القائمة الرئيسية

الصفحات

العراق ومجموع التحديات القائمة د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

العراق ومجموع التحديات القائمة

د.  ايناس عبد الهادي الربيعي

 


العراق ومجموع التحديات القائمة

د.  ايناس عبد الهادي الربيعي

 

   العراق بلد انهكته الحرب ضد الارهاب أضافة الى ذلك يواجه تحديات أمنية وقضائية هائلة ، بما في ذلك عدد كبير من النازحين داخليا ومخاوف من أن خلايا صغيرة من داعش المهزومة لا تزال مختبئة في المناطق النائية، شباب العراق يحتجون من أجل مستقبل أفضل مع فساد أقل وحكم أفضل و بطالة أقل، مع هزيمة داعش ومحاولاته اليائسة للعودة يحتاج العراق الآن التركيز على المصالحة والتعافي وإصلاح قطاع الأمن والعدالة لمواجهة التحديات التي يواجهها البلد بكفاءة. اذ يعد إصلاح القطاع الأمن أمرًا محوريًا لتحقيق الاستقرار والسلام على المدى الطويل في البلاد، ولكن لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه الدولة في المجال الامني ، اما النزوح الداخلي للسكان بسبب العمليات الارهابية يعد الاكثر صعوبة فالوضع الإنساني وحالة النزوح في العراق من أكثر الأوضاع تقلباً وخطورة في العالم، فتعاقب موجات النزوح الكبيرة داخل العراق وخارجه لأكثر من 50 عامًا نجدها مرتبطة بمجموعة من العوامل مثل النزاعات المسلحة والتدخل الخارجي والقمع السياسي والعرقي والديني ، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية بما في ذلك الفيضانات والزلازل، بدأت موجة النزوح الأخيرة في أواخر عام 2013 ، عندما بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بالسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية في تلك المرحلة ، كان حوالي مليوني شخص يعيشون بالفعل في حالة نزوح داخلي بسبب النزاعات السابقة ليبلغ عدد النازحين ذروته في عام 2016 بعدد يقارب (4,1)مليون شخص ، سمح انخفاض حجم وشدة العنف المسلح في عام 2018 لحوالي (900 ) ألف نازح عراقي بالعودة إلى   مناطقهم ، ومنذ عام 2014  تقدر المنظمة الدولية للهجرة  أنه منذ شباط من عام 2020 حوالي( 4.6 ) مليون نازح عادوا إلى مناطقهم ، ومع مخاوف بشأن العودة القسرية للنازحين داخليًا في حين لا يزال حوالي( 1.4 ) مليون عراقي نازحين داخليًا أكثر من سبعين بالمائة منهم ينحدرون من محافظتي نينوى وصلاح الدين.

      يواجه النازحون تحديات عدة في الحصول على الخدمات الاساسية ومستوى المعيشة اللائق  ،اذ تمثل تلك التحديات تحديًا يثير تساؤلا  لا يزال مطروحًا حول كيفية إعادة دمج النازحين داخليًا في مجتمعاتهم المضيفة ، إذا كانوا غير قادرين على العودة إلى مناطقهم الأصلية.

     أضف الى ذلك الجماعات المسلحة  ، اذ لا تزال هجمات مقاتلي داعش في غرب ووسط وشمال العراق ، وكذلك الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء البلاد ، تهدد سلامة وأمن العراقيين. لا يزال المواطنون يشعرون بالتهديد من داعش أو الجماعات المتطرفة الأخرى إذا لم يتم القضاء عليها اذ يساعد الصراع الجاري في سوريا الجماعات الارهابية من القيام بعمليات عدائية داخل المدن العراقية وفي المناطق الهشة امنيا وبدء عملية نزوح جديدة على الرغم من ان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قد عانى من الانهيار الإقليمي ويتم القضاء عليه اليوم تقريبًا ، اذ تشير التقديرات إلى أن ما بين عشرة إلى عشرين ألفًا من مقاتلي داعش ما زالوا نشطين في المنطقة ولا يزالون يشكلون تهديدًا للاستقرار الامني ، فإنهم يستهدفون المدنيين العراقيين دون تمييز ويرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان.

   ليكون التحدي الاخر هو ان ما يقرب من 60 ٪ من سكان العراق هم دون سن 25 سنة مما يؤثر على المجتمع والتنمية في البلاد، اذ يعد الافتقار إلى التعليم المناسب ، والزواج المبكر ، وعدم المساواة بين الجنسين ، وارتفاع معدلات البطالة من القضايا التي تؤثر على احتياجات والأمن والشعور بالعدالة من قبل المواطنين الامر الذي انعكس بالاحتجاجات والتي تمثل واحدة من سلسلة من المظاهرات الحاشدة المماثلة التي حدثت خلال السنوات الماضية، والتي كان لها تداعيات كبيرة على الوضع الأمني في البلاد ،  هذه الاحتجاجات في العراق كشفت بانها لا تظهر فقط استياء المواطنين  بل يكشف أيضًا عن الصدامات بين المواطنين والحكومة ، وبين الشباب والحكومة ، وهو ما أدى لعدم الثقة العامة بما أدى إلى انعدام ثقة الجمهور الامر الذي انعكس على نسبة المشاركة في الانتخابات ، وهو امر يدفع الى  التصور بأن العراق لا يزال بلدًا غير مستقر بسبب الافتقار الى ثقة جمهور المواطنين ،وعلى الرغم من ذلك بشكل عام  يميل المواطنون إلى الثقة في المؤسسات الامنية الجيش والشرطة  وتشكيلات الحشد الشعبي  حيث يستقر الوضع الأمني ببطء ومع ذلك اليوم ، يحتاج العراق إلى آليات مساءلة قوية وعملية ومصالحة مجتمعية للتعافي من الصراع والصدمات المجتمعية المرتبطة بتخلخل الوضع الامني ،ولتحقيق هذا الهدف ولاستعادة ثقة الجمهور في الدولة عبر تطبيق المساءلة الفعالة لمعالجة الفساد المستشري الذي يعد أحد التهديدات الرئيسية لاستقرار العراق ، حيث يعمل حاجزا بين السكان و النخبة الحاكمة ويدفع الشباب إلى الانخراط في حركات احتجاجية تطالب بتغيير جذري.

    وقد تكون الإدارة المالية العامة و الافتقار إلى الاستقرار المالي هو أحد أهم التحديات الرئيسية في الوضع العراقي، وهذا يثير الإحباط بين فئات الشعب ،اذ إن تعزيز الإدارة المالية العامة أمر بالغ الأهمية لبناء كفاءة وفعالية خدمات الدولة والوضع في العراق ليس استثناءً، بالإضافة إلى ذلك  من الضروري ضمان المساءلة في إدارة الموارد العامة حيث يزيد ضعف الإدارة المالية العامة من مخاطر سوء إدارة الموارد والفرص في العراق ، اذ ان قصور القنوات الرسمية التي تدار من خلالها المالية العامة والعمليات التي يتم من خلالها جمع الموارد وإنفاقها بصورة غير واضحة ويصعب تغييرها ، لا سيما أنها تميل إلى تحويل السلطة من الدولة إلى جهات أخرى وهو  هذا يبقي حلقة مفرغة من الضعف في هذا النطاق بشكل يعقد المشهد الاقتصادي ككل ، اضف الى ذلك انه على مدى العقود الأخيرة  تم إضعاف حقوق المرأة العراقية بشكل كبير ، وتعرض تكافؤهن مع الرجال لانتكاسات في عدد من المجالات ومع ذلك  فإن المطالب بزيادة المساواة بين الجنسين آخذة في الازدياد في حين نجد أن الوضع القانوني للمرأة في العراق قوياً نسبياً مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة ، اذ ان  النساء العراقيات يشاركن تقليدياً في المجتمع من خلال التعليم والعمل والسياسة ، إلا أن هذا الواقع قد يكدره الآن القيود الرئيسية على تمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا إلى حد كبير ، لأسباب عدة منها الطائفية والعرقية والعائلية حيث يتم الإبلاغ باستمرار عن المضايقات والعنف المنزلي والجنسي ، مع عدد محدود من الأطر القانونية التي يمكن استخدامها لحماية حقوقهن، اذ  يتضمن القانون الجنائي العراقي تجريم الاعتداء الجسدي لكنه يفتقر إلى أي إشارة صريحة للعنف الأسري ، وحتى عندما يمكن تجريم الاعتداء الجنسي ، فإنه لا ينطبق في الزواج ولا سيما زواج القاصرات او الزواج لأسباب عشائرية .

   اضف الى مجموع ذلك ان العراق طالما كان ساحة المعركة في صراعات القوى الإقليمية ، وينعكس ذلك باستمرار في ديناميكيته السياسية المحلية  ، الا ان واقع الحال يثبت ان العديد من مناطق العراق لا تزال آمنة نسبيًا ، على الرغم من تواجد جيوب وحواضن إرهابية حيث تواصل الجماعات المسلحة نشاطها ، الا ان تراصف وحدات الحشد الشعبي التي تقاتل بالتوازي مع القوات الأمنية يدفع بالموقف الامني بالقوة في مواجهة مجموع تلك التحديات التي تتطلب معالجة مدروسة في بلد مثل العراق مع وجود قوى إقليمية وداخلية ومحلية تعمل على حماية مصالحها هذا هو اليوم التحدي الأكبر الذي يواجهه العراق في عمليات بناء الدولة والإصلاح.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع