القائمة الرئيسية

الصفحات

الابتكار في ميدان العمل الدبلوماسي فيه ما فيه "فوميو ايواي وستيفن هيكي كنموذجين لانشطة السفراء في عالم يتشكل من جديد" د. حيدر ادهم الطائي

 

 

الابتكار في ميدان العمل الدبلوماسي فيه ما فيه

"فوميو ايواي وستيفن هيكي كنموذجين لانشطة السفراء في عالم يتشكل من جديد"

د. حيدر ادهم الطائي كلية الحقوق بجامعة النهرين

 


الابتكار في ميدان العمل الدبلوماسي فيه ما فيه "فوميو ايواي وستيفن هيكي كنموذجين لانشطة السفراء في عالم يتشكل من جديد"

د. حيدر ادهم الطائي كلية الحقوق بجامعة النهرين

 

    اتاحت جائحة "كوفيد 19" على فترات غير منتظمة بعضا من الوقت لكي اسطر عدة خواطر او افكار  ترتبط بعمل جهات متعددة في الدولة العراقية العتيدة!!! حيث سبق وان قمت بكتابة مقالة "خاطرة" او اثنتين اتخذت من الدبلوماسية موضوعا لها, او كانت ذات صلة بهذا الميدان الجذاب لعامة الناس وخواصهم, وهي متعتي التي تكاد تكون الوحيدة في الحياة, حيث تمثل هذه السطورمحاولة ثالثة تسير في الاتجاه ذاته توضح جوانبا من عمل بعض ابرز الدبلوماسيين الذين من الصعب ان ننكر انهم يملكون القدرة على "الابتكار" في مجال عملهم بعد ان وظفوا ادوات التواصل الاجتماعي لانجاز جانب من الغايات التي يسعى كل دبلوماسي الى تحقيقها خدمة لبلده محققين بذلك مكسبا, وتاركين اثرا من الصعب نسيانه لاوطانهم, كما انه ايضا انجاز شخصي يعكس نجاحهم في العمل الوظيفي الذي ينتمون اليه بعد ان ابدعوا غير المالوف ليقدموا بذلك قدرات بشرية جديدة عن طريق توليد افكار مستحدثة تتمتع بتقدير من الاخرين عموما والفئات المستهدفة من النشاطات الدبلوماسية المبتكرة على وجه الخصوص, فضلا عن طرح افكار او عمليات قائمة فعلا لكن باسلوب مميز ومختلف, فالابتكار في مجال العمل الدبلوماسي يقوم به من يتمتع بهذه الصفة "صفة الدبلوماسي" وهو ينتج عن قناعات عقلية في الذهن تؤثر بالنتيجة النهائية ايجابياعلى علاقة دولة المبعوث الدبلوماسي بالدولة المستضيفة للبعثة. فالعمل في ميدان الخدمة الخارجية فيه ما فيه على حد تعبير "ابن عربي" الذي يقول:

اذا عاينت ما فيه     رايت الدر يحويه

كتاب فيه ما  فيه     بديع  في  معانيه

    ان الممارسات والنشاطات المعروفة "لستيفن هيكي" السفير البريطاني السابق في العراق منذ ايلول 2019 ولغاية الثلث الاول من شهر تموز 2021, وهو خريج جامعة اوكسفورد الذي يتكلم العربية,  والذي اصبح كما يبدو خبيرا في اعداد الاطباق التقليدية العراقية وقبله السفير الياباني السابق "فوميو ايواي" الذي يتحدث العربية بلهجة عراقية فهو القائل "اهم شي نتونس !!!" "واحترت منو اشجع" "والذي صام ثلاثة ايام" كما انه شرب اللبن العراقي وتمتع باكلات شعبية معروفة في البلد المستضيف "العراق" تعد نماذج لنشاطات تعكس قدرا كبيرا من القدرة على تقديم الجديد, فالممارسات التي قام ويقوم بها هؤلاء الدبلوماسيين بوصفهم ممثلين لبلدانهم في العراق تبعث برسائل الى الاجيال الناشئة عن اهمية الافكار التي عبروا عنها من خلال تصرفاتهم ضمن مفهوم الدبلوماسية الشعبية, "فستيفن هيكي" وقبله "فوميو ايواي" مبتكرين ذوي قدرة واضحة على وضع الافكار موضع التنفيذ بطريقة جديدة في مجال الدبلوماسية لانهم احدثوا تغييرا كبيرا في اتجاهات عملهم نتج عنه زيادة ملموسة ونوعية في الفعالية الدبلوماسية بحيث انعكس ذلك على تحسين اداء المهام الموكلة لبعثاتهم بعد ان ادركوا محقين ان بقاء الممارسات الدبلوماسية التقليدية القديمة من دون تحديث ستؤدي الى تاليه الرتابة وتسلل الملل لروح العمل الدبلوماسي ونتيجة ذلك في النهاية الانهيار والفشل في تحقيق الاهداف التي تعد سبب وجودهم في العراق, فتوافر "الموهبة" عامل اساسي للابتكار في كل النشاطات, ولكي يصل الانسان الى الحالة الموصوفة فان عليه ان يتخطى الفكرة الكامنة التي تؤسس عليها المفاهيم او وجهات النظر التقليدية, وقد قيل حقا عندما "يرى البعض, انه في الحرب كما في الفن لا يمكن للقواعد ان تحل محل الموهبة" ولذا فان النجاح في القتال على جميع المستويات يتطلب خيالا من جانب القادة, الذين يجب ان يمتلكوا درجة عالية من الابداع في التفكير والاستعداد لتحمل المخاطر" وهذه معاني تذكرنا ايضا بالفكرة المشوقة والمثيرة للجدل التي تطرق لبحثها بعض الفلاسفة, كافلاطون ونيكولاس كوزانوس, بخصوص فيما اذا كانت الافكار تمتلك كينونة وجود مسبق بصورة فعلية في الكون الموضوعي ومستقل عن الانسان, ام ان الابداع الانساني هو القادر فقط على خلق او توليد مثل هذه الافكار؟ والحقيقة ان البحث في هذه التوجهات او المسائل الفكرية ترتبط ايضا ببعض الحوارات او الافكار المتعلقة بمدى مسؤولية الانسان عما ياتيه من التصرفات, وهي جوانب لا نجد مجالا لتوضيحها او الخوض بسياق موضوعنا في هذه السطور.

    اذن " الابداع والابتكار" في مجال الدبلوماسية يعني قدرة الدبلوماسي على تقديم شيئ جديد الى الوجود من خلال انتاج افكار جديدة تحظى بالتقدير من جانب الاطراف الاخرى, كما انه يشتمل على تقديم الافكار والتصورات او الممارسات التقليدية القائمة لكن بطريقة مختلفة. وتلعب مجموعة من العوامل دورا بوصفها محركات للابداع, فما تقدمه التكنولوجيات الحديثة والاعتبارات والتحديات المطروحة امام الدبلوماسي الموهوب تسهم في الاستجابة لها بطريقة صحيحة من خلال ابتكار الحلول الذكية المساهمة في تحقيق وظيفة الدبلوماسي على المستويين الشعبي والرسمي في الدولة الموفد اليها, ويضيف البعض للعاملين المذكورين عوامل فرعية ربما تندرج تحت مظلة عامل الاعتبارات والضرورات العملية, ومنها المحاكاة والتحديات الخارجية والداخلية التي تواجه البعثات الدبلوماسية باعتبارها اداة عملية لصنع السياسة الخارجية للدولة الموفدة وتنفيذها, والحقيقة ان من الصعب انكار التحديات التي واجهت البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 نظرا للطابع الاستثنائي للحالة العراقية بكل ما تمثله من تراكمات لها ما لها وعليها ما عليها مما يطرح مجموعة من التحديات الكبيرة امام هذه البعثات عند قيامها بتمثيل دولها في بغداد.

    ويمكن تصور انواع من "الابداع والابتكار" في ميدان العمل الدبلوماسي منها الابتكار التدريجي الذي يحدث عندما تطرا مجموعة من التحسينات المحدودة على الاجهزة والمعدات والتكنولوجيات والوسائل الدبلوماسية المتاحة التي تجعل من اداء البعثة افضل مما كانت عليه سابقا. ويشير البعض الى مفهوم الابتكار النمطي الذي يحدث عندما تتغير التكنولوجيات الموجودة مع بقاء المبادئ الحاكمة للعمل الدبلوماسي ذاتها دون تغيير, وهذا النمط يعتمد على تقديم تقنية جديدة تساهم في انجاز المهمة القديمة مع حدوث ذلك بصورة متكررة ولكن بوتيرة او سرعة اقل من الابتكار التدريجي. النوع الثالث من انواع الابتكار يعرف بالابتكار الجذري, وهو مصطلح يطلق ويراد به التغيير في المكونات الخاصة للنظام وواجهته, وهو نوع من الابتكار قليل الحدوث في الكثير من المجالات لانه بحاجة الى وقت طويل وتخصيصات مالية ضخمة كي يظهر ويستخدم, ومع ذلك لا يبدو صحيحا التسليم بما تقدم بالنسبة للابتكار الجذري في ميدان ممارسة الدبلوماسية لوظائفها حيث تتحول هذه المعوقات الى عناصر مميزة ظاهرة فهي تقلل الوقت المطلوب لانجاز العمل وتقتصد في المال الذي ينفق من جانب الدولة الموفدة, وقد تعد فكرة السفارات الافتراضية مثالا على هذا النوع من انواع الابتكار الجذري في المجال الدبلوماسي بحيث يمكن تصور التوسع في هذه الممارسة الى حد كبير بشرط توافر الارادة السياسية لمتخذ القرار الذي يجب ان يتحلى بالشجاعة لكي يتبنى "عقيدة دبلوماسية جديدة" لمؤسسة وزارة الخارجية فضلا عن توافر الكفاءة المطلوبة التي تستطيع التواصل من خلال وسائل الاتصالات الحديثة بذات الكفاءة عند المقارنة مع التواصل الدبلوماسي بالطريقة التقليدية.

     وبالعودة الى تجربة السفير الياباني السابق "فوميو ايواي" المولود في مدينة "كيوتو" اليابانية في العام 1960 والذي شغل منصب السفير الياباني في العراق للفترة من 6 تشرين الاول 2014 لغاية 17 تموز 2018 والسفير البريطاني السابق "ستيفن هيكي" ولاغراض المقارنة نقول ان من الصعب انكار وجود قبول شعبي عراقي متعاطف مع اليابان ابتداء فابناء الرافدين لم يروا فيها دولة عدوة خلال اية فترة زمنية لا قريبة ولا بعيدة  طيلة تاريخ العلاقات العراقية اليابانية, كما انهم – اي العراقيون - يستخدمون السيارات اليابانية التي يشهدون لها بالكفاءة في الاستجابة لطبيعة المناخ القاسي المعروف في بلدهم خلال اشهر الصيف على وجه التحديد الامر الذي تفتقده المملكة المتحدة على مستوى الخيال الشعبي او الذاكرة الشعبية العراقية, فدرجة نجاح الدبلوماسي في كسب العقول والقلوب لمواقف بلاده اثناء خدمته في البلد الموفد له تبقى خاضعة بدرجة او باخرى لطبيعة العلاقات السابقة بين البلدين وتاريخها ومستويات المد والجزر بينهما, ويكفي ان نشير الى الرفض الواضح من جانب الشعب المصري ولغاية الان التطبيع مع "اسرائيل" رغم ابرام اتفاقية "كامب ديفيد" منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي, وسيبقى هذا الموقف الشعبي المعبر الحقيقي عن ضمائر الشعوب العربية الا اذا قرر المصريون في لحظة من اللحظات ان يغادرو تاريخهم المفعم بالنضال وترك مخيلتهم التاريخية, وهو ما اعتقد انه لن يحصل ابدا لاعتبارات متعددة. وقد تساهم مواقف اخرى ملحوظة لمواطنين يابانيين في النظر الى الشعب الياباني بايجابية اكبر من شعوب اخرى, فعلى سبيل المثال رفض مخرج افلام الانمي الياباني الشهير "هاياو ميازاكي" تسلم جائزة الاوسكار الممنوحة له في الولايات المتحدة الامريكية عام 2003  احتجاجا على غزو العراق حيث صرح لصحيفة "لوس انجلوس تايمز" الامريكية بعد سنوات قائلا (سبب عدم وجودي هنا للحصول على جائزة الاوسكار هو انني لم ارغب في زيارة بلد كان يقصف العراق. في ذلك الوقت, اسكتني المنتج الخاص بي ولم يسمح لي بقول ذلك, لكنه لا يستطيع فعل ذلك الان. بالمناسبة, منتجي يشاركني ايضا في شعوري المناهض للحرب)

     ومع ذلك, وبالعودة الى ممارسات السفير البريطاني "ستيفن هيكي", لا ننكر في هذا السياق التصميم الواضح من جانبه على الاستمرار في السير بالطريق الذي بدا المسير فيه باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة منه لخلق نوع من التفاعل مع الثقافة العراقية السائدة على المستوى الشعبي, ليقدم نموذجا لتجربة شخصية بريطانية مولعة بالانتماء الروحي الى بلاد الضباب حيث احترام قيمة العمل في اجواء بلاد ما بين النهرين الاستثنائية وفقا لكافة المعايير, وقد يكون الطابع الاستثنائي للظروف العراقية الدافع والمشجع لتجربة السفيرين الياباني والبريطاني. بمعنى ان شكل النظام السياسي في البلد المستضيف يؤثر على المساحة التي يستطيع فيها الدبلوماسيون ممارسة اشكال متنوعة من النشاطات من جهة ضيقها او اتساعها, فضلا عن طبيعة هذه النشاطات ومستوى توافر الادوات الضرورية التي تسهل من عملية الاتصال بالفعاليات الشعبية المعبرة عن الثقافة السائدة في البلد المستقبل للبعثة.

     فضلا عما تقدم  فان للسفير الياباني ميزة التقدم في اللجوء الى وسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة مزاجيات العراقيين المتنوعة والصعبة طيلة السنوات الثلاث التي قضاها في العراق سفيرا لبلاده الامر الذي يجعل من تجربة السفير البريطاني في موضع المقارنة حيث يبقى قصب السبق محفوظا "لفوميو ايواي" بالنسبة لابتكار الفكرة وتبقى المحاكاة ملتصقة "بستيفن هيكي" الجريء وكلاهما مارس التجربة ذاتها. فهل نتصور قيام معهد الخدمة الخارجية في العراق بتضمين مقرراته الدراسية محاضرات في موضوع "الابتكار" وانواعه واثاره ووسائل او طرق الوصول اليه في مجالات العمل الدبلوماسي حيث تطرح تجربة السفيرين الياباني والبريطاني ممارستين عمليتين من واقع الحياة الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين, فهي الخطوة الاولى في عالم يطرح فيه  البعض فكرة الاستفادة من الذكاء الصناعي في مجالات القيادة والتحكم حيث التعاون بين الانسان والالة بمعنى اعتماد مفهوم الذكاء الهجين للانسان والالة في تحقيق اهداف السياسة الخارجية باستخدام الادوات الدبلوماسية, وقد تتشكل مسالة النجاح او الفشل في هذا الجانب من النجاح او الفشل في تفكيك بنية نمط واسلوب التفكير القديم الطاغي الى حد كبير الذي حول العمل في الميدان الدبلوماسي الى ما يشبه الخطوات الميكانيكية الجامدة المتمسكة ببعض الشكليات والمركزة عليها اكثر من تركيزها على المحتوى الموضوعي الذي يجب ان يقيم الدبلوماسي على ضوء الانجازات التي يحققها ضمن مساحته, فالنمط القديم المسيطر حتى الان يساعد في تكوين مشاكل كثيرة كونه لم يعد مستجيبا للتحديات المطروحة على مستوى العمل الدبلوماسي, فمن غير الممكن القبول باسلوب المحاكاة كطريقة لتحقيق الانجازات على مستوى الوظيفة الدبلوماسية من دون ايلاء الاهتمام بمفهوم الابتكار القائم على المشاركة في الوصول الى النتائج, فالتلقين يشجع على التفكير التقريري, ويدفع الى قبول المسلمات الامر الذي يقف عائقا امام تنمية امكانيات الاتيان بافكار جديدة وخلق خطوات مبدعة.  اخيرا اقول اننا في العراق بعيدين عن هذه التوجهات المتقدمة نظرا للفساد الطاغي بل والمعلن عنه من جانب الفاسدين انفسهم, ولعل في القائمة الخاصة بالسفراء والتي طرحت امام مجلس النواب العراقي السابق خير دليل على هذا الراي.

 

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع