القائمة الرئيسية

الصفحات

الصراع الصهيوامريكي الإيراني ومعادلة كسر التوازن د عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا



الصراع الصهيوامريكي الإيراني ومعادلة كسر التوازن
د عمار احمد المكوطر
معهد العلمين للدراسات العليا



الصراع الصهيوامريكي الإيراني ومعادلة كسر التوازن
د: عمار احمد المكوطر. العلاقات الدولية / معهد العلمين للدراسات العليا

 

    لم يعد خافياً تطلع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتصبح الدولة الإقليمية الأولى الفاعلة والمؤثرة في الشرق  الأوسط وربما دورا بارزا في التفاعلات الدولية والعالمية ، وهي ترى في نفسها انها باتت مهيئة له ، بعد ما وظفت قدراتها ومواردها عبر تخطيط إستراتيجي مدروس بدقة ، اخذتاً الوضع الدولي وما تعيشه دول المنطقة وخاصة العربية منها من ضعف وتفكك في العلاقات بينها والصراعات على السلطة في بعضها ، فضلاً عن الأزمة السورية وما اضافت لها من قوة ونفوذ بعد تمكنها بمساعدة الدول والقوات الحليفة لها من بقاء نظام بشار الأسد في السلطة، وهو الحليف الإستراتيجي للجمهورية الإسلامية . ووفر لها الوضع الدولي وما يعيشه من صراعات سياسية واقتصادية ، فرصة مؤاتية  لتحقيق أهدافها ، ومثال ذلك الصراع السياسي بين الولايات المتحدة و الاتحاد الروسي إزاء بعض القضايا كالأزمة الأوكرانية والدرع الصاروخي التي تعتزم الولايات المتحدة إنشاءه في اوروبا  وفي  بعض الدول  التي استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 ثم انضمام بعضها الى الاتحاد الأوروبي . ما يمثله من تهديد لأمن الاتحاد الروسي الساعي الى عودته الى الساحة الدولية كقطب  ثاني قبالة الولايات المتحدة  ، ويعد تلك الدول فناءه الخلفي ومجاله الحيوي . فضلاً عن الصراع الإقتصادي بينهما عبر سعي الولايات المتحدة فك طوق إحتكار الغاز الروسي عن اوروبا وما يضفي له من تدخل في سياسات الإتحاد الأوروبي .
    ومثل هذا الصراع ، الصراع السياسي و الاقتصادي  بين الولايات المتحدة والصين والتدخل الأمريكي في دعم الاحتجاجات في  هونكونك . كما إستغلت الجمهورية الإسلامية إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي وما ولده من شرخ في العلاقات الأمريكية الأوربية  ودعوة الرئيس الفرنسي ماكرون لإنشاء قوة عسكرية أوربية ، خشية من سياسة الرئيس الأمريكي ترامب الاستفزازية والقائمة على الابتزاز والمساومة للحلفاء . القراءة الإيرانية  الواقعية للتفاعلات الدولية والوضع الدولي عموماً ، فضلاً عن إستراتيجيتها الثابتة مذ سقوط الشاه وقيام نظامها السياسي الجديد عام 1979 على الصمود والمواجهة والدفاع عن مصالحها بوجه كل القوى الإقليمية والدولية . جعلها في موضع قوة وتأثير واكثر جاذبية للدول والشعوب المعادية لكل من الولايات المتحدة والكيان المصطنع . حيث وفرت لها سياسات ترامب ورئيس الكيان المصطنع نتنياهو المتحكم الى حد كبير في سياسات وقرارات ترامب ، وزجه في صراعات ولربما حروب ، في ان تقوي نفوذها وتأثيرها المادي والمعنوي في بعديه الداخلي والخارجي معاً . فقد بات الشعب الإيراني اكثر تماسكاً ، وبدا التعاطف الدولي اكثر إزاءها ، ومثال ذلك فشل سعي الولايات المتحدة في تشكيل  تحالف دولي لمواجهة الجمهورية الإسلامية ولو بذريعة حماية الملاحة الدولية في الخليج العربي ومضيق هرمز ؛  بل فشلت في التأثير على حليفتها الإستراتيجية المملكة المتحدة في عدم إطلاق سراح الناقلة الإيرانية كريس ون . مع زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي بولتون ولقاءه رئيس الوزراء البريطاني جونسون ، والأخير حليف للولايات المتحدة وعلى علاقة شخصية متينة بالرئيس الأمريكي ترامب ، طالباً منه إشتراك المملكة المتحدة بالحلف ضد إيران ، بيد ان جونسون فاجأ الإدارة الأمريكية بالإفراج عن الناقلة الإيرانية المحتجزة لدى حكومة جبل طارق ، بينما لم تفرج الجمهورية الإسلامية عن الناقلة البريطانية حتى تاريخ كتابة هذا المقال . بل قابلت الجمهورية الإسلامية موقف الولايات المتحدة عبر رئيس جمهوريتها حسن روحاني بتصريحه (الأمن مقابل الأمن والنفط مقابل النفط والسلام مقابل السلام).
     وقد جاء تصريحه هذا في مقر الخارجية الإيرانية بتاريخ 7/8/2019 .
هذا الموقف الإيراني الحازم والجاد والذي ترجمته عملياً بعد إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية فوق مياهها الإقليمية ، والتنفيذ السريع لما توعد به المرشد الإيراني على خامنئي بإحتجاز سفينة بريطانية . مما دعا الرئيس الأمريكي ترامب بالتصريح على هامش الدول الصناعية السبع الكبرى وامام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى انه لايسعى لإسقاط النظام الإيراني وان بوسعه جعل إيران دولة ثرية فيما اذا عادت للمفاوضات وتخلت عن برنامجها النووي وتطوير صواريخها . هذا التراجع للرئيس  الأميركي في سياساته ووعوده طمعاً بولاية رئاسية ثانية ،  وخشيته الحقيقية من  القدرة العسكرية والسياسية الإيرانية ، دفع برئيس الكيان المصطنع نتنياهو للقيام بعلميات عسكرية على العراق بضرب بعض مخازن أسلحة  الحشد الشعبي ، واستهداف لبنان بطائرتين مسيرتين ، الاولى للإستطلاع والتجسس وإرسال الإحداثيات والمعلومات للطائرة  الثانية الملغمة ، كما ذكر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير بتاريخ 25/8/2019 . 
    وتوعده بالرد السريع على العدوان الصهيوني والذي مما سنختم به هذا المقال.
    نتنياهو الذي بات يسعى لتوريط ترامب سعيا للبقاء كرئيس حكومة ، وإنقاذ نفسه من  السجن بعد ملاحقة الشرطة و القضاء الصهيوني له بسبب تهم الفساد ، والذي بات يتاجر بدماء الصهاينة لأجل ذلك . بعد هذا العرض والإسهاب لأهمية ما تشهده وستشهده المنطقة نخلص ونوصي لما يأتي  :
1- أن إيران باتت لاعباً إقليمياً دولياً فاعلاً ، جراء حساباتها الإستراتيجية الدقيقة ، والإفادة من اخطاء السياسة الأمريكية خاصة في عهد ترامب.
2-  القوة العسكرية الإيرانية لم تعد داخل الحدود الإيرانية ، بل تعدت الى مديات اوسع، من الحوض المتوسط حتى الحوض الأحمر. عبر حلفاء فاعلين ومؤثرين ، وبتكتيكات سياسية عسكرية فاعلة وجديدة من خلال حلفاء ،  او فاعلين من غير الدول او ما يسميها البعض (مليشيات) . كأنصار الله في اليمن وحزب الله وبعض فصائل الحشد الشعبي العراقي ،  وبعض الفصائل الفلسطينية
3- في حالة الرد العسكري لحزب الله على  الكيان المصطنع ، وهو يرجح ان يكون رداً قريباً ، قاسياً ونوعياً ، بعد التوعد والإنفعال الشديد للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ، فإننا امام  ثلاثة مشاهد الأول آلا يرد الكيان المصطنع  ردأ واسعاً وتنتهي برد على عدوان (تعادل)  ، وهو ما استبعده لأسباب بينت بعضها في متن المقال ، وما يتعلق بنتنياهو تحديداُ . الثاني ان يرد الكيان المصطنع وبالتالي نكون امام حرب مفتوحة  واسعة النطاق ، قد تمتد مدياتها لتشترك بها حفاء إيران في اليمن وفلسطين المحتلة والعراق ولربما سوريا. اما الاخير ان تتدخل قوى عالمية يهما احتواء الموقف وتهدئته , فتنتزع فتيل حرب , فيبقى الحل على ماهو عليه من استقرار نسبي.  
4- الولايات المتحدة التي اضحت تدرك ذلك ، وقد تمظهر في خوف واعتذار السفارة الأمريكية لرئيس مجلس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ، وكما ذكر هو في اجتماع لفصائل من الحشد الشعبي ، من ان الولايات المتحدة لاتعلم وغير راضية بهذا العدوان. اي اعتداء الكيان المصطنع على بعض مقرات  الحشد الشعبي  وإعتراف نتنياهو الضمني بذلك . بقوله سنطال كل أذرع إيران في كل مكان ، وحذر الدول التي تدعمها. إنها باتت (الولايات المتحدة) بين فكي كماشة ، وفي ورطة كبيرة ، هل تترك كيانها منفرداً في حرب واسعة وتلقي آلاف الصواريخ من  كل حدب وصوب، وهي تعد امن الكيان المصطنع  مصلحة إستراتيجية عليا لها ؟ او انها ستدعمه وهي في وضع خانق  إذ ان بعض قواتها واساطيلها محاطة بين إيران واذرعها؟ .
5- على الحكومة العراقية ان تقرا الأحداث والوقائع بشكل دقيق وتتبع سياسات عقلانية متوازنة ، والا تُدفع تحت اي سبب للوقوع في خطأ الحساب ، فأي خطأ سيلحق بالعراق الضرر الأكبر ، وربما يؤدي الى حرب اهلية طاحنة ، والتقسيم  ، ولن تكون الحكومة والساسة بمنجى من تداعيات ذلك .
6- الكيان المصطنع بات في اضعف حالاته ، مذ إنشاءه عام  1948، وهو مهدد بالتفكك والزوال ، فيما إذا نشبت حرب واسعة  وتدخلت إيران فعلياً بكل إمكاناتها ، فشعبه مهلهل النسيج ، مهزوم نفسياً ، لن يصمد امام الاف الصواريخ وهي تنهمر على رؤوسهم بنيرانها  وشضاياها الملتهبة ، كما انه يفتقد للعمق الاستراتيجي ،  فضلاً عن كونه محاطاً بشعوب عربية كثيفة العدد ، موتورة الفؤاد من جرائمه ومجازره ، والتي ستخرج على حكامها إن منعت ، وقد إستعرت حرب كبرى مع هذا الكيان المصطنع  .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع