القائمة الرئيسية

الصفحات

أثر المؤسَّسات التشريعية في توطيد القوانين الدستورية في الولايات المتَّحدة وروسيا الاتِّحادية بقلم الدكتور سماح مهدي العلياوي



أثر المؤسَّسات التشريعية في توطيد القوانين الدستورية في الولايات المتَّحدة وروسيا الاتِّحادية
بقلم الدكتور سماح مهدي العلياوي



أثر المؤسَّسات التشريعية في توطيد القوانين الدستورية في الولايات المتَّحدة وروسيا الاتِّحادية
بقلم الدكتور سماح مهدي العلياوي

إنَّ المؤسَّسة التشريعية في الولايات المتَّحدة تتكون من مجلسين، هما: الأول، مجلس الشيوخ، ويضمُّ (100) عضواً، وبغض النظر عن عدد سكَّان الولاية فأنه يمثل نائبين عن كل ولاية, وينتخبون لمدة (6) أعوام ثمَّ يعاد انتخاب ثلثا أعضاء الكونغرس كل عامين، دون أن يكون هناك قيود على عدد الدورات الّتي ينتخب فيها النائب، والمجلس الثاني، مجلس النواب، ويضمُّ (435) عضواً، وينتخبون لمدة عامين، ومن دون أن يكون هناك قيود على عدد الدورات الّتي ينتخب فيها العضو لشغل المقعد النيابي في الكونغرس.
ويتَّمتع الكونغرس بدور واسع في هيكلة السِّياسة الداخلية والخارجية الأميركية، إذ يحق للكونغرس تشريع القوانين الّتي تصبح سارية المفعول بعد مصادقة الرئيس, وأهمُّها: تشريع القوانين الداخلية، والقوانين الخاصَّة بالعلاقات الإقتصادية الخارجية, والقوانين المتعلقة بالمساعدات المُقدِّمة للدُّوَل الأجنبية, والمنظمات الدُّوْلية، كما يحقّ للكونغرس إعلان حالة الحرب, وإنشاء الجيوش, وتخصيص التمويل المالي لها، والتصديق على المعاهدات الّتي تعقدها السُّلطة التنفيذية, وتعيين كبار الموظفين، مثل: الوزراء, والسفراء بحسب ما نصت المادة (2) الفقرة (2) من الدستور الأميركي، كما يحقّ للكونغرس أن يبطل حق النقض الرئاسي الـ"فيتو" (veto) على مشروعات القوانين بأغلبية الثلثين لكِلاِ المجلسين الشيوخ والنواب، وأن يراقب الموازنة الفدرالية، وإلغاء وإنشاء الوزارات والمحاكم الفدرالية، ومحاكمة القضاة والمسؤولين أو عزلهم بما فيهم رئيس الدَّولة الّذي يُعدُّ بمقدوره تنحيته بوسائل استثنائية جداً مثل الاتهام والإدانة، وللكونغرس الرفض أو الموافقة على مرشحي الرئيس للتعيين بما فيهم قضاة "المحكمة الدستورية العُليا" (The Supreme Constitutional Court)، وتخصيص الاعتمادات.
كما يحقّ للكونغرس مراقبة عمل المسؤولين التنفيذيين, ومنها تقييد سلطات الرئيس في استخدام القوَّات المسلّحة خارج الحدود الأميركية، إذ سعى الكونغرس للحدِّ من السُّلطة الممنوحة للرئيس في مجال إعلان الحرب, ومنها صدور قرار سلطات الحرب عام 1973, وهو إذن قانوني فدرالي، يهدف للتحقَّق من سلطة الرئيس لدخول الولايات المتَّحدة في نزاع مسلح بدون موافقة الكونغرس، وتمكين الرئيس من إرسال القوَّات المسلّحة إلى الحرب في حالة إعلان الحرب من قِبَل الكونغرس، أو في حالة الطوارئ القومية نتيجة للهجوم على الولايات المتَّحدة، أو ممتلكاتها، أو قوَّاتها المسلّحة، والّذي يستلزم من الرئيس إبلاع الكونغرس في غضون (48) ساعة قبل دخول القوَّات المسلّحة في نزاع عسكري، وتضمن تحديد (60) يوماً باعتباره الحدِّ الأعلى للرئيس لإنهاء استخدام القوَّات المسلّحة في حال لم يعلن الكونغرس الحرب, أو يوافق على تمديد المدة (30) يوماً أخرى، كما للكونغرس أن يأمر الرئيس بسحب أيّ قوَّة عسكرية أميركية خارج الأراضي الأميركية في منطقة نزاع "فعلية أو محتملة" (Actual or potential).
وبناءً عليه، فإن قرار إعلان الحرب من قِبَل الرئيس الأميركي ينبغي حصول موافقة الكونغرس، ولهذا فإن أغلب الرؤساء الأميركيين يسعون إلى كسب ثقة الكونغرس في الحالات الّتي يتوجب فيها الحصول على موافقة الكونغرس في إعلان حالة الحرب، واستخدام القوَّة العسكرية ضدَّ الدُّوَل والمنظمات الإرهابية، والأشخاص، وبما يضمن عدم تعرض الولايات المتَّحدة لهجمات، أو تحت ذريعة حماية السِّلم والأمن الدُّوْليين، وتطبيق مبادئ القانون الدُّوْلي الإنساني، وحماية حقوق الإنسان من الانتهاكات، أو لحماية الدُّوَل الحليفة والصديقة من أيّ اعتداءات، ويزداد نفوذ الكونغرس في صنع السِّياسة الخارجية الأميركية إزاء المناطق الحيوية الّتي تتميَّز بالبعد العالمي، والطويل المدى، وذات التأثير في مصالح الولايات المتَّحدة، ولا سيّما تأمين مصادر الطَّاقة، وردع الأعداء المحتملين، ومنع المنافسين في النظام الدُّوْلي من الصُّعود.
أمَّا في روسيا الاتِّحادية وبموجب الدستور الجديد في كانون الأول/ديسمبر 1993، أصبحت روسيا دولة فيدرالية، نظامها جمهوري، وفيما يتعلق بالإطار السِّياسيّ تتولى الحكومة المركزية مهمَّة إعداد السِّياسة العامة بما فيها السِّياسة الخارجية، ومتطلبات الأمن القومي، وبالنسبة للثَّقافة السِّياسيَّة، فروسيا تعاني من أزمة الهويَّة، وهي في إطار البحث عن دور جديد لها تتنازعها نزعتان، هما: الأولى، "النزعة الإمبراطورية" بحكم الماضي التاريخي والثقل الحضاري، حيث وصفت روسيا خلال قرون على أنها إمبراطورية كُبْرَى، والثانية، "النزعة الواقعية"، وترى وجوب التخلي عن الحكم الإمبراطوري، والاهتمام بالوضع الداخلي لبناء الدَّولة الروسية القوية ذات الأهداف والمصالح الواضحة والمحدِّدة.
أمَّا النخب السِّياسيَّة الّتي حكمت في روسيا الاتِّحادية بعد تفكُّك الاتِّحاد السُّوفياتي فأهميتها تكمن في كونها المصدر الأساسي لتجنيد المناصب العُليا في الدَّولة، وتشكيل البيروقراطية الروسية، وقد تنازعت هذه النخب حِيَال دور روسيا الاتِّحادية خارجياً في ثلاثة اتَّجاهات هي: الاتِّجاه الأول، الإصلاحيون الراديكاليون، ويساند هذا الاتِّجاه التحوُّل إلى الغرب، ويتبنى الخيار الليبرالي سياسياً واقتصادياً، ويرى الطريق إلى ذلك يتمُّ بالتحوُّل الجذري إلى تبني القِيَم الغربية، وإرجاع روسيا إلى حضيرتها الحضارية المسيحية الأساسيَّة، ومن أهم أنصار هذا الاتِّجاه مدير ديوان الرئاسة الروسية الأسبق "أناتولي تشوبايس" (Anatoly Chubais)
أمَّا الاتِّجاه الثاني، فيضمُّ القوميون والمحافظون والشيوعيون، ويركزون على وحدة روسيا واستقلالية قراراتها، وعلى أهميَّة الاعتماد على الذات والقدرات والموارد الداخلية، وعلى ضرورة مواصلة تطوير القدرات العسكرية، والاهتمام بمسائل الأمن القومي، ومناهضة الليبرالية، ومن أبرز قادة هذا التيار، هو زعيم ومؤسَّس الحزب الديمقراطي الليبرالي "فلاديمير جيرينوفسكي" (Vladimir Zhirinovsky)، ونائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس "ميخائيل غورباتشوف" (Mikhail Gorbachev)، وهو "ألكسندر روتسكوي" (Alexander Rotskoy)، ورئيس الحزب الشيوعي الرّوسي "غينادي زوغانوف" (Gennady Zuganov)، والاتِّجاه الثالث، الاتِّجاه الوسط في النخبة السِّياسيَّة الروسية، والّذي يحاول إيجاد توازن بين الاتَّجاهين السابقين، ويدعو إلى ضرورة التحوُّل الديمقراطي، والتحوُّل التدريجي إلى اقتصاد السُّوق بالاعتماد على الموارد الداخلية، ووفقاً للدستور الرّوسي، فإنَّ روسيا الاتِّحادية هي دولة فيدرالية ذات نظام "حكم شبه رئاسي" (Semi – presidential rule)، حيث رئيس الجمهورية هو رئيس الدَّولة، ورئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، ويتمحور الاتِّحاد الرّوسي أساساً باعتباره دولة ديمقراطية تمثيلية مُتعدِّدة الأحزاب والأقطاب، مع حكومة فيدرالية مكوِّنة من ثلاثة سلطات.
وتمثل "الجمعية الفدرالية" (Federal Assembly)، وهي البرلمان أعلى سلطة تمثيلية وتشريعية في الدَّولة الروسية، ويتكون البرلمان من مجلسين، هما: الأول، "المجلس الاتِّحادي" (Federal Council)، ويضمُّ في عضويته (166) نائباً، ويتمُّ توزيعهم على أن يكون عضوين أثنين لكل وحدة من الوحدات المكوِّنة لروسيا الاتِّحادية, وعلى أن يكون أحد العضوين من السُّلطة التشريعية للوحدة الممثلة، ويكون الآخر من السُّلطة التنفيذية, ويتولى هذا المجلس الأمور المتعلقة بالفدرالية, كتلك المتعلقة باستخدام القوَّات المسلّحة خارج روسيا، والموافقة على الأحكام العرفية، وحالة الطوارئ المتخذة من طرف الرئيس الرّوسي، والّتي لا تحتاج إلى تشريعات معينة.
أمَّا الثاني، فهو المجلس النيابي "مجلس الدوما" (State Duma)، ويضمُّ في عضويته (450) نائباً، وأن جميع الأعضاء يتمُّ انتخابهم عن طريق نظام القوائم الانتخابية أو ما يُسمَّى "القوائم الحزبية"، مع مزجه بالنظام الفردي لمدة (4) أعوام أو ما يُسمَّى "نظام التمثيل النيابي المختلط"، وينبغي حصول الحزب على (7) بالمئة على الأقل لكي يشارك في هذا المجلس، وأن عملية الانتخابات تجري بالاقتراع المباشر، ومدة خدمة الأعضاء هي (4) سنوات, وقد استبدال مجلس الدوما محل المجلس السُّوفياتي الأعلى نتيجة للدستور الجديد الّذي عرضه الرئيس الرّوسي الأسبق "بوريس يلتسن" (Boris Yeltsin) في أعقاب الأزمة الدستورية الروسية في عام 1993، إذ وافق الشَّعب الرّوسي في استفتاء على الدستور الجديد.
ويعتبر مجلس الدوما هو المسؤول عن الموافقة على التعينات الّتي يقوم بها الرئيس لرئاسة الوزراء, ورئاسة البنك المركزي, وهو الجهاز التشريعي الأساس الّذي يتولى عملية صنع القوانين, ومقترحات القوانين سواء من جانب الرئيس أو أعضاء مجلس الدوما، فأذا وافق المجلس عليها تمرَّر إلى المجلس الفدرالية لمراجعتها خلال مدة لا تتجاوز (5) أيام, فأذا وافق عليها تعتبر هذه القوانين سارية المفعول, وأذا لم يوافق فيتمُّ رفض مشروع القانون خلال (14) يوماً، ويعتبر المجلس الفدرالية موافقاً عليها في حال عدم الاعتراض أو الرد، وبعد ذلك ترسل الموافقة لرئيس الدَّولة خلال مدة لا تتجاوز (14) يوماً، وتعتبر الجمعية الفدرالية والمجلس النيابي أعلى مراكز السُّلطة التشريعة في "الكرملين" (The Kremlin)، ومن صلاحيات السُّلطة التشريعية هي التصديق على قرار رئيس الدَّولة الروسية بشأن إعلان الحرب، وكذلك الموافقة على المعاهدات، كما أن لهذه السُّلطة قوَّة المال وسلطة إقالة الرئيس.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع