القائمة الرئيسية

الصفحات

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية قراءات قانونية في ضوء دستور العراق الصادرعام 2005 (عصر الارصفة الفيدرالية) (ج: 3) بقلم د حيدر ادهم الطائي

 

 

 

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية

قراءات قانونية  في ضوء دستور العراق الصادرعام 2005

(عصر الارصفة الفيدرالية) (ج: 3)

بقلم د حيدر ادهم الطائي

 

 

الخاصية الثالثة

 

     إن الدستور هو الذي يرسم حدود السلطات التشريعية بما في ذلك السلطات المالية لمستوى الحكومة وبشكل يضمن تحقيق قدر من الاستقلال الذاتي الحقيقي لكل مستوى، وهذه قضية تختلف الأنظمة الفيدرالية في معالجتها[1].

الخاصية الرابعة تتمثل بوجود بعض الترتيبات ذات الطبيعة الخاصة في المجالس البرلمانية الثانية أي العليا الممثلة للوحدات الفيدرالية بحيث تسمح للأقاليم المشاركة في صنع القرار المركزي دون مراعاة لعدد السكان.

     الخاصية الخامسة تتمثل بوجود نوع من عملية التحكيم أو إجراء مشابه للتحكيم في المنازعات الدستورية بين الحكومات فضلاً عن وجود إجراءات ومؤسسات لتسهيل وتنسيق العلاقات بين الحكومات، ولا نجد في طيات دستور عام 2005 إجراءات تحكيمية تكون ملزمة للسلطات الفيدرالية والوحدات المكونة تحمي حقوق كلا الطرفين وتحافظ على وحدة الدولة إذا آمنا بوجود فرق بين التحكيم وعملية اللجوء الى التسوية القضائية ضمن إختصاصات المحكمة الاتحادية العليا فهل يمكن تصور وجود مثل هذه الآلية في أي تعديل دستوري وما هي الفائدة منها ؟

    إن الاجابة عن هذا السؤال بحاجة الى دراسة أخرى ربما من اللازم أن تكون متخصصة وتنصب مباشرة على تقييم هذا الخيار.

    لقد مرت فكرة الدولة الفيدرالية وتطبيقاتها على مستوى دول العالم بمراحل متنوعة عكست خصوصية تجربة كل بلد، ففي حين إحتفظت بعض الأنظمة الفيدرالية بالاستمرارية الدستورية، وهذا هو حال الولايات المتحدة الأمريكية في حين مرت إتحادات أخرى بفترات إنقطاع قانونية نتيجة الثورات التي قامت أو بتأثير الانقلابات التي قادها الجيش، ويرجع أحد الكتاب أسباب اللجوء إلى تبني الشكل الفيدرالي للدولة لمجموعة عوامل منها التطورات الحديثة في قطاع المواصلات، والتقدم العلمي والتنظيم الصناعي بحيث أصبح مبرراً تبني تنظيمات سياسية كبيرة لتحقيق هدف الإنسان في الوصول إلى مستوى معيشي مرتفع دون أن يكون متواجداً في المركز إضافة الى إعتبارات تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والنفوذ في الساحة السياسية بإتاحة فرصة المشاركة للجميع عن طريق تبني آليات دستورية وقانونية تسمح بتحقيق الهدف المذكور فضلاً عن مرونة الأنظمة الفيدرالية التقليدية التي أثبتت أنها القادرة على مواجهة الأزمات بطريقة أكثر إيجابية من الدولة البسيطة بالنسبة لبعض المجتمعات[2],وهي بهذا الشكل تكون قد حققت هدف إدارة التنوع الديني والقومي.....الخ بعيداً عن آليات الصراع غير المسيطر عليها، فالأنظمة الفيدرالية لا تستهدف القضاء على التنوع في المجتمعات بل إن جل إهتمامها ينصب على التوفيق بين الفروقات الاجتماعية ومصالحتها وإدارتها  ضمن حكومة يشترك فيها الجميع[3].

     لقد تطورت الاتحادات الفيدرالية المعروفة في العالم مع مرور الوقت بطريقة ربما لم تكن متصورة في عقول الجيل الأول المؤسس لها إذ كان من المقرر أن تكون كل من الولايات المتحدة واستراليا إتحادات فيدرالية لامركزية ولكنها أصبحت مركزية بمرور الوقت، في حين تطورت كندا التي كان من المتصور أن تكون فيدرالية مركزية إلى فيدرالية لامركزية[4]. وفي كل الأحوال, فإن نجاح أية تجربة فيدرالية يعتمد إلى حدٍ كبير على وجود نسبة متميزة تشكل غالبية من السكان الذين يملكون شعوراً بالانتماء لهوية البلد الفيدرالي وبالنتيجة سيعزز هذا الخيار الإحساس بالولاء لهذا الوطن، وربما كانت عملية السعي باتجاه التوحد في بعض الحالات من الأمور المحورية لقيام الدولة الفيدرالية، فالتأريخ السياسي لبعض التجارب الفيدرالية العريقة في العالم يكشف لنا عن وجود وحدات كانت منفصلة سابقاً إلا إنها آمنت بوجود مصالح مشتركة وهوية مشتركة أي جنسية مشتركة[5] بدرجة كافية من النضج بحيث شكلت إتحاداً فيدرالياً يُبنى على قناعتها إن الشكل الفيدرالي للدولة كان يسمح لكل وحدة فيدرالية بالمحافظة على قدر من الاستقلال الذاتي فضلاً عن العناصر التي ستتوافر من خلال التجمع أو الاتحاد مع الوحدات الفيدرالية الأخرى والتي ستوفر عوامل جذب وعناصر قوة مضافة للمجتمع وللوحدة السياسية التي تأخذ بالشكل الفيدرالي للدولة.

    إن هذا الجانب قدر تعلق الأمر بالعراق يقتضي الانتباه له جيداً فوجود إستثمارات لدول مجاورة في إقليم واحد أو محافظة واحدة حصراً أمر غير مرغوب فيه بالنسبة للبعض، وبشكل خاص إذا نظرنا إلى تأثير ذلك على المستقبل القريب أو البعيد إذ ان مثل هذه الممارسة ستقود إلى تركيز مصالح البلد المستثمر (البلد المجاور للعراق) في  منطقة جغرافية معينة إضافة إلى إرتباط مصالح إقليم فيدرالي أو محافظة غير منتظمة في إقليم بدولة محددة مما يقتضي وضع حد أعلى للاستثمارات الأجنبية في العراق أو مراقبة هذا الجانب بصورة جيدة في كل إقليم فيدرالي أو محافظة غير منتظمة في إقليم. وعند عدم توافر مثل هذه العناصر فإن ذلك ربما سيقود إلى فشل تطبيق الفيدرالية  أو يساهم في تحقيق هذه النتيجة لتواجه هذه المجتمعات خيارات أخرى، وسبب النتيجة المذكورة قلة الخبرة بالديمقراطية وإنعدام التربية عليها وقلة الصبر على آلياتها، فضلاً عن عدم وجود إمتداد زمني مقبول للديمقراطية يعيه جيل عراق القرن الحادي والعشرين بحيث يشارك فيه الجميع مما يعني أيضاً شعوراً ضعيفاً بوجود مصالح مشتركة تعمل على تحقيقها وتشمل الكافة.

    ومن المفيد الإشارة الى إن تأريخ الدولة العراقية الأولى قد شهد تطبيقاً لنظام اللامركزية الإدارية في سياق الدولة الموحدة أو البسيطة, ونظام اللامركزية الإدارية يمنح الوحدات الإقليمية أو المحلية, وهي المحافظات والمدن والقرى إختصاصات ذات طابع إداري يتم مباشرتها بقدر من الاستقلال تحت إشراف السلطة المركزية, وهذا التنظيم يختلف عما عليه الحال في الدولة الفيدرالية إذ تتمتع الوحدات الفيدرالية باختصاصات داخلية كبيرة وبسلطات عامة محلية مما يعني وجود فروق كبيرة من حيث الطبيعة والدرجة بين الفيدرالية من جهة واللامركزية الإدارية من جهة أخرى, ذلك إن وجود نوع من تقسيم السلطة أمر قائم في كلا الحالتين إلا إن الدولة الفيدرالية تقوم على شكل من أشكال اللامركزية-توزيع السلطات- ذات طبيعة سياسية وليست ذات طبيعة إدارية كما هو الحال في الدولة الموحدة.

    إن الوحدات الفيدرالية تتمتع بنوع من السيادة التي لا تحضى بها الوحدات الإدارية ضمن مفهوم اللامركزية الإدارية في الدولة الموحدة أو البسيطة فاختصاصات الوحدات الإدارية ذات طبيعة إدارية محدودة يسمح لها بإنشاء وإدارة المرافق ذات الطابع المحلي فضلاً عن عدم تمتعها بوضيفتي التشريع والقضاء.

    ويترتب على ما تقدم إن إختصاصات الوحدات الإدارية يجري تنظيمها بتشريع عادي لا من خلال نصوص دستورية, وبالنتيجة يمكن تعديل هذا التشريع في كل وقت دون إمكانية الاحتجاج على ذلك من قبل الوحدات الإدارية بأي حق مكتسب بل إن المشرع يستطيع أن يلغي اللامركزية الإدارية كلها ويعود باتجاه تطبيق شكل من النظام المركزي, كما تفتقد الوحدات اللامركزية لدستور بالمقارنة مع الوحدات الفيدرالية بالنسبة للفيدراليات التي تكونت من إتحاد دول مستقلة لا من دولة موحدة سارت نحو الفيدرالية على أساس إن المفهوم الأخير –الفيدرالية- يشكل نوعا من اللامركزية السياسية.

    من جانب آخر يلاحظ في الفيدراليات مشاركة الولايات في تكوين إدارة الدولة على المستوى المركزي فالبرلمان الفيدرالي يحتوي على مجلس يمثل الولايات فلكل ولاية مندوبها أو مندوبيها بشكل تتساوى فيه جميع الولايات والبرلمان الاتحادي الذي يعد المعبر عن إرادة الشعب كله وإرادة الدولة يقوم بإصدار القوانين الفيدرالية ويدخل في تكوينه ممثلوا الولايات فضلاً عن إرادة الولايات وموافقتها على قدر من الأهمية لكل تعديل يجري في دستور الاتحاد.

    أما في حالة اللامركزية الإدارية فلا يوجد أي دور للوحدات الإدارية في تكوين البرلمان إذ ترسل المحافظات ممثلين عنها باعتبارهم نواباً في السلطة التشريعية, فالبرلمان في الدولة البسيطة أو الموحدة يتشكل من خلال إنتخابات نزيهة أو يفترض ذلك لا على أساس تمثيل الوحدات المحلية, وليس لهذه الوحدات أي دور أو رأي في تعديل حتى التشريع العادي الذي يتولى تنظيم إختصاصاتها الإدارية. وفي النظام الفيدرالي ليس من حق الحكومة الاتحادية الرقابة والإشراف على طريقة ممارسة الولايات لاختصاصاتها أو صلاحياتها المحددة بموجب نصوص الدستور الاتحادي إذ إن الرقابة المتصورة هنا لا تمارس من جانب الحكومة وإنما من قبل السلطة القضائية الفيدرالية على وجه الحصر في حالة خروج إحدى الولايات عن حدود إختصاصاتها الدستورية بحيث أدى هذا الى الاعتداء على إختصاص الاتحاد أو ولاية أخرى, ويختلف الأمر في حالة إعمال نظام اللامركزية الإدارية فمن المبادئ المعروفة أن الوحدات المحلية تخضع لإشراف ورقابة الحكومة المركزية حيث نستطيع أن نتصور في هذه الحالة قيام الحكومة المركزية برفض التصديق على قرارات الوحدة المحلية وربما إلغائها إذا كانت مخالفة للقانون أو سياسة وخطط الدولة العامة أو في حالة الخروج عن الاختصاص وتصل رقابة الحكومة الى حد حل المجلس المنتخب الذي يمثل الوحدة المحلية أو عزل بعض أعضائه طبقاً لما تقضي به القواعد القانونية ذات العلاقة.

 



[1] أنظر حول الجوانب المالية في الفيدراليات راؤول بليندنباخر وأبيغيل أوستاين كاروس/ ترجمة:Amm Arabic Translation and Interpretation Services Inc حوار عالمي حول الفيدرالية, حوارات حول ممارسة الفيدرالية المالية: وجهات نظر مقارنة، الجزء الرابع، منتدى الاتحادات الفيدرالية والرابطة الدولية لمراكز الدراسات الفيدرالية، كندا, 2007.

[2] محمد أنور عبد السلام، دراسات في النظم الاتحادية بين النظرية والتطبيق، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ص56-58.

[3] رونالد ل.واتس، المصدر السابق، ص4.

[4] دافيد كاميرون، انجاح الفيدرالية في العراق, فصل من كتاب كيف نمنع جيل آخر من الصراع، ص4.

[5] يشير محمد عابد الجابري الى مسألة مهمة تتعلق بموضوع الهوية والجنسية, ولانرى مجالاً لهذا التمييز في العراق بين العرب والأكراد والتركمان وباقي القوميات الأخرى على أساس وجود مواطنين بالهوية الوطنية ومواطنون بالجنسية القانونية حيث يذكر: (وهكذا أصبحت الهجرة الى أوربا عبر تيارين: الأول ينطلق من شرقها، ومن دول شرق أوربا بالتحديد، وقد كان وما يزال محل ترحيب، أو على الأقل موضوع قبول، والثاني ينطلق من جنوبها – من افريقيا والوطن العربي – ولكن هذه المرة، ليس كهجرة مطلوبة بل كهجرة ترى فيها شرائح عديدة في المجتمعات الأوربية تهديداً لهويتها. وقد تنامى هذا الشعور بعد أن أصبح المهاجرون أجيالاً ثلاثة تبعاً للحظات الثلاث التي ذكرنا – وصار كثير منهم يحملون الجنسية القانونية للبلد الذي يقيمون فيه- خاصة في فرنسا- مما جعل المواطنين في تلك المجتمعات صنفين: مواطنين بالهوية الوطنية ومواطنون بالجنسية القانونية).

محمد عابد الجابري، الهوية والعولمة- المصالح القومية، أوراق عربية (1) شؤون سياسية (1) مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، 2011، ص9-10.

وما يجب أن ينتبه اليه في العراق ضرورة ألا تؤدي الفيدرالية كما هي مطبقة الآن الى إيجاد نوعين من المواطنين بالنسبة لكافة القوميات وخصوصاً الأكراد فما يجمع كافة العراقيين هو بالتأكيد أكثر من الذي يمكن أن يفرقهم.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع