القائمة الرئيسية

الصفحات

السعي العقلاني مفتاح الاحتواء للمصالح المشتركة ( قراءة في الواقع العراقي) د. إيناس عبد الهادي الربيعي

 

 

السعي العقلاني مفتاح الاحتواء للمصالح المشتركة (قراءة في الواقع العراقي)

د. إيناس عبد الهادي الربيعي

 


السعي العقلاني مفتاح الاحتواء للمصالح المشتركة ( قراءة في الواقع العراقي)

د. إيناس عبد الهادي الربيعي

 

 

   يعد الحوار الفعال بين اطراف العملية السياسية أمرا بالغ الاهمية لتحقيق الهدف الرئيسي والاوسع عند حل الازمات انطلاقا من خدمة المجتمع بكافة أفراده ومكوناته، اذ ينبغي رفع شعار اوحد الا وهو (التضامن) فلا وجود لأي منا بلا تضامن، لكونه أمر بالغ الاهمية أذ ان فكرة التضامن يجب ان تصل لأبعد من حدود الانتماء المقيد بنطاق معين، اذ ان التضامن والانفتاح على النقاش يطرحان نفسيهما كمتطلبان أساسيان لتحقيق التقدم الديمقراطي والانتقال الناجح للسلطة في أي مكان في العالم ، ومن وجهة نظري اجد ان الحوار الناجح بين الاحزاب السياسية ينبغي بناؤه على ثلاث ركائز أساسية وهي : وجود نظام راسخ من القيم ، واعتماد نهج تصالحي توفيقي، والرغبة المستمرة في تحسين ظروف واوضاع المواطنين وأن تطلبت تلك الجهود القيام بإصلاحات صعبة ، مع تضمن تلك الركائز ثلاث اهداف رئيسية وهي الحرية والعدالة والمسؤولية واحترام كرامة المواطن ، وبطبيعة الحال يتم أدراج التضامن كنظام للقيم المشتركة التي تعمل كمظلة شاملة لحفظ وحماية المجتمع على الرغم من كل الخلافات التي يمكن ان تدور في أروقة العملية السياسية ، لأنه وببساطة الكل يشتركون بنظام يتعلق بذات القيم عبر سائر مكونات الطيف السياسي في الدولة الواحدة، وهو ما يعمل على امدادنا بالأسس المتينة التي تصلح للبناء عليها.

 

     أضافة لذلك يعني النهج التصالحي تركيز الشركاء على القضايا الرئيسية دون أهدار طاقاتهم في انقسامات حادة بسبب التفاصيل ليكونوا بذلك يطبقون مقولة المفكر الفرنسي (فوتلير) : ( انا لا اوافق على ما تقوله ولكني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تعبر عن رأيك)، لذا فأن الاستمرارية تعني ان تقف الاحزاب على أتم الاهبة والاستعداد لاحترام انجازات أسلافها ومواصلة خدمة الصالح العام والمصالح المشتركة ، كما لها ان تتوقع ضرورة تقديم ذات الاحترام كأحد الحقوق الاخلاقية من جانب من سيخلفها في مسيرتها ، فعندما خاض الاسلاف غمار النضال من اجل نيل الحرية والمرور بمراحل سياسية انتقالية ، والشروع في اعداد منتديات الحوار الديمقراطي كان ذو أثر ايجابي لتبادل وجهات النظر من منطلق الاعتقاد الراسخ بأن الحوار شأنه في نهاية المطاف كسلوك ديمقراطي خدمة الهدف الاسمى المتمثل في توفير كل ما فيه الخير والنفع لكل افراد الوطن الواحد .

    السياسة القاﺋمة على أسس التعددية الحزبية تعني المنافسة، وعلى نفس القدر من الأهمية حيث أنها  تتعلق أيضاً بالبحث عن توفير الحلول المشتركة لصالح الدولة ومواطنيها، ويعتبر الحوار الفعال والشامل بين الأحزاب السياسية ﺑﻤثابة عنصر أساس من عناصر السياسة الديمقراطية ، كما أن الصراعات والنزاعات بين الأحزاب والعلاقات الاستقطابية بين الأحزاب السياسية، قد تعمل على إعاقة وسد الطريق في وجه تنمية البلاد، وعلى النقيض من ذلك، فإن توفير مستوى أساس من الثقة والتعاون بين الأحزاب السياسية من شأنه تمهيد الطريق لتحقيق سبل السلام والاستقرار المنشود والنمو المستدام في البلاد.

     وينطبق هذا الوضع على أي مجتمع، ولكنه يصبح أكثر أهمية في البلدان التي تشهد تحولات كبرى كالعراق، اذ يعمل الحوار السياسي على بناء الثقة والإرادة السياسية من أجل التغيير،  وتعتبر كلتا هاتين المسألتين بالغتي الأهمية في البلدان السائرة على طريق الديمقراطية، حيث أنها تحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة في هذا المجال، وقد شهدت العديد من الديمقراطيات الفتية تحولات جذرية في ثقافتها السياسية وعلاقاتها السلطوية، فضلاً عن تغيرات مؤسسية كبيرة، وغالباً ما تكون النظم القانونية والسياسية في مثل هذه الدول ضعيفة، في حين تكون في كثير من الأحيان في أمس الحاجة لاتخاذ إصلاحات جوهرية في مواجهة تحديات ومعارضة شديدة تجاهها.

    وهذا هو الوقت الذي يعد فيه الحوار بين الأحزاب السياسية أمراً ضرورياً لتجنب الوقوع في سياسة محصلتها صفراً، أو الركود في أوضاع تتطلب الإصلاح بكل إلحاح، كما أن التعاون بين الأحزاب السياسية يعتبر ذا أهمية قصوى لضمان غرس وتعميق جذور الديمقراطية، والذهاب فيها إلى ما هو أبعد من مجرد المنافسة الانتخابية.

    ويستند هذا الدليل على فكرة أن العملية الـدﻳﻤـقـراطـيـة تقوم على ركيزتين متساويتين في الأهمية، وهما: المـنـافسـة السياسية من جهة، والتعاون من جهة ثانيـة، ونـظـراً لأن الأحزاب السياسية تمثل مجـمـل الـتـطـلـعـات والآمال الرئيسية للمواطن  بصفتهم وسطاء بين المواطــﻦ والدولة، وكونهم لاعبين فاعلين في اللعبة الدﻳﻤقراطية، فإنهـا تحتاج إلى القدرة على التنافس والتعاون، على حـد سـواء، كما أن التعاون السياسي بين الأحزاب، ﻳﻤثل جزءاً لا يتجزأ من مصلحة العملية الديمقراطية وسلامتها مثل اي من الاهداف السياسية التي تسعى الاحزاب لتحقيقها بصورة فردية ، كما أن أداء الأحزاب السياسية، وتحقيق النجاح الانتخاﺑﻲ لها، وفي نهاية المطاف تحقيق شرعيتها في عيون المواطنين  تتوقف كلها على مدى قدرتها على تقديم الخدمة لهم، ومن أجل تحقيق ذلك، فإنها تحتاج إلى ترجمة التفويض والولاية التي تلقتها من أعضائها ومؤيديها إلى سياسات مفصلة ومقنعة، ووضعها موضع التنفيذ والتطبيق، وفي أغلب الأحيان، فإن هذا الأمر يتطلب إنشاء تحالفات، والسعي للحصول على أجماع من خلال إجراء اتصالات واسعة النطاق مع سائر الأطراف السياسية الأخرى.

    وعادة ما يتم إجراء الحوار بين الأحزاب السياسية في داخل المؤسسات الدﻳﻤقراطية على أختلاف مسمياتها، ومع ذلك  فإن الحوار وحده لا ﻳﻤكنه دوماً تلبية الحاجة إلى استكشاف حقيقي للأجماع أو التوافق على الآراء خاصة في حالات الانقسامات الحادة والعميقة، أو نشوء أزمات تعترض مسار الدﻳﻤقراطية في البلاد نفسها للخطر ، وفي المقابل، فإن هذا الدليل يركز على الحاجة لتوفير المزيد من المساحات الديناميكية للحوار بين الأحزاب السياسية.

    وينبغي تعزيز الحوار بين الأحزاب السياسية وتقويته أيضا بتجاوز اقتصاره على النخب السياسية، والعمل على استيعاب التنوع الاجتماعي، وإدماج الشباب، والأقليات، ومنظﻤﺎت المجتمع المدﻧﻲ، والجهات الفاعلة الأخرى  وإشراكها في عملية صنع القرار السياسي.

 

 

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع