القائمة الرئيسية

الصفحات

اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها عبر الدبلوماسية الرقمية بقلم د عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا

 

اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها عبر الدبلوماسية الرقمية

بقلم د عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا

 


اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها عبر الدبلوماسية الرقمية

بقلم د عمار احمد المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا

 

     في الاجتماعات الدورية للجمعية العامة للأمم المتحدة ، التي تعقد في الثلاثاء الثالث من شهر ايلول سبتمبر من كل عام ، الذي وافق في ذكرى تأسيس منظمة الأمم المتحدة ، سوى ان هذه الاجتماعات اختلفت عن نظيراتها السابقة ، وفي سابقة أولى في تأريخها لم تعقد في مقرها مباشرة في نيويورك كما دأبت العادة أو في مقر آخر تابع لها، بل عقدت اجتماعات برلمانها العالمي عبر منصة افتراضية ، بسبب تفشي جائحة كرونا او ما تسمى ايضاً كوفيد 19 .

    لم يكن هذا، الجديد في هذا الاجتماع حسب، إنما في شيء آخر ايضاً، إذ شهد تراشقاً بالاتهامات الصريحة والضمنية بين كثير من أعضاءها، او بين ابرزهم قوة وتأثير ونفوذ فيها، خرج بعضها عن نطاق الدبلوماسية المعهودة في اللقاءات أو المباحثات أو الاجتماعات الدولية ؛ إذ قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: (لابد أن تعاقب الدول التي اطلقت هذا الطاعون الذي يغزو عالمنا، الصين، .... الصين ومنظمة الصحة العالمية التي تتحكم بها الصين بشكل كامل، اعلنتا زوراً أن ليس هناك ما يثبت أن انتقال الفايروس من شخص لآخر، واعلنتا أن الأشخاص دون اعراض لا ينقلون العدوى...على الأمم المتحدة أن تعاقب الصين) وقالت ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية كيلي كرافت (إن بلادها ستفعل ما تراه صائباُ ، ولو لم يحظ ذلك بشعبية ).

    أما ممثل الصين في الأمم المتحدة جانك جو فقد اتهم الولايات المتحدة بالإخلال بجهود المجتمع الدولي بمواجهة الجائحة وعبر عن رفض بلاده للاتهامات الأمريكية وذكر (الصين تعارض بحزم وترفض الاتهامات التي لا أساس لها من جانب الولايات المتحدة وبعض السياسيين الأمريكيين وهيئات تابعة للأمم المتحدة) وعبر ان إساءة استخدام منصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن (أن الولايات المتحدة نشرت الفايروس السياسي والمعلومات المظللة وخلقت الصدام والانقسام). في حين جاء في خطاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (إن بعض الدول تحاول استغلال الوضع الحالي لمصالحها الخاصة وتصفية الحسابات مع المنافسين).

  هذا المشهد يعكس مدى الانقسام والانكسار الحاد في العلاقات الدولية خاصة بين الدول الكبرى، وضعف النظام الدولي.

  ثمة شيء من التباغض والتباعد، ثمة شيء من تهشم أواصر التعاون إلى حد بعيد ينذر بتصاعد احتمالات الصراع بين هذه الوحدات السياسية الفاعلة نحو مراحل أعلى، مما قد يصعب احتواءه أو العودة في العلاقات إلى ما كانت عليه. إن هكذا وضع ليذكرنا بشكل كبير ما عاشته الساحة الدولية قبيل الحربين العالميتين الأولى والثانية، وإن بدا الآن أكثر علانية من ذي قبل بفعل سرعة التفاعلات ودقة المعلومات ووفرة وسائل الاتصال والاعلام الحديثة. إنه وضع أقرب احتمالاً لمواجهات عسكرية مباشرة وحروب، ربما تكون غير ما كانت عليه في ما سبقها، لكثافة الأسلحة وحجومها المتوافرة لهذه القوى، وتطور انواعها في بعديها التقليدي والنوعي.

   لعل ما يدور الآن من صراعات فاق حد الحرب الباردة التي دارت رحاها بين قطبي السياسة الدولية أبان حقبة الزعامة الثنائية للعالم، لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، بالرغم من وصول حدة الصراع بين العملاقين وقتئذ حافة الحرب، ولعب كل منهما مع الآخر سياسة حافة الهاوية ، بلغت أوجها في الأزمة الكوبية مطلع ستينيات القرن المنصرم (أزمة خليج ام الخنازير في العام 1962، أبان حكم كل من خروتشوف للاتحاد السوفيتي السابق، وكينيدي في الولايات المتحدة الأمريكية)، وإن لم يشهد الصراع الدائر الآن بين الولايات المتحدة والصين شأو نظيره، بين الاتحاد السوفيتي السابق الولايات المتحدة، إلا أنه قد يبدو اكثر في خطورته، إذ  يتأتى من انه يستعر بقوة وسرعة عالية، في ظل شلل وفشل  واسع للمنظمة الدولية الأم في احتواء الأزمات الدولية أو الحد منها، والتي تزايدت حجماً ونوعاً . لعلنا نذهب مع رأي كثير من المختصين والكتاب، منهم الدبلوماسي الأممي الجزائري طاهر بومدره حين وصف المنظمة الدولية بقوله (إنها باتت منظمة الولايات المتحدة) ! معبراً عن اختزال دورها وتكريس نفوذها لصالح الولايات المتحدة الأمريكية . كما تتمظهر خطورة الصراع في الإدارة الأمريكية الحالية،  متمثلة بالرئيس دولاند ترامب، الذي سخر ويسخر لأجل طموحاته في رئاسة أمريكية ثانية، وخدمة لقوى مؤثرة داخلياً وخارجياً، أسهمت في إيصاله للرئاسة، لان يخضع مصالح الولايات المتحدة للخطر، في الإيغال في مواجهات مع قوى دولية كبرى كالصين والاتحاد الروسي وقوى إقليمه فاعلة كالجمهورية الإسلامية الإيرانية .

 لاشك في أن جميع ما هو قادم من ظروف ومتغيرات لن تعيد العالم إلى ما كان عليه قبل ظهور وانتشار كوفيد 19 ، إنه عالم يتغير ويتأثر بسرعة بفعل عوامل عديدة . ربما يكون اكثر خطورة بما يهدد أمنه وتقدمه، إذا ما بقيت الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج ذات السياسات الراهنة ، القائمة على أن أمريكا أولاً ، كما قالها الرئيس الأمريكي ترامب مراراً، او اننا نستخدم القوة دون مبرر لأننا امريكا كما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلنتون مادلين اوليبرايت برايت !  التي ترمز وتشير بمجملها  بكل وضوح، إلى إلغاء الآخر، أو تسخيره لخدمة مصالحها، والإذعان لرغباتها. إنها سياسة تعكس حالة انفصام عن الواقع، في نكران تغير الظروف العالمية ، وتنكر سنن التأريخ وحركته في ظهور وأفول دول و حضارات. لقد اتسع العالم بالقدر الذي تعجز عن ادارته قوة دولية واحدة . على الولايات المتحدة مراجعة سياساتها وتصحيح بوصلة تفكيرها، و تؤمن بواقعية ، أن العالم غدت ملامحه تنشد التغير، ولا بد من مشاركة الآخرين في صنع القرار العالمي وإدارة العالم ، إذ ان السلم والأمن الدولي ، والذي هو أساس ما جاءت لأجله منظمة  الأمم المتحدة لن يتحقق إلا وفق مبدأ المشاركة والتعاونان بين جميع اعضاءه. لابد من نظام دولي عادل متوازن ، يمثل الجميع  كل حسب حجمه وقوته وتأثيره ونشاطه ، مع الحفاظ على المبادئ الأساس للأمم المتحدة في المساواة وعدم استخدام القوة او التهديد باستخدامها، عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول ، حق تقرير المصير للدول والشعوب، فيما تراه يتماشى وفق رغباتها  في تحقيق وحدتها ومصالحها بكل حرية واستقلال. لعل هذا السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والازدهار الدولي، ويقف حائلاً دونما يزعزعه، كظهور حركات إرهابية وأفكار متطرفة. ليس فيما ندعو إليه من رومانسية حالمة أو طوباوية خيالية، إنما هي مناشدة عقلانية يفرضها الواقع، لأجل مصلحة العالم أجمع . العالم اليوم بات منظومة مترابطة متفاعلة في شتى أبعادها، ليس بوسعه أن يعيش أمناً واستقراراً دائماً، إذا ما تعرضت أي رقعة جغرافية منه وشعبها لأوضاع غير مستقرة و آمنة. ما تراه الولايات المتحدة والغرب عموماً من أنها اولاً ، وأن امنها بمعزل عن امن سواها لهو وهم كبير. لقد أضحى عالمنا كمنظومة محرك في تكامل اجزاءه وتفاعلها، لابد من الانسجام لتحقيق الهدف في خلق حركة تعاونية وتقدم ، فأي اختلال في جزء منه نراه منعكساً على اداءه ونشاطه ، فيفقد الحركة او يصاب بالشلل ، ليعقبه تآكله وتهرئه، فزواله. نختم ما تقدم في هذا المقال  بتوصيتين :

1- على صناع السياسة الأمريكية أن يعوا حالة الانقسام الحاد الذي تعيشه بلادهم سياسياً، وتراجع اداءها اقتصادياً ، وتآكل قوتها الناعمة جراء ذلك، وصراعها الحزبي حتى داخل نسيج الحزب الواحد. إنه سر أزمتها، التي إن بقيت وتفاقمت ستكون السبب الرئيس في تراجع الولايات المتحدة، وربما تفكك الاتحاد كله؛ كما ان تصديركم لأزمات تعانونها داخلياً باتت واضحة عالمياً، لن يجدي نفعاً تصديرها. ليس لكم إلا القبول بنظام دولي جديد، نظام تشاركي في إدارة العالم، واصلاح واقعكم من الداخل.

2- على منظمة الأمم المتحدة إصلاح نفسها ، فقد اصبح أمراً ملزماً ، يجب الإسراع فيه ، وإذا ما تعذر في القريب المنظور، من إجراء إصلاحات شاملة بدء بميثاقها، فأقلها إصلاحات جزئية، سريعة عاجلة، كجعل أي قرار يتخذ فيه النقض، أو تستخدم فيه سلطة النقض للدول المنتصرة بالحرب العالمية الثانية ، أن يعرض على الجمعية العامة للتصويت عليه, عله يسهم في كبح الاستخدام المفرط له ، ويحد من استخدامه السيء الذي يسعى حصراً لخدمة مشاريع الدول دائمة العضوية، والتي تضر غالباً بمصالح كثير من الدول النامية وتأتي على حساب حقوقها ومصالحها الوطنية، فضلاً عن الأخذ بآراء كمبار المختصين والكتاب، الذين بذلوا جهوداً جليلة في هذا المجال وأبدوا آراءً حصيفة .

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع