دعاوى ميراث الجنين المحامية نهضة عبد الحسين الخفاجي باحثة دكتوراه
دعاوى ميراث الجنين
المحامية نهضة عبد الحسين الخفاجي
باحثة دكتوراه
من المواضيع المهمة التي يجب على كل باحث ومهني في مجال القانون ان يكون ملماً بها الماماً كافياً ولتعلقه بالجانب الشرعي هو ميراث الجنين وقد يسمى ميراث الحمل . لذا قسمت البحث على ثلاثة فروع وكما يلي:
الفرع الاول : تعريف الجنين في اللغة والاصطلاح
لقد ورد في معاجم اللغة ان اشتقاق كلمة جنين هي المستور. وفي معجم لسان العرب (جن الشيء يجنه جناً: ستره . وكل شيء ستر عنك فقد جن عنك)
وقد ترد كلمة جنن اسم ومعناها القبر, الكفن, وهو اسم جمعه جنة.
وفي الحديث : جن عليه الليل اي ستره , وبه سمي الجن لاستتارهم واختفائهم عن الابصار ومنها قوله تعالى : من الجنة والناس أجمعين , وعن الجوهري : الجن خلاف الإنس , ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن امه . ويقال لكل ما ستر : جن وأجن .
والجنن , بالفتح هو القبر لستره الميت . والجنن أيضاً : الكفن : وأجنه : كفنه (1).
وقد ترد كلمة الجن بمعنى الجنون ويقال ضل ضلاله وجن جنونه .
والجنان , بالفتح : القلب لأستتاره في الصدر.
والجنين : الولد ما دام في بطن امه لاستتاره فيه , وجمعه أجنة . وقد جنا الجنين في الرحم يجن جناً وأجنته الحامل , والمجنة : الموضع الذي يستتر فيه .
والجنين لغة : بفتح الجم على وزن عظيم ,وجمعه اجنة , ومنه الاجتنان وهو الفترة التي يكون فيها الانسان جنيناً من فترة العلوق الى ان يلد من رحم امه . ويطلق عليه جنين مجازاً . وهو المادة التي تتكون في الرحم من عنصري الحيوان المنوي والبويضة . واختلف العلماء فيما بينهم في متى يسمى الحمل جنيناً .
فذهب المالكية والظاهرية وبعض الحنفية إلى ان الحمل يسمى جنيناً منذ التقاء الحيوان المنوي بالبويضة وحصول الاخصاب , سواء أكان نطفة أم علقة أم مضغة , ويطلق عيه هذا الاسم الى ان يخرج من رحم امه تام الخلق او نافصه , بلغ الاربعة اشهر أو لم يبلغها .
وذهب الشافعية والحنابلة وجمهور الحنفية إلى انه يطلق على الحمل جنيناً بعد ان يفارق المضغة والعلقة حتى يتبين منه شيء من الخلق الادمي , او يشهد الثقات بأنه مبدأ آدمي وإطلاق اسم الجنين عليه من باب المجاز , بأعتباره أنه مقدمة للجنين الحقيقي .
وفي الاصطلاح : الجنين : انه ثمرة الحمل في رحم الام . من مرحلة بدء التكوين بعد حدوث التلقيح . الجنين : ما استتر في بطن امه , فإن خرج حياً فهو ولد , وان خرج ميتاً فهو سقط (فقهاً) وقال تعالى {وأذ انتم أجنة في بطون امهاتكم}(2)
في القانون الجنين: هو من في بطن امه .
وقد ورد توضيح للجنين في القانون المدني, وذلك في اهلية الوجوب , فالجنين الذي يولد ميتاً انعدمت شخصيته بولادته ميتاً, فانعدمت بذلك أهلية الوجوب التي كان القانون يعترف له بها . فهو ما دام في بطن امه فالقانون يفترضه حياً, وما دام يفترضه حياً فهو يعترف له بأهلية الوجوب, ولو كانت هذه الاهلية محدودة. فإذا ولد ميتاً فقد زال الافتراض القانوني بحياته, وبناءً عليه تزول اهلية الوجوب التي كان القانون يعترف له بها (3)
وان الجنين في بطن امه تثبت له بعض الحقوق كحقه في الإرث والوصية , اما التصرفات التي تتوقف على القبول كالهبة فإنها لا تثبت له على رأي تثبت على رأي أخر لأنها نافعة له نفعاً محضاً حالها حال الوصية (4).
وقد نصت المادة 1195 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل في موضوع كسب حق التصرف بسبب الوفاة (الانتقال) على ما يلي (اذا كان بين اصحاب حق الانتقال حمل يؤخر الانتقال الى ولادته)
وهذا ما تعتمده محاكم البداءة في اصدار القسام النظامي الذي يصدر منها ويرفق به القسام الشرعي . ونصت المادة (6) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على ان : لكل إنسان أينما وجد ان يعترف بشخصيته القانونية. وكلمة انسان تطلق على الطفل والجنين والرجل والمرأة . والاعتراف للجنين بالشخصية القانونية تعني الاعتراف بأهليته في التمتع بالحقوق وتميزه عن باقي الكائنات حيواناً او جماداً . لكن هذه الاهلية قاصرة , ولم يحدد الاعلان العالمي لحقوق الانسان هذه الاهلية كما لم تحددها مبادئ إعلان حقوق الطفل التي اصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونصت المادة (3) على: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامته الشخصية, وحق الحياة للفرد والفرد هو الجنين والطفل والرجل والمرأة . والجنين في بطن امه كائن بشري حي وهو بحاجة الى الحماية من الاعتداء او الهلاك.
الفرع الثاني : شروط واسهم الجنين من الارث
قد تتردد احوال بعض المستحقين في تركة المتوفى بين الوجود والعدم كالحمل . او في الجنس – كالخنثى – او في ثبوت النسب كولد اللعان والزنا . وهؤلاء تقدر لهم نسبة او اسهم من التركة تتناسب مع مصلحته ومصلحة بقية الورثة . ويسمى الارث بالتقدير . ومنهم الحمل او الجنين . ويعتبر الجنين من جملة الورثة اذا علم انه موجود في بطن امه عند موت المورث وانفصل حياً ويشترط فقهاء المسلمين لتوريث الجنين شرطان هما :
1- ان يتحقق وجوده في بطن امه وقت وفاة مورثه .
2- ان يولد حياً ولو للحظة واحدة .
وتعرف حياته بما يدل عليها من علامات الحياة كالبكاء او العطاس او التثاؤب او مص الثدي وتحريك الاعضاء ... لقول الرسول (صلى الله عليه ومسلم) {اذا استهل المولود ورث} واستهلال المولود يعني بكاؤه عند ولادته, ويشترط فقهاء الائمة الجعفرية في حركة المولود ان تكون أرادية دون تقليص .
ويرى فقهاء الحنفية : ان الجنين يرث متى خرج اكثره حياً ثم مات.
اما الشافعية: وغيرهم , يرون لا يرث الجنين مالم ينفصل كله حياً عن امه نهائياً ولو خرج اقله حياً ومات قبل تمام الولادة فأنه لا يرث عند الجمهور(5)
ولا خلاف بين فقهاء السنة في توريث الجنين متى تيقن وجوده في بطن امه وقت وفاة المورث ثم انفصل عنها حياً . لكن اختلفت الآراء في طريقة توريثه
والرأي المعمول به: هو قول ابي يوسف – وهو المفتي في مذهب الحنفية – ان يوقف للجنين نصيب ابن واحد , او بنت واحدة أيهما أكثر, وعندهم ان المعتاد ان المرأة لا تلد في بطن واحدة الا ولدا ً واحداً فيبنى عليه الحكم . – ايهما كان اكثر وعنده هو الاصح .
وقال ابي حنيفة : يوقف للجنين من التركة نصيب اربعة بنين او نصيب اربع بنات ايهما اكثر ويعطى لبقية الورثة اقل الانصباء , وذلك احتياطاً .
وعند ائمة الجعفرية : يوقف للجنين من التركة نصيب ذكرين احتياطاً كذلك يوقف له نصيب ذكرين اذا كان يشارك الورثة او يحجبهم حجب نقصان , فاذا كان يحجبهم حجب حرمان وقف الكل ولا يؤخذ كفيل من الورثة في صورة القسمة اذا وقف نصيب الذكرين(6)
عن ابي عبد الله (عليه السلام) {لا يرث الا من أذن بالصراخ ولا شيء أكنه البطن} (7)
وقد ورد في الفقه الجعفري المعاصر للسيدين الخوئي والسيستاني ( الجنين يرث إذا انفصل حياً وعليه مادام حملاً ان علم بوحدته يفرض له نصيب الذكر (السيستاني على الاحوط) ويقسم باقي التركة على سائر الورثة, وإن احتمل تعدد الحمل ورضي الورثة بإفراز سهم ولدين ذكرين فهو, وإن لم يرضوا بذلك أفرز سهم ولد ذكر واحد, ويقسم الباقي مع الوثوق بحفظ سهم الجنين الزائد . وإمكان أخذه له, ولو بعد التقسيم على وجوده وولادته حياً. (8)
واما المرجع السيد محمد سعيد الحكيم وضح (الحمل حين موت المورث لا يرث منه إذا سقط ميتاً , وان كان حياً حين موت المورث قبل انفصاله عن امه . أما اذا سقط حياً بان صاح او تحرك حركة الحياة او غير ذلك مما يعلم منه حياته – فانه يرث – ولو مات بعد ذلك صار سهمه لاقرب الناس اليه (9)
وقد يكون موت الجنين تقديراً كما كان ارثه بالتقدير كونه حياً فقد يكون ايضاً موته بالتقدير: وهو الذي ينفصل ميتاً بجناية عن امه, فقد أرجع المشرع العراقي في حكم الموت التقديري الى احكام الشريعة الاسلامية وتحقق حياة الوارث بعد موت المورث (10).
وقد بين السيد ابو القاسم الخوئي: بإن دية الجنين يرثها من يرث الدية (11).
الفرع الثالث : كيفية احتساب الارث
اذا كان للمتوفي زوجة حامل منه فإن حملها هذا يعتبر ولداً حكماً وتوقف له حصة في الميراث باعتباره ولداً ذكراً أو ولدين أحتياطاً لأحتمال أن يكون الحمل تؤاماً فاذا كان مع الجنين أولاد أخرون فإن الحصة الموقوفة للحمل تشاركهم في السهام الميراثية
اما اذا كان الورثة الأخرون غير الاولاد فإن الحصة الموقوفة تحجب بقية الورثة مؤقتاً حتى تضع الزوجة حملها حيث يعاد احتساب المسألة الارثية فيما اذا كان المولد ذكراً ام انثى . (12)
وان الحمل يعتبر قاصراً استنادا الى احكام المادة 3 قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 المعدل
وتصحح المسألة الارثية يكون بتقديم الزوجة طلب لتعديل المسالة الارثية مرفقاً بالطلب شهادة الولادة ويتم التصحيح بها مشيدون في القسام الشرعي وسجل القسامات الشرعية , ويكون امام ذات المحكمة التي اصدرت القسام الشرعي والذي يكون من اختصاص محكمة الاحوال الشخصية استنادا لاحكام المادة 300 من قانون المرافعات المدنية العراقي 83 لسنة 1969 المعدل رقم الذي حدد اختصاصات المحاكم العراقية. أما اذا اسقطت الزوجة حملها فإن حساب المسألة الارثية يعاد بنفس الطريقة باعتبار عدم وجود الجنين, ويجب ملاحظة مدة الحمل بعد ملاحظة تاريخ الوفاة.
وقد يغفل طالب القسام الشرعي سواء كان الزوجة أو اي وارث آخر عن ذكر وجود الحمل – ولذا على الموظف المختص السؤال عن ذلك. فإذا صدر القسام الشرعي دون الاشارة الى الحمل فان تصحيحه لا يكون الا باقامة دعوى من قبل الزوجة على من تصح مخاصمته من الورثة لتصحيح القسام الشرعي (13). ويكون امام ذات المحكمة التي اصدرت القسام الشرعي (الاختصاص المكاني).
تطبيقات عن ميراث الحمل :
1- توفى عن زوجة واب وام وبنت وزوجة ابن حامل , فما نصيب كل منهم؟
الورثة زوجة اب ام بنت زوجة ابن حامل
الفروض ثمن سدس سدس نصف الباقي على فرض انه ذكر
اصل المسألة 24
السهام 3 4 4 12 1
2- توفى عن زوجة حامل واب فما نصيب كل وارث ؟
الورثة الاب الزوجة الحمل ذكر
الفراض سدس الثمن الباقي
المسألة الارثية 24
السهام 4 3 17
اما لو كان الحمل انثى تأخذ النصف فرضا والباقي ردا.
وعلى ضوء البحث تقام دعوى تصحيح قسام شرعي امام ذات المحكمة التي صدر منها القسام وترفق مع استدعاء الدعوى نسخة من القسام الشرعي ونسخة من شهادة الولادة (بيان الولادة) وبهذا نكون قد انتهينا من بحث ميراث الجنين شرعا وقانونا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1- https://www.almaany.com › dict › ar-ar ›
2- https://www.maajim.com › dictionary
3- د. عبد المجيد الحكيم , الموجز في شرح القانون المدني, الجزء الاول, مصادر الالتزام, المكتبة القانونية, بغداد, 1977م, ص 115.
4- د. عزيز كاظم جبر الخفاجي, أحكام عقد البيع مقارنة بالفقه الاسلامي, الكتاب الاول الانعقاد, منشورات زين الحقوقية لبنان, الطبعة الاولى, 2013, هامش ص 121.
5- د. احمد الكبيسي, شرح قانون الاحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون, مطبعة الارشاد, ج 2 , 1974م, ص 258 وما بعدها.
6- القاضي عباس السعدي والمحامي هادي عزيز علي, المبسوط في احتساب المسألة الارثية, الناشر شركة العاتك القاهرة, توزيع المكتبة القانونية, بغداد, 2002 , ص 168 وما بعدها .
7- د. والشيخ جواد احمد البهادلي, الوسيط في الوصايا والمواريث في ضوء قانون الاحوال الشخصية العراقي طبقاً للمذاهب الخمسة, العراق, النجف الاشرف, 2016 م , ص 174 .
8- السيد ابو القاسم الخوئي والسيد علي السيستاني, المسائل المنتخبة, العبادات والمعاملات, دار الصفوة, بيروت, لبنان, 2007 , ص 436 .
9- السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم , الاحكام الفقهية العبادات والمعاملات , دار الهلال, الطبعة السبعة, الحكمة للثقافة الاسلامية, 2003 م , ص 513 مسالة 1614.
10- علي محمد ابراهيم الكرباسي, شرح قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل, دار الحرية للطباعة, العراق, بغداد , 1989م, ص 156.
11- السيد ابو القاسم الخوئي, منهاج الصالحين, المعاملات, الجزء الثاني, النجف الاشرف, مطبعة النعمان, الطبعة الثامنة, 1980 , ص 415 .
12- القاضي محمد حسن كشكول والقاضي عباس السعدي, شرح قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل, المكتبة القانونية, العراق, بغداد , شارع المتنبي, ص 425 .
13- القاضي محمد حسن كشكول والقاضي عباس السعدي, المصدر اعلاه , ص 126 .
القوانين:
11- القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل
12- قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل
13- قانونالمرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 المعدل .
14- قانون رعاية القاصرين العراقي رقم 78 لسنة 1980 المعدل .
15- موقع محامي مواريث في الرياض
تعليقات
إرسال تعليق
اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة