القائمة الرئيسية

الصفحات

الصلاحيات الدستورية للرئيس الأميركي في الظروف الاستثنائية إعلان الحرب انموذجاً المدرس الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي



الصلاحيات الدستورية للرئيس الأميركي في الظروف الاستثنائية
إعلان الحرب انموذجاً
المدرس الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي



الصلاحيات الدستورية للرئيس الأميركي في الظروف الاستثنائية إعلان الحرب انموذجاً
المدرس الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي

إنَّ القواعد الدستورية وجدت لتنظيم ممارسة السُّلطة في الدَّولة، وهذا التنظيم يرتكز على مبادئ تهدف إلى تقييد سلطة الحاكم، وإيجاد نوع من التوازن والفصل بين مؤسَّسات الدَّولة، بهدف تأمين مبدأ السِّيادة الدستورية، والحقوق والحريات، وبما أن المبادئ شرعت للظروف الطبيعية، فإذا ما استجدت ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدَّولة، أو السلامة العامة للمجتمع، وعلى سبيل المثال: الكوارث الطبيعية، والأزمات الحادة، وحالات التمرد والعصيان، وتعرض الدَّولة لعدوان خارجي، أو تعرض المصالح العُليا للدَّولة لاعتداء، وهنا يبرز ما يُسمَّى بـ"نظريَّة الضرورة" (Theory of necessity)، وهي أحدى القيود الّتي ترد على مبدأ سمو الدستور، وتجيز لرئيس السُّلطة التنفيذية أن يعلق كل أو بعض النصوص الدستورية، وأن يباشر دور السُّلطة التشريعية خلال فترة مُحدِّدة، ويجب أن لا تستمر هذه الحالة إلاَّ بغية مواجهة الظروف القاهرة الّتي أدَّت إليها، وينبغي الرجوع إلى الوضع الدستورية حال زوال الظروف الّتي أدَّت إلى إيقاف السُّلطة التشريعية، وتستند هذه النظريَّة على القاعدة الرومانية الّتي تنص على "إن سلامة الشَّعب فوق القانون" (The safety of people is above the law).
وتُحدِّد أغلب الدساتير في العالم المواضيع الّتي ينبغي أن تدخل في اختصاص كلٌّ من السُّلطات الثلاثة، وهي: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وهو ما يُسمَّى بـ"ركن الاختصاص" (Jurisdiction Corner)، وإذا ما تجاوزت أحدى السُّلطات الصلاحيات الممنوحة لها بموجب الدستور فإن قرارها يكون مخالفاً للقواعد القانونية، وهو ما يُسمَّى بـ"عيب إِسْتِلاب السُّلطة" (The disadvantage of taking power)، لكن إذا تعرضت حياة الأمة ومصالحها إلى أزمات أو مخاطر من المُمكن أن تؤدي إلى اِنْهِيَار الدَّولة، أو تعرض سلامتها للخطر، فأن هذه المُتغيِّرات قد تتَّيح للسُّلطة التنفيذية صاحبة القدرة، والّتي تمتلك الأدوات المناسبة، بأن تتجاوز على القواعد الدستورية الّتي تطبق في الظروف الطبيعية، وبموجب هذا التجاوز يصبح بإمكان السُّلطة التنفيذية أن تخوض غمار السُّلطة التشريعية، إذ تعطي الدساتير صلاحيات للسُّلطة التنفيذية مقيدة بالظروف الاستثنائية، وترجع جذور نظريَّة الظروف الاستثنائية إلى الفقه الألماني، فقد برر العالِم "إرنست هيكل" (Ernest structure) خروج الدَّولة على القانون في أن الدَّولة هي من أوجدت القانون، وهي الّتي تخضع له لتحقيق مصالحها، وعلى ذلك فلا خضوع عليها، إذا كان تحقيق مصالحها هو عدم الخضوع إلى القانون، الّذي يعتبر وسيلة لتحقيق غاية حماية الجماعة، فإذا لم تؤدي هذه القوانين الغاية من الحماية، فلا يجب الخضوع للقانون، وعلى الدَّولة التضحية بالقانون لحماية الجماعة، أمَّا الفقيه الألماني "إلفريدي يلينيك" (Elfredi Jelinek) يعتبر نظريَّة الضرورة حقاً من حقوق الدَّولة، وأن الإجراءات الّتي تتَّخذها الدَّولة في أوقات الأزمات هي مشروعة، ولا ترتب أيّ مسؤولية على السُّلطة التنفيذية، ولا يجوز لأيّ جهة أن تطالب السُّلطة التنفيذية عن أيّ ضرر قد ينتج جراء تطبيق نظريَّة الضرورة.
وفي حال التطرق إلى نظريَّة الضرورة على قرارات الرئيس الأميركي، ينبغي في الأساس الإشارة إلى صلاحيات الرئيس الأميركي في الظروف الاعتيادية بموجب الدستور عام 1787، إذ يكون لرئيس الولايات المتَّحدة صلاحيات على المستويين الداخلي والخارجي، وتكون له الكلمة الحسم في القرارات الكُبْرَى الّتي تمر عِبرَ عدد من الوزارات والأجهزة، على الرغم من أن الكونغرس يعترض على البعض من هذه القرارات.
فعلى المستوى الداخلي، يكون الرئيس الأميركي هو المسؤول الأول عن السُّلطة التنفيذية للحكومة الاتِّحادية، والقائد الأعلى للقوَّات المسلّحة، وهو من يفرض حالة الطوارئ في الدَّولة، ويعلن التعبئة في حالات الضرورة، ويتولى مسؤولية تعيين المكتب التنفيذي المرافق له، والمستشارين، والوزراء والقضاة في المحكمة الاتِّحادية العُليا، شرط موافقة غالبية مجلس الشيوخ لتثبيتهم في مناصبهم، ويحق للرئيس أن يستخدم سلطته لحفظ النظام بناءً على طلب أحدى الولايات، وبإمكانه أيضاً استدعاء الحرس الوطني للولايات المتَّحدة، ويحقّ للرئيس منح العفو، ووقف تنفيذ العقوبات في الجرائم المرتكبة، باستثناء القضايا المتعلقة بالإقالة بقرار قضائي، ويتولى مسؤولية عقد وتأجيل جلسات مجلسي النواب والشيوخ في ظلّ الظروف الاستثنائية، ويملك الرئيس حقّ الاعتراض على نصوص القوانين الّتي يقرها الكونغرس، عدا التعديلات الدستورية.
لكن الكونغرس يمكنه مع ذلك تجاوز الاعتراض الرئاسي عن طريق التصويت بغالبية ثلثي أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وكذلك يقوم الرئيس بتقديم تقرير مفصل الكونغرس من وقت لآخر على ما يجري بموجب المادة (2) الفقرة (3)، لكن بسبب أن مضمون المادة لم يكن محدَّداً بدقة فقد أصبح التقليد يتجسد في إلقاء الرئيس خطابا سنوياً بمقر الكونغرس في جلسة مشتركة بين إدارة البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ، بحضور قضاة المحكمة الاتِّحادية العُليا، وهو ما يُسمَّى بـ"خطاب حالة الاتِّحاد" (State of the Union Speech).
ويملك الرئيس الأميركي صلاحيات على مستوى السِّياسيَّة الخارجية، وهي: حقّ إبرام المعاهدات مع القِوى الأجنبية، بمشورة وموافقة مجلس الشيوخ، وهو من يعين السفراء، ويشارك شخصياً أو من خلال ممثليه في المفاوضات الإقليميَّة والدَّوْلية، ويمكن للرئيس إرسال قوَّات عسكرية إلى مناطق خارج الدَّولة لمدة (30) يوماً، لكن إذا أراد تمديد مهمَّة هذه القوَّات فعليه الحصول على موافقة الكونغرس، وفي المقابل يحقّ للكونغرس الأميركي عزل الرئيس، بعد إدانته بالخيانة، أو الفساد، أو أيّ جرائم وجنح يجرمها القانون الأميركي، وقد تعرض ثلاثة رؤساء أميركيين للمتابعة القضائية، وهم الرئيس "ليندون جونسون" (Lyndon Johnson) عام 1968، والرئيس "ريتشارد نيكسون" (Richard Nixon) عام 1974، على أثر فضيحة "ووترغيت" (Watergate) إثر قيام الرئيس "ريتشارد نيكسون" بالتجسُّس على مكاتب الحزب الديمقراطي، أثناء الانتخابات الرئاسية، وكذلك الرئيس "بيل كلينتون" (Bill Clinton) عام 1998، إثر علاقته الجنسية بـ"مونيكا لوينسكي" (Monica Lewinsky).
ولا يملك الرئيس الأميركي مبدئياً صلاحية إعلان الحرب، لأن القرار يعود إلى الكونغرس بموجب المادة (1) الفقرة (8)، إذ إن الكونغرس هو الّذي يملك سلطة إعلان الحرب، ثمَّ يتولى الرئيس قيادة القوَّات المسلّحة، وهو الّذي يشرف على سير العمليات الحربية، وإذا حدث ما يدعوا للحرب يوجه الرئيس رسالة حرب إلى الكونغرس، وبعد مداولة الكونغرس يصدر القرار بموافقة ثلثي أعضاء الكونغرس، ومن ثمَّ يتمُّ ابلاغ الرئيس الّذي يقوم بدوره بإعلان الحرب.
أمَّا في حال "الحروب غير المُعلنة" (Undeclared wars) يستطيع الرئيس تحريك القوَّات المسلّحة إلى أية جهة يشاء من دون الرجوع إلى الكونغرس، وغالباً ما تحضي الحروب غير المُعلنة بتأييد الشَّعب الأميركي الأمر الّذي يجعل الكونغرس يوافق عليها في وقت لاحق، وتحت الأمر الواقع، مثل: تدخل القوَّات الأميركية في جمهورية الدومنيكان عام 1965، تحت ذريعة الحفاظ على الديمقراطية، والحرب الفيتنامية عام 1965، إذ منح الكونغرس سلطات واسعة للرئيس الأميركي  باسم "قرار تونكن" (Tonkin's decision) بذريعة صد أيّ عدوان، أو هجوم مسلح ضدَّ قوَّات الولايات المتَّحدة المنتشرة في الخارج.
لكن بعد فشل القوَّات الأميركية في فيتنام، وفضيحة "ووترغيت" قدم عضو الكونغرس "جاكوب جافيتس" (Jacob Javits) مشروع قانون لصياغة قانون يقيد من سلطات الرئيس الأميركي في إعلان الحرب باسم "قانون سلطات الحرب عام 1973"، ويهدف إلى عدم تورط الولايات المتَّحدة في حروب غير معلنة من دون الرجوع إلى الكونغرس.
وينص القسم (3) البند (2) من القانون بأنه يجوز للرئيس ممارسة السُّلطة الدستورية بوصفه القائد العام للقوَّات المسلّحة في إدخال القوَّات المسلّحة في أعمال عدائية، أو مواقف تمليها الظروف لاتباع أعمال عدائية وشيكة الوقوع في الحالات الآتية، وهي: إعلان الحرب، وتفويض دستوري أو قانوني محدِّد، وحالة الطوارئ الّتي تنشأ بسبب الهجوم على الولايات المتَّحدة وممتلكاتها أو قوَّاتها، ويطلب من الرئيس أن يقدم تقرير خلال (48) ساعة إلى الكونغرس يتضمن: أولاً، الظروف الّتي تلزم إدخال القوَّات الأميركية، وموقف القوَّات الّتي تقاتل والمعدة للقتال والمؤن الإقتصادية والعسكرية وغيرها. ثانياً، الصلاحيات الدستورية للرئيس في إدخال القوَّات الأميركية، ومدى المقدرة للأعمال الحربية، والزمن الّذي يستغرقه القتال، أيّ على الرئيس أن يوضح في تقريره أساس إشراك الولايات المتَّحدة في أعمال حربية، كذلك للدفاع عن الولايات المتَّحدة في حالة "الهجوم المفاجئ" (Sudden attack).
وأن يقدم الرئيس تقريراً خلال ثلاثة أشهر عن وضع الأعمال العدائية، أو المواقف الحربية مع بيان الزمن الّذي يستغرقه مثل هذه الأعمال، وإذ رأى الكونغرس أن هناك ضرورة لاستمرار الأعمال القتالية فأن القوَّات تستمر، أمَّا إذ رأى الكونغرس بأنه لا ضرورة لاستمرار الأعمال القتالية فأنه يتمُّ سحب القوَّات بناءً على قرار بأغلبية الثلثين، إذ يمكن للكونغرس سحب القوَّات المسلّحة من مناطق العمليات الحربية، أو إيقاف التمويل اللازم للعمليات القتالية، ولا يحق للرئيس الاعتراض عليه، وبالتالي، فإن الصلاحيات الاستثنائية لإعلان الحرب قد تمَّ تقييدها من قِبَل الكونغرس، لكن تبقى المدة وهي ثلاثة أشهر كافية للقيام بأعمال استباقية أو وقائية قد تجد مؤسَّسة الرئاسة الأميركية بأنها ضرورية للحفاظ على مصالح الولايات المتَّحدة على المستوى العالمي، لكن الاستمرار في العمليات الحربية غير المعلنة لا يمكن أن تستمر من دون موافقة الكونغرس.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع