القائمة الرئيسية

الصفحات

التعويض عن الخطأ السلبي في المسؤولية التقصيرية دراسة مقارنة المشاور القانوني / باسل حسن محمد علي لايذ العيساوي القانون الخاص – الفرع المدني معهد العلمين للدراسات العليا

 

 

التعويض عن الخطأ السلبي في المسؤولية التقصيرية دراسة مقارنة

المشاور القانوني / باسل حسن محمد علي لايذ العيساوي

القانون الخاص – الفرع المدني

معهد العلمين للدراسات العليا

 

 

التعويض عن الخطأ السلبي في المسؤولية التقصيرية دراسة مقارنة

المشاور القانوني / باسل حسن محمد علي لايذ العيساوي القانون الخاص – الفرع المدني معهد العلمين للدراسات العليا

 

 

      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول محمد صلَّ الله عليه وعلى آله أئمة الهدى الغر الميامين الكرام المنتجبين الطاهرين إلى قيام الدين .

     إنَّ موضوع الخطأ السلبي في المسؤولية التقصيرية له أهمية بالغة كما نعتقد ، لتعلّقه في تنظيم العلاقات بين الأشخاص ، بين المسؤول عن حصول الخطأ – العمل غير المشروع وبين مَن وقع عليه ذلك الفعل ، أوالامتناع الذي أضرَّ به مما يعطي الحق للمتضرّر المطالبة بالتعويض ، وفقاً للقاعدة القانونية المعروفة التي تقول: ( لا دعوى بدون مصلحة ) ، وحيث أنّ الخطأ السلبي هو إخلال بنص قانوني واجب الإتباع ، وهذا الواجب من شأنه حماية الأشخاص ، وكذلك مصالحهم المالية الخاصة بهم ، وتُجمع كلّ الشرائع على أنّها لا تمنح أي شخص الحق في الإضرار بغيره ، ففي الشريعة الإسلامية الغرّاء ، يعاقب مَن يرتكب فعل ضار ، أو مَن يحصل منه خطأ إيجابي كان ، أو خطأ سلبي يقع على شخص آخر ، فالنصوص التشريعية الإسلامية توجب مؤاخذته بتحمّل ما اقترفَ عمّا هو منهي عنه ، في حالة الخطأ الإيجابي ، وعمّا هو مأمور به ، في حالة الخطأ السلبي ، فعندئذٍ تقع على مَنْ أخطأ المسؤولية بالضمان ، والضمان يقابله في القوانين المدنية ( التعويض ) ، بعد أنْ تتحقّقَ أركان المسؤولية التقصيرية مِنْ (خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما) ، لذا ففي المسؤولية التقصيرية يُعد الخطأ السلبي صورة مِنْ صور الخطأ التقصيري بشكله العام ، بل هو الوجه الثاني للخطأ التقصيري ، وهو الإلتزام باحترام حقوق الأشخاص ، والتّحلّي بنوع من اليقضة والحيطة ، والتي يصعب تحديد ما يجب أنْ يتحلّى به الشخص من حيطة ويقظة ، إلّا منْ خلال معيار الشخص الإعتيادي المجرّد منْ ظروفه الشخصيّة ، ولغرض تحديد معنى اصطلاح (الخطأ السلبي).

   لابدّ منْ معرفة خضوعه للقواعد العامة للخطأ ومدى تأثيرها عند امتناع الشخص عمّا أمِر بهِ ، فإذا ما حصل ذلك تترتّب المسؤولية ، فمرّة يطلق على تلك المسؤولية

( الضمان ) ، وهذا التعبير ما اتّخذه فقهاء الشريعة الإسلامية الغرّاء ، فالضمان عندهم لرفع الضرر وجبره وإزالة المفسدة ، ويعتبرون الضرر الناتج عن الفعل الذي كان سبباً محضوراً وغير شرعي ، ويقيّدون الضمان بالمثل ، والأساس فيه المماثلة ، والأ ساس التشريعي الذي يقرره هو في قوله تعالى : ( وإنْ عاقَبْتُم فعاقبوا بمثلِ ما عُوقِبْتُم بهِ )(1) ، والمماثلة في الضمان إنْ كان بالغصب ، أو بالتلف على حدّ سواء ، وذلك فيما هو دون النفس الإنسانية ، أي في الأموال بطبيعة الحال ، فيكون ضمان المثل إنْ كان التلف مماثلاً ، وضمان قيمته إذا كان التلف ممّا يصعُب وجود مثله ، وعلى مثل هذا يكون الضمان بالفقه الإسلامي في نطاق المسؤولية التقصيرية ، وهذه المسؤولية هي نتيجة عن الأعمال غير المشروعة ، وحين إجراء المقابلة بين ما يستخدم من لفظ الضمان ، وبين ما يعبّر عنه رجال القانون من شرّاح القوانين المدنية بالتعويض ، نجد أنّ المعنى واحد بالرغم من اختلاف اللفظ ، لذا فإنّ القانون غايته حماية المصالح العامّة والشخصيّة ومنع حصول اضطراب في تلك المصالح ، وهذا من بين الأسباب التي دعت المشرّع العراقي من خلال القانون المدني رقم 40 لسنة 1951م المعدّل أن يولي اهتمامه البالغ لهذا الأمر حينما أورد أحكاماً واجبة تقع على كل مَنْ تسبب بإلحاق ضرر بآخر أنْ يؤدّي التعويض المترتّب عليه ، إنّ المسؤولية التقصيرية تقوم حين تتحقق أركانها كما أشرنا إلى ذلك آنفاً ، أي عند  حصول خطأ يُلحق ضرراً بآخر وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر ، ولا فرق في الخطأ إنْ كان خطأ إيجابي أو خطأ سلبي ، فإذا ما قام شخص بعمل إيجابي بِسحْبِ أداة ، أو لوح خشب بحيث لم يتمكّن أنْ يتعلّق بتلك الأداة ، أو بذلك اللوح شخص كان يوشك على الغرق ، فيكون الشخص الذي سحب تلك الأداة ، أو ذلك اللوح ، بعمله الإيجابي هذا مساوياً في المسؤولية إذا ما امتنع من مناولته لوح الخشب إلى مَنْ أوشك على الغرق ، حينئذ يكون موقفه خطأ سلبي تترتّب عليه المسؤولية .

 

     ووفقاً لما تقدّم فإنّ المسؤولية التقصيرية – المسؤولية عن العمل غير المشروع تنهض عند حصول الخطأ السلبي ، ويتحتّم التعويض بموجب ذلك ويستحقّه الشخص الذي لحِقهُ الضرر الذي كان بسبب الخطأ السلبي ، بعد أنْ يثبت المتضرر أنّ الخطأ السلبي أو الإهمال حصل من قبل الشخص الآخر ، بلحاظ القاعدة التي تقول : إنّ عبء الإثبات يقع على عاتق المضرور .

   إنّ نطاق دراستنا لموضوع تعويض الخطأ السلبي في المسؤولية التقصيرية ، هو القانون المدني العراقي ، والقوانين المقارنة ( القانون المدني المصري ، القانون المدني الفرنسي ) ، وحين تقتضي حاجة الدراسة ، الفقه الإسلامي ، ومن خلال النصوص القانونية التي تخص الخطأ في نطاق المسؤولية التقصيرية – العمل غير المشروع ، وكذلك النصوص المتعلّقة (بدعوى التعويض ) ، فالدعوى المدنية (Civil Action) ، قد تنشأ عن الجريمة حيث عالجها المشرّع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائيّة ، من المادة : ( 10 – 29 ) .

    فإذا ما كانت الدعوى المدنيّة قد أقيمت تبعاً للدعوى الجزائيّة ففي هذه الحالة يكون قانون أصول المحاكمات الجزائيّة هو القانون الواجب التطبيق ، وإذا أقيمت الدعوى لتعويض الخطأ السلبي الذي نَتَجَ عنه الضرر ، أمام المحكمة المدنية فالقانون المدني ، وقانون المرافعات المدنية كذلك هي التي تطَبّق ، إلّا أنّه في أحيان يمكن اجتماع المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية في نفس الوقت ، وبالرغم من ذلك فلا يوجد هناك تلازم بينهما ، فإذا لم يصدر الحكم منَ المحكمة الجزائية بِحَق المسؤول جزائيّاً ، فذلك لا يمنع مِنْ صدور الحكم عليه بالتعويض (2)، ويبقى الفصل لِمَنْ الحَق ، بعد أنْ يتم إثباته ، يعود أمر تحديد من معه الحَق إلى القضاء ، ولقاضي الموضوع السلطة في تقدير مقدار التعويض وضمان إيصال التعويض إلى المتضرر بأيسر الطرق ، ويكون تحديد مقدار التعويض وقت إصدار الحكم ، ووقت إصدار الحكم له أهمية كبيرة حيث تترتب عليه تبعات قانونية واستحقاقات مالية تناولناها في ثنايا دراستنا هذه .

     إنّ دراستنا لتعويض الخطأ السلبي في المسؤولية التقصيرية – دراسة مقارنة إرتأينا أنْ تكون في فصلين ، كان عنوان الفصل الأول ماهية الخطأ السلبي ، وقد تضمّنَ المبحث الأول منه التعريف بالخطأ السلبي في اللغة والاصطلاح وقسّمنا هذا المبحث إلى مطلبين ، تتخللهما فروع وفقاً لحاجة الدراسة ، وتناولنا أيضاً التمييز بين الخطأ السلبي والخطأ الإيجابي ، لمعرفة أوجه التشابه والاختلاف ، وكذلك تناولت الدراسة عناصر الخطأ السلبي ومدى خضوعه للقواعد العامة ، وموقف القانون المدني العراقي ، والقوانين المقارنة ، للوقوف عند تلك المحاور لأهميّتها في التعرّف على ماهيّة الخطأ السلبي ، وفي المبحث الثاني تم بيان صور الخطأ السلبي المسبوق بالتزام ، والخطأ السلبي المجرّد ، وبيّنت الدراسة موقف الفقه الإسلامي منهما ،وكذلك موقف القوانين المدنيّة التي أشرنا لها آنفاً .

أمّا الفصل الثاني فكان تحت عنوان (حكم تحقق الخطأ السلبي )، فقد درسنا تعريف الدعوى وأطرافها ، وعناصرها ، وبيان سببها ومحلّها ، وتقادمها ، لما تمثّله الدعوى من أهمية في موضوع التعويض ، لذا كُنّا أمام مهمّة بحث ما قام به القضاء العراقي من إرساء وإصدار قرارات بالغة الأهمية ، حيث كانت تلك القرارات والأحكام كفيلة في حماية مصالح الأشخاص وتنظيم العلاقات بينهم ، مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض قرارات القضاء المصري ، والقضاء الفرنسي أيضاً ، حيث أرست هذه الأحكام القضائية قواعد لدعم وترسيخ وانتظام الحياة العامة وضبط العلاقات بين الأشخاص في نطاق المسؤولية التقصيرية ، ومنع الإضرار بين البعض والبعض الآخر ، والتعويض عند وقوع الخطأ السلبي ، وقد أثرنا من خلال دراستنا تساؤلات لبيان إشكالية تعويض الخطأ السلبي في المسؤولية التقصيرية ، وقد توصّلنا إلى النتائج والمقترحات التي أوردناها في ضوء دراستنا .

وفي الختام ، بعد هذا الإيجاز لدراستنا هذه حاولنا بين جزئيّاتها ، والتي لا ننشد الكمال فيها ، حيث الكمال لله وحده ، ولم يكن هدفنا إلّا رضا الله في طلب العلم ، فإنْ أصَبْتُ فلا عُجْبٌ ولا غَرَرٌ وإنْ نَقَصتُ فإنّ الناس ما كمُلوا ، والكاملُ الله في ذات وفي صفة وناقصُ الذات لم يَكمُلْ لَهُ عَمَلُ .

إنْ كنت أصبت في هذه الدراسة فذلك من فضل الله ، وإنْ أخطأت فذلك مِنْ نفسي ، وهذا جهد المستطاع ، ونتيجة السعي المتّصِل ، والرجاء أنْ يكون جهدنا المتواضع يسهم بتحقيق هدف الدراسة لتكون خطوة في مسيرة البحث العلمي في بلدنا العراق الحبيب ، سائلين الله العلي القدير التوفيق في مسعانا ، وما التوفيق إلّا مِنْ عنده عليه توكّلنا وإليه المصير .                                                                                       

       

1)  الآية 126 : سورة النحل

2) أستاذنا الفاضل د . عزيز كاظم جبر الخفاجي ، الضرر المرتد في المسؤولية التقصيرية – دراسة مقارنة ، الطبعة الأولى ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمّان – الأردن ، 1998م ، ص24

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع