القائمة الرئيسية

الصفحات

نتائج الانتخابات العراقية بين إرادتين ... وشروط حماية الديمقراطية الدكتور علي كحط جالي

 

 

نتائج الانتخابات العراقية بين إرادتين ... وشروط حماية الديمقراطية

الدكتور علي كحط جالي

 


نتائج الانتخابات العراقية بين إرادتين... وشروط حماية الديمقراطية

الدكتور علي كحط جالي

 

     تعد الانتخابات ونتائجها شأناً محلياً في كل العالم ، وإن أشرفت عليها أو شاركت في تنظيمها دعما (لوجستيا) وخبرات منظمات دولية في المراقبة وتقييم الأداء الوظيفي للمؤسسات التي تجري عملية الانتخابات من حيث كفاءتها ومهنيتها وحياديتها وشفافيتها ونزاهتها، بل وتجسد هذه المشاركة الدولية صورة رائعة لمستوى نضج النظام السياسي في ذلك البلد، وترسخ مفاهيم الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة من كيان سياسي إلى آخر بمهنية واستحقاق دستوري وقانوني، وعلى الرغم من هذا تشكل الأزمات التي تواجه "الانتخابات تحديدا" والديمقراطية بشكل عام في العراق تحديات مصيرية حقا، ما بين إرادتين متناقضتين في المصالح والأهداف والنوايا، وتمثل المواجهة اليوم بين تلك الإرادتين مكمن الخطر على الديمقراطية في العراق، الإرادة الداخلية الحرة لشعب يريد الحياة ويمارس حقه الدستوري والقانوني في انتخاب من يرى فيهم الكفاءة والجدارة والاستحقاق لذلك التمثيل الحقيقي الواعي الذي يمثل طموحات وتطلعات هذا الشعب في البحث عن فرص العمل والحياة الأفضل وتحقيق الأمن والسلام والسيادة والحرية، ولكن يبدو أن هذا الحق الدستوري في السيادة والأمان والاستقرار والعمل والخدمات يتعارض مع مصالح إرادة الخارج التي تفضل عراقا ضعيفا مجزءا تابعا يعيش الصراع والاقتتال الداخلي لا لاشيء سوى إن إرادة الخارج تبحث عن مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية والإقليمية والدولية على حساب مصالح وطن وشعب حر اختار وبكل وضوح تمثيلا نيابيا عن قناعة راسخة للتغيير وبناء مستقبل أفضل لأبنائه، وهذه الإرادة في الاختيار أزعجت وأقلقت قوى إقليمية ودولية ترى إن أي تغيير في وعي وإرادة الناخب العراقي في اختيار ممثلين جدد عنه يمثلون تطلعاته من تنظيمات سياسية وطنية منافسة يمثل تهديدا لمصالحها وجماعاتها وخططها، في بقاء هذا البلد مسرحا لتجاذبات وخلافات واختلافات وصراعات "لا ناقة له بها ولا جمل" لذلك لابد وبكل إصرار حماية الديمقراطية في العراق من إرادة التدخل الخارج الإقليمي والدولي الذي يسعى لجعل العراق مجالا حيويا ونفوذا لطموحاته وخططه في الهيمنة على المنطقة، ولعل أول شروط هذه الحماية للديمقراطية في العراق هي:

* قبول نتائج الانتخابات وعدم مصدر وعي الناس، ليس كمؤشر مستقل بعيدا عن قراءة العديد من المعطيات، أولها إن تغيير قناعة الناخب في العراق ليست مزاجية وعصبية ثأرية غير واعية لما تريد، بل هي تمثل تحولا فكريا جذريا وتقييما مهنيا لأداء برلماني مخيب لطموحات ذلك الشعب لمدة تجاوزت (18سنة) لذلك يجب على التكوينات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العسكرية أن تدرك جيدا، إن أفكار الشعوب وتصوراتهم وقناعاتهم عرضة للتبدل والتغيير ليس على مستوى الانتخابات والتمثيل البرلماني بل في كل المجالات على المستوى الشخصي للأفراد ووعيهم ونضجهم وتجاربهم واختياراتهم وخياراتهم، فيا ترى هل حللت وتدارست هذه التكوينات النتائج الأولية للانتخابات علميا وعمليا وتعرفت إلى أسباب هذا الانقلاب في الشارع والتراجع في التأييد والارتداد في المحصلة النهائية لنتائج الانتخابات، وهل يمتلك السياسي العراقي كفرد وكحزب أو جماعة أو فصيل أدوات دراسة هذا التغيير في أفكار الناخب الجديد الذي ولد سنة ٢٠٠٣، وهل وضع برنامج عمل بمستوى فكر هؤلاء الشباب وتعامل معهم على أساس واقعي وعلمي كمتغير شديد التأثير في نتائج الانتخابات خاصة مع تراجع القواعد الشعبية لهذه الأحزاب بحكم العوامل الإجتماعية والتكوينية للإنسان الحياة والسن والموت وتبدل وكسر العادات والتقاليد وتغيير الميول والرغبات وتأثير الجيل الجديد على العديد من القواعد التي كانت مرتكزات عمل لتلك الأحزاب في ظل ثورة التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات وتغيير الصورة النمطية للزعامات والسلوك الاجتماعي، وهل درست الأحزاب الخاسرة ذلك بروح ايجابية على أسس منطقية في الاستقراء والنتائج بعيدا عن لغة القوة والتهديد والخيانة والتخوين والكراهية "والمؤامرة التاريخية والأعداء" في الفكر الشرقي، وهل حللت هذه المتغيرات على أنها واقع حصل لابد من التعامل معه على أساس المراجعة والتصحيح والتقويم ومن ثم الانطلاق لتحديد نقطة شروع للعمل بثقة لتجاوز أسباب الإخفاق الذي حصل، أشك بذلك كثيرا، ولاسيما بعد إن أدلى العديد من وجوه تلك الأحزاب بتصريحات عن حقهم بالفوز والقيادة والتشكيك بالنتائج إلا إن كانت وفقا لما يريدون هم لا كما تحصلت في صناديق الاقتراع، وإذا كانت متغيرات الجانب الاجتماعي عاملا أول لهذا التراجع.

   فهل ناقشت هذه الأحزاب العامل الاقتصادي كسبب آخر لهذا التغيير في التأييد والقبول والرضا بأدائها، في ظل تشريعات عديدة أسهمت تلك الأحزاب في إقرارها برلمانيا دون إن تدرك أهمية هذا المتغير في التأييد لهم أو الكراهية ولعل أبرز تلك القرارات تغيير سعر الصرف للدولار، استمرار عمليات بيع الدولار، قانون التقاعد الجديد، توقف عجلة الاقتصاد الصناعي والزراعي وتوقف معامل ومصانع الدولة تسريح العاملين تضيق فرص العمل في ظل قانون استثمار فاشل أقرب إلى البيع منه الى الاستثمار الحقيقي الذي يقوم على أساس نفع الطبقة العامة لكل المواطنين وليس لجماعات محددة الوصف والعنوان، وأعتقد إن ذلك لم يحصل أبدا.

    أما في الجانب السياسي أو العامل السياسي فهنالك أداء سيئ بكل ما تحمل الكلمة من معان دون تؤيل أو تحريف، فهنالك تراجع في مستوى أداء ووظائف الحكومة والخدمات وهنالك تدهورا في مستوى العلاقات الخارجية وهنالك تداخلا كبيرا بين وظائف الدولة وإدارتها للعلاقات الخارجية وبين نفوذ تلك الأحزاب السياسية والجماعات والتي تعمل على أساس أنها أقوى من الدولة عطلت قانون الأحزاب حتى لا تخضع لقانون ينظم عملها ويحد من هوسها في السلطة والمال والوظائف وكل ذلك والمواطن الفقير هو من يخضع لتطبيقات التمايز في النظام والقانون والمزاج العام للسلطة بعيدا عن حقوقه الدستورية في فرص العمل والعيش الكريم والتعليم والصحة والخدمات، ومن ثم تطلب منه هذا الأحزاب والجماعات إعادة انتخابها وكأنه بلا وعي أو عقل أو رأي أو إدراك لما يحصل من فوضى وتجاوز وفساد واستغلال ونهب لثروات البلد وتدمير لروح المواطنة الصالحة، ويبدو إن مشكلة الأحزاب في العراق متوارثة كجزء من نظام اجتماعي في العراق، قائم على "جماعات وتجمعات" لذلك فمن الخطأ إن يطلق على هذه الجماعات صفة حزب فهي أقرب إلى التجمعات العائلية والعشائرية الوراثية التي تفتقر إلى البناء الفكري الذي يجدد هيكليتها وخطابها على أساس العديد من المتغيرات في العالم في أساليب التنظيم والعمل والأفكار والقادة، وهذه التكوينات التي ترى في حالها مواطن كما يقال فوق العادة والقانون "VIP"  تعمل وبإصرار على إعادة تكرار ذات الوجوه  والأسماء والحكايات، ومن ثم تأمل في تحقيق النتائج الإيجابية في الانتخابات، فهل يعقل أن "تجمعات وجماعات" بهذا المستوى من البناء والعمل والخطاب تريد الاستمرار في السلطة والقيادة وهي لا تمتلك صفة واحدة من صفات القيادة، وهو الوعي بالمتغيرات وقراءة الأحداث، وليس قراءة الكف والطالع، وإذا كان هذا في الجانب السياسي.

    فإن للجانب الثقافي بعداً آخر أكثر تأثيرا وأكثر تعقيدا وهو غياب خطاب فكري أكثر قبولا وأكثر تسامحا وأكثر تعايشا ووحدة بين مكونات هذه الأمة العراقية بكل ألوانها وأطيافها وطوائفها ومكوناتها، خطاب جامع يؤمن بوطن واحد، ومواطن عراقي حر، له الحرية والاختيار في العيش بسلام ومحبة وأمان هويته العراق، وشعاره الوطن للجميع لا لدين ولا لقومية ولا لطائفة دون أخرى ولا امتياز لمواطن على آخر إلا بالعمل والإخلاص لهذه البلد في ظل حقوق دستورية وقانونية ثابتة واضحة لا استثناءات فيها لأنه كلما كثرت الاستثناءات في أي منظومة  دستورية وقانونية كانت أقرب للظلم منها إلى العدالة واقرب للتجزئة منها للوحدة، وإذا كان أول شروط حماية الديمقراطية في العراق هو قبول نتائج الانتخابات.

فإن ثان هذه الشروط هو: وقف التدخلات الخارجية في نتائج هذه الانتخابات وأن كان من يريد التدخل حليفا لجهة أو جماعة أو مكون فعليه إن يدرك أن هذه المتغيرات خيار وقناعة شعب وعليه أن يحترم إرادة المواطن العراقي في الاختيار ،لأن هذا الاختيار شأنا داخليا محليا، وأي تدخل فيه لن يزيد المشهد إلا فوضى واضطراب ولربما انقساما وحقدا وعداوة وبعدا وتفككا بين مكونات هذا الوطن.

    في حين إن ثالث شروط هذه الحماية الابتعاد عن المحاصصة وإعادة بناء جسور من الثقة وتعزيز إطار المشاركة والتنمية السياسية وتعظيم سيادة الدولة، وعلى الطبقة السياسية أن تضع في حساباتها إن مكتسبات الوحدة الوطنية أكبر من مغانم التجزئة والطائفية والقومية، وإن القوة والاستقواء بين أطراف المعادلة السياسية لن يحقق أي نتائج إيجابية لبناء دولة وطنية قوية مستقرة، وإن استمرار لعبة القوة لطرف على حساب الأطراف الأخرى هو ليس أكثر من عملية تبادل أدوار وولاءات في محصلتها النهائية تعني خسارة لقواعدها الشعبية وشرعيتها واستمرار لحالة الفوضى واللادولة، لذلك على هذه الطبقة السياسية التراجع عن فكرة "النظرة العلوية" لذاتها على حساب قواعدها الجماهيرية فصورة "المعارضة المقدسة" للنظام السابق ما عادت كافية لكسب ود الناس، وإن لـ (١٨سنة) التي خلت أعطت الناخب فكرة جديدة إن الاستبداد والديكتاتورية ليس صفة لصيقة بالنظام السياسي السابق في العراق بل إنها قد تكون صفة للديمقراطية في إطارها الرمزي "الأبوي" الوصاية والاستحقاق على أساس مقارعة ذلك النظام على حساب مصالح الأكثرية من الفقراء والبسطاء ومحدودي الدخل والموارد من الشعب، ليس إلا تراجعا في مفهوم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية في مدركاتها السياسية والأخلاقية والدينية.

    وأما الشرط الرابع لهذه الحماية هو ثقافة الإقرار بهذه المتغيرات الإجتماعية والسياسية والثقافية  وإعادة بناء رؤية للمستقبل على أسس المواطنة وتساوي الفرص وخلق أجواء ايجابية بين مكونات هذا الوطن بعيدا عن أي انتماء أو ولاء دون الولاء للعراق تقوم على أساس التعايش والتسامح والاندماج الوطني الإنساني الذي يتمثل في رمزية هوية العراق الموحد وحضارته الخالدة وقوانينه السامية.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع