القائمة الرئيسية

الصفحات

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية قراءات قانونية في ضوء دستور العراق الصادرعام 2005 (عصر الارصفة الفيدرالية) (ج: 2) بقلم د حيدر ادهم الطائي

 

 

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية

قراءات قانونية  في ضوء دستور العراق الصادرعام 2005

(عصر الارصفة الفيدرالية) (ج: 2)

بقلم د حيدر ادهم الطائي

 


 

 

المطلب الأول تحديد معنى الفيدرالية

     يراد بالدولة الفيدرالية أو الاتحادية طبقاً للمصطلح الشائع الوحدة القانونية والسياسية المتحققة بالشخصية القانونية الدولية التي تنشأ عادة وفقاً للأسلوب التقليدي باتفاق دول  مؤداه إقامة إتحاد دائم فيما بينها بحيث تتكون نتيجة هذا الاتحاد دولة جديدة هي الدولة الفيدرالية التي يجري فيها مباشرة السلطة طبقاً لدستور على حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد وعلى جميع رعاياها بالشكل الذي يؤدي إلى فناء الشخصية الدولية للدول الأعضاء في شخصية الدولة الفيدرالية مع ضمان تحقق نوع من الخصوصية في مباشرة بعض الاختصاصات لمصلحة الوحدات المكونة للاتحاد في الوقت الذي تبقى فيه الجوانب الأكثر أهمية في يد السلطات الفيدرالية كالشؤون الخارجية والدفاع والامن والاقتصاد وجوانب اخرى ذات الصلة بالمواضيع المتقدمة. ومن ثم, يمكن القول إن الصيغة الفيدرالية للدولة تعبر عن تنظيم قانوني ذي طبيعة دستورية داخلية كما أنها تعبر عن توجه سياسي لدول  راغبة في الاستمرار بالعمل في صيغة غير صيغة الدولة الموحدة أو البسيطة لأنها تسعى من خلال تبني الشكل الفيدرالي للدولة إلى تحقيق حدٍ معين من إحترام الخصوصية لمن يدخل في هذا الشكل من أشكال الاتحادات. وتوجد في الدولة الفيدرالية سلطات إقليمية تمارسها الولايات أو الكانتونات - أي الوحدات الفيدرالية الداخلة في الاتحاد المذكور- وهذه السلطات ذات طابع إداري تنفيذي وقضائي وتشريعي عينت لها داخل المجال المخصص في الدستور، فهي على حد تعبر "هاملتون" عبارة عن رابطة بين عدة دول تتشكل من خلالها دولة واحدة جديدة, وعلى حد قول "دايسي" فهي جهاز سياسي غرضه تكوين وحدة وطنية مع إستمرار حقوق كل دولة أو ولاية[1].

     وهنا من الضروري التمييز بين الوصفين المتقدمين للدولة الفيدرالية, ففي حين يحدد "هاملتون" مفهوم الفيدرالية على أساس الطريقة التقليدية في قيامها بصورة صحيحة, فان "دايسي" يخلط بين الفيدرالية والكونفيدرالية[2]. فالاولى أي الصيغة الفيدرالية للدولة تعبر عن تنظيم قانوني من طبيعة دستورية بحيث يعكس هذا الدستور بالضرورة توجه سياسي للقيادات الفاعلة في الدولة على العمل بصيغة غير صيغة الدولة البسيطة أو الموحدة, وعلى أساس من إحترام الخصوصية لمن يختار الشكل الفيدرالي.

    في حين إن الكونفيدرالية لا تعبر عن تنظيم دستوري داخلي, لكنها تعكس توجهاً إتفاقياً دولياً, فالاتحادات الكونفيدرالية تقوم في جوهرها على إتفاق أو معاهدة بين عدة دول ترى ضرورة في التعاون بمجالات أمنية وعسكرية وإقتصادية. ومن ثم, فان طبيعة الوثيقة التي تنظم عمل أجهزة الاتحادات الكونفيدرالية تبقى خاضعة لقواعد القانون الدولي العام باعتباره المنظم للعلاقات الدولية بموجب قواعد إتفاقية وأخرى عرفية وثالثة تعكسها المبادئ العامة للقانون التي أقرتها الأمم المتمدنة[3] بينما لا يكتسب دستور الدولة الاتحادية أية صفة دولية لكنه تصرف قانوني ذو توجهات سياسية يتسم بطبيعة داخلية خالصة.

وإذا كان هناك من يخلط بين الفيدرالية والكونفيدرالية على مستوى الفقه المكتوب فان الممارسة التي يسير عليها بعض سياسي الفيدراليات العريقة كرست تطبيقاً عملياً للرأي المذكور, وإن بقيت هذه الممارسة فاقدة لأي أساس قانوني أو دستوري متين، فضلاً عن كونها محل رفض من جانب الغالبية العظمى لسياسي وقانوني الدول الفيدرالية ذلك إن هناك حداً فاصلاً بين الفيدرالية والكونفيدرالية. فعلى سبيل المثال, من الصعب أن ننكر وجود تحديات كبيرة تواجه حتى أكثر الفيدراليات عراقة ونجاحاً في العالم ناشئة عن ممارسات ستؤدي بالضرورة الى تفكيكها لكي تتحول المشكلة من طبيعتها الداخلية الى طبيعة دولية مع بقاءها قائمة، فاذا كانت النتيجة المتقدمة هي ما سينتج عنه مستقبل السياسات المتبعة من جانب البعض وبخطوات شبيهة للتخلي البريطاني عن استراليا، فالمستعمرات الاسترالية لم تكن تملك شخصية دولية أو صلاحيات ذات شأن فيما يتعلق بالشؤون الخارجية في بدايات القرن العشرين إذ أن قيام المملكة المتحدة بادارة السياسة الخارجية للكومنولث الاسترالي لم يكن محل إعتراض فلم تدخل استراليا في معاهدات بالنيابة عن نفسها إلا أنه كان بامكانها الالتزام بالمعاهدات ذات الطبيعة التجارية التي عقدت من جانب الحكومة البريطانية، وأن تدخل في إتفاقيات فنية تتعلق بخدمات البريد والتلغراف وكانت القوانين الاسترالية التي تنتهك الالتزامات الاتفاقية البريطانية تواجه الرفض، وحتى بعد أن أصبحت استراليا عضواً في عصبة الأمم لكن كمقاطعة بريطانية تتمتع بحكم ذاتي بدلاً من أن تكون دولة مستقلة (وفي المؤتمرات الامبريالية اللاحقة تنازل البريطانيون تدريجياً عن الهيمنة على الشؤون الخارجية للمقاطعات وعن المعاهدات وعن تعيين ممثلين دبلوماسين والقيام بالسياسة الخارجية. وقد كانت استراليا مترددة في ممارسة هذه السلطات الجديدة، خلافاً لكندا وجنوب إفريقيا. إعتقدت استراليا إن أمنها يعتمد على حماية الامبراطورية البريطانية وبالتالي سعت من أجل المحافظة عليه الى إنتهاج سياسة أجنبية مشتركة مع الامبراطورية ككل. وعندما أعلنت بريطانيا الحرب ثانية في الحرب العالمية الثانية إفترض روبرت فنريس، رئيس وزراء استراليا، إن بلاده مشاركة في الحرب أيضاً. ولكن استراليا لم تستخدم سلطة إعلان الحرب لأول مرة إلا في عام 1941، وبدأت استراليا أيضاً خلال تلك الحرب بتعيين ممثليها الدبلوماسيين والاعتماد على التحالفات مع البلدان الأخرى مثل الولايات المتحدة لحمايتها).[4]

إن بعض الممارسات من جانب الوحدات المكونة في فيدراليات محدودة قد بدأت بالتجاوز على جانب من الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية كتلك المتعلقة بالأمور الخارجية, وهو أمر يعد تحدياً تواجهه عدة فيدراليات عريقة إذا ما تم النظر الى هذه المسألة من منظور سياسي.

وفي الولايات المتحدة الامريكية يتمثل التحدي الأول في بروز تفرقة بين الشؤون الخارجية والسياسة الخارجية، ففي الوقت الذي لا تعير واشنطن أهمية فيما يتعلق بانخراط الولايات بنشاطات الاقتصاد العالمي إضافة الى إقامة علاقات ذات طبيعة خاصة مع حكومات غير مركزية في الخارج أو حتى تعزيز الروابط الدولية التي تتعدى البعد الاقتصادي إلا إن الحكومة الاتحادية في واشنطن تريد من الولايات أن لا تتدخل في السياسة الخارجية، ومن الأمثلة عليها العقوبات من جانب واحد التي فرضتها ولاية ماساتشوستس ضد بورما (ماينمار)، والعقوبات من جانب واحد التي فرضتها ولاية ألينوي ضد السودان, وهذه ممارسات تتعارض مع ضرورة أن يكون للدولة صوت واحد حول قضايا السياسة الخارجية[5].

إن التوجه السالف الذكر سيقبل بدرجة أكبر طالما كانت البيئة الاقليمية غير مؤاتية حيث ترتبط بعض المكونات في الدول الفيدرالية بعلاقات عبر الحدود ذات طابع ديني أو قومي أو طائفي مما يشكل تحدياً لكيان الدولة تتجه نحو إحتمالات التفتيت, وهذا السيناريو بمخاطره يمكن تصوره بامتياز في منطقة الشرق الأوسط إلا إن نسبة هذه المخاطر ستقل الى حدٍ كبير في القارة الاوربية بالنسبة لدول فيدرالية مثل سويسرا والمانيا مثلاً, فالنظرة الى الموضوع المتقدم سيتم من خلال عين إقتصادية ثاقبة, وهي رؤية سليمة لأن من يخطط في تلك القارة "العجوز!!!" ويفكر لا يضع في إعتباره وهو محق مخاطر أمنية وسياسية عندما يلاحظ نشاطاً للوحدات الفيدرالية فيما أطلقنا عليه "الشؤون الخارجية لا السياسة الخارجية". والحقيقة أننا نلاحظ في العراق ومن خلال الممارسة المعلن عنها نشاطات فيما يطلق عليه "بالشؤون الخارجية" لدرجة يتم الاقتراب بموجبها من ممارسات "السياسة الخارجية" او محاولات بهذا الاتجاه التي تجعل الشكل الفيدرالي للدولة يميل عمليا نحو الصيغة الكونفيدرالية ذات المخاطر بالنسبة لبلد مثل العراق لعدم موائمة البيئة الاقليمية لمثل هذه الممارسة بل من الغريب حقاً إن بعض مجالس المحافظات قد مارست مثل هذه التصرفات فضلاً عن "إقليم كردستان العراق" بعد أن مهره واضعوا دستور عام 2005 بامتياز وبأنامل أياديهم المرتجفة صلاحيات واسعة فضلاً عن التوسع في التفسيرات باتجاه إضعاف المركز دون رقابة فعالة حتى أصبح واقع الفساد في عراق الاحتلال الامريكي أبرز علامات هذا البلد مرتبطاً بالعملية السياسية التي تبدو الحاجة معها الى ضرورة البدء باصلاحات لها ذات جسارة وجرأة بحيث تستقيم الامور لمصلحة كافة ابناء الشعب العراقي.

    وتتميز الدولة التي تأخذ بالفيدرالية كخيار لشكل الدولة بعدد من الخصائص المشتركة فهناك نوع من الثنائية على مستوى الحكومة, أي هناك مستويين للسلطة التنفيذية الأولى للدولة الفيدرالية بمعنى السلطات الفيدرالية، والثانية للأقاليم[6]، وكل حكومة أو سلطة تنفيذية لها علاقة إنتخابية مباشرة مع مواطنيها, وهذه هي الخاصية الأولى. كما إن هناك دستوراً مكتوباً بحيث لا يجري تعديل بعض مواده. وعلى وجه التحديد, تلك المتعلقة بوضع الوحدات الفيدرالية من جانب الحكومة الفيدرالية بمفردها وإنما يشترط بصفة عامة موافقة الوحدات المذكورة إضافة إلى موافقة الحكومة المركزية "الاتحادية"، وهذه هي الخاصية الثانية.

     وقد سار دستور عام 2005 العراقي في الاتجاه المذكور فيما يتعلق بما نصت عليه المادة (126/ رابعاً)[7] في حين لم يؤخذ بهذا التوجه بخصوص ما ورد في المادة (140) ذات العلاقة بكركوك[8] مما يوفر أرضية صلبة يقف عليها كل من ينظر الى طبيعة الصياغات الدستورية الواردة في دستور عام 2005 من جهة حقيقة توجهاتها السياسية بعين الشك والريبة.



[1] أبدوريا، ترجمة: نوري محمد حسن، المدخل إلى العلوم السياسية, النظريات الأساسية في نشأة الدولة وتطور الأحكام والنظم والقوانين والدساتير في أهم دول العالم، الطبعة الأولى، بغداد، 1988، ص262.

[2] يحدد رونالد ل.واتس المقصود بالاتحادات الكونفيدرالية بقوله: (تقع هذه الحالة عندما تتحد أنظمة حكم سياسية تشكيلاً لحكومة مشتركة وخدمة لبعض الأهداف المحددة كالأهداف الدفاعية أو الاقتصادية. غير إن الحكومة المشتركة تبقى معتمدة على الحكومات المكونة. ففي الاتحادات الكونفيدرالية، لا تملك الحكومة المشتركة إلا قاعدة إنتخابية أو مالية مباشرة، نظراً الى إن الحكومات الاعضاء تتصرف كوسيط بين الحكومة المشتركة والموظفين. بالمقارنة مع الوحدات المكونة في الاتحادات الفيدرالية، ويعزز هذا النظام إستقلالية الحكومات الأعضاء، لا سيما وانه يفرض موافقتها على السياسات المشتركة العامة كلها قبل سريان مفعولها. الا إن ذلك يعني، في الوقت نفسه، إن موقف الحكومة المشتركة أضعف بالنسبة للتعامل الحاسم مع المواضيع المثيرة للنزاع، أو إعادة توزيع الموارد. في هذا الاطار، يذكر التأريخ مثالي سويسرا في أغلب الحقبة الممتدة في 1291 الى 1847 ، والولايات المتحدة من 1776 الى 1789، وقد خلف الاتحاد الفيدرالي النظام السائد في كلا هذين البلدين....... وتجدر الاشارة الى إن الاتحاد الاوربي يعد كونفيدرالياً في المقام الأول، رغم أنه يدمج بشكل متزايد بعض مزايا الاتحاد الفيدرالي).

رونالد ل. واتس، نماذج المشاركة الفيدرالية في السلطة، المعهد الديمقراطي الوطني، بيروت، ص6- 7.

 [3]تحدد المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية مصادر القانون الدولي بالتسلسل المذكور في أدناه:

(1. وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع اليها وفقاً لأحكام القانون الداخلي, وهي تطبق في هذا الشأن:

أ. الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صراحةً من جانب الدول المتنازعة.

ب. العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.

ج. مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.

د. أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم ويعتبر هذا أو ذاك مصدراً إحتياطيا لقواعد القانون وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59.

2. لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقاً لمبادئ العدل والانصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك).

 

[4] آن تومي، ترجمة: مها البسطامي، العلاقات الخارجية في استراليا تطور وإصلاح، مقال منشور في حوارات بشأن العلاقات الخارجية في الدول الفيدرالية , تحرير: راؤول بليندنباخر وشاندرا باسما, سلسلة كتيبات الحوار العالمي حول الفيدرالية، الجزء الخامس، منتدى الاتحادات الفيدرالية والرابطة الدولية لمراكز الدراسات الفيدرالية، كندا، 2007، ص15.

[5] ايرل فراي، ترجمة: مها البسطامي، الفيدرالية الخارجية الأمريكية: استيعاب الخطوات التي تقوم بها الولايات, مقال منشور في حوارات بشان العلاقات الخارجية في الدول الفيدرالية, تحرير: راؤول بليندنباخر وشاندرا باسما, سلسلة كتيبات الحوار العالمي حول الفيدرالية، الجزء الخامس، منتدى الاتحادات الفيدرالية والرابطة الدولية لمراكز الدراسات الفيدرالية، كندا، 2007، ص55.

[6] تتنوع أسماء الوحدات المكونة للدولة الفيدرالية حيث تستخدم تسمية الولايات في استراليا، والبرازيل، وإثيوبيا، والهند، وماليزيا، والمكسيك، ونيجيريا، والولايات المتحدة الأمريكية، بينما تستخدم تسمية مقاطعات في الأرجنتين، وكندا، وباكستان، وجنوب أفريقيا، وتستخدم تسمية لاند في ألمانيا، والنمسا، ويطلق على الوحدات الفيدرالية تسمية كانتونات في سويسرا، وتوجد في بلجيكا أقاليم ومقاطعات، ومناطق حكم ذاتي في أسبانيا، في حين تضم روسيا مناطق وجمهوريات ومناطق حكم ذاتي وأقاليم ومدن ذات أهمية فيدرالية، وتضم بعض الأنظمة الفيدرالية الصغيرة جزراً. أنظر جورج أندرسون، ترجمة: مها تكلا، مقدمة عن الفيدرالية، منتدى الاتحادات الفيدرالية، كندا، 2007، ص3.

[7] نصت المادة (126/ رابعاً) على: (لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الاقاليم التي لا تكون داخله ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام).

إن المادة المذكورة كما يظهر من صياغتها لا تحدد الأغلبية المطلوبة بصورة واضحة فهل هي أغلبية الثلثين (الموصوفة) أم الأغلبية المطلقة ؟

[8] نصت المادة (140) على: (أولاً- تتولى السلطة التنفيذية إتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها. ثانيا- المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على أن تنجز كاملة التطبيع الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، لتحديد إرادة مواطنيها- في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة الفين وسبعة).

وكانت المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية قد نصت على: (أ- تقوم الحكومة العراقية الانتقالية ولا سيما الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية  العقارية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وعلى وجه السرعة، باتخاذ تدابير، من أجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق والمتمثلة بتغير الوضع السكاني لمناطق معينة بضمنها كركوك، من خلال ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان من العمل، ومن خلال تصحيح القومية. ولمعالجة هذا الظلم، على الحكومة الانتقالية العراقية إتخاذ الخطوات التالية:-

1. فيما يتعلق بالمقيمين المرحلين والمنفيين والمهجرين والمهاجرين، وإنسجاماً مع قانون الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية، والاجراءات القانونية الأخرى، على الحكومة القيام خلال فترة معقولة، باعادة المقيمين الى منازلهم وممتلكاتهم، وإذا تعذر ذلك على الحكومة تعويضهم تعويضاً عادلاً.

2. بشأن الافراد الذين تم نقلهم الى مناطق وأراضي معينة، وعلى الحكومة البت في أمرهم حسب المادة 10 من قانون الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية، لضمان إمكانية  إعادة توطينهم، أو لضمان إمكانية تلقي تعويضات من الدولة، أو إمكانية تسلمهم لأراضٍ جديدة من الدولة قرب مقر إقامتهم في المحافظة التي قدموا منها، أو إمكانية تلقيهم تعويضاً عن تكاليف إنتقالهم الى تلك المناطق.

3. بخصوص الأشخاص الذين حرموا من التوظيف أو من وسائل معيشية أخرى لغرض إجبارهم على الهجرة من أماكن إقامتهم في الأقاليم والأراضي، على الحكومة أن تشجع توفير فرص عمل جديدة لهم في تلك المناطق والأراضي.

4. أما بخصوص تصحيح القومية فعلى الحكومة إلغاء جميع القرارات ذات الصلة، والسماح للأشخاص المتضررين، بالحق في تقرير هويتهم الوطنية وإنتمائهم العرقي بدون إكراه أو ضغط.

ب- لقد  تلاعب النظام السابق أيضاً بالحدود الادارية وغيرها بغية تحقيق أهداف سياسية. على الرئاسة والحكومة العراقية الانتقالية تقديم التوصيات الى الجمعية الوطنية وذلك لمعالجة تلك التغييرات غير العادلة. وفي حالة عدم تمكن الرئاسة من الموافقة بالاجماع على مجموعة من التوصيات، فعلى مجلس الرئاسة القيام بتعيين محكم محايد وبالاجماع لغرض دراسة الموضوع وتقديم التوصيات، وفي حالة عدم قدرة مجلس الرئاسة على الموافقة على محكم، فعلى مجلس الرئاسة ان تطالب من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين شخصية دولية مرموقة للقيام بالتحكيم المطلوب.

ج- تؤجل التسوية النهائية للأراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك الى حين إستكمال الاجراءات أعلاه، وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف والى حين المصادقة على الدستور الدائم. يجب إن تتم هذه التسوية بشكل يتفق مع مبادئ العدالة، آخذاً بنظر الاعتبار إرادة سكان تلك الأراضي).

أنظر بخصوص بعض الجوانب ذات الصلة بالمادة (58) والمادة (140) من الدستور، آيدن أقصو، السطوح المتصدعة, أصل الصراعات والتدخلات الأجنبية في كركوك، الطبعة الثانية، بغداد، 2006.

محمد أمين العساف، كركوك في النصوص الدستورية العراقية, قراءات في بعض الجوانب القانونية، مجلة الملتقى، مركز آفاق للدراسات والأبحاث العراقية، العدد ,10/ 2008.

وفي السياق ذاته يمكن الاشارة الى ما أوردته منظمة العفو الدولية بخصوص ممارسة أعمال تهجير قسري ضد العرب بعد العام 2003 وهي تصرفات تأكدت ليس في كركوك فقط بل في نواحي غالبية سكانها من العرب حيث جاء في التقرير المذكور: (وبحسب الأنباء الأخيرة أقدم أنصار الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الوطني الديمقراطي الكردستاني ومجموعات تعمل بالتعاون الوثيق مع القوات الأمريكية على تهجير العرب قسراً من ديارهم ويترتب على الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بوصفها دولتي إحتلال واجب التأكد من عدم حصول أي تهجير قسري إلا في الظروف المحددة التي تجيزها المادة 49).

أنظر الوثيقة الصادرة عن منظمة العفو الدولية MDE4/089/2003 في 16 نيسان 2003/ العراق : مسؤوليات دول الاحتلال، ص10.

وفي وثيقة أخرى صادرة عن منظمة العفو الدولية عام 2009 جرى تأكيد وجود ذات الانتهاك، فضلاً عن إنتهاكات أخرى حيث ورد في التقرير المذكور ما يلي: (وفي أعقاب انهيار الحكومة العراقية السابقة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، أرسلت سلطات إقليم كردستان آلافاً من أفراد الأمن الكردية الى كركوك، وورد أنهم الآن يسيطرون عملياً على هذه المدينة ذات الثراء النفطي وعلى كثير من المناطق المتاخمة لها والمتنازع عليها، وأنهم أرغموا الكثير من العراقيين العرب، ومن أفراد الأقلية العرقية التركمانية على الرحيل). أنظر الترجمة الكاملة لهذا التقرير منشوراً تحت عنوان: (الأمل والخوف, حقوق الانسان في إقليم كردستان العراق) مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 363، بيروت، ايار 5/2009، ص104.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع