القائمة الرئيسية

الصفحات

التعاون الدولي في مكافحة جريمة القرصنة البحرية الدكتور حسام حميد المشهداني




التعاون الدولي في مكافحة جريمة القرصنة البحرية
الدكتور حسام حميد المشهداني


التعاون الدولي في مكافحة جريمة القرصنة البحرية
الدكتور حسام حميد شهاب المشهداني
      كانت ولا تزال جريمة القرصنة البحرية من بين أكبر المشاكل التي تهدد أمن وسلامة الملاحة البحرية والتي أثرت بشكل كبير على مجمل حركة التجارة الدولية وباتت تلقي بآثارها الخطيرة على المجتمع الدولي ككل ، وقد مهدت العديد من العوامل على إعادة إنتشار القرصنة البحرية من جديد منها، قصور الاتفاقيات الدولية على معالجتها ، إذ أن تلك الاتفاقيات عقدت في فترة كانت فيها القرصنة البحرية عبارة عن وقائع قليلة الحدوث ولم تبلغ وتتطور الى ما أصبحت عليه الآن فضلاً عن الكثير من الدول لم تسن لحد الآن قوانين تجرم القرصنة البحرية في تشريعاتها الوطنية ، وبهذا شعر المجتمع الدولي بمدى الخطر المحدق به إذا ما أستمر الحال على ما هو عليه وأحس بضرورة وجود جهد دولي مشترك تجتمع فيه الدول والمنظمات الدولية وحتى القطاع الخاص للتحرك السريع والفعال لمواجهة القرصنة البحرية، وبناء على الدعوات الكثيرة قامت الدول والمنظمات الدولية باتخاذ خطوات حاسمة في هذا الاتجاه على الرغم من وجود الكثير من المعوقات التي تقف في وجه هذا التحرك .
     فعملت الدول والمنظمات الدولية الى المساهمة في تواجد قوات دولية في المناطق التي تنشط بها القرصنة بموجب قرارات صادرة من قبل مجلس الأمن في بعضها خرجت عما جاءت به الاتفاقيات الدولية التي عالجت موضوع القرصنة البحرية نتيجة للظروف المستحدثة المصاحبة لهذا النشاط ،فضلاً عن تقديم بعض الإجراءات الجديدة والتي حثت السفن والطائرات على أتباعها من أجل تقليل مخاطر القرصنة البحرية ، والسعي الى إستخدام شركات أمنية مصاحبة للسفن من أجل حمايتها على الرغم من وجود بعض العقبات القانونية على إستخدام تلك الشركات.
    وعلى الرغم من تلك الجهود الأمنية الدولية في مجال مكافحة القرصنة البحرية فأنها لم تمنعها بشكل نهائي فشرعت الى اتخاذ عدة إجراءات أخرى من بينها عقد المؤتمرات الدولية والندوات من أجل إيجاد الحلول الملائمة ، فضلاً عن تقديم الدعم لدول المواجهة التي تقع بالقرب من نشاط القرصنة البحرية ، فالملاحظ أنها تنشط بالقرب من الدول التي ليس لها تلك المقدرة الكافية على مواجهتها كما في البلدان النامية ولعل ما تشهده منطقة القرن الأفريقي خير مثال على ذلك ، وتم في سبيل ذلك إنشاء العديد من المراكز الأمنية المختصة بسلامة الملاحة البحرية والتي تساعد على التحرك السريع لرصد هجمات القراصنة مستعينة بالتعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات مع الجهات ذات العلاقة ، فضلاً عن تدريب الكوادر المختصة في بعض البلدان من أجل رفع المقدرة الذاتية لمواجهة القرصنة البحرية .
    وقد كان للمنظمات الدولية المتخصصة والشاملة الى جانب الدول دوراً كبيراً في مكافحة القرصنة البحرية ، فنرى أن أجهزة الأمم المتحدة قد قامت بدور محوري في هذا المجال وخصوصاً مجلس الأمن من خلال حزمة القرارات الدولية الصادرة منه والتي تقع ضمن الفصل السابع، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ،فضلاً عن ما قامت به المنظمات الدولية الإقليمية كالإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي فضلاً عن المنظمات الدولية المتخصصة  كالمنظمة البحرية الدولية ومنظمة الشرطة الدولية  من جهود حثيثة في هذا المجال فاقت جهود بعض المنظمات الدولية الإقليمية التي لها مساس مباشر بالقرصنة البحرية كالجامعة العربية والإتحاد الأفريقي .
     ولم يقتصر جهد المجتمع الدولي على إجراءات الحد من جريمة القرصنة البحرية بل الى الاهتمام أيضاً بالإجراءات التي تلي القبض على المتهمين بارتكاب هذه الجرائم ، كما في تطوير الوسائل المتبعة بتسليم المجرمين والإنابة القضائية والتحقيق والمحاكمة فضلاً عن تنفيذ الأحكام القضائية وإصلاح المجرمين .
     تبرز أهمية البحث من تسليط الضوء على مخاطر القرصنة البحرية وأثرها على المجتمع الدولي فعلى صعيد الأمني تخلق القرصنة البحرية بؤرة لتجمع العصبات الإجرامية تلقي بأثارها الأمنية الخطيرة على الدول الساحلية بشكل خاص وعلى المناطق الإقليمية بوجه عام ، فضلاً عن اثرها الخطير من الناحية الأقتصادية على مجمل الحركة التجارية بين دول العالم وبالتالي تهيأ الفرصة المؤاتية لخلق أزمات أقتصادية  ، وما يمكن على المجتمع الدولي أن يقوم به من تعاون ما بين الدول والمنظمات الدولية والجهات المعنية الأخرى من أجل إيجاد الحلول الملائمة للقضاء أو للحد من خطر القرصنة البحرية الى أقصى قدر ممكن ،خصوصاً وأن هذه الجريمة باتت تهدد طرق المواصلات والتجارة الدولية ، فأضحت محط اهتمام ودراسة حتى الدول التي تبتعد عن مناطق نشاط القراصنة ، لتأثرهم بها بصورة غير مباشرة .
        والى جانب الاهمية العملية ، فإن البحث يحظى بأهمية أكاديمية تتمثل بندرة الكتب والمؤلفات المعمقة التي تبحث في مجال التعاون الدولي في مكافحة هذه الجريمة، فأغلب ما كتب عنها يقتصر على البحوث الصغيرة ، أو المؤلفات التي تتناول شرحاً للأركان العامة لهذه الجريمة وعقوبتها ، من دون البحث في آليات التعاون الدولي لمحاربتها.
    تبرز إشكالية البحث في تبيان مدى قدرة الجهود الدولية في مكافحة جريمة القرصنة ،وهل أستطاعت جهود الدول والمنظمات الدولية الشاملة والمتخصصة في التقليل من مخاطر القرصنة البحرية ، وهل كان دور المنظمات الدولية قادرة على التصدي لجريمة القرصنة البحرية ، وهل كانت الإجراءات لمتبعة من قبل الدول كافية لملاحقة مرتكبي جريمة القرصنة البحرية ، وإعادة دمجهم بالمجتمعات المحلية .
     سنعتمد في بحثنا بشكل أساس على المنهج التاريخي ، والمنهج المقارن ،ومنهج التحليل الوصفي ، المنهج التطبيقي ومنهج الدراسة القانونية التحليلية ، من خلال تحليل النصوص القانونية الواردة من الاتفاقيات الدولية والإقليمية فضلاً عن القرارات الصادرة من مجلس الامن ، وكذلك تحليل النصوص الواردة في التشريعات الوطنية المتعلقة بالتعاون في مجال مكافحة هذه الجريمة ، فضلاً عن تسليط الضوء على التقارير والقرارات الدولية الصادرة من قبل المنظمات الدولية.
      وعلى هدي ما تقدم فإن دراستنا ستنبسط الى بابين يسبقها  فصل تمهيدي يتمحور  حول ماهية القرصنة البحرية من أجل أعطاء صورة واضحة حول جريمة القرصنة البحرية والتمهيد للإجراءات الدولية المتخذة في سبيل مكافحتها ، وقد تناولنا تلك الإجراءات وفق بابين تناولنا في الباب الأول ( التعاون الدولي للحد من جريمة القرصنة البحرية ) موضحين فيه السبل والإجراءات الوقائية التي تمنع أو تقلل من عمليات القرصنة البحرية في فصلين تناولنا في الفصل الأول الدعم اللوجستي وفي الثاني تبادل الخبرات ومواءمة التشريعات في مجال الحد من جريمة القرصنة البحرية، ولتطابق الإجراءات المتبعة من قبل الدول والمنظمات الدولية في هذا الباب وللفائدة العلمية إرتأينا دمج تلك الجهود وعدم أخذها بصورة منفصلة أما الباب الثاني      ( التعاون الدولي في التصدي لجريمة القرصنة البحرية) فسلطنا الضوء من خلاله على الإجراءات المتبعة في التصدي لجريمة القرصنة البحرية كإجراء علاجي في فصلين تناولنا في الفصل الأول دور المنظمات الدولية في ذلك ، وفي الفصل الثاني دور الدول في التصدي لجريمة القرصنة البحرية .

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع