اشكالية الديمقراطية في النظم العربية و سبل حلها
د عمار احمد المكوطر
اشكالية الديمقراطية في النظم العربية و سبل حلها
د عمار احمد المكوطر
يسود الفهم الخاطئ في الذهن العربي جراء ترجمة مصطلح الديمقراطية ، أي حكم الشعب للشعب ، و إذ أن الديمقراطية بطبيعتها آلية لتحقيق الحكم الرشيد ، فلا يمكن لها كأي غرس علمي معرفي سياسي من إيجاد بيئة مناسبة تنمو فيها و تترعرع لتؤتي ثمارها المنشودة فيما بعد . و إذ أن الديمقراطية هي نتاج إنساني غربي ، مر على طرحها كفكرة قرون طويلة ، منذ عصور ما قبل الميلاد ، و كان لها مؤيدون و معارضون ، حتى انتهت هذه الفكرة بأنهيار دولة المدينة في أثينا بعد هزيمتها على يد دولة المدينة في أسبرطة ، إذ كانت الأولى تهتم بالجانب الفكري - وفق مفهوم الديمقراطية وقتئذ - و الثانية كانت مهتمة بالجانب البدني و البعد العسكري ، فجاءت دعوات كل من أرسطو و أستاذه أفلاطون في ذم النظام الديمقراطي ، إذ يعزا السبب له في هزيمة أثينا . مرت الديمقراطية فيما بعد بمراحل مراجعة و تصحيح من قبل فلاسفة و مفكرين لجعلها الأنموذج الأسمى لنظام سياسي رشيد يحقق السعادة و الرفاه للدول و المجتمعات التي تحكمها ، و من ثم عولمتها ، و هذا ما تدعو له اليوم الولايات المتحدة بأعتبارها رائدة العالم الديمقراطي الحر .
لم تصل الديمقراطية الى مراحلها المتقدمة هذه بالغرب دون مخاضات عسيرة وقطعها لأشواط زمنية طويلة ، دامت زهاء أربعة قرون ، إذ أن للديمقراطية الحقيقية مرتكزات أربع أو أنها منظومة تتفاعل فيها جملة من العناصر، ولا يمكن ان نكون أمام نظام ديمقراطي دون تحقق تلكم العناصر و تفاعلاتها ، وقد مرت بها أوروبا من قبل ، وحيث أن المجتمعات الأنسانية متقاربة كثيراً في الكثير من طباعها الأساسية وغرائزها الطبيعية الساعية لتحقيق الأمن والسعادة والرفاه ، قد تختلف في بعض من جزئياتها ، بيد أنها تشترك فيها بإطارها العام ولهذا ، فوفق سنن التأريخ تسير الأمم والشعوب في أنساق فكرية أو حاجات إنسانية متماثلة إلى حد بعيد ، وكما تقول الأدبيات في العلاقات الدولية ( الإختلاف في التكتيك أما الأستراتيجية العليا فهي ثابتة ) ، وتأسيساً على ذلك فمرتكزات الديمقراطية الأربع قد قطع كل منها مائة عام ، أي هناك أربع موجات سبقت لابد منها لتحقيق الديمقراطية ، و قد مرت بها المجتمعات الغربية من قبل :
١. الموجة الأولى العلمانية في القرن السادس عشر
٢. الموجة الثانية العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر
٣. الموجة الثالثة التنوير في القرن الثامن عشر
٤. الموجة الرابعة اللبرالية في القرن التاسع عشر
و بعد تحقيق هذه المراحل الأربعة مكتملة أتت ثمار الديمقراطية في تحقيق الثورة العلمية والتكنولوجية التي فتحت الباب واسعاً للدخول في عصر الثورة التكنومعلوماتية والعالم الرقمي ، الذي يشهد قفزات سريعة كبرى جعلت من الأنسان في بعض منها كأنه يعيش عصر الخيال العلمي .
وكتحديد لبعض المفاهيم آنفة الذكر ، التي أسهمت في تعزيز أسس ومرتكزات الديمقراطية في جزء الكرة الشمالي ، سنبينها ، لنعرج لاحقاً على سبل تحقيق الديمقراطية في العالم العربي و تحديد المسافات اللازمة لقطعها لبلوغ تلك الغاية :
١-العلمانية : التفكير بالنسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق ، مع عدم رفض المطلق ولكن ليس في الأمور الدنيوية .
٢-التنوير : لا سلطان على العقل إلا للعقل نفسه . وأيضاً تحرير العقل وتطويره وتجديده على الدوام .
يعيش العالم العربي الآن الظروف ذاتها التي عاشتها أوروبا في القرون الوسطى من تخلف و صراعات دينية و مذهبية حادة و حروب ، وقد استوعبت أوروبا المخاطر المحدقة بمصيرها إذا ما بقيت على ذات الحال ، فرأت لا بد من حل لهذه الأزمات والمشكلات الخانقة ، فبدأت اولاً بمسيرة الإصلاح الديني ، إذ تنبه إمبراطور ألمانيا (فردريك الثالث) من خلال سعيه لخلق طبقة برجوازية تجارية تفكك التحالف التأريخي بين الإقطاع و رجال الدين (الكنيسة) ودعا إلى ترجمة كتب إبن رشد بناء على نصيحة مستشاريه ، ثم توالت عملية الإصلاح الديني على يد مفكرين و قساوسة متنورين أمثال مارتن لوثر . كانت عملية الإصلاح الديني تسعى إلى التحجيم من دور و نفوذ رجال الدين في تحجير العقول أو إعادتهم قراءة النص الديني بإعمال العقل .
وإذ يعيش العالم العربي كما أسلفنا ظروفاً مماثلة لما عاشته أوروبا في قرونها المنصرمة ، فإن الحديث عن نظم ديمقراطية عربية هو ضرب من الخيال أو الحديث عن واقع مغاير لما نعيشه ، وحيث أن المسافة الزمنية التي على الدول العربية قطعها للوصول لديمقراطية حقيقية طويلة جداً ، وأن الوضع العربي لا يحتمل بفعل الوقائع والمتغيرات الذاتية و الموضوعية (الداخلية و الخارجية) ، فعليه بالحد الأدنى إختصار تلك المسافة او اختزالها وعلاج حالة الوهن والتردي بجملة أفعال جريئة و سريعة ، لتحقيق التوازن اولاً ، فطالما هناك سلطتان فاعلتان ، سياسية ودينية (الحكام ، رجال الدين) فلابد من سلطه ثالثة وازنة ، هي سلطة ثقافية تقودها النخبة الواعية ، و تعمل على نشر وتعزيز الوعي في مجتمعاتها ، مستغلة كل عوامل القوة للثورة التكنومعلوماتية وعالمها الرقمي ووسائل اتصالاتها السريعة والمباشرة لتحقيق هدفها.
و منه الوقوف بوجه الاستبداد و التيارات المنحرفة و المتخلفة و في مقدمتها الأصوليات الدينية و أذرعها الإرهابية الساعية الى السلطة بوسائل التخلف و الإرهاب عبر استعادة الماضي ليفسد صميم الحضارة الأنسانية بضرب قوى المنطق و العقل بخرافات ماضوية واهية ، و طرح نماذجها العقلانية في التصدي للأستبداد و الفساد السياسي ، و تثبيت روح المواطنة و خلق هوية وطنية في عقل و وجدان الفرد العربي إزاء وطنه و أمته ، و إعادة إنتاج و تصميم خارطة تفكير جديدة في ذهنه ، تواكب روح العصر ، لمعالجة أزمات و مشكلات خاصة و عامة و تحمل أعباء المسؤوليات المناطة به ، مع العمل الدؤوب بروح الفريق الواحد لبلوغ تلك المقاصد الأستراتيجية العليا ، و تكون بذلك بداية الدخول في عالم الحداثة و الأسهام في تفاعلاته ، فالأخذ بخدمات المنجز المادي للآخر لا يعني أننا دخلنا عالم الحضارة و علينا إبراز هويتنا و اثبات وجودنا و تأثيرنا عبر الخلق و الأبداع العلمي و المعرفي المستقل ، مستفيداً من تجارب و خبرات الحضارات المتقدمة المعاصرة .
تعليقات
إرسال تعليق
اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة