القائمة الرئيسية

الصفحات

الصراع الأمريكي الإيراني انعطافات وتحولات د : عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا



الصراع الأمريكي الإيراني انعطافات وتحولات
د : عمار احمد المكوطر
معهد العلمين للدراسات العليا



الصراع الأمريكي الإيراني انعطافات وتحولات
د : عمار احمد المكوطر

    بعد ان بلغ الصراع الأمريكي الإيراني مديات حادة من مواجهة ، كادت تصل الحرب المباشرة، واستعان الطرفان بسياسة حافة الهاوية  ، وخلق وإدارة أزمات لإرباك وإضعاف الآخر بغية تحقيق مكاسب ومصالح استراتيجية عليا ، وبالوقت الذي اعتمدت الولايات المتحدة اسلوب التهديد بالقوة العسكرية ، كانت إيران تعتمد اسلوب التحدي والصمود والاستعداد للرد من جهة و فتح باب الدبلوماسية من جهة أخرى . فكانت سياسة القوة والدبلوماسية هي مفتاح إدارتها في الأزمة . إذ ترد على كل تهديد بآخر  وتتفاوض مع  الاتحاد الأوربي الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة . وقد راهنت إيران على عنصر الزمن وتغير الظروف ، والتمسك بمواقفها بصلابة ورفض أي تفاوض مع الولايات المتحدة إلا برفع الحضر عنها ومن ثم الشروع بالتفاوض ، ويبدو انها افلحت في تليين الموقف الأوربي إزاءها وتمظهر ذاك في الخلاف بين الولايات المتحدة  والاتحاد الأوربي إزاء الصراع الأمريكي الإيراني بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي  ، وما رافقه من سياسة أمريكية بدت للأوربيين  انها استفزازية .
    وان الولايات المتحدة لم تعد مستقرة في سياساتها ومواقفها حيال اوروبا وامنها ومصالحها . وبعد فشل الولايات المتحدة في إقناع المملكة المتحدة بعدم الإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية وفي عهد رئيس وزراء كانت تعده الولايات المتحدة حليفها الأبرز (جونسون).
    وبعد ان فشل مشروع صفقة القرن الذي اداره صهر الرئيس الأمريكي ترامب (كوشنر) . وفشلها ايضاً في إسقاط النظام السوري، وحسم الحرب في اليمن لصالح حلفائها في المنطقة ، العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، وفشل جهود التطبيع الصهيوني الخليجي ، وفشل المفوضات مع طالبان ، باتت السياسة الخارجية الأمريكية في موقف حرج إزاء هذه الهزائم السياسية. 
     مما دعا رئيس الولايات المتحدة لإعادة الحساب في تلك السياسات ، خاصة وانه على ابواب انتخابات رئاسية طامع  في التجديد لولاية ثانية . الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تقرا السياسة الخارجية الأمريكية بدقة ، زادت من الضغط عبر العراق .
    إذ استضافت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ، وفي وقت دقيق ومناسبة دينية لها ابعاد سياسية مهمة . وفي حنكة سياسية ، ارسل المرشد الإيراني علي خامنئي رسالة بليغة للولايات المتحدة ، حيث اجلس زعيم التيار الصدري الى جانبه مع وجود كبار المسؤولين الإيرانيين في السلطتين الدينية و السياسية  ، وهي تحمل في طياتها دلالات منها انها تملك النفوذ الواسع في الشأن العراقي الديني و السياسي والشعبي، وتعيد أيضاً للذاكرة الأمريكية قتلى جنودها في العراق على يد جيش المهدي الذي اسسه مقتدى الصدر . بعد الهزائم السياسية الأمريكية وضغط الرسائل والنفوذ الإيراني المعزز بالفعل كما حدث في إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية ، ورد حزب الله على الكيان المصطنع ، بعد ارسال طائرتين مسيرتين إلى لبنان جعل الإدارة الأمريكية  تعيد الحساب وتقرا بواقعية أكثر مسرح الصراع ، فبدأ الرئيس الأمريكي ترامب بسلسلة تغييرات في تلك الإدارة منها وزير الدفاع ، بيد ان التغيير الأبرز كان لمستشار  الأمن القومي جون بولتون ،  الذي شغل مناصباً سياسية مهمة في إدارات متعددة ، ويعد من صقور المحافظين واحد ابرز مهندسي إحتلال العراق ، والأقرب إلى الكيان المصطنع ، وبجهوده تمت الموافقة الأمريكية على نقل السفارة الأمريكية  إلى القدس المحتلة ، والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان !  وقد اطيح به بطريقة مذلة ومهينة ، بعد جلسة رسمية ساخنة في البيت الأبيض ، إذ قال ترامب ان شواربه لا تليق بالبيت الأبيض . كناية عن حجم التذمر والسخط الذي يعانيه ترامب من تلك الهزائم السياسية الناجمة عن تبني بولتون لها.
وصرح ترامب وكتعبير عن تغيير للسياسة الخارجية الأمريكية إزاء إيران ، انه مستعد للبحث في تخفيف العقوبات عنها . قد يبدو  لبعض المراقبين انه يسعى لفتح باب التفاوض مع إيران ، واللقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني ، والتقاط الصور معه ، لاستخدامها ورقة انتخابية تضاف للقائه برئيس كوريا الشمالية .
غير ان واقع الحال هو ابعد من ذلك ، فقد اصيبت الولايات المتحدة بنكسة سياسية كبرى على الصعيد الخارجي ، فقد تعززت مكانة إيران على الصعيدين الإقليمي والدولي ، كما تعززت مكانة روسيا والصين في ابعاد شتى ، وغدت كل منهما تنافس الولايات المتحدة في مناطق تعدها الولايات المتحدة مجالها الحيوي كمنطقة الخليج العربي . يبدو لي كمتتبع سياسي بشأن هذا الصراع ، أن السياسة الأمريكية في عهد ترامب غير مجدية في مواجهة هذه التحديات ، فضلاً عن تحديات اخرى على الصعيد العالمي ، وان ترامب لا يمتلك رؤية سياسية استراتيجية شاملة او القدرة على تنفيذها ، كما عليه الحال مثلاً لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين . بل حتى رئيس الكيان المصطنع نتنياهو الذي وعد بإحتلال غور الأردن وشمال البحر الميت ، في حال فوزه بالانتخابات،  لم يعد يأمن على مصالح الكيان في عهد ترامب ، الذي  بات عاجزاً عن تقديم الحماية اللازمة لكيانه ، وتوجه شطر روسيا لخلق تفاهمات معها إزاء احداث المنطقة . ونخلص مما تقدم ان الولايات المتحدة بحاجة ماسة لإدارة جديدة خارج زعامة ترامب ، تنظر للعالم بواقعية آخذة بالاعتبار حجم التحولات والتغيرات العالمية ، وفتح ابواب الشراكة في القرار العالمي ، وان الولايات المتحدة لم تعد القطب الأوحد الفاعل والمؤثر  في السياسة الدولية  ، وان العالم غدا يتجه نحو الاقتصاد وليس العسكرة والتهديد وزعزعة الاستقرار . وان امن الطاقة مسؤولية دولها وليس الولايات المتحدة ،  فإن الزمن  الذي كانت فيه الولايات المتحدة تلعب فيه دور الشرطي قد ولى دون رجعة . وان تدرك بأن الكيان المصطنع ليس بوسعه البقاء مهما إمتد الزمن ، فهو لا يمتلك مقوماته تحت اي حماية ولأي قوة عظمى مهما بلغت . وهو بات مصدر خطر لأمن العالم بأسره ، وعبئاً ثقيلا ً على كاهلها  ، وان دافع الضرائب الأمريكي  سيستيقظ يوماً من رقدته  وينتفض بوجه هذه الإدارات وسياساتها المجحفة بحقه.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع