القائمة الرئيسية

الصفحات

الرهان الصعب قرار مجلس الامن رقم (2532) بقلم / ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا



الرهان الصعب قرار مجلس الامن رقم (2532)
بقلم / ايناس عبد الهادي الربيعي
معهد العلمين للدراسات العليا



الرهان الصعب قرار مجلس الامن رقم (2532)
بقلم / ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

    منذ ثلاثة شهور والدعوات تتوالى لاعتماد مشروع القرار الفرنسي - التونسي لاعتماد وقف فوري وشامل للأعمال العدائية في كل الدول المدرجة في جدول مجلس الامن وتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الجائحة بسبب استمرار الاعمال المسلحة رغم تفشي جائحة كورونا ليكون ذلك احدى الوسائل لإيصال المساعدات الانسانية لمن هم بأمس الحاجة اليها في ظل تفشي الوباء ليطالب القرار الذي صوت جميع اعضاء المجلس الخمسة عشر لصالح القرار حتى قبل الموعد النهائي للتصويت المقرر الاربعاء الاول من حزيران ، اذ يركز نص القرار على دعم دعوة الامين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيريس) التي وجهها في الثالث والعشرين من اذار الماضي لوقف عالمي لأطلاق النار حتى يتمكن العالم من التركيز على معالجة تفشي المرض ،ليصوت مجلس الامن بعد شهور من المفاوضات الغير مجدية على القرار بسبب الصراع بين الولايات المتحدة والصين بشان اشارة منظمة الصحة العالمية لوقف الرئيس الامريكي دونالد ترامب لوقف التمويل الامريكي للمنظمة مع اعلانه في ايار الماضي بان الولايات المتحدة ستقوم بالانسحاب من عضوية المنظمة، فرغبت الولايات المتحدة بسحب اي اشارة للمنظمة من القرار في حين طالبت الصين بذكر منظمة الصحة العالمية على وجه التحديد ليكون القرار الذي مرر يوم امس الاربعاء حلا وسطا فهو لا يشير للمنظمة ولا يتحدث عن الشفافية التي طالبت بها الولايات المتحدة، ليكون القرار اول سلوك واجراء حقيقي صدر عن المجلس منذ تفشي الجائحة على الرغم من عدم وضوح نتيجة القرار بأنهاء الاعمال العدائية بعد اعلان الامين العام للأمم المتحدة بان القرار كان مدعوما من اكثر من مئة وثمانون دولة واكثر من عشرون جماعة مسلحة مع تأكيده على ان ذلك لم يكن مترافقا بإجراءات ملموسة، فعلى الرغم من ان القرار قد صدر بالأجماع بدعوة تتضمن الانخراط في وقفة انسانية دائمة لمدة تسعين يوما متتالية على الاقل لإتاحة الفرصة لتسليم المساعدات الانسانية واجراء عمليات الاجلاء الطبي، الا انه عاد للتأكيد ان ذلك لا ينطبق على العمليات العسكرية ضد تنظيمي داعش والقاعدة انما يتعلق بالصراعات الموجودة في سوريا واليمن وليبيا وجنوب السودان والكونغو، بعد انتقاده لحالة الجمود التي عانى منها مجلس الامن خلال الثلاث اشهر الماضية بوقت يتزامن مع الازمة العالمية واصفا العلاقة بين كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين من طرف اخر بالمختلة والتي تجعل من المستحيل عمليا ان يتخذ مجلس الامن اي قرار ذي مغزى وبشكل فعال لمكافحة فيروس ( Covid-19) فعلى الرغم من تعددية الاطراف الا ان ذلك بات يمثل عائقا امام اليات التعاون.
     وبالرجوع لقرار مجلس الامن سابق الذكر  نجد انه احدى الجهود الدولية تجاه كارثة انسانية ومحنة دولية يعاني منها العالم المعاصر ولعله من اخطر التحديات التي واجهت التقدم والتنمية على المستوى العالمي فبالإضافة لتأثيراته السلبية والاجتماعية والنفسية الخطيرة فانه يمثل كابحا امام التنمية والامن الجماعي والاقتصادي والذي قد يتخلف عنه اثارا مدمرة، فبالرغم من الجهود الدولية على النطاق العالمي والمستوى المحلي في ميدان الحد من الجائحة والحيلولة دون انتشارها والتخفيف من وطئها على الافراد والمجتمعات الا انه ما زال هناك الكثير لعمله على الصعيد الدولي في نطاق منظمة الامم المتحدة ومنظماتها وخاصة منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل واليونيسيف وبرنامج الامم المتحدة الانمائي والمفوضية السامية لحقوق الانسان وغيرها من تلك التنظيمات ذات الصلة، وهو ما يؤكد الحاجة لشراكة دولية واقليمية فعالة ولا سيما ان الجائحة حلت على المجتمع الدولي بشكل مفاجئ يذكرنا بثمانينات القرن الماضي عندما فوجئ العالم باكتشاف مرض فتاك يتهدد المجتمع الانساني بكافة فئاته وهو الايدز الامر الذي جعل المنظمات الدولية والمراكز البحثية تهب لدراسته والعمل على وقف انتشاره ،فتكاتف المجتمع الدولي للمساهمة في التصدي لتلك الكارثة وعلى الرغم من تلك الجهود المتواصلة ومنذ عقود لم يتم التوصل للقاح شافي من المرض الى الان وهو الامر الذي قد يظهر ضعف تركيز الدراسات البحثية للوصول للقاح شافي وعلاجات تقضي عليه، وهو ما يعيدنا لجائحة كورونا وضرورة التأكيد على مواصلة الجهود لإيجاد لقاح شافي للمرض في ظل حقيقة وواقع ظهور امراض فتاكة تهدد البشرية كمسؤولية اخلاقية للمجتمع الدولي.
     وبالعودة لقرار مجلس الامن  وقيمته القانونية نجد ان ميثاق الامم المتحدة قد القى على مجلس الامن مسؤولية حفظ السلم الدولي وبهذا تنفرد قرارات مجلس الامن بالقوة الملزمة دون سائر فروع الهيئة الدولية ،ولتكون لقرارات المجلس تلك القوة الملزمة يجب ان تتصل تلك القرارات بنطاق حفظ السلم متفقة واهداف ومبادئ الهيئة الدولية وان تتخذ وفقا لأحكام ميثاق الامم المتحدة وهذا الشرط الوارد في نص المادة الخامسة والعشرين من الميثاق يختلف عن سابقة في المادة الرابعة والعشرين فقرارا معينا يصدر عن مجلس الامن قد يكون متفقا واهداف ومبادئ الامم المتحدة ومع ذلك فهو مخالف لأحكام الميثاق بسبب عدم مراعاة القواعد الاجرائية او قواعد الاختصاص عند اصداره، كما يجب ان يكون الامر متعلقا بقرارات وليس توصيات ولا سيما بما يتعلق بتسوية المنازعات الدولية فعندها لا تتمتع الاخيرة بقوة ملزمة للتنفيذ، اذ ان تمتع قرارات مجلس الامن بالقوة الملزمة يقترن بتوفر شرطين اولهما ان تكون قرارات بطبيعتها فالتوصيات لا تتمتع بطبيعتها بقوة الالزام، والثاني ان تكون قد صدرت وفقا لميثاق الامم المتحدة وهو قيد هام وضع على سلطة مجلس الامن في اتخاذ القرارات حتى لا يتعدى اختصاصاته الممنوحة له وفقا للميثاق.
وبما ان خطر انتشار الجائحة من المرجح ان يعرض السلم والامن الدوليين للخطر مع اعاقة جهود بناء السلام للدول التي خرجت من نزاعات مسلحة ليكون اشارة قوية للوحدة داخل المجلس وان كان القرار قد صدر بعد مائة واحد عشر يوما من تاريخ اعلان منظمة الصحة العالمية مرض (Covid- 19) كجائحة عالمية، لتكون بادرة امل الى العالم للاتحاد لعبور الازمة ولا سيما بعد دعوة المجلس للأمين العام للأمم المتحدة بإعطاء توجيهاته لبعثات الامم المتحدة الثلاث عشر لحفظ السلام لدعم جهود الدول المضيفة لاحتواء الفيروس وتقديم تحديثات عن جهود الامم المتحدة لمعالجة الجائحة في مناطق الصراع ومناطق الازمات الانسانية.
    ومن جهة اخرى نجد ان صدور القرار سابق الذكر يمثل انتصارا للدبلوماسية الفرنسية – التونسية في الحصول على موافقة الاعضاء الخمسة عشر لمجلس الامن بما فيها الولايات المتحدة والصين للتفرغ لمواجهة اخطار تفشي الجائحة حول العالم بعد تأخر دام لثلاث اشهر بسبب الخلافات الامريكية – الصينية حول المسؤولية حول انتشار الجائحة، ليضع القرار اوليات واضحة لممارسة مجلس الامن لمهامه وفق الميثاق مع التأكيد على وجود ارادة سياسية لتجاوز تباين الآراء واعطاء الاولوية لمصلحة المجتمع الدولي وان على المجلس ان يتحد في اصعب الاوقات ولا سيما في ظل الكفاح العالمي ضد الوباء ليعد هذا القرار انتصارا للتعددية ومنح عمليات حفظ السلام الاولوية في نطاق التعاون الدولي لمكافحة الوباء بعد ان كان محطة للانقسام الدولي دون التوصل لاتفاق ومرحلة من الجمود طالت لثلاث اشهر متصلة بجدل غير مجدي.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع