القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة في كتاب (مابعد الشيوخ الانهيار المقبل للممالك الخليجية للمؤلف كريستوفر م.ديفيدسون) بقلم الاستاذ علي كحط جالي البصيصي. معهد العلمين للدراسات العليا



قراءة في كتاب (مابعد الشيوخ الانهيار المقبل للممالك الخليجية للمؤلف كريستوفر م.ديفيدسون)
بقلم الاستاذ علي كحط جالي البصيصي
 معهد العلمين للدراسات العليا



قراءة في كتاب (مابعد الشيوخ الانهيار المقبل للممالك الخليجية للمؤلف كريستوفر م.ديفيدسون)
بقلم الاستاذ علي كحط جالي البصيصي. معهد العلمين للدراسات العليا
    
     دائما القراءة في أي كتاب هي تواصل مع أفكار الآخرين وطموحاتهم وفلسفتهم في الحياة، وهي استنارة علمية أو تاريخية أو اجتماعية أو سياسية ، فضلا عن أنها معرفة ورؤية مشتركة للعديد من القضايا، ولذلك تأتي قراءتنا اليوم في كتاب "كريستوفر م. ديفيد سون "(ما بعد الشيوخ : الانهيار المقبل للممالك الخليجية) استكمالا لهذه الرؤية في قراءة الأحداث في الشرق الأوسط بشكلها العام والمنطقة العربية في إطار ها الخاص ، وتشكل فكرة هذا الكتاب قراءة استشرافية للمستقبل على أساس العديد من المعطيات والتي يقف في مقدمتها أن صياغة الأفكار وبناء الأحداث جاءت على وفق نظرية متكاملة من الأحداث والأسباب والنتائج والمتغيرات الدولية والإقليمية؛ على الرغم من أن فكرة الكتاب تعود إلى الأعوام (٢٠٠٢ -٢٠٠٩) إلا ان الحقائق التاريخية في الاصل للفكرة عودتها الى نهاية الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفيتي أنداك ، ومن ثم بداية صعود الاحادية القطبية للولايات المتحدة  الامريكية وتنامي نفوذ المحافظين الجدد في صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية اعتمادا على القوة والحروب الوقائية والاستباقية ومن ثم طرحهم العديد من النظريات الفكرية محورا لقيادة العالم على أساس القيادة العالمية الأمريكية والتي استثمرت غياب توازن قوى فاعل لتحقيق مصالحها  باستخدام القوة الأمريكية لحسم كثير من القضايا في العالم، ولعل الحدث الأهم الذي يصنع واقع الحال اليوم هو الرد الأمريكي على أحداث الحادي عشر من سبتمبر /أيلول ٢٠٠١؛ متمثلا باحتلال أفغانستان والعراق ؛والاعلان عن أن هنالك عالم جديد يتكون على وفق نظرية أطلقها الرئيس الأمريكي "بوش الابن"، على اساس أن (من لم يكن معنا فهو ضدنا) وهذه "الضدية" أصبحت ضدية اجتماعية وثقافية وحضارية وفكرية واخطرها أنها أصبحت ضدية دينية ليكون الدين ميدانا وظيفيا للسياسة ومصالحها وتناقضاتها.
     فالولايات المتحدة الأمريكية توظيفها للشأن الديني لم يكن قضية في حدودها وابعادها العقائدية بقدر ماكان توظيف للخلاف حتى بين أتباع الدين ليكون صراعها القادم حربا مستمرة بأدوات محلية كجزء من نظرية نقل الحرب حيث تواجد خصومها بعيدا عن الداخل الأمريكي الذي يُعدّ أبرز نقاط ضعف الولايات المتحدة الأمريكية في أي مواجهة في ظل تنامي الحركة التفكيكية والهويات المحلية التي تبدو اليوم أكثر وضوحا في الولايات المتحدة والتي أشار لها "صموئيل هنتنغتون" كثيرا في كتابه "من نحن": على انها تحديات مصرية تواجه "الهوية الأمريكية " وحتى تكون الحرب قاعدة ولعبة لها أدواتها واهدافها، ولها نتائجها المحسوبة ربحا مطلقا كعملية رياضية بلا باقٍ عددي، ومنذ أن نشر" فريد هاليداي "كتابه المهم "الجزيرة العربية بلا سلاطين "قبل خمسين عاما من الآن حتى صدور هذا الكتاب موضوع القراءة كانت هنالك حكاية طويلة ومعقدة من المصالح الحيوية تحرك القوى الكبرى دائما للسيطرة على هذه المنطقة وتحويلها إلى "إقطاعيات خاصة بها"، وعلى الرغم من تأكيد الكاتب على منطقة الخليج العربي كمحورا لحركة التغيير في العالم العربي والإسلامي إلا أن حركة الربيع العربي بدأت خارج منطقة الخليج خلافا للحجج التي قدمها الكاتب ، وتجسيدا لشعارات عملية التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان في تونس وليبيا ومصر، وسوريا كنموذج  متفرد للحرب المستمرة، والمفارقة الكبيرة هنا أن هذه الأنظمة " في دول الربيع العربي "على الرغم من فشلها في بناء الدولة كنموذج حضاري مدني الأساس فيه المواطنة وحقوق الإنسان لكنها في العديد من الجوانب كانت تمتلك رؤية في مجالات توفير الأمن والتعليم وإدارة الاقتصاد وتنوع مصادر الدخل على الرغم من محدويتها في ضوء الإمكانيات المتاحة لها، إلا إنها كانت واعدة باتجاه المستقبل؛ والمفارقة الأكثر غرابة أن ممالك الخليج كما يسميها الكاتب عاضدت التغيير في دول الربيع العربي بالدعم المادي والمعنوي على أساس شعارات هي تفتقدها كليا على الرغم من صوريتها في دول الربيع كالأحزاب السياسية وعملية التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان والانتخابات التمثلية.
ويرى "ضياء الدين ساردار" أن السر في بقاء الممالك الخليجية يرجع إلى : "دعم القوى الغربية، ووجود الثروة النفطية، وبناء شرطة سرية فعالة"، بينما يؤكد "كريستوفر م. ديفيد سون" أن السر في بقاء هذه الممالك هو (الشرعية التي منحتها إياها شعوبها) وكذلك تسامح بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مع الحكام الوراثيين في الخليج، ولكنه يرى أن المستقبل القريب أقل قابلية للتنبؤ بالنسبة إلى الملوك والامراء والسلاطين الذين يمسكون بزمام السلطة في الوقت الحالي، فهنالك ضغوطات داخلية وخارجية شديدة كانت تتراكم في الممالك الخليجية ،وعلى الرغم من أن هذه الضغوطات لم تؤثر في المنطقة بشكل متساوٍ، نظرا إلى التفاوت الاقتصادي _ الاجتماعي والسياسي الملحوظ، إلا  أن كل المتغيرات تشير وتؤكد  إلى أنها ستؤثر في الدول الست بأكملها، هذه الممالك لم تفهم المتغيرات الدولية بإصلاحات داخلية للحفاظ على وضعها القائم؛ بل اتجهت وبكل قوة إلى دعم حركة التغيير في محيطها الإقليمي خوفا من أن تمتد تلك التغيرات الإقليمية إلى مناطق سلطتها المحلية، فخلقت بخوفها من أن يطالها التغيير ضغطا اضافيا عليها وهو العداء الإقليمي لها كمنظومات حكم بالية عائلية قبلية وراثية متشددة في اعرافها وعاداتها وتقاليدها المحلية، هذه الممالك قدمت الدعم لفرض التغيير في دول "الربيع العربي" ولكنها بالوقت ذاته لم تغيير من سلوكها الداخلي في إطار حدودها الوطنية ولم تصلح من بنية نظامها السياسي، فأصبحت في حالة تناقض تام مع ما تسعى له خارجيا، لأنها لم تدرك أن الوفرة المالية شكلت طبقة وسطى داخليا مثقفة نوعا ما، واعية، وأكثر تواصلا؛ أصبحت غير راضية، على نحو متزايد، بأن تحكمها هيكلية سياسية بدائية غير قائمة على المشاركة، ويؤكد هذه النظرية في التعبئة الاجتماعية "سيمور مارتن ليبست" في كتابه "الإنسان السياسي" قائلا: (أنه كلما ازاد غنى دولة ما، تعرض سكانها للمزيد من القوة التحديثية) هذه القوة التحديثية في الاتصالات والمعرفة والمواصلات كانت أكثر رفضا لطريقة الحكم في تلك الممالك لأنها أصبحت خارج سياق الحداثة التي تسعى لها شعوبها في الحرية والتطور والتطلع إلى إصلاح هيكلية النظام السياسي.
     وأرى في هذه القراءة أن المصاعب التي تواجه هذه المماليك هي رغبتها في تغيير جوارها الإقليمي، دون أن تكون هي على استعداد لاستعياب آثار ذلك التغيير داخليا، فمعادلات التغيير دائما تكون شاملة ومتكاملة وأن جاءت على متواليات زمنية متعاقبة ولكن الأساس فيها هو الرغبة في التجديد والتغير، ولهذا فإن "كارل داتش" في نظرية التعبئة الاجتماعية يشدد على أن قوى وعمليات التغيير لها (تأثيرها التراكمي وقدرتها الحتمية على تغيير السلوك السياسي) خارج حسابات التأثير المحدود في بيئة معينة دون غيرها، ولكن سريانها يرتبط بقدرة محركاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والدينية على تسليط الضغط المتواصل لإحداث التغييرات الحاسمة، ولذلك فإن "صموئيل هنتنغتون " في كتابه (النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة) يؤيد فكرة حتمية (انتشار مجموعات اجتماعية جديدة إلى جانب الحكومات التقليدية) زيادة على أنه يرى في" معضلة الملك " أن هؤلاء الملوك التقليديين (سيضطرون قريبا إلى مواجهة معضلة قمع القوى التحديثية، ومن ثم حركات تمرد كبيرة، أو السماح لهذه القوى بالبروز والمخاطرة بالتنازل عن سلطات مطلقة لطبقة متوسطة معبأة) وعلى الرغم من أن "كريستوفر م. ديفيد سون" يرى أن الاقتصاد في الممالك الخليجية سيكون حاسما في الاستقرار السياسي في الممالك ، فضلا عن تبينها طرائق إنتاج رأسمالية، إلا أنها لم تقم أبدا بتوسيع طبقة العمال الكادحين! أو أي طبقة قد تسعى إلى الإطاحة بالطبقات الأعلى منها، ويبدو "كريستوفر "قد غاب عن ذهنه أن الطبقة العاملة في الخليج لن تكون طبقة ثورية، لأنها أساسا هي طبقة خدمية "مستوردة" وليس إنتاجية في نمط تفكيرها وفي اداءها الوظيفي ولذلك اقترب "حازم ببلاوي" من تفسير نمط اقتصاد الدول الريعية في العالم العربي على أساس نموذج الممالك الخليجية قائلا :أنها دول (يتشارك فيها قلة من الأفراد لتوليد الثروة، في حين يتشارك الأغلبية في توزيعها أو استعمالها) ولذلك كانت الطبقة الحاكمة هي من يحتكر توليد الثروة وتوزيعها واستعمالها بدلا من تكوين طبقة عاملة أوطبقة  وسطى منتجة لضمان حصولها على الرضوخ السياسي ،ولذلك كتب" مايكل روس "أن (النفط يعرقل الديمقراطية)، ولكن السؤال المهم هل يمكن لهذه الريعية أن تكون نمطا اقتصاديا مستمراً ؟!في ظل تراجع أسعار البترول وتغير نمط الاستهلاك في الممالك الخليجية.
     ويرى "كريستوفر ديفيد سون" أن الممالك الخليجية لا تبتكر حلول وإنما تتقن بشكل خاص ترقيع ما يبدو أنه مؤسسات سياسية حديثة بحسب قواعد السلطة التقليدية الأساسية وعلى مدى العقود القليلة الماضية، ولهذا فإن "دانييل برامبيرغ" يربط بين نظام الأبوة الجديدة، وبين الممالك الخليجية على أنها نوع (من الأنظمة السياسية، تتحدى فيها المؤسسات والقوانين، والمنطق أي نموذج خطي لتحقيق الديمقراطية) ويلاحظ "مهران كمرافا "في كتابه "الشرق الأوسط الحديث" أن هذه الممالك لاتعيش كما يعتقد" جان جاك رسو، وهوبز، ولوك " حال من العقد الاجتماعي بينها وبين شعوبها كسمة أكثر ملاءمة بين الحكومات وأفراد الشعب، وإنما هي تعيش زمن "صفقة الحاكم" في العالم العربي تحديدا ،على صفة" العقد الاجتماعي" في أوروبا، فتختار الشعوب العربية أن (تبقى مذعنة سياسيا، مقابل الاستقرار الكافي، والخدمات التي تقدمها الحكومات "ولذلك هي تكسب بقائها في ضوء الثروات والفرص الريعية لمواطنيها كإطار لشرعية الحاكم مع السعي إلى تأسيس شرعية ثانية صفتها الأساسية هي "عبادة الشخصية، والتراث القبلي، والدين "كصفة مواطنة وشرعية للحاكم؛ ولذلك طالما تفوقت مصادر الشرعية غير الاقتصادية على غيرها من الولاءات، لتشكل عملية الولاء للحاكم أبعاد مركزية للمواطنية وتعزيز الهوية الوطنية في صفقات الحكام في الممالك الخليجية، إذ لا يمكن الحفاظ على  كثير من الخدمات والامتيازات المرافقة لمواطنيها إلا في حال بقي السكان المحليون بعيدين، ومتحفظين، وفي بعض الحالات متحدين؛ في سلوكهم السياسي تجاه الحاكم، ولذلك فالممالك تهتم كثيرا في تنمية التكوينات البشرية الصامتة فيها، ولذلك يرى "مايكل هيرب" في كتابه "كل شيء في العائلة" بإن تطور آليات العمل الجماعي، وتقنيات محاكة الأسر الحاكمة المعاصرة قللا بعضاً من الانقسام والطائفية التي كانت تفتك بممالك المنطقة تاريخياً على مدى جزء كبير من القرن الماضي.
هذه الممالك  كانت دائمة السعي بسب "العدد المتزايد من الأمراء والشباب إلى تشكيل مؤسسات بدائية ذاتية التنظيم " للحفاظ على وضعها السياسي والاجتماعي ومواجهة أي تغيرات محلية من شأنها أن تعكر المزاج العام في تلك الممالك؛ ولذلك فهي ترفض المفاهيم الدولية حول التعددية والحرية السياسية وترى فيها مضرة وخطرا يواجه المنطقة، وأن أي تغير يفقد المنطقة خصوصياتها في" التراث القبلي والمعتقدات الدينية" سيفشل لأن هذه الممالك استثناءات غير قابلة لأن تكون ديمقراطية، ولذلك في نيسان من العام ٢٠١٠ صرح حاكم دبي لوسائل الإعلام قائلا :(ان قيادتنا لا تستورد نماذج جاهزة قد تكون صالحة لمجتمعات أخرى ولكنها، بالتأكيد، غير مناسبة لمجتمعنا) ثم يؤكد مرة أخرى في مقابلة مع قناة "سي إن إن" في العام ٢٠١١ (إننا نمتلك ديمقراطيتنا الخاصة؛ لا يمكنكم أن تنقلوا ديمقراطيتكم إلينا) لذلك فأن هذه الممالك عملت على صياغة خطاب ثقافي وإعلامي واجتماعي في ظل إطار ديني تراثي من أن ترسيخ الديمقراطية في المنطقة سيكون طريقا لأن تستولي (المجموعات اللا – أخلاقية على السلطة)، وأن الواجب يحتم على الممالك الخليجية أن تضطلع بمسؤولية الحفاظ على تراث الأمة، بعيدا عن خيارات الديمقراطية الغربية، والشيوعية الملحدة، والأصولية الإسلامية، لذلك تسعى هذه الممالك إلى إبقاء الوضع القائم فيها وأن تواصل نظامها السياسي الذي هي تفرض نتائجه وشرعيته وقبوله.
     وقد فرضت هذه الممالك نمطا وقاعدة اجتماعية حتى باعتماد زي وطني كتعبير عن الاستثنائية والتفرد والرمزية في التعبير عن خصوصيتها والحفاظ عليها، وهذا الزي ناتج في المقام الأول عن عصر النفط والدولة الريعية؛ وقد تكون مسألة الاهتمام بالتراث جزء من عملية تسويق القوة الناعمة للممالك الخليجية في الغرب؛ زيادة على استضافة الأحداث الرياضية الدولية ذات الأهمية المتزايدة كجزء من عمليات تسويق السياسة الخليجية للعالم كامتداد لنموذح المساعدات الإنمائية والثقافية لتعزيز التعاون والتقارب السلمي بين الثقافات والحضارات في العالم.
    ويبقى الكتاب في الجزء الاهم منه ،الاحتمالية الكبيرة في ان  تكون السنوات الخمسة الاولى من العقد الحالي هي البداية لصراع كبير في المنطقة قد يغير من جغرافيتها والى الابد بين، الضم والاقتطاع، والانشاء، ليكون الانهيار القادم حقيقة لمصالح القوى المتصارعة، ولكن ويبقى السؤال الأهم هل  تستطيع هذه الممالك بناء سياسة مضادة لما يخطط له ؟!
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع