القائمة الرئيسية

الصفحات

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية قراءات قانونية في ضوء دستور العراق الصادر عام 2005 (عصر الارصفة الفيدرالية ج: 6) بقلم د حيدر ادهم الطائي

  

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية

قراءات قانونية  في ضوء دستور العراق الصادر عام 2005

(عصر الارصفة الفيدرالية ج: 6)

بقلم د حيدر ادهم الطائي

 


 

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية قراءات قانونية  في ضوء دستور العراق الصادر عام 2005 (عصر الارصفة الفيدرالية)

بقلم د حيدر ادهم الطائي

 

المطلب الثاني المصادر القانونية للاختصاصات ومعايير التوزيع

   يقوم الدستور الفيدرالي عادة باعتماد نظام محدد لتوزيع السلطات التشريعية والمالية، أو إن هذا التحديد يتم من خلال ترتيبات ثنائية بين حكومة الاتحاد والوحدات المكونة للدولة الفيدرالية، كما تسمح دساتير بعض الدول الفيدرالية بتفويض المسؤوليات التشريعية بين مستويات الحكومة، وهذا توجه جيد نصت عليه المادة (123) من دستور العراق لعام 2005 نقرأ فيها: (يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات، أو بالعكس، بموافقة الطرفين، وينظم ذلك بقانون) في حين لا نجد جوازاً قانونياً بذلك في أنظمة فيدرالية أخرى، وإذا كانت دساتير الدول الفيدرالية تختلف إلى حدٍ كبير في أسلوب تقسيم السلطات وبقية التفاصيل ذات الصلة بالموضوع المتقدم إذ يتضمن دستور الولايات المتحدة على سبيل المثال (18) عنواناً رئيسياً للسلطات الحصرية للحكومة الفيدرالية في حين تبقى كافة السلطات المتبقية في يد الولايات.

    أما الدستور الهندي فهو يحتوي على ثلاثة قوائم طويلة: الأولى هي القائمة الاتحادية وتتضمن (97) عنواناً رئيسياً، والقائمة المتزامنة وتحتوي على (47) عنواناً، وقائمة الولايات وتضم (66) عنواناً. وإذا كان التقسيم المتقدم للسلطات بين مستويات الحكم في الدولة الفيدرالية يجد الأساس المبرر له في النصوص ذات المصدر التشريعي فقد أسهمت التفسيرات القضائية فضلاً عن الممارسة السياسية بصورة جوهرية في المسير بعيداً عن نية واضعي الدستور وتوجهاتهم السياسية، وهذا ما يمنح النظام الفيدرالي المتقبل لمثل هذه الممارسات مرونة أكبر في الدساتير الفيدرالية القديمة نظراً لطابع القصر الملازم لها[1]، إذ إنها دساتير إبتعدت عن التفصيل مما سمح بظهور ممارسات وأعراف مكملة[2] لمعالجة حالة القصور الدستوري في المعالجة القانونية.

فيما يرتبط بمعايير توزيع السلطات يلاحظ عدم وجود أسلوب يتسم بالبساطة لتحديد التقسيم الملائم للسلطات بين مستويات الحكومة، وهناك فكرة مضمونها أن تحصل الحكومة المركزية على السلطات في حالة كون ذلك ضرورياً لتحقيق هدف ما أو عن إضافة قيمة ما مقارنة بما يمكن لحكومات الوحدات المكونة تحقيقه بمفردها.

    من جانب آخر تعمد الدساتير الفيدرالية إلى تبني فكرة منح الوحدات الفيدرالية السلطات ذاتها في حين تتبنى أنظمة فيدرالية أخرى أسلوب اللاتماثلية في توزيع السلطات، وهذا ما سار عليه عراق ما بعد العام 2003 إذ يوجد إقليم واحد يتمتع بسلطات واسعة للغاية فضلاً عن محافظات غير منتظمة في إقليم تتمتع بصلاحيات أقل أهمية من صلاحيات إقليم كردستان. إلا إن هذا الأسلوب اللاتماثلي في توزيع السلطات يتم اللجوء إليه بصورة محددة فوجود عدم تماثل كبير سوف يجعل الاتحاد أمام تحديات، ويشمل مصطلح عدم التماثل على أمثلة كثيرة، كعدم تماثل الوزن السياسي، أو عدم تماثل الحقوق لمجموعة أو لغة ما أو عدم التماثل في المكانة، أو سلطات غير متماثلة، والحقيقة إن معظم السلطات غير المتماثلة ذات الطابع الدستوري المعروفة في الأنظمة الفيدرالية هي من الناحية العملية ممارسة ثانوية نسبياً أو هي عبارة عن ترتيبات خاصة لوحدات مكونة صغيرة للغاية ومتميزة بشكل ملحوظ، ومن النماذج الحية لوحدات فيدرالية تمنح سلطات لاتماثلية وضع مقاطعة كيبك التي تتمتع بصورة عملية بترتيبات غير محددة دستورياً مع الحكومة الفيدرالية بحيث تحصل هذه المقاطعة على سلطات مختلفة عن تلك التي تحصل عليها المقاطعات الكندية الأخرى، كمخصصات التقاعد و الضرائب والبرامج الاجتماعية، وتمنح ماليزيا ولايات البورنيو سلطات ذات طبيعة خاصة على القوانين المتعلقة بالسكان الأصليين، ووسائل الاتصالات، ومصائد الأسماك، والغابات والهجرة[3].

    من جانب آخر وفي إطار التجارب الفيدرالية الموجودة في العالم يلاحظ في استراليا حصول عدد من المراجعات الهامة ذات العلاقة بتوزيع السلطات والمسؤوليات رغم إن التغييرات الدستورية الرسمية كانت قليلة في تأريخ الدستور الاسترالي إلا إن المستوى الوطني للحكومة أو الكومنولث تمكن من الحصول وبصورة تدريجية على سلطات متزايدة على حساب الولايات بهدف تلبية متطلبات الدور والمسؤوليات المتغيرة للحكومة، والحقيقة إن هناك ثورة هادئة حصلت في توازن القوى والمسؤوليات بين المركز والولايات خلال القرن العشرين بحيث أصبحت أستراليا اليوم من أكثر الأنظمة الفيدرالية مركزية في العالم.

والجدير بالذكر إن الفيدرالية الاسترالية هي وليدة الفيدرالية الأمريكية ذلك إن العديد من واضعي الدستور الاسترالي كانوا قد ذهبوا الى الولايات المتحدة ودرسوا القانون الدستوري الأمريكي وتم تفضيله على النظام الكندي.

ويمنح الدستور الاسترالي سلطات حصرية في مجال الدفاع والرسوم الجمركية والضرائب والعملة والأمور التي تعتبر من إختصاص الكومنولث، وعندما تتعامل قوانين الكومنولث والولاية مع الموضوع نفسه كقوانين تنظيم الشركات فإن الغلبة عند التعارض ستكون لقوانين الكومنولث[4]، وهذا عكس الاتجاه الموجود في الدستور العراقي, وهو إتجاه منتقد للغاية قاد الى صراعات عديدة بين السلطات الاتحادية من جانب واقليم كردستان والمحافظات غير المنتظمة في إقليم من جانب آخر.

إن التجربة الفيدرالية المقارنة تعكس وجود أنواع من اللاتماثلية السياسية والدستورية إذ يوجد نوعين من اللاتماثل بين الوحدات الفيدرالية الاقليمية تؤثر في عمل الفيدراليات وهذين النوعين هما: النوع الأول يمكن أن يوصف أنه لا تماثل سياسي يقوم نتيجة تأثير عوامل ثقافية وإقتصادية وإجتماعية وسياسية تؤثر على القوة النسبية والعلاقات بين الوحدات الاقليمية من جهة وبين الحكومة الفيدرالية من جهة أخرى.

النوع الآخر يوجد في بعض الفيدراليات يطلق عليه اللاتماثل الدستوري, ويشير الى درجة من عدم الاتساق التي تصلها السلطات المخصصة دستورياً للوحدات الاقليمية ذات الطبيعة الفيدرالية.

ومن الأمثلة التي تضرب على حالة اللاتماثلية السياسية ذات المصدر السكاني مقاطعة بروسيا ضمن الكونفيدرالية الألمانية حتى ثلاثينيات القرن الماضي، ومنطقة الفلمنك داخل فيدرالية بلجيكا الحالية في حين يراد باللاتماثل الدستوري الفوارق في المكانة أو السلطات التنفيذية والتشريعية المحددة دستورياً للوحدات الاقليمية المختلفة، وتتوفر ثلاثة طرق لاقامة لا تماثل دستوري في توزيع السلطات ضمن الأنظمة الفيدرالية:

السبيل الأول يقضي بزيادة السلطات الفيدرالية بما يتجاوز المعيار العام أي تقليص الحكم الذاتي الاقليمي في ولايات محددة للقيام بمهمات معينة ضمن الشكل الفيدرالي للدولة، وتوجد مثل هذه الترتيبات في الهند.

السبيل الثاني يقتضي زيادة الصلاحيات القانونية فوق المعيار العام لعدد محدد من الولايات بمعنى زيادة الحكم الذاتي الأقليمي, ومن الأمثلة على هذه الحالة التنازلات التي قدمت لولايات بورنيو عندما إنضمت الى فيدرالية ماليزيا عام 1963 وهو مثال أطول عمراً، فبعض الأمور التي تقع ضمن صلاحيات الحكومة الفيدرالية في المناطق الماليزية الأخرى كافة كالقوانين الخاصة بالسكان الاصليين، والاتصالات، والنقل البحري، ومزارع صيد الاسماك، تم إعتبارها في مناطق صباح وساراواك أموراً خاضعة بصورة مطلقة أو متلازمة لصلاحيات الولاية (الوحدة الفيدرالية) القانونية في حين بقيت أمور أخرى كالهجرة تحت السلطة الفيدرالية إلا انها تحتاج لموافقة حكومة الولاية عندما تطبق في مناطق صباح وساراواك.

السبيل الثالث الذي يسمح بلاتماثل في الصلاحيات القانونية والسلطات الممارسة من جانب بعض الولايات الأعضاء حيث ينص الدستور على التماثل عند نصه على منح جميع الوحدات الفيدرالية ذات الصلاحيات القانونية إلا إنه يضم تدابير إحتياطية تسمح للولايات الأعضاء في بعض الحالات بالغاء هذه الالتزامات أو الواجبات أو الانسحاب منها، ومنها تفويض الحكومة لسلطاتها لحكومة أخرى أو أن يجري السماح للحكومة الاعضاء في الفيدرالية بممارسة حكمها الذاتي بصورة كاملة إنما بمعدلات سرع مختلفة[5].

وفي بلجيكا التي تبنت دستوراً فيدرالياً عام 1970 يلاحظ وجود ضغوط سياسية لتفويض عدد أكبر من الصلاحيات بعيداً عن متناول الحكومة الوطنية، والفيدرالية البلجيكية تسمح بوجود إختلافات في تنظيم وسلطات الوحدات الفيدرالية فوضع العاصمة بروكسل يختلف عن المناطق الأخرى إذ إنها تبقى في بعض الأمور تحت سيطرة الدولة الفيدرالية، كما إن المادة (137) من الدستور تمنح مجالس المجتمعات المتحدثة بالفلمنكية والفرنسية سلطة الاضطلاع بسلطات منطقة الوالون والمنطقة الفلمنكية، وقد جرى تطبيق هذا الدمج في المنطقة الفلمنكية. وفضلاً عما تقدم يمنح الدستور للمجتمع المتحدث بالفرنسية سلطة تحويل ممارسة بعض صلاحياته إلى منطقة الوالون، وهي منطقة تتحدث بالفرنسية فقط وإلى مفوضية مجتمع باللغة الفرنسية في بروكسل، وقد تم تنفيذ هذه التحويلات الأمر الذي يعني إن سلطات المجتمعات لم تعد متماثلة في شمال بلجيكا وجنوبها.[6]



[1] جورج أندرسون، المصدر السابق، ص21.

[2] يقوم العرف الدستوري المكمل بتنظيم مسائل أو موضوعات لقضايا أو مضامين سكت عنها الدستور المدون بحيث لم يعالجها بنصوص دستورية فيأتي العرف المكمل ليستكمل هذه النواقص التي تشوب الدستور المدون الجامد على وجه التحديد ذلك إن النواقص التي قد تظهر في دساتير مرنة من السهل معالجتها وسد النقص فيها بتشريع عادي، وحيثما تظهر أعراف مكملة ذات طبيعة دستورية فهذا يعني إن هناك فروض لم يعالجها الدستور المدون وقت تدوينه مما يتيح للمارسة السياسية المرتبطة بتنظيم ممارسة السلطة المقترنة بعناصر العرف المادي والمعنوي من ظهور أعراف دستورية مكملة لا تتعارض مع إرادة السلطة المؤسسة الضمنية ولا تخالف هذه الأعراف المكملة نصاً صريحاً في الدستور.ومن ثم, فان هذا النوع من الأعراف الدستورية يظهر في حالتين: الأولى إذا ما أغفل الدستور تنظيم مسألة من المسائل في حين إن الحالة الثانية تتمثل بعدم إغفال النصوص الدستورية المدونة لحالة ما إلا إن النقص إنتاب المعالجة الدستورية لها.

إبراهيم درويش، القانون الدستوري, النظرية العامة والرقابة الدستورية، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية، القاهرة، ص93-94.

ويلخص الاستاذ الدكتور سعد العلوش المعاني المتقدمة بقوله: (أما في حالة العرف المكمل فتنشأ العادة الايجابية لمواجهة ظروف الواقع التي يعالجها النص الدستوري، إما لأن المشرع التأسيسي قد غفل عن توقعها أو إن النص جاء ناقصاً قاصراً عن مواجهتها. ووقتذاك يتسرب العرف من خلال ثغرات النص، فينهض من ثم لتدارك ما أهمله المشرع التأسيسي في تينك الحالتين.

وهكذا العرف المكمل- مثل المفسر- يقوم موافقاً للنص، وتكون له قوة النص المكمل. ولكنهما يفترقان من حيث إن دور العرف المفسر يقتصر على تفسير النص الغامض المبهم دون أن يضيف اليه جديداً، في حين يكون دور العرف المكمل منشئاً لحكم دستوري جديد، كما لو إن إحدى السلطات المؤسسة تقلدت بطريق العرف إختصاصات لم يرد لها ذكر في الدستور. لقد دفع هذا الانشاء العرفي المكمل للنص بعض الفقه الى إعتباره من العرف المعدل بدعوى أن الحكم الجديد الذي أضافه العرف الى الدستور لا يوجد له سند فيه وإن الحكم المضاف لم يتم على وفق الاجراءات المقررة فيه الخاصة بتعديله. فهو لهذا، يمثل إنتهاكاً للدستور، حتى ولو تكرر اللجوء إليه مرات. ولكننا نرى مع الرأي السائد إن العرف المكمل بانشائه حكماً جديداً إنما يسد النقص في القانون المكتوب الذي على هذا العرف تتأسس صحته وبه تكتمل وحدته، فضلاً عن قيامه معبراً عن إرادة الأمة).

سعد العلوش، دراسات معمقة في العرف الدستوري، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان, الاردن، 2008، ص170-171.

[3] جورج أندرسون، المصدر السابق، ص24-25.

[4] أنظر راؤول بليندنباخر وأبيغل اوستاين، ترجمة: مها البسطامي، حوار عالمي حول الفيدرالية، الجزء الثاني، منتدى الاتحادات الفيدرالية، كندا، 2007، ص3-5.

[5] رونالد ل. واتس، المصدر السابق، ص81-86.

[6] راؤول بليندنباخر وابيغيل اوستاين، المصدر السابق، ص7-9.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع