القائمة الرئيسية

الصفحات

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية قراءات قانونية في ضوء دستور العراق الصادرعام 2005 (عصر الارصفة الفيدرالية ح : 6) بقلم د: حيدر ادهم الطائي

 

 

 

طرق حل المنازعات في الدولة الفيدرالية

قراءات قانونية  في ضوء دستور العراق الصادرعام 2005

(عصر الارصفة الفيدرالية ح : 6)

بقلم د: حيدر ادهم الطائي


 

 

     وفي ألمانيا الفيدرالية التي تأخذ بمبدأ الفصل التام للمسؤوليات بين الحكومة الفيدرالية والولايات المكونة حيث يعتبر كل مستوى من مستويات الحكم مسؤولاً عن قراراته الخاصة، حتى في حالة تفويض قانون فيدرالي السلطة لبرلمانات الولايات، وقد قامت المحكمة الدستورية الفيدرالية وبهدف تطبيق المبدأ المذكور بمنع الإدارة المشتركة والتمويل المشترك.

     ويشير أحد الكتاب إلى إن أحد أهم مظاهر النظام الإداري وأكثرها إثارة للدهشة في ألمانيا إن معظم القوانين الفيدرالية يتم تطبيقها من جانب الولايات نفسها، فالولايات تطبق التشريعات الفيدرالية على إعتبار إنها أمور تتصل بشؤونها الخاصة طالما إن الدستور الفيدرالي لا يشترط عكس ذلك، ولا يسمح بالعكس مطلقاً أي إن الفيدرالية لا تسمح لها بتنفيذ أي قانون من قوانين الولايات ويلاحظ أيضاً إن السلطات التنفيذية المباشرة محدودة للغاية، ولا تطبق إلا حيث تعتبر الإدارة الموحدة أمراً ضرورياً. ومع ذلك, فإن الحكومة الفيدرالية لا زالت تملك الوسائل الكافية للتأثير على الولايات في تنفيذها للقوانين الفيدرالية[1], ومنها ما يعرف بمبدأ التدخل الفيدرالي إذ نص الدستور الفيدرالي الألماني في المادة (37/1) منه على سبيل المثال على هذا المبدأ بقوله: (في حالة عدم تنفيذ الأقاليم للالتزامات المنصوص عليها في الدستور الاتحادي أو القوانين الفيدرالية، فإن بإمكان الحكومة الفيدرالية، وبموافقة البندوسرات إتخاذ الخطوات اللازمة لإجبار الأقاليم على تنفيذ التزاماتها).

     إن مبدأ التدخل الفيدرالي نصت عليه أغلب دساتير وتشريعات الدول الفيدرالية الذي يتخذ عدة أشكال منها إعلان حالة الطوارئ في الوحدات الفيدرالية أو أجزاء منها، وإخضاع الأقاليم للإدارة الرئاسية المباشرة، واجتياح أراضي الأقاليم، وحل أجهزة السلطة في الإقليم أو إيقاف نشاطها، وقد تعرضت الولايات الهندية لعدد أكبر من حالات إعلان الطوارئ بالمقارنة مع البلدان الفيدرالية الأخرى نتيجة لتزايد نشاط الحركات الانفصالية، كما شهدت ولايات الباكستان وماليزيا وجزر القمر إعلاناً لحالات الطوارئ التي إمتدت في بعض الحالات إلى كامل الرقعة الجغرافية للبلد، بينما شهدت الولايات المكسيكية إعلانات لحالة الطوارئ في أوقات متباينة، بينما أعلنت الحالة المذكورة في بعض البلدان الفيدرالية مثل البرازيل ونيجيريا وباكستان عقب انقلابات عسكرية.

    وبموجب المادة (61/تاسعاً/أ) من دستور عام 2005 العراقي فقد أشترط موافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين لإعلان حالة الطوارئ بناءً على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وسار المشرع العراقي إلى تحديد مدة إعلان حالة الطوارئ بثلاثين يوماً قابلة للتمديد على أن تتم الموافقة في كل مرة على حدة (الفقرة ب من المادة ذاتها) ومنح الدستور رئيس مجلس الوزراء آليات محددة لتطبيق أحكام حالة الطوارئ، فذهبت المادة (61/تاسعاً/ج) من الدستور إلى تخويل رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من إدارة شؤون البلاد في أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ وتنظم هذه الصلاحيات بقانون بما لا يتعارض مع الدستور، ثم جاءت الفقرة (د) من المادة ذاتها التي لم تقصر دور مجلس النواب بالموافقة على إعلان حالة الطوارئ وتمديد فترتها وإنما منحته دوراً رقابياً من خلال إلزام رئيس مجلس الوزراء بعرض الإجراءات المتخذة والنتائج في أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ خلال خمسة عشر يوماً من انتهائها.

     ويشير أحد الكتاب إلى إن الدستور العراقي لم يُشر إلى حالة إعلان الطوارئ الجزئية بحيث يجعل نص المادة (61) قدر تعلق الأمر بهذا الجانب محل نزاع مع تشريعات إقليم كردستان والأقاليم المزمع إقامتها[2]، والحقيقة إن الرد على هذا الرأي ليس بعسير ذلك إن القاعدة تقول من يملك الأعلى يملك الأدنى، ومع ذلك ودفعاً لأي إشكال وإن كان من الممكن حله باللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا التي تملك مكنة تفسير الدستور فمن الأجدى أن يضاف نص إلى الدستور يشير إلى إمكانية إعلان حالة الطوارئ الجزئية او تعديل المادة (61/ تاسعاً/ج) بما يضمن تحقيق ما تقدم.

     الشكل الآخر من أشكال مبدأ التدخل الفيدرالي يعرف تحت إسم الإدارة الرئاسية المباشرة للوحدات الفيدرالية، فالتعديلات الدستورية لعام 1990 في الاتحاد السوفيتي السابق تضمنت هذا الإجراء ولم يجرِ تطبيقه نتيجة إنهيار هذا الاتحاد بطريقة دراماتيكية متسارعة، ووجد هذا الأسلوب تطبيقاً له في الهند أيضاً ولأكثر من مئة مرة، حيث تفرض الإدارة الرئاسية المباشرة لإحلال الأمن والاستقرار في الوحدات الفيدرالية التي تعاني من أعمال عنف واسعة النطاق قد تهدد نظامها الدستوري أو نتيجة لتعسف سلطات الأقاليم وانتهاكها لحقوق الأقليات الإثنية والاعتداء على حريات المواطنين وحقوقهم الأساسية، حيث يجري التدخل من خلال عدة آليات منها حل السلطة التشريعية للإقليم وإقالة أعضاء السلطة التنفيذية، ونقل السلطة بالكامل إلى مؤسسات يتم تعيينها بمرسوم رئاسي تقوم بتنفيذ قرارات السلطات الاتحادية للتغلب على الأسباب التي قادت إلى فرض الإدارة الرئاسية المباشرة، وإجراء الانتخابات لقيام برلمان جديد يقوم بتشكيل حكومة جديدة. ولا يتضمن دستور عام 2005 العراقي تكريساً لحالة الإدارة الرئاسية المباشرة حيث يمكن دراسة إمكانية إضافة نصوص دستورية لتفعيل هذه الفكرة بشرط أن تمارس من جانب مجلس الرئاسة أي إن إعمالها وتكريسها يستلزم الإبقاء على مجلس الرئاسة أو إلغاء المجلس المذكور ليمنح هذا الاختصاص لرئيس الجمهورية كحل أخير بعد إختصاص الوساطة يلجأ إليه رئيس الجمهورية عند فشل وساطته في حالة قيام نزاع بين المركز أي الحكومة الاتحادية والوحدات الفيدرالية.

     وهنا من المفيد الاشارة الى إن مقترحات ولاية فرجينيا أثناء كتابة الدستور الفيدرالي الأمريكي قدر تعلق الأمر بسلطة الحكومة الاتحادية على الولايات قد تضمنت وسيلتين لتقوية الحكومة الاتحادية في مواجهة الولايات أو الوحدات الفيدرالية الأولى: منح الحكومة الاتحادية حق إجبار الولايات على إحترام الدستور بهدف تنفيذ إلتزاماتها عن طريق إستخدام القوة المسلحة، وكان هذا الاقتراح ناجماً عن حالة الفوضى التي شهدتها البلاد خلال حكومة الاتحاد الكونفيدرالي نتيجة إنفراد الولايات بالتصرف في مسائل كثيرة مع عجز واضح للكونغرس عن ممارسة أية وسيلة فعالة للضغط عليها، ومع ذلك لم يلاقِ هذا المقترح قبولاً لكي يتحقق ولم يحضى بمناقشات طويلة حيث رأى فيه المندوبون في مؤتمر فيلادلفيا أنه وسيلة غير إعتيادية يمكن أن تقود الى حرب أهلية.

    أما الاقتراح الثاني ومضمونه منح الكونغرس صلاحية الاعتراض على قوانين الولايات فقد نال إهتماماً أكبر إلا إن شيرمان نبههم الى حقيقة مهمة ذات طابع دستوري مضمونها إن مثل هذا النص لا يمكن أن تكون له أية قيمة فضلاً عن عدم الحاجة اليه طالما إن محاكم الولايات ستقضي ببطلان أي قانون صادر فيها إذا ظهرت مخالفته لسلطات الحكومة الاتحادية، ولما إنتهى الأمر بحذف سلطة الكونغرس في الاعتراض على قوانين الولايات حتى قدم لوثرمارتن مشروع نص يقضي باعتبار قوانين الاتحاد والمعاهدات المبرمة في ظلها قانوناً أعلى بالنسبة للولايات. ومن ثم, فان محاكم تلك الولايات سيكون عليها واجب التقيد بالقوانين الاتحادية متجاهلة أية نصوص مخالفة له ترد في قوانين الولايات فحصلت الموافقة على هذا الاقتراح، وبذلك أصبح الدستور الاتحادي هو القانون الأعلى للبلاد[3].

     أما الاجتياح الذي يعد الشكل الثالث من أشكال مبدأ التدخل الفيدرالي فقد نصت عليه دساتير المكسيك والبرازيل والأرجنتين وفنزويلا كما إن ممارسة السلطات الاتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية تعد تطبيقاً لهذه الفكرة أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، وحدد دستور البرازيل لعام 1988 ثمانِ حالات يحق فيها للسلطات الاتحادية التدخل عن طريق إستخدام القوة للحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها، ومن بين هذه الحالات صد الغزو الأجنبي، وحماية النظام العام، والحفاظ على مبادئ الجمهورية الخمسة، وهي النظام الجمهوري، والنظام النيابي، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والإدارة البلدية الذاتية، فضلاً عن التدخل من أجل تنفيذ قرارات المحاكم، وعند رفض الأقاليم تسديد ما يترتب عليها من اشتراكات لميزانية الدولة الاتحادية (المركزية)، وقد طبق الاجتياح عملياً في البرازيل والأرجنتين فضلاً عن سويسرا ولأكثر من عشر حالات تدخلت فيها السلطات الاتحادية (المركزية) في شؤون الكانتونات حيث إتخذ التدخل طابعاً عنيفاً فسحقت التظاهرات المعادية للحرب التي جرت في زيورخ عام 1916، وقمعت تظاهرات عام 1932 التي أسفر عنها قتل ثلاثة عشر وجرح خمسة وستين عاملاً، وأستخدمت القوة في سويسرا آخر مرة عام 1968 إذ إجتاحت القوات الحكومية مناطق من كانتون يوري بيرنسكي.

     الشكل الأخير من أشكال مبدأ التدخل الفيدرالي يتمثل بتجميد عمل الأجهزة المحلية، وقد يصل الأمر إلى إقالتها، وإقالة الإدارة المركزية المباشرة حيث يتخذ الإجراء المذكور بقرار حكومي وتصديق برلماني لاحق ولا دور لرئيس الجمهورية في ذلك، والشكل المذكور للتدخل الفيدرالي تضمنه دستور غينيا الجديدة لعام 1975، وسبب ذلك إن دستور هذه الدولة قد إعتبر إنتشار الفساد الإداري في أجهزة السلطة سبباً لإعلان الإدارة المركزية المباشرة[4]. والطريقة المذكورة حالها حال بقية الأساليب الأخرى التي أشرنا اليها تمثل إستثناءً على المعالجة الطبيعية للأزمات.

 

 

 



[1] راؤول بليند نباخر وأبيغيل اوستاين، المصدر السابق، ص18-21.

 إن هذا التوجه في الدستور الفيدرالي الألماني فضلاً عن الفهم الواعي لفكرة الفيدرالية باعتبارها اسلوباً قانونياً وسياسياً لادارة التنوع في المصالح بشكل يقود الى تقوية عوامل الوحدة جعلت من الفيدرالية نموذجاً ناجحاً في المانيا رغم الظرف التأريخي الذي كتب في ظله دستور 1949 الألماني مع ملاحظة وجود آراء لا تتفق مع هذا الرأي حيث سبق أن اقتبسنا كلاماً لجوتا كريمر يعبر عن موقف معاكس ورأينا ورأيه مقبول إذا كان الواحد منا يقيس الأمور في ضوء معياره الجغرافي المحدد بالرقعة الجغرافية التي يعيش فيها.

[2] فلاح إسماعيل حاجم، مبدأ التدخل الفيدرالي، مقال منشور على شبكة الانترنيت. من المفيد الإشارة إلى إن اجتياح أراضي الأقاليم وحل أجهزة السلطة في الإقليم أو إيقاف نشاطها إنما تشكل إعمالاً لحالة الطوارئ ولا يمكن عدها أسلوباً مستقلاً للتدخل الفيدرالي، ويعد دستور جنوب أفريقيا أكثر الدساتير تطوراً في تحديد وسائل وإجراءات الحماية من هذه الحالات.

أنظر جورج أندرسون، المصدر السابق، ص52.

[3] أحمد كمال أبو المجد، المصدر السابق، ص649-651.

[4] فلاح اسماعيل حاجم، المصدر السابق، ص4-5.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع