القائمة الرئيسية

الصفحات

مائة عام تفصل ما بين فيصل الأول والكاظمي في بناء الدولة العراقية أ. د. حكمت شبر استاذ القانون الدولي العام والانساني في جامعة بغداد والمستنصرية / عميد معهد العلمين للدراسات العليا سابقا



مائة عام تفصل ما بين فيصل الأول والكاظمي في بناء
الدولة العراقية
أ. د. حكمت شبر استاذ القانون الدولي العام والانساني في جامعة بغداد والمستنصرية / عميد معهد العلمين للدراسات العليا سابقا



مائة عام تفصل ما بين فيصل الأول والكاظمي في بناء الدولة العراقية
أ. د. حكمت شبر استاذ القانون الدولي العام والانساني في جامعة بغداد والمستنصرية / عميد معهد العلمين للدراسات العليا سابقا

     لابد لي من التوقف أمام ما يحدث مع مجيء السيد الكاظمي للوزارة . ولعل ما توفر للكاظمي من فرص قد تغيّر مجرى الامور في بلادي ، جاء الكاظمي للحكم بعد ازمة وزارية وثورة اجتماعية شبابية ، ويواجه العديد من الأزمات الاقتصادية بإفراغ الخزينة ، وانخفاض أسعار النفط إلى درجة كبيرة ، علماً بأن العراق يعتمد على واردات النفط بأكثر من 90% لخزينته الحكومية .
     ذهبت بأفكاري بعيداً إلى حوالي مائة عام أي منذ نشوء الدولة العراقية بتتوييج الملك فيصل الأول ملكاً على العراق ، قَدِم الرجل برفقة (مس بيل) وكوكس ليستلم الحكم ويتوج ملكاً على ما كان يدعى بلد ما بين النهرين (مسبتوميا) ، ولا أريد أن أن أناقش وطنية أو عدم وطنية الرجل القادم من الحجاز ، ولكن الحكم يأتي بنتائجه فماذا وجد وماذا فعل للعراق والعراقيين .
      واجه الرجل بلداً مقسماً بين العشائر في جنوب وشمال العراق وواجه الانقسامات الطائفية والأثنية كما واجه أطماعاً أقليمية من قبل الدولة التركية المطالبة بالموصل، وعداءً سافراً  من قبل السعودية التي عادت العراق ومازالت حتى الوقت الحاضر بسبب موقف عبد العزيز السعود من الشريف حسين وأبنائه ، الذين حكموا الحجاز، أي مكة والمدينة ، وكان الصراع عنيفاً بين الشريف حسين وعبد العزيز السعود. وهذا الصراع أنعكس على الدولة الوليدة (العراق) .
     كما أن أيران لم ترضى بتكوين الدولة الحديثة، بل كانت مطامعها أن يستمر العراق ضعيفاً وخاضعاً لنفوذها باسم المذهب الشيعي ووجود المقامات العلوية المقدسة في العراق ، وكان القسم الأكبر من علماء النجف يخضعون للسياسة الأيرانية. ووقفت أيران علناً ضد تكوين الجيش العراقي، وفتح المدارس التربوية والتعليمية وعارضت دخول المرأة للمدارس. إلى غيره من الإجراءات الأخرى .
     في مثل تلك الانقسامات التي واجهت الملك فيصل داخلياً وخارجياً أستطاع الرجل بسياسته الحكيمة أن يكسب السُنة والشيعة والكرد فاتحاً أبوابه للجميع في سبيل أنشاء دولة حديثة تشمل جميع المذاهب والقوميات ، وكان ذلك أجازا كبيراً ، كما أنه أسس جيشاً حديثاً ومدارس ومؤسسات ثقافية يتعلم فيها أبناء الشيعة والسنة ، ولعل ما أذكره أنه تبرع ببعض المال لمدرسة الغري النجفية، مدرستي التي تخرجت منها ، والتي كانت الأولى بين المدارس الأهلية التي أنشأت في العراق .
    وكان الرجل قد وضع برنامجاً كبيراً لاستقلال العراق من هيمنة الاستعمار البريطاني، إلا أنه غُدر في سويسرة ومات مسموماً كما تروي الكثير من المصادر، لأن الرجل شكّل مركزاً مهماً لمقاومة الأنجليز وأتباعهم في العراق .
    أذاً أستطاع فيصل أن ينشأ دولة ملكية عراقية . واليوم يا حضرة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أرى أمامك فرصة شبيهة بما واجهها الملك فيصل قبل مئة عام 1921م، ولعل الظروف التي تواجهها شبيهة إلى مدى كبير لظروف الملك فيصلم، قياساً مع الفارق ، فلم يكن العراق بهذه النفوس الكبيرة ، وبهذه الفرقة العميقة بين طوائفه وقوميته العربية والكردية والصراع الطائفي البغيض ولعل أوجه التشابه بين ظروف فيصل الذي دخل مع الأنجليز والظروف الحالية متشابهة ، حيث دخل رجالات الحكم من الشيعة وأنصار الإسلام السياسي مع الدبابات الأمريكية ليحكموا بموجب المحاصصة في الحكم ، وأن يسلبوا وينهبوا ويحكموا عن طريق التزوير في انتخابات المجالس النيابية ، وأن يسيطروا على المليارات من الدولارات ويضعونها في حساباتهم أو يبذرونها على المشاريع الوهمية.
      كما أنهم ساهموا مع أسيادهم الأمريكان في تدمير البنية التحتية وعدم أصلاحها، ولم يؤسسوا مشاريع استراتيجية أو يعمروا ما دمره الأمريكان في حروبهم العدوانية ضد العراق ومن الجانب الأخر يجابه الكاظمي فصائل مسلحة تابعة للولي الفقيه ، وتأتمر بأوامره لمصلحة أيران ، التي ناصبتنا العداء في مختلف عهود العراق الملكية والجمهورية.
     هذه باختصار ما واجهه ويواجه الكاظمي وهو يعمل على بناء دولة عراقية جديدة بعد مائة عام من الدولة الملكية الأولى . فهل ينجح في جهاده ضد الظروف والقوى المعادية الخارجية والداخلية مع هجوم (الكارونا) وفراغ الخزينة، وانهيار أسعار النفط ، ووقوف العناصر المسلحة ضده واتهامه بالعمالة للأمريكان ، من قبل هذه العناصر المعادية والعميلة، وهل ينجح الكاظمي ببناء الدولة الجديدة ويتوّج قائداً وطنياً كبيراً في هذه الانتقالة التاريخية المهمة في العراق.
      أعتقد جازماً أن الظروف مهيأة له، فثورة الشباب التي غيرّت الكثير من المفاهيم والقيم والهيمنة السياسية لقوى الإسلام السياسي هي السند الأكبر للرجل إذا سار مع الجماهير ولبىّ مطاليبها الوطنية بأنهاء الفساد وهيمنة أحزاب الإسلام السياسي، ونهج نهجاً متوازناً مع القوى الخارجية المتصارعة في العراق وهي الولايات المتحدة وإيران، الدولتان اللتان لا يتصارعان على أراضيهما بل على أرض العراق المنكوب من قبل قوى الطرفين الطامعين في أراضيه وثرواته وموقعه الاستراتيجي، نعم يستطيع الرجل أن يواجه تلك القوى الداخلية بالرغم من امتلاكها المال المنهوب والسلاح والفصائل المسلحة. لأن قوى الثورة التي غيرّت وأسقطت وزارة عادل عبد المهدي قادرة على أسناده إذا لبىّ مطاليب الشعب بمحاكمة قتلة الثوار وأجراء انتخابات نزيهة وإصلاحات اقتصادية في المجال الزراعي والصناعي وحياده إزاء الصراعات الإقليمية والدولية داخل العراق ، وهذه هي التي يمتلكها الكاظمي ويستطيع اعتمادها في السير لبناء الدولة الجديدة.
(حزيران  - 2020)

                                

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع