القائمة الرئيسية

الصفحات

الصراع الأمريكي الإيراني وتآكل الهيمنة بقلم د عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا



الصراع الأمريكي الإيراني وتآكل الهيمنة
 بقلم د عمار احمد المكوطر
معهد العلمين للدراسات العليا


الصراع الأمريكي الإيراني وتآكل الهيمنة
بقلم د عمار احمد المكوطر

بعد سلسلة من الأفعال الإيرانية المباشرة وغيرها إزاء الولايات المتحدة الأمريكية،  لم تزل الثانية عاجزة عن اي  رد فعل يساويه او يوازيه قوة، بالرغم مما تتمتع به من قدرات فائقة عسكرية واقتصادية ! الأفعال الإيرانية تنوعت وتعددت بالأسلوب والأطراف المنفذة لأفعالها. وإذ ان اغلب ما قامت به لم تعلن عن مسؤوليتها إزاءه. بيد واقع الفعل والمستفيد منه وعمق الفكر الاستراتيجي النابه الذي يحدد ويختار الزمان والمكان يجيب المتتبع عنه بوضوح وسلاسة. من ضرب ناقلات نفط واحتجاز غيرها الى ثلاث ضربات متصاعدة من حيث الدقة والتأثير على العربية السعودية الحليف الخليجي الأبرز للولايات المتحدة، والحليف الهام إقليمياً بعد الكيان المصطنع. إذ ضربت لها عدة منشآت نفطية، تمثل الأول منها في خط أنابيب شرق غرب ، ثم حقل الشيبة ومصراته وآخرها حقلي بقيق وخريص، ويعد الأخير الأقسى على الإطلاق إذ استهدف عصب صناعة النفط السعودي وادى الى انخفاض الإنتاج السعودي من عشرة ملايين وثلاثمائة الف برميل نفط يومياً الى ما يقرب من خمسة ملايين! وما صاحبه من تداعيات على ارتفاع في أسعار النفط وتهديد بالغ الخطورة على إمدادات الطاقة. إزاء هذا الحدث ذهبت كثير من اراء وتحليلات المختصين والكتاب في شأن الصراع الأمريكي الإيراني الى القول بأن الولايات المتحدة سترد وبطريقة ما، تتناسب وحجم الفعل الذي اتهمت به الولايات المتحدة وجل حلفائها إيران. إلا ان واقع السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب غير ما ذهب اليه ممن تبنى هذا الراي. إذ أن الولايات المتحدة تعرضت لما هو اشد خطرا على مكانتها وهيبتها الدولية، وذلك بإسقاط طائراتها التجسسية المسيرة او ما تسميها طائرة استطلاع ولم تحرك ساكنا غير التهديد والوعيد اللفظي! فكيف ينتظر منها الرد عسكريا، محدودا او شاملا على ايران نيابة عن سوها ؟! إن الإدارة الأمريكية الحالية. فضلا عن انها سياسة انتهازية ابتزازية، تسلك سلوك استغلال الفرص وافتعال الأزمات بغية جني الأموال والأرباح عبر صفقات بيع السلاح او إنشاء القواعد لإطالة امد البقاء في المنطقة وتحميل بعض الأطراف اكلاف ذلك. كما ان تلك السياسة التي لم تعهدها إدارات أمريكية سابقة بهذا الحجم من التردد والكذب وخرق الاتفاقيات، وكيل التهم دونما دليل مادي تستند اليه ! والأكثر غرابة تضارب تصريحات مسؤوليها إزاء حدث واحد!  بالرغم من سلبيات هذه الإدارة وغياب رؤيتها السياسية الاستراتيجية لتحقيق أهدافها وقلة الخبرة والكفاءة في استثمار وتوظيف الموارد والقدرات المختلفة لبلوغ مقاصدها، إلا انها تعي حجم الضغوط والأخطار المحدقة بها إزاء اي رد سواء من الخصم (إيران) او حلفائها الدوليين او الفاعلين من غير الدول. وسنذكر بعض محددات عدم الرد الأمريكي حيال اي فعل إيراني مالم يمس أمنها وامن كيانها المصطنع :
1- للولايات المتحدة زهاء سبعين الف جندي أمريكي منتشرة في الشرق الأوسط وجلها تحت مرمى النيران الإيرانية او حلفائها  .
2-   استمرار أساسية استنزاف دول الخليج العربية وخاصة العربية السعودية .
3- رسائل الرد الإيراني القوية والبالغة الخطورة في ابعادها المختلفة ، خاصة بعد إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية التي تعد درة الصناعات العسكرية الأمريكية ، فضلا عن دخول سلاح غير تقليدي في اداءه، سهل الكفلة، بالغ التأثير في الإصابة من حيث حجم الأضرار ودقة التصويب، خاصة الطائرات المسيرة والصواريخ ، فضلا عن الصواريخ المجنحة، وقد كشفت ذلك ما تعرضت له شركة ارامكو السعودية،  فقد اصابت تلك الأسلحة أهدافها بدقة متناهية دون ان تحدث خسائرا بشرية! وقد غيرت هذه الأسلحة قواعد الاشتباك والردع لصالح إيران على حساب عدوتها الولايات المتحدة وحلفائها الاستراتيجيين في المنطقة والعالم  .
4- موقف إيران الحازم والدقيق في ترجمة الأقوال الى أفعال ، وتمثل ذلك في إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية واحتجاز ناقلة النفط البريطانية، بل وحتى الرد على السعودية حينما توعدت إيران بذلك إثر الهجمات على قوات الحرس الثوري الإيراني،  حين اعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بنقل المعركة إلى داخل ايران وجاءت إثرها تلكم الهجمات. كما ان توعد إيران بالرد الحاسم له ما يوقف اي رد فعل أمريكي، إذ  صرح رحيم صفوي مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيراني اذا ما ضربوا إيران سنرد من البحر المتوسط الى البحر الأحمر الى المحيط الهندي !
5- غياب الدعم والتأثير والضغط للكيان المصطنع لعدم قدرة رئيسه نتنياهو على اتخاذ قرار، فحكومته الحالية حكومة تصريف اعمال، وهزيمته السياسية في الانتخابات الصهيونية وتقدم حزب ابيض ازرق على حزبه الليكود .
6- وقوف بعض القوى الكبرى مع إيران، او اقلها رفض الاتهامات الأمريكية لإيران، كالصين وروسيا، اذ صرحت الثانية عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف رفض اي إتهام دون دليل ولجنة تحقيقية اممية، كما صرحت الناطقة باسم الخارجية الروسية  منتقدة سياسات واشنطن: السياسات الأمريكية لا تؤدي إلى الاستقرار بل الى زعزعة الاستقرار، والسلوك الأمريكي لا يستند إلى سند قانوني  .
7- فشل الولايات المتحدة في تشكيل اي حلف عسكري إزاء إيران وتردد حتى اقرب حلفائها الاستراتيجيين كالمملكة المتحدة .
8- غياب الرغبة لوزارة الدفاع بالرد على إيران، اذ نصح البنتاغون مجلس الأمن القومي الأميركي بالتروي وعدم التسرع بتوجيه ضربة إلى إيران  .
9- بات عجز الرئيس ترامب واضحا عبر ما أسماه بتشديد العقوبات على إيران اذ انه اضاف  الى قائمة العقوبات البنك المركزي الإيراني وصندوق التنمية. وهي عقوبات شكلية دعائية شبيه بالعقوبات على المرشد الإيراني علي خامنئي! فقد اعتادت إيران عليها وتكيفت معها، بل لعله لإيران مصادر تمويل عجزت عن كشفها او منعها الولايات المتحدة  .
نخلص مما تقدم، ان السياسة الإيرانية تسير في خط تصاعدي في المواجهة حيث اعانها الظرف من حيث الزمان والمكان والأدوات. وتستثمر في الوضع الإقليمي والدولي بما يخدم مصالحها القومية العليا. وقد اعانها في تحقيق ذلك الإدارة الأمريكية الحالية بأخطائها الاستراتيجية الفادحة، من خلال النكوص و التنصل من اتفاقيات والتزامات واستخدام مفرط للعقوبات ووسائل التهديد، وهو ما ايقظ العالم للسياسات الأمريكية العدوانية، التي من الممكن ان تطال اي طرف دولي، مما حدا ببعض الدول ان تشكل احلافا وإن كانت غير معلنة، إلا انه دل واقع الحال السياسي عليها، كالتحالف او التعاون والتنسيق العالي بين الصين وروسيا والهند وإيران في مجالات شتى. كما تشهد القوة الأمريكية تراجعا سياسيا واقتصاديا إزاء غيرها من الدول الصاعدة في سلم القوة كالصين. كما غدا اكثر وضوحا للمتتبع مؤشرات عالم متعدد القطبية يميل الى توسعة المشاركة في رسم السياسة العالمية وصنع القرار العالمي، والتعاون الحثيث عبر ادوات الاقتصاد والتجارة والتنمية واعتبار الدبلوماسية اللغة الوحيدة او الأهم في تحقيق مصالح وامال الدول وشعوبها بعيدا عن عسكرة السياسة واستخدام القوة العسكرية ووسائل الضغط والإرغام التي اعتادت الولايات المتحدة على إتباعها إزاء بقية الدول وغيرها من الفاعلين من غير الدول، واخيرا على الدول العربية ان تنمي فكرها الاستراتيجي، وانشاء مراكز أبحاث علمية تعكف على دراسة الوضع الإقليمي والدولي بجدية وحيادية وتجرد، والانفتاح على الدول الأخرى وتنويع مصادر التعاون معها، وعقد اتفاقيات دولية، والتحرر من الهيمنة والنفوذ الغربي خاصة للولايات المتحدة، وتعمل على تحقيق امنها بنفسها وتنشئ صناعات وطنية مستعينة بطاقاتها البشرية والخبرات العالمية المتفوقة، خاصة الصينية منها، فلا استقلال في القرار السياسي لدولة ما، دون بنية اقتصادية صناعية متقدمة،  فضلا عن تحقيق امنها الغذائي بدرجة عالية .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع