القائمة الرئيسية

الصفحات

تآكل قوى الردع وتغير موازين القوى في الصراع الفلسطيني الصهيوني د. عمار أحمد إسماعيل المكوطر تخصص علاقات دولية / دبلوماسية

 

 

تآكل قوى الردع وتغير موازين القوى في الصراع الفلسطيني الصهيوني

د. عمار أحمد إسماعيل المكوطر

تخصص علاقات دولية/ دبلوماسية

 

 

تآكل قوى الردع وتغير موازين القوى في الصراع الفلسطيني الصهيوني

د. عمار أحمد إسماعيل المكوطر تخصص علاقات دولية / دبلوماسية

 

    شهد الصراع الفلسطيني الصهيوني حروباً عديدة، منها حرب عام1987 / 2000 / 2008 / 2014 او حرب الـ (55) يوماً كما جرت تسميتها، بيد أن الحرب الدائرة رحاها الآن قد اختلفت اختلافاً كبيراً عن تلكم الحروب في نواح عدة ومستويات مختلفة.

    ثمة اسئلة يطرحها هذا المقال، الذي سيسعى للإجابة عنها  كمقارنة وتحليل ودراسة في الأسباب والنتائج.

1.    ما الأسباب الحقيقية التي دفعت برئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو لإفتعالها ، وفي هذا الوقت تحديداً ؟

2.    ما القبة الحديدية، ولماذا فشلت في تأدية وظيفتها التي انشئت لأجلها ؟

3.    كيف تغيرت موازين القوى لصالح قوى المقاومة الفلسطينية ؟

4.  ما هي المشاهد المحتملة لهذه الحرب ونتائجها، وما هو مستقبل وجود الكيان الصهيوني في هذه الحرب أو في الحروب القادمة ؟

    يعاني رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو من أزمات داخلية وخارجية، وبفعل عوامل ذاتية وموضوعية لشن حرب على الشعب الفلسطيني، كوسيلة للتغطية على تلكم الأزمات، ولصرف نظر الرأي العام الصهيوني عنها، وإبراز نفسه بالسياسي الصهيوني الوحيد، القوي والقادر على حفظ أمن الكيان وسلامته.

    فشل نتنياهو في ثلاث انتخابات من الحصول على أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل حكومة أغلبية برئاسته، مما يعني تعرضه لمحاكمة متنظرة له تتعلق بملفات فساد ورشى إبان فترات حكمه السابقة، التي قد تنهي حياته السياسية وتودعه السجن كما كان مصير رئيس الكيان السابق ايهود أولمرت.

   فضلاً عن سوء علاقته بالإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الديمقراطي جوزيف بايدن، المشغول بترتيب وضع البيت الداخلي الأمريكي وما يعانيه من أزمات صحية إثر جائحة كوفيد 19 وما خلفته من انكماش اقتصادي كبير، وهو مالم تشهده البلاد منذ الكساد العالمي الكبير في العام 1929، وحالة الانقسام الحاد داخل الشعب الأمريكي بعد هزيمة ترامب واقتحام أنصاره الكابيتول، فضلاً عن توجسه الشديد من تصاعد قوة و نفوذ كل من الصين والاتحاد الروسي ومنافستهما للولايات المتحدة على زعامة العالم، وعزمه لمواجهته، فلم تكن العلاقة كما كانت في عهد سلفه الجمهوري دولاند ترامب، الذي كانت تربطه به علاقة متينة، حقق من خلالها مزايا كبيرة كما يعتقد، منها اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان، نقل السفارة الأمريكية إليها، حملة التطبيع مع بعض الأنظمة العربية، من بينها بعض أنظمة الخليج، ووقوفه الصارم بوجه إيران وممارسة سياسة الضغط القصوى عليها، بعد انسحابه من إتفاقية البرنامج النووي الإيراني، التي يعدها (إيران وبرنامجها النووي التهديد الأول لكيانه) والتي وقعت في عهد سلفه أوباما.

    بعد فشل نتنياهو أيضاً من إيقاف مفاوضات فينا إزاء الملف النووي ورغبة بايدن في العودة إليه، وفشل فريقه العسكري، السياسي والاستخباراتي بقيادة رئيس أركانه ورئيس استخباراته كوهين، الذي إبتعثه للولايات المتحدة ولقاءه الرئيس جوزيف بايدن ونخبة من اعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وعدم تشجيع الرئيس الأمريكي بايدن له بتهديه بقصف المفاعلات النووية الإيرانية، دفع به للإنكفاء على الداخل واشعال حرب مع الشعب الفلسطيني، عبر برنامجه المستمر في تهويد القدس الشريف، وبناء المستوطنات، واخراج أهالي بقية البيوتات الفلسطينية (29 بيتاً) في حي الشيخ جراح والاعتداء على المصلين في الحرم القدسي ومحيطه.

   دأب الكيان الصهيوني وخاصة في عهد نتنياهو على استخدام العنف المفرط وممارسة أبشع وسائل القتل، والأذى النفسي والمادي بالشعب الفلسطيني، وتمادوا وتمادى في العتو عبر سياسات وممارسات عنصرية تدينها القوانين الدولية والشرائع السماوية كافة، معتمدين على آلة عسكرية فتاكة (بحرية -  برية - جوية) فضلاُ عن دعم معلن، سياسي وإعلامي منقطع النظير، اسهمت في تعزيزها قوى غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة، إذ عدت أمن الكيان الصهيوني استراتيجية عليا لها، تكاد تقترن بالأمن القومي الأمريكي ! شجع ذلك الكيان في التمادي والغطرسة تكللت بإقامة ما اسماه بالقبة الذهبية أولاً ثم بالقبة الحديدية لاحقاُ, التي هي نظام دفاعي جوي، ذات قواعد متحركة، دخلت الخدمة في العام 2010م, إذ بدأت شركة رفائيل لأنظمة الدافع المتقدمة بالتعاون مع جيش الدفاع الصهيوني عام 2007م، بكلفة بلغت 210 مليون دولار، مصمم النظام لصد الصواريخ القصيرة المدى والقذائف المدفعية، من عيار 155 ملم، الذي يصل مداها إلى 75 كم، وتشتمل المنظومة على جهاز رادار ونظام تعقب وبطارية مكونة من 20 صاروخ اعتراضي، بإسم تمير، تعتمد القبة الحديدية على صاروخ حربي يحتوي 11كغم من مادة شديدة الإنفجار، يتراوح مداه من 4 إلى  70 كم، يقوم هذا الصاروخ بإعتراض وتدمير أي هدف بعد تعرف منظومة الرادار على الصاروخ أو القذيفة المدفعية، تبدأ بملاحقة مساره _ مسارها، بعد ذلك يتم نقل المعلومات لوحدة إدارة المعركة، لتحليل مسار الهدف وتحديد موقع ومكان سقوطه المفترض، وفي حال كان الهدف يشكل خطراً بمعطى الأمر وخلال ثوان للصاروخ لاعتراض الهدف في الجو، إذ يتم تفجير الرأس الحربي للهدف في الجو دون الارتطام به مباشرة، ثم طورت وعززت بصواريخ باتريوت الأمريكية.

     هذه المنظومة المعقدة وعالية التقنية لم تفلح في في وظيفتها، فقد سقطت عشرات من صواريخ المقاومة على المدن الصهيونية ومنها العاصمة تل أبيب، وبعض البنى التحتية كخط انابيب نفط عسقلان إيلات، وفي محيط مطار بن غوريون، مما استدعى الكيان لغلقه مؤقتاً وتحويل رحلاته إلى اليونان وقبرص، ومن ثم تحويل الرحلات إلى مطار رامون في جنوب الكيان.

   لا شك في أن يقفز إلى ذهن المتابع والمحلل تصور واضح في ضعف الكيان وقدراته الحقيقية عما يصوره الإعلام الصهيو غربي، ويصفه بالدولة التي لا تقهر والجيش الرابع عالمياً ! وعن قدرات عسكرية وتكنلوجية متقدمة لا تمتلكها كثير من الدول المتقدمة، إذ تمكنت المقاومة الفلسطينية من امتلاك آلية اعطتها ميزة، وذلك بإستخدام زوايا مختلفة، سواء في زاوية الإطلاق أو الإرتفاع، إذ تطلق رشقات صواريخها، تارة باتجاهات مرتفعة، وأخرى منخفضة، مما أضعف قدرة القبة الحديدية في التعامل مع ارتفاعات واتجاهات متباينة، فضلاً عما تحتويه تلك الصواريخ من أجهزة تشويش.

    كما يميط اللثام عن تغير موازين القوى التقليدية التي كانت تصب في كفة الكيان، إذ تمكنت المقاومة ولأول مرة من إرسال رشقات تصل إلى 130 صاروخ دفعة واحدة وفي وقت واحد، وتعلن مسبقاً عن التوقيت و تصدق في وعدها، مما يمثل تحدياً وقدرة مؤكدة في الاستطاعة والقوة، مما جعل شعب الكيان يعيش حالة من الذعر والهلع غير المألوف، ويختبئ في الملاجئ، ويسقط منه قتلى وجرحى عسكريين ومدنيين، في مختلف الأماكن والجهات.

     يعاني الكيان للمرة الأولى في تاريخه من ضغط أمني هائل، فقد استنفر قواته مجتمعة، شرطة، جيش، خيّالة، مخابرات، طيران حربي، سفن حربية، قوات المستعربين، قوات الإطفاء، وذلك لتأمين الجانب المعنوي في الداخل الصهيوني ومحاولة لاحتواء الموقف، مما حدا بالكثير من الصهاينة الى لوم نتنياهو على ما تسبب به، وأقدم عليه، فقد أخذ الكثير يتساءل عما إذا كانت للمقاومة صواريخ واسلحة نوعية أخرى أو طائرات مسيرة، وإذا ما استخدمت في قصف البنى التحتية كمحطات الكهرباء والماء وسواها؟ وكيف إذا ما نشبت حرب شاملة دخلت فيها فصائل المقاومة من سوريا ولبنان والعراق واليمن، واذا ما دعمت أو تدخلت إيران معها؟ لا شك ان ما يعيشه الكيان لم يعهده منذ نشأته في عام 1948، من خوف وتهديد في أمنه ووجوده، فليس لكيان غاصب البقاء في محيط معاد له، وأن الرهان خاسر على أنظمة متهالكة وحكام وصلوا بغير إرادة شعوبهم ورضاهم، فلن يستطيعوا توفير أمن وحماية عبر حبر مسكوب على ورق، يسمى بمعاهدات تطبيع أو سلام، كما إن الرهان على الدعم الغربي ليس مضموناً، فقد باتت تلك الشعوب تدرك أنها تدفع الضرائب لكيان ليس له إلا ممارسة العنف والبطش بالعزل، وقتل النساء والأطفال وقصف الأبراج السكنية على رؤوس ساكنيها ليلاً.

   ما عاد الضمير الإنساني العالمي يقبل او يستسيغ تلك الجرائم او يؤيد مرتكبيها، كما ان بوصلة القوة في الغرب ليست ثابتة، بل باتت تتجه نحو الشرق، وأن قوة الولايات المتحدة بداية تسعينيات القرن المنصرم قد تآكلت كثيراً عما عليه اليوم، وهو ما ينسحب على حلفاءها الغربيين في ظل تصاعد قوى جديدة، ترى مصالحها مع العرب والمسلمين اكثر مما هو عليه مع الكيان الصهيوني.

   ومن خلال ما تقدم، يمكن القول: ان شعب الكيان الصهيوني بحاجة إلى مراجعة، في تواجده في ارض غير ارضه ومحيط ليس بمحيطه ، وإن حرب آيار 2021 هي بمثابة إنذار أخير، وصفارة تحذير حاسمة (إن لم تتسع وتهدد وجودهم) ففي حال نشوب أي حرب شاملة معهم ، بدافع من عدوانيتهم وعتوهم، لسوف تؤدي إلى نهايتهم حتماً ، وأن يدركوا مبدأً مهما من سنن الماضي وحركة التاريخ ، هو مبدأ تغير الظروف، الذي غدا يسير بغير صالحهم، ومجانفاً لمصالحهم، وأن الغرب قد تضربه أزمات كبرى ليس بوسعه الذب عن نفسه، فضلاً عن تفكيره بمصيرهم . من المستبعد أن يتعظ الصهاينة ومن الحتمي نهايتهم قريباً.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع