القائمة الرئيسية

الصفحات

نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة في القانون الإداري

نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة في القانون الإداري
نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة في القانون الإداري
اعداد المحامي أ.تاج الدين حسن

أولا-مفهومها: تقوم هذه النظرية على تعويض المتعاقد مع الإدارة في مواجهة المخاطر الطبيعية التي يواجهها في أثناء تنفيذه للعقد وتجعل هذه المخاطر تنفيذ الالتزامات مرهقا ويلاحظ أن هذه النظرية تجد مجالها التطبيقي الأكثر شيوعا في عقد الأشغال العامة.

ثانيا- شروط تطبيقها: لكي تمنح الظروف المادية غير المتوقعة للمتعاقد مع الإدارة الحق في التعويض الكامل عن التكلفة الزائدة يجب توفر مجموعة شروط هي:

  • أ- أن تكون الصعوبات مادية وغير عادية أو استثنائية إذ تنتج الصعوبات المادية غالبا عن ظواهر طبيعية كالطبيعة الصخرية للأرض أو وجود خزانات مياه أرضية تحتاج لجهود غير عادية لسحبها، وقد ترجع الصعوبات المادية في بعض الحالات إلى عمل الغير مثل وجود خرسانات لم تكن في الحسبان تحتاج إلى جهود إضافية للتخلص منها، ويجب أن تكون هذه الصعوبات من طابع استثنائي أي أنها عقبات من نوع غير مألوف ولايمكن إدراجها ضمن المخاطر العادية التي يتعرض لها المقاول عند التنفيذ وتقدير ذلك متروك للقاضي.

  • ب- يجب أن تكون الصعوبات خارجة عن إرادة طرفي العقد أي أن تكون الصعوبات المادية من غير عمل أحد الطرفين المتعاقدين، فإذا كانت من عمل الإدارة طبقت نظرية فعل الأمير، ويجب أيضا أن لايتسبب المتعاقد في حدوث هذه الصعوبات أو زيادتها.

  • ج- يجب أن تكون الصعوبات غير متوقعة لحظة إبرام العقد وعلى المتعاقد أن يبذل جهده للإحاطة بظروف التنفيذ كلها وأن تكون هذه الصعوبات قد فاقت توقعاته كلها بعد بذل هذا الجهد.

  • د- يجب أن تؤدي الصعوبات المادية غير المتوقعة إلى الإخلال باقتصاديات العقد ويقدر هذا الإخلال بالنظر إلى المبالغ الإضافية التي أنفقت لمواجهة الصعوبات المنسوبة إلى القيمة الإجمالية للعقد، فإذا استطاع المقاول مواجهة هذه الصعوبات دون نفقات إضافية فلا مجال لتطبيق النظرية.، لذا يستوي في نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة أن يكون ما أصاب المتعاقد من ضرر بسيطا أو جسيما وفي هذا تتفق نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة مع نظرية فعل الأمير إلا أن الأمر يختلف بالنسبة لنظرية الظروف الطارئة إذ يشترط لتطبيقها أن تكون الخسارة المتحققة فادحة لدرجة تنقلب معها اقتصاديات العقد رأسا على عقب.

ثالثا- آثار تطبيقها: إذا توافرت الشروط المشار إليها آنفا فإنه يترتب على ذلك أثرين هما:


أ- بقاء التزامات المتعاقد: إن الهدف الرئيس من تطبيق نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة هو تمكين المتعاقد مع الإدارة من تنفيذ التزاماته التعاقدية مادام ذلك ممكنا وفي استطاعته لضمان ديمومة سير المرفق العام بانتظام وباضطراد، لذا يجب على المتعاقد الذي تواجهه صعوبات مادية غير متوقعة أن يستمر في تنفيذ العقد مادام ذلك ممكنا وليس مستحيلا فإذا توقف عن تنفيذ العقد بحجة الصعوبات المادية التي تواجهه فإنه يكون مخطئا ويتحمل نتيجة هذا التوقف إذ يجوز للإدارة توقيع الجزاءات الإدارية عليه إلا أنه يجوز إعفاؤه من الغرامات التأخيرية إذا كانت هذه الصعوبات هي السبب في هذا التأخير.

ب- تعويض المتعاقد تعويضا كاملا: إن الأثر الرئيس الذي يترتب على تطبيق هذه النظرية هو منح المتعاقد مع الإدارة الذي واجهته هكذا صعوبات التعويض الكامل عن الأضرار والنفقات كافة التي تحملها لمواجهة هذه الصعوبات ويخصم من هذا التعويض الخسائر التي تسبب فيها المتعاقد بأخطائه مثل إهماله في دراسة التربة والمكان الذي سينفذ عليه العقد على الرغم من إمداد الإدارة له بالمعلومات أو عدم استخدامه للوسائل الفنية الحديثة المتعارف عليها في تنفيذ العقد.

رابعا- النتيجة: نخلص من هذا العرض أن نظرية الظروف المادية غير المتوقعة تتشابه مع نظرية الظروف الطارئة في وجوه عديدة أهمها: أن كليهما يتعلقان بإعادة التوازن المالي للعقد بعد حدوث ظروف طارئة واستثنائية غير متوقعة ولايمكن دفعها ينتج عنها إرهاق المتعاقد وعدم تمكنه من تنفيذ التزاماته من دون نفقات إضافية.

 وتقوم الإدارة بتعويض المتعاقد المضار في كلتا النظريتين.، بينما يختلفان في أن الظرف الطارئ تتعدد مصادره فقد يكون مصدره اقتصاديا أو سياسيا أو طبيعيا في حين تقتصر الصعوبات المادية غير المتوقعة على الظواهر الطبيعية غالبا أو البشرية أحيانا(من فعل الغير) ومن ناحية أخرى فإن التعويض في نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة هو تعويض كامل في حين يكون في نظرية الظروف الطارئة جزئيا.، ونجد أيضا أوجه الخلاف بين نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة وبين ظرية فعل الأمير في مصدر الفعل الذي بتحققه تطبق نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة التي تشترط أن تكون الصعوبات خارجة عن إرادة الطرفين المتعاقدين(الإدارة والمتعاقد معها) أما إذا كانت الصعوبات التي اعترضت التنفيذ ناجمة عن تدخلات الجهة الإدارية فتطبق نظرية فعل الأمير، بينما يتشابهان في أن كلا منهما يمنحان المتعاقد التعويض الكامل.


خامسا- وجدت هذه النظرية مكانها الرحب في اجتهادات القضاء الإداري اللبناني حيث جاء في حكم صادر عن مجلس شورى الدولة اللبناني{إن نظرية الأعباء المادية غير المتوقعة تنهض مبدئيا أثناء تنفيذ العقد بمواجهة عبء ذي طابع مادي استثنائي غريب عن طرفي العقد غير متوقع عند إبرامه ويحدث خللا في توازنه المالي، وإن عدم التوقع لايقتصر بالضرورة على عدم توقع الطارئ بحد ذاته ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى عدم توقع مدى الطارئ وأثره بحيث يصبح (غير المتوقع) متجاوزا نطاق العقد ومفاعيله وماينشأ عنه من حقوق والتزامات، وينبني على ماتقدم أن مايرد في عقود الالتزام من اطلاع المتعهدين على الشروط وموافقتهم عليها يبقى في مجمله في إطار المتوقع بصورة معتادة ويبقى للقاضي حق التقدير وفقا للحالة المعروضة لتحديد درجة الصعوبة المفترض قبولها.


 وبما أن اعتماد النظرية آنفة الذكر يلقي على عاتق الإدارة كامل التعويض عن النفقات الإضافية التي تحملها المتعهد لمواجهة الصعوبات التي اعترضت التنفيذ العادي للعقد وذلك خلافا لنظرية الطوارئ غير المنظورة التي تقصر التعويض على مساهمة جزئية في النفقات الإضافية}(مجلس شورى الدولة اللبناني- القرار/206/- المراجعة/968 لعام 1991/- تاريخ1993/4/22).- {ولئن كانت نظرية الأعباء غير الملحوظة تقوم أساسا على عدم التوقع، فيبقى أنه إذا كانت الواقعة متوقعة عند التعاقد فقد يتأتى عدم التوقع من مدى وجسامة الواقعة بحيث تفوق ما انصرفت إليه الإرادة عند إنشاء العقد}(مجلس شورى الدولة اللبناني-القرار/718/- المراجعة/4192 لعام 1991/- تاريخ 1995/5/17).

*المراجع:

1- (أثر الظروف الطارئة في تنفيذ العقد الإداري للكتور حسن البنان- بحث قانوني منشور في مجلة الرافدين للحقوق المجلد/16/ العدد/58/سنة /18/ لعام2013 الصفحة/156 ومابعد/).

2- (أصول القانون الإداري للدكتور حسين عثمان-منشورات الحلبي الحقوقية في بيروت عام 2010- الصفحة/656 ومابعد/).
3-( اجتهادات مجلس شورى الدولة اللبناني).
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع