القائمة الرئيسية

الصفحات

الهوية القومية والدينية في النصوص الدستورية العراقية (ح : 3) د. حيدر أدهم الطائي




الهوية القومية والدينية في النصوص الدستورية العراقية (ح : 3)
د. حيدر أدهم الطائي



الهوية القومية والدينية في النصوص الدستورية العراقية
د. حيدر أدهم الطائي

     وجاءت المادة التاسعة لتفصل المقصود بمصطلح لغة رسمية حيث نصت على (اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم بلغة الأم، كالتركمانية أو السريانية أو الأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفق الضوابط التربوية أو بأية لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة، يحدد نطاق المصطلح لغة رسمية تطبق أحكام هذه المادة بقانون والذي يشمل:
(1.إصدار الجريدة الرسمية الوقائع العراقية باللغتين.
2.التكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كالجمعية الوطنية، ومجلس الوزراء والمحاكم والمؤتمرات الرسمية بأي من اللغتين.
3.الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين وإصدار الوثائق الرسمية بها.
4.فتح مدارس باللغتين وفق الضوابط التربوية.
5.أية مجالات أخرى يحتمها مبدأ المساواة مثل الأوراق النقدية، وجوازات السفر والطوابع.
6.تستخدم المؤسسات والأجهزة الاتحادية في إقليم كردستان اللغتين)

ثانيا:الإسلام في الدساتير العراقية
لم يكن الدين بعيداً عن المجالات الدستورية في بلدان العالم، ففاعلية أثر الدين ودوره المميز في ترسيخ الحقوق الدستورية للشعوب كان أمراً واضحاً في تجارب عديدة، وقد تضمنت الدساتير العراقية إشارات لدور الدين الإسلامي في الدولة، فقد نصت المادة الثالثة عشرة في دستور 1925 على أن (الإسلام دين الدولة الرسمي وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق على اختلاف مذاهبه محترمة لا تمس، وتضمن لجميع ساكني البلاد حرية الاعتقاد التامة وحرية القيام بشعائر العبادة وفقاً لعاداتهم ما لم تكن مخلة بالأمن والنظام وما لم تناف الآداب العامة)
ونصت المادة الرابعة من دستور 27 تموز 1958 المؤقت على أن (الإسلام دين الدولة) بينما نصت المادة الثالثة من دستور 29 نيسان 1964 المؤقت على أن (الإسلام دين الدولة والقاعدة الأساسية لدستورها واللغة العربية لغتها الرسمية) ونصت المادة الرابعة من دستور 1968 المؤقت على أن (الإسلام دين الدولة والقاعدة الأساسية لدستورها واللغة العربية لغتها الرسمية)
أما دستور 1970 المؤقت فنصت المادة الرابعة منه على أن (الإسلام دين الدولة) ونصت المادة الخامسة من مشروع دستور 1990 على أن (الإسلام دين الدولة الرسمي)
أما المادة (7/أ) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية فنصت على (الإسلام دين الدولة الرسمي ويعد مصدراً للتشريع ولا يجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا القانون، ويحترم هذا القانون الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية)
ويلاحظ على موقف قانون إدارة الدولة من الإسلام في النص المشار إلية الآتي:
1.يعتبر قانون إدارة الدولة بكلمات صريحة إن الإسلام دين الدولة الرسمي، وإذا كانت هذه العبارة واضحة فإنها لا تعني أو هي لا تعبر إلا عن مضمون شكلي، فاعتناق الدولة العراقية للإسلام كدين أمر لا يعني شيئاً سوى التعبير عن المظهر، فلا يبدو أن هناك أي التزام حقيقي بالمبادئ الإسلامية على المستوى الرسمي، ومن ثم فإن هذا النص يصح أن يطلق عليه الوصف الذي ذكره الفقيه الفرنسي موريس ديفرجيه باعتباره أقرب إلى كون الدستور "منهاج" منه إلى الدستور "قانون" حيث المفردة الاولى تعد الاقرب للمساحة التي تتحرك فيها المعطيات السياسية في حين تعبر المفردة الثانية عن مجال القانون حيث عنصر الجزاء المقترن بالقاعدة القانونية والذي يفرض من السلطة العامة.
2.يستمر النص ويشير إلى أن الإسلام يعد مصدراً للتشريع، ويلاحظ هنا ضعف اعتماد الإسلام في العملية القانونية داخل حدود الدولة العراقية، فهو ليس مصدراً أساسياً متميزاً أو مصدراً رئيسياً للتشريع، أي إنه مصدر عادي جداً يمكن أن يستغني عنه المشرع وربما دون ضوابط تنسجم حتى مع كون الإسلام دين الدولة الرسمي.
من جانب آخر ينبغي ملاحظة وجود فرق بين التشريع والقانون, فالنص يقول أن الإسلام مصدر للتشريع وليس مصدراً للقانون، ولا يخفى على القانونيين أن مصطلح القانون أوسع من مصطلح التشريع، فالتشريع مصدر من مصادر القاعدة القانونية، إذ ان هناك العرف مثلاً الذي يعد من مصادر القانون أيضاً فضلاً عن مصادر أخرى. بمعنى أن كل تشريع هو قانون والعكس ليس صحيحاً في هذا السياق على وجه العموم ان اردنا توخي اكبر قدر من الدقة عند صياغة النص، وهذا يعني أن النص المتقدم لا يحمي الشريعة الإسلامية إذا تبنى القانون أعراف أو مبادئ تتناقض معها في صيغة قاعدة قانونية تطبق من جانب كل من تعنيه على المستوى الشعبي والرسمي وعلى وجه التحديد من جانب الأجهزة القضائية, ومع ذلك تبقى هذه القضية محل اخذ ورد وقد تتباين الاراء بخصوصها طبقا لاتجاهات القائم بعملية التفسير على ضوء الوقائع المطروحة.
3.يشير النص إلى عدم جواز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا القانون، وهنا نشير إلى أنه إذا كان التوحيد وعدم الشرك بالله أحد ثوابت الإسلام المجمع عليها، فإن هذا يعني أن تفسير المواد الدستورية الواردة في قانون إدارة الدولة، والتي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان والطوائف الدينية في العراق فإن هذه الحرية أو هذا الحق في هذه الممارسة إذا تعلقت بجماعة دينية أو طائفة تتبنى الشرك بصورة أو بأخرى يجب أن لا يسمح لها بتعليم أبنائها مبادئ هذه الديانة في مدارس رسمية أو مؤسسات شبه رسمية للتعارض القائم مع أحد ثوابت الإسلام. لكن النص يسترسل ويضيف عدم جواز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني في هذا القانون، والسؤال الذي لم يجب عليه قانون إدارة الدولة  متعلق بالمثال المذكور أعلاه وهو يتمثل بماذا لو حصل التعارض بين مبادئ الديمقراطية الحديثة الغربية وثوابت الإسلام المجمع عليها، فأيهما سيقدم وتعطى له الأولوية في هذه الحالة؟
4.تذكر المادة (7/أ) أن قانون إدارة الدولة يحترم الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي ويضمن جميع الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، وإذا كان هذا النص يعترف بحقيقة واضحة، هي أن غالبية أبناء الشعب العراقي يعتنقون الإسلام، فإنه في الوقت نفسه يضمن حقوق الآخرين مما يجعلنا نغير طرح التساؤلات المشار إليها آنفاً حول مدى الحماية التي توفرها مثل هذه النصوص الدستورية للاسلام؟ واي فهم للاسلام من المفروض ان تتوافر الحماية القانونية له؟
ويلاحظ على هذه النصوص الدستورية أنها مع تأكيدها على دور الإسلام في حياة الشعب العراقي لم ترتقِ إلى رفع الإسلام إلى المستوى المطلوب في التعامل معه من جانب الدولة، أي إن النصوص المذكورة امتازت بطابعها الشكلي إلى حدٍ بعيد، ولم يكن لها أثر موضوعي على المستويات المختلفة ومنها التشريعية على وجه التحديد "تثار هنا مسالة اي فهم للاسلام يجب ان تتبناه النصوص التشريعية"، فبقيت نتيجة لذلك النظرة إلى الإسلام من جهة الدساتير العراقية نظرة قاصرة لم تبلغ المستوى المطلوب، والحقيقة أنه حتى في بعض الدول الخليجية التي نصت دساتيرها على اعتبار الإسلام مصدراً للتشريع فإن هذه النصوص لم تتحول إلى قانون وضعي، أي قانون مطبق إذ بقيت قواعد الشريعة الإسلامية تستمد قوتها الملزمة من قوة إيمان الأفراد ومدى التزامهم بتعاليم الإسلام لا من قوة القاعدة القانونية وما يصاحبها من جزاء يمكن للسلطة العامة ان تقوم بفرضه على المنتهك لها.
ثالثا:الهوية القومية والدينية للعراق في دستور عام 2005
أشرنا فيما تقدم إلى ضرورة أن تأخذ القاعدة القانونية والدستورية مجموعة من الحقائق الواقعية والطبيعية والحقائق التأريخية والحقائق الفعلية والمثالية عندما يقوم المشرع بصياغة القاعدة، فبهذا الشكل يتحقق نوع من الاستجابة لمضمون القاعدة أو ما تحكم به من جانب المخاطبين بها وإذا فهمنا أن غالبية الشعب العراقي يعتنق الإسلام الذي لا يمثل بالنسبة له مجرد دين، بل هو أكثر من ذلك، فالكثير من الجوانب التي يتبناها الإسلام كدين تعد الآن جزءاً من أسلوب حياة الإنسان العراقي الذي يعيش في هذا المجتمع، فضلاً عن وجود جوانب ومظاهر أخرى تعد جزءاً مهماً من الموروث الثقافي والاجتماعي للعراقيين لا تتناقض مع بقايا تعاليم الإسلام, بل ان كافة الاديان السماوية المعروفة في العراق تكاد تتفق في ضوء التقاليد السائدة في المجتمع العراقي على منهج متشابه يعبر عن نمط عيش مشترك يبتعد عن التناقض بين اتباع هذه الاديان الى حد كبير.
    وفيما يتعلق بالهوية القومية للعراق، فلا يمكن تجاهل أن العرب يشكلون نسبة تتجاوز 80% من مجموع السكان، والسؤال المطروح في هذا السياق هو هل عبرت النصوص الدستورية التي سطرت في دستور 2005 عن هذه الحقائق؟
ابتداءاً من الضروري الاعتراف بحقيقة أساسية مضمونها ان دستور عام 2005 هو عمل سياسي بالدرجة الاولى نتج عن خيارات الشخصيات السياسية التي مثلت وقت كتابة الدستور قمة الهرم السياسي في العراق - لست في معرض التقييم لهذه الشخصيات - وقانوني نتج عن توافقات القوى السياسية التي نجحت في الوصول إلى الجمعية الوطنية في ظل قانون إدارة الدولة وما وضعه من مبادئ واعتبارات، وهكذا فقد نصت المادة (3) منه على (العراق بلد متعدد القوميات والأديان والذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية، وملتزم بميثاقها، وهو جزء من العالم الإسلامي) وعالجت المادة (4) موضوع اللغة حيث نصت على (أولاً- اللغة العربية والكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم باللغة الأم كالتركمانية، والسريانية، والأرمينية، في المؤسسات التعليمية الحكومية، وفقاً للضوابط التربوية أو بأية لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة. ثانياً- يحدد نطاق المصطلح لغة رسمية، وكيفية تطبيق أحكام هذه المادة بقانون يشمل: أ- إصدار الجريدة الرسمية باللغتين. ب- التكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كمجلس النواب، ومجلس الوزراء، والمحاكم، والمؤتمرات الرسمية، بأي من اللغتين. ج- الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين وإصدار الوثائق الرسمية بهما. د- فتح المدارس باللغتين وفقاً للضوابط التربوية. هـ ـ أية مجالات أخرى يحتمها مبدأ المساواة، مثل الأوراق النقدية، وجوازات السفر، والطوابع. ثالثاً- تستعمل المؤسسات الاتحادية، والمؤسسات الرسمية في إقليم كردستان اللغتين.
رابعاً- اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان أخريان في الوحدات الإدارية التي يشكلون فيها كثافة سكانية.
خامساً- لكل إقليم أو محافظة اتخاذ أية لغة محلية أخرى لغة رسمية إضافية، إذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام)
    ويظهر من هاتين المادتين اللتين تطرقتا لموضوع الهوية القومية للعراق أنهما يتجاهلان الحقيقة السكانية لهذا البلد مما يصبح معه من الضروري تعديل هذا النص بعد أن برهنت بعض الأطراف غير العربية داخل العراق من خلال تصريحات معلنة وتصرفات قانونية وضعت موضع التطبيق عن تبني سياسة لا تخدم عراقاً موحداً وهو ما نص عليه دستور عام 2005 على أن يتضمن هذا التعديل إشارة أكثر وضوحاً للوجه العربي.
أما المادة (2) فقد تطرقت لمسألة الهوية الدينية للعراق فنصت على: (أولاً- الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع:
أ.لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
ب.لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج.لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.
ثانيا- يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والأيزديين، والصابئة المندائيين)
ومن قراءة هذا النص يلاحظ ضعف الرغبة في جعل الإسلام يتبوأ موقعه الحقيقي وبطريقة حضارية تعبر عن فهم متطور وحديث للإسلام وقيمه بما ينسجم مع حاجات الإنسان في القرن الحادي والعشرين، فعلى سبيل المثال تكلمت الفقرة أولاً من المادة (2) عن ان الإسلام هو دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع، وهذا يعني انه أحد المصادر الأساسية للتشريع وكان بالإمكان منح الإسلام مرتبة أعلى عند اللجوء إليه بوصفه مصدراً للتشريع لو كان النص بالصيغة التالية: (الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو المصدر الأساس للتشريع) فهذه الصيغة الأخيرة تعني أن الإسلام هو المصدر الأساسي الأول للتشريع مع عدم إنكار وجود مصادر أساسية أخرى فـ(ال) التعريف تفيد التخصيص والتوكيد وتمنح العبارة عناية واهتمام وأولوية.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع