القائمة الرئيسية

الصفحات

ملاحظات في نصوص النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان د. حيدر ادهم الطائي


ملاحظات في نصوص النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان
د. حيدر ادهم الطائي



ملاحظات في نصوص النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان
د. حيدر ادهم الطائي
    تتعدد الطروحات الفكرية التي انتجتها تجارب الانسان وتصوراته النظرية للعوامل التي تلعب الدور الحاسم في تحديد مسيرة الامم والشعوب فهناك من يؤكد على الاعتبارات المستمدة من عنصر القوة الذي يأخذ مظاهر متنوعة قد تكون عسكرية او اقتصادية, وهو بهذا الطرح يقدم مجموعة من العناصر ذات الطبيعة المادية التي ترتد في اصولها الى اعتبارات بدائية, "فشبنغلر" المؤرخ والفيلسوف الالماني مؤلف كتاب "تدهور الحضارة الغربية" (1880 – 1936) والمؤيد لسيطرة المانيا على اوروبا يشير الى "ان قوى المستقبل هي ذاتها قوى الماضي. انها ارادة الاقوى, الغرائز السلمية, العنصر, ارادة الاقتناء, وحب السلطان. وراء ذلك تبقى عائمة الاحلام العقيمة, والتي ستبقى ابدا احلاما عقيمة. العدل, السعادة, والسلام" وهذا توجه يعبر عنه الثائر الشهير "جيفارا" ايضا عندما يقول "ان الذين يضعون ايديهم على الزناد هم اللذين يصنعون التاريخ"  والقناعات المذكورة في مجملها لا تعبر مطلقا عن كامل الحقيقة لكنها اجتزاءات لتجارب محدودة ربما ظللها الفشل او انها اصابت شيئا من النجاح لكنها بقيت متعثرة, ولم تقدم النموذج الصالح للاقتداء به لا من قريب ولا من بعيد, ذلك ان الايمان بارادة الاقوى وفقا للتصور اعلاه صاحبه على مدى التاريخ فشل كبير ترتب عليه الحاق هزائم كبرى بمن استهدى بالقوة بمفهومها البدائي التقليدي فقط وحصر ايمانه بها.
    في المقابل للطروحات التي اشرنا اليها يعبر البعض عن اعتبارات ذات طبيعة اخلاقية لكنها ايضا تعكس واقع تجربة الانسان على سطح المعمورة, وهي تحاول ان تنبه الى دور الاعتبارات الاجتماعية ذات الطبيعة الانسانية الراقية في حياة البشر, فالامام علي بن ابي طالب "كرم الله وجهه" يقول "ما رايت نعمة موفورة الا والى جانبها حق مضيع" ولكي نعبد طريقا امام سيادة القانون العادل الذي يعطي كل ذي حق حقه فلا بد من الايمان باهمية وجود فكر حر حيث من الخطا مطلقا الاعتقاد ان مثل هذا الفكر يشكل خطرا على الدولة او المجتمع طالما انسجمت الطروحات الفكرية مع الاعتبارات الاخلاقية السامية في المجتمعات البشرية وطبقا لخصوصية كل واحد منها. وبعد طول انتظار ومرحلة زمنية من السبات العميق استفاق مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية عندما تبنى النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان في جلسته (142) رقم 7790 – د.ع (142) ج3, تاريخ 7/9/2014. حقا ان الرقي عندما يقرر ان يطرق باب امة من الامم انما يفعل ذلك بعد ان يسال: ايوجد لديكم فكر حر؟ فان وجده دخل مسرعا, والا مضى الى سبيله منكسرا."الجملة لتوماس بين"
     ايتها السيدات ايها السادة في عالمنا العربي من مياه الخليج العربي الى حيث تتلاطم امواج بحر الظلمات "المحيط الاطلسي" كما اسماه العرب الفاتحون اليكم هذه الملاحظات المتواضعة عن النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان, وربما بعض التساؤولات ادونها, مع ضرورة التسليم ان وجود هذا الميثاق افضل من عدم وجوده, طبقا للتسلسل الاتي:
1.ان ابرام النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان, كما جاء في ديباجته, يوحي وكانه قد تم من خلال طريقة المنحة, فالدول العربية الاطراف في النظام الاساسي هي التي "انطلقت" "واكدت" "وامنت" "وصممت" "وواصلت" "واعربت" واخيرا هي التي "قررت" فاين الطرف الاخر في العقد الاجتماعي؟ حيث ملايين الفقراء والكادحين والمتعطشين لنسمة ولو يتيمة من نسائم الحرية, فنحن لا نجد لهم ذكر لا من قريب ولا من بعيد, والاستنتاج المذكور تعززه صياغة المادة الثانية من النظام الاساسي للمحكمة التي تشير الى ان انشاء المحكمة العربية لحقوق الانسان باعتبارها هيئة قضائية عربية مستقلة انما هي خطوة تستهدف "تعزيز رغبة الدول الاطراف في تنفيذ التزاماتها فيما يتعلق بحقوق الانسان وحرياته....".
2.انشات المادة الرابعة من النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان "جمعية الدول الاطراف" التي كلفت بانتخاب القضاة, واعتماد الية لتنفيذ الاحكام......الخ والمهمة الاخيرة في غاية الاهمية وستقيم درجة فعالية الاحكام التي ستصدرها المحكمة فضلا عن الخطوة العربية بانشاء الية قضائية لحماية حقوق الانسان بمدى القدرة على وضعها موضع التنفيذ حيث ضرورات اعمال مبدا الاقتصاد في الاجراءات لكي يلمس الانسان العربي الية فعالة يستوفي حقه من خلال اللجوء اليها, وبعد ان شهدنا خلال العقود الاخيرة تحديدا مجموعة واسعة من الانتهاكات لحقوق الانسان العربي وحرياته الاساسية.
3.كانت الحاجة التي تستدعيها ضرورات حماية حقوق الانسان في العالم العربي وحرياته الاساسية تقتضي تحرير النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان, وعد كل الدول الاعضاء في الجامعة اطرافا في النظام الاساسي للمحكمة لا ان يصار الى تحرير وثيقة قانونية تستوجب التصديق او الانضمام اليها من الدول الاطراف في ميثاق الجامعة العربية, وهو ما نصت عليه المادة الثانية والثلاثون من النظام الاساسي للمحكمة  حيث يفتح باب التوقيع على النظام المذكور للدول الاعضاء في الجامعة فور اقراره, ويدخل حيز النفاذ بعد تصديق سبعة من الدول الاعضاء وايداع وثائق تصديقها, ويبدا العمل به بعد عام من تاريخ دخوله حيز النفاذ طبقا للمادة الثالثة والثلاثون من النظام الاساسي للمحكمة. حقا انه في كثير من الاحيان يصح ما عبر عنه"البير كامو" الفيلسوف الفرنسي عندما قال (منذ وقت ليس ببعيد, كانت الافعال السيئة هي التي تتطلب تبريرا. اما اليوم, فالافعال الجيدة هي التي تتطلب تبريرا. يالبؤس هذا العالم)
4. جاءت المادة السابعة من النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان لتشترط مجموعة من الشروط التي تعكس وجود معايير لاختيار قضاة المحكمة حيث يشترط في المرشحين (ان يكونوا من الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والالتزام بالقيم الاخلاقية العالية, اضافة الى الكفاءة والخبرة في مجال العمل القانوني او القضائي, وان تتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة للتعيين في اعلى المناصب القضائية او القانونية في دولهم ويفضل من لديه خبرة في مجال حقوق الانسان) ونحن نقرا ايضا في عهد الامام علي بن ابي طالب الى واليه على مصر مالك الاشتر حكم بالغة تتعلق بما تقدم فهو يقول (ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك, ممن لا تضيق به الامور, ولا تمحكه الخصوم, ولا يتماد في الزلة, ولا يحصر من الغي الى الحق اذا عرفه, ولا تشرف نفسه على طمع, ولا يكتفي بادنى فهم دون اقصاه واوقفهم في الشبهات, واخذهم بالحجج, واقلهم تبرما بمراجعة الخصم, واصبرهم على تكشف الامور, واصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهه اطراء, ولا يستميله اغراء, واولئك قليل, ثم اكثر تعاهد قضائه, وافسخ له في البذل ما يزيل علته, وتقل معه حاجته الى الناس, واعطه من المنزل لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك, ليامن بذلك اغتيال الرجال عندك. فانظر في ذلك نظرا بليغا)
5.كرست المادة الحادية عشرة, الفقرة "3" فكرة مزاولة رئيس المحكمة لعمله على اساس التفرغ الكامل, كما اوجبت ان يقيم في البلد الذي يقع بها مقر المحكمة, فهل يعني هذا وفقا لمفهوم المخالفة ان باقي القضاة من اعضاء المحكمة لا يباشرون اعمالهم وفقا لفكرة التفرغ الكامل؟ فاذا كانت الاجابة غير سلبية "اي بالايجاب" فهذا يعني ان التصورات الاولية لحجم النشاط التي ستباشره المحكمة لتحقيق الاهداف التي انشات من اجلها سيكون محدودا للغاية !!!! مع ملاحظة ان المادة الخامسة عشرة, الفقرة "1" يبدو وكانها تكرس فكرة عدم التفرغ الكامل بالنسبة لقضاة المجكمة الاعضاء فيها, فهي تنص على (يباشر القضاة مهامهم بحيدة واستقلالية, ويكونون في خدمة المحكمة في اي وقت)
6.جاءت المادة السادسة عشرة من النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان لتقصر الحق في اللجوء الى المحكمة (بكافة الدعاوى والنزاعات الناشئة عن تطبيق وتفسير الميثاق العربي لحقوق الانسان او اية اتفاقية عربية اخرى في مجال حقوق الانسان تكون الدول المتنازعة طرفا فيها) وهذا اتجاه يضيق من ولاية المحكمة بالمقارنة مع ولاية محاكم اقليمية اخرى تختص بموضوع حقوق الانسان, كالمحكمة الافريقة لحقوق الانسان والشعوب حيث يشمل اختصاصها كل الاتفاقيات الخاصة بحماية حقوق الانسان الملزمة للدولة المعنية المشكو منها وليس فقط الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب, وذلك طبقا لحكم المادة السابعة من البروتوكول الذي جرى بموجبه انشاء المحكمة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب مما يقتضي الانتباه لهذه المسالة جيدا, والعمل على توسيع اختصاص المحكمة العربية وفقا لما سارت عليه التجربة الافريقية بهذا الخصوص.
7.لا تكرس المادة التاسعة عشرة من النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان فكرة منح الفرد حق اللجوء الى المحكمة او اية شخصية معنوية ذات صلة بموضوع حقوق الانسان بعيدا عن الدولة, فتقديم الشكاوى وفقا للمادة اعلاه مكنة قاصرة على الدول حصرا التي يدعي احد رعاياها انه ضحية انتهاك حق من حقوقه, وبشرط ان تكون الدولة المدعية والدولة الاخرى المدعى عليها طرفا في النظام الاساسي للمحكمة العربية, الا انه من جانب اخر يلاحظ ان النظام الاساسي المذكور قد اجاز اللجوء الى المحكمة من جانب "منظمة وطنية غير حكومية" تنشط او تعمل في ميدان حقوق الانسان, ومعتمدة لدى ذات الدولة الطرف في نظام المحكمة, لصالح احد رعايا هذه الدولة الطرف, والتي يدعي فيها انه ضحية انتهاك حق من حقوقه الثابتة بموجب الميثاق العربي لحقوق الانسان على شرط ان تقبل الدولة ذلك.
8.نصت المادة الحادية والعشرون من النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان على (1.يجوز للمحكمة, بناء على طلب مجلس جامعة الدول العربية او احدى المنظمات او الهيئات التابعة لها, ان تصدر رايا حول اي مسالة قانونية ذات صلة بالميثاق او اية اتفاقية عربية متعلقة بحقوق الانسان 2.تسبب المحكمة ما تصدره من اراء استشارية, ويكون لكل قاضي الحق في اصدار راي منفرد استقلالا عن راي المحكمة) وهذا اتجاه جيد يحكم الاختصاص النوعي للمحكمة العربية لحقوق الانسان, ويسمح في ذات الوقت تنشيط التصرف وفقا للقانون في ميدان حقوق الانسان, كما يسهم هذا التوجه الذي ندعو الى تفعيله في خلق فقه عربي قضائي نتمنى ان يكون متميزا في مجالات حقوق الانسان.
9.جاءت المادة الثانية والعشرون, الفقرة "1" منها لتمنح المحكمة صلاحية التعاون مع اطراف النزاع بهدف التوصل الى تسوية ودية على اساس مبادئ وقيم حقوق الانسان وقواعد العدالة, وهو اتجاه محمود الا انه من الضروري العمل على خلق اليات او ايجاد تفصيل اكبر يوضح من المكنة الممنوحة للمحكمة, ويساعدها على القيام بالدور المذكور. والحقيقة ان النص المذكور في اعلاه يجمع بين امكانية قيام المحكمة بدور الوسيط او الموفق لتسوية النزاع المعروض امامها من جهة فضلا عن اشارته الى ان قيام المحكمة بهذا الدور يكون وفقا لمبادئ وقيم حقوق الانسان وقواعد العدالة حيث تحددت المصادر القانونية لهذا الدور بما تقدم "مبادئ وقيم حقوق الانسان وقواعد العدالة"
10.نصت المادة الرابعة والعشرون, الفقرة "1" على ان المحكمة هي التي تحدد اختصاصها حيث يجري فحص الدفوع المقدمة بشان اختصاص المحكمة من جانب قاض فرد, وبهذا فان النظام الاساسي للمحكمة يكرس قاعدة اجرائية سار عليها القضاء الدولي الا وهي ان المحكمة هي التي تحدد اختصاصها بنفسها. كما ان للمحكمة طبقا للمادة الخامسة والعشرون, الفقرة "4" من نظامها الاساسي سلطة تفسير الاحكام الصادرة عنها, والفصل في طلبات الاغفال التي تقع في حكمها.
11.نصت المادة السادسة والعشرون من النظام الاساسي للمحكمة العربية لحقوق الانسان على ان الاحكام التي تصدرها تحوز قوة النفاذ بالنسبة للدول اطراف النزاع, ويجري تنفيذه فيها مباشرة كما لو كان حكما نهائيا قابلا للنفاذ صادرا من قضائها الخاص, وهذا النص يكرس فكرة النفاذ المباشر لاحكام المحكمة العربية لحقوق الانسان في النظام القانوني للدول اطراف النزاع. وفي حالة عدم التزام احد الاطراف او كليهما بتنفيذ الحكم الصادر من المحكمة فان ذلك سيذكر في التقرير السنوي الذي تعده المحكمة عن اعمالها, والذي يشمل من بين ما يشمل قائمة بالحالات التي صدرت فيها احكام, وبيان بالاحكام التي لم يلتزم الاطراف بتنفيذها حيث يرفع التقرير المذكور الى جمعية الدول الاطراف, والتي من صلاحياتها طبقا للمادة الرابعة, الفقرة "3" وضع النظام الداخلي لها, والذي يحدد موعد انعقادها واختصاصاتها ومن بينها انتخاب القضاة واعتماد التقرير السنوي للمحكمة, واعداد ميزانيتها, واعتماد الية لتنفيذ الاحكام, الامر الذي من المهم للغاية الانتباه اليه منذ الان, وضرورة العمل على خلق الية فعالة لتنفيذ الاحكام التي ستصدرها المحكمة فهذا الامر سيساعد على خلق نوع من الثقة بالنظام الاقليمي العربي الوليد والذي يسعى الى توفير شكل من اشكال الحماية لحقوق الانسان.
12. لا استطيع مطلقا ان اجد نفسي مؤيدا لما نصت عليه المادة الخامسة والثلاثون من النظام الاساسي للمحكمة, والتي اجازت لاي دولة طرف ان تنسحب منه بموجب اخطار كتابي يوجه الى الامين العام لجامعة الدول العربية, حيث يصبح الانسحاب المذكور نافذا بعد سنة واحدة من تاريخ تسليمه, فبدلا من ايجاد الية لتلافي الاسباب التي قد تدعو دولة طرف في النظام الاساسي للانسحاب منه نجد ان من وضع النظام المذكور وقد جاء بهذه الفكرة التي لا يحتاج العرب اليها مطلقا!!!!




هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع