متماسكاً .
    وإذا ما فشلت تلك الضغوط فليس بعيداً أن تلجأ الولايات المتحدة لتوجيه ضربات عسكرية على مواقع ومنشئات حيوية إيرانية ، أو تحرك الكيان للقيام بذلك . إن ايران لن تبقى مكتوفة الأيدي حيال الضغوط و الحصار الذي طال الحرس الثوري الذي تعده جزء من قواتها المسلحة , ووصمه بالإرهاب .
    حتى الآن كل طرف متمسك بمواقفه , والمؤشرات تشير الى التصعيد وليس العكس , خاصة في ظل ضغط صهيوني كثيف على ترامب لأجل التصعيد وتأجيح الأوضاع وتأزيمها , فضلاً عن دور الوزير الصهيوني الأول نتنياهو في الدفع نحو الصدام والمواجهة , حفاظاً على بقاءه في السلطة وابعاد شبح تهم الفساد التي تلاحقه , التي ستطيح به وتذهب به الى السجن إن بات الوضع مستقراً والعلاقات هادئة بين الولايات المتحدة وإيران .
    والذي يسعى جاهداً ايضاً الى اعتراف خليجي عربي شامل بكيانه , بل وسيادته وتبعية جميع الأنظمة العربية له , والتي يسهل تحقيقها في حال الإطاحة بالنظام الإيراني ووصول نظام موالي للولايات المتحدة .
    إلا ان التمنيات لا تمثل الحقائق أو تعكس الواقع , فإيران قد مرت بعقود طوال من الحصار والضغط المتواصل دون أن تبدل أو تتراجع عن سياستها وثوابتها الاستراتيجية , ويمثل عداءها للكيان المصطنع الأولوية الأولى لها , وتمتلك من مقومات القدرة والقوة المادية والمعنوية الكثير , وشعب يتماسك عند الأزمات الخارجية , كما أن اذرعها طويلة وكثيرة , تطال مصالح الولايات المتحدة وكيانها والآخرين من حلفاءها العرب .  
    ولها من مصادر التأثير ما يمكنها من الإفلات , وهامش مناورة واسع , أضف الى ذلك أنها تراهن على عامل الزمن وسرعة تغير الظروف والأحداث في المنطقة والعالم . غير أن الأزمة تبقى ملتهبة , أبوابها مشرعة في كل الاحتمالات , والصراع محتدم لوجود نقطة صدام حادة في الأيدولوجيات والمصالح والأهداف في سياسة كل من الدولتين أمريكا وإيران , ويشكل رأس تلك الأزمة  خلاف الموقف من الكيان المصطنع وأمنه ووجوده .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع