لقاح كورونا ازمة ثقة
بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي
معهد العلمين للدراسات العليا
لقاح كورونا ازمة ثقة
بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا
بعد اعلان الرئيس الروسي منذ ايام عند اول لقاح ضد فيروس كورونا المستجد وتأكيده بانه سيوفر مناعة مستدامة وفي السياق نفسه تتدخل منظمة الصحة العالمية محذرة من ادخال السباق العلمي لإنتاج اللقاح في الصراعات الجيوسياسية.
اللقاح الروسي لا يقع ضمن اللقاحات الست المدرجة على قوائم منظمة الصحة العالمية والتي بلغت المرحلة الثالثة من التطوير والتي تقتضي اخضاع اللقاح لاختبارات سريرية واسعة النطاق على البشر للتأكد من فعالته واعراضه الجانبية التي قد تنجم عنه، وهو ما كان الدافع للتشكيك بفعالية اللقاح الروسي لعدم تجاوزه الراحل الاساسية في التطوير والاختبار ، اللقاح المعروف باسم (سبوتنيك الخامس) الذي طور في موسكو بمساعدة وزارة الدفاع الروسية مع تقييمه في الجامعة الطبية الحكومية الرسمية في موسكو من اجل السلامة والفعالية لا يبدو انه ترحيبا دوليا على الرغم من جائحة كورونا تعد اكبر حالة طوارئ دولية منذ اوائل القرن العشرين.
ومما زاد الحيرة اعلان الطبيب الروسي البروفيسور الكسندر تشوتشالين استقالته من مجلس اخلاقيات وزارة الصحة الروسية بعد ان شن هجوما شرسا على اللقاح الجديد ومبتكريه عادا ذلك انتهاكا جسيما لأخلاقيات مهنة الطب وذلك لان الرئيس الروسي سمح بطلاق المصل قبل ان يحصل على موافقة الهيئة التي يعمل فيها الطبيب والذي سعى لمنع تسجيله لأسباب تتعلق بالسلامة منتقدا اثنين من الاطباء البارزين المشاركين في تطوير اللقاح وتسريع انتاجه متهما لهما بوضع اخلاقيات الطب جانبا ولا سيما بعد ان سألهما عن اجتياز جميع متطلبات تسريع العملية والتي تتطلبها الاليات الروسية والدولية واجابتهما بالنفي ،وهو ما يثير المخازف عن كيفية تعاطي الجسم البشري مع اللقاح وتحديد الاعراض الجانبية عن ذلك والموازنة بين كل تلك النتائج لتكون النتيجة قائمة على الادلة ولا سيما ان تأثير بعض الادوية والعقاقير يأخذ عام او عامين ليظهر تأثيرها ، وهو ما يعيدنا لأحداث انتاج لقاحات في القرن الماضي وتحديدا في العام 1926 في مدينة لوبيك الالمانية بعد استخدام لقاح فاسد ضد السل للأطفال في المدينة ليتوفى منهم 75 طفلا من مجموع 252 تم تطعيمهم باللقاح والذي اثبتت التحقيقات انه كان ملوثا بسلالة من مرض السل كانت تستخدم في نفس المختبر الذي انتج فيه اللقاح المخصص للأطفال ،وفي العام 1955 عندما بدأ انتشار مرض شلل الاطفال في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة اذ سعت الشركات لإنتاج لقاح سريعا لكن اللقاح الذي كان من المفترض ان يمنع وفاة حوالي 200 الف طفل في خمس ولايات وسط وغرب امريكا ادى لكارثة بعد منحه للأطفال المعنيين لتظهر خلال ايام تقارير تفيد بازدياد حالات الشلل ليتم خلال شهر التخلي عن برنامج التطعيم الجماعي ضد شلل الاطفال وفقا ما نشرته مجلة الجمعية الملكية للطب لتكشف التحقيقات اللاحقة ان اللقاح المصنع من قبل شركة لابوراتوريز في ولاية كاليفورنيا قد تسبب في 40الف من حالات شلل الاطفال والتي ترجع لأخطاء في عملية التصنيع والتفتيش
وفي عام 2016 ظهرت ازمة لقاح حمى الضنك والذي يعتبر الاول من نوعه بعد ان حذرت شركة سانوفي الفرنسية المصنعة من تضاعف اعراض المرض عند بعض الحالات لتقرر الفلبين اثر ذلك التوقف عن استخدامه بعد ان كانت قد منحته لنحو 733 الف طفل وتوفي 154 طفلا منهم بعد تطعيمهم باللقاح بعد معاناة مع من حمى ضنك شديدة.
تلك الاحداث ولدت ازمة ثقة لم تكن تجاه لقاح معين بذاته بل تجاه اللقاحات بشكل عام الامر الذي ادى للعزوف عن تطعيم الاطفال ، وبالعودة لموضوعنا نجد ان الاخبار المتزايدة حول العالم ومما يصدر عن منظمة الصحة العالمية والدول التي تتسابق في هذا المضمار تبين وجود نحو 150 لقاح ضد كورونا قيد التطوير حول العالم الا ان انتاج لقاح بهذه السرعة بما يعني اختصار مرحلة الاختبارات والتي قد تستمر لسنوات عدة في الظروف العادية بما يؤدي لإنتاج امن وتجنب الكوارث التي تنتج عن عدم اتباع السياقات المتعارف عليها في عملية الانتاج ولا سيما ان روسيا لم تنشر دراسة مفصلة عن نتائج التجارب التي سمحت لها بتأكيد فعاليته وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية للاعلان بأن المرحلة التي تسبق الترخيص لأي لقاح تمر عبر اليات صارمة عبر المرور بمرحلة من المراجعة والتقييم لبيانات التجارب السريرية ليمر بألية ترخيص مسبقة للقاحات والادوية عبر اليات صارمة لكونها تمثل ضمان للنوعية بما يضمن سلامته وفعاليته وجودته وهو ما يتطلب اثبات استخدام اللقاح مقابل الخطر ايجابية قبل البدء بتسويقه عبر اثبات فعاليته واثاره الجانبية مع تأكيد جودته الصيدلانية وهو ما يعني ان اعلانات كتلك تمنح شعور زائف بالأمان ولا سيما ان اي منتج لم يختبر بالطريقة الملائمة قد يكون له نتائج كارثية وهو ما ورد مسبقا بلقاحات عدة عبر عقود عدة من تاريخ انتاج اللقاحات البشرية.
تعليقات
إرسال تعليق
اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة