القائمة الرئيسية

الصفحات

مفهوم العدالة الانتقالية في أطار القانون الدولي العام د. ايناس عبد الهادي الربيعي / وزارة العدل

 

مفهوم العدالة الانتقالية في أطار القانون الدولي العام

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

وزارة العدل

 


مفهوم العدالة الانتقالية في أطار القانون الدولي العام

د. ايناس عبد الهادي الربيعي / وزارة العدل

 

   ما هي العدالة الانتقالية؟ العدالة الانتقالية مفهوم يشير الى مجموعة من الوسائل والطرق التي يتم السعي من خلالها الى تحقيق العدل وبناء دولة القانون في المجتمعات التي تعرضت الى صراعات وحروب أهلية ، او التي مورس ضدها أنتهاكات لحقوق الانسان وجرائم ضد البشرية  ، ولتحقيق العدالة الانتقالية لا بد وان تتم مواجهة انتهاكات حقوق الانسان التي مورست ضد أفراد مجتمع ما عبر أجراء محاكمات عادلة لمحاسبة مرتكبيها لمنع حدوثها مجددا في المستقبل ، والذين غالبا ما يمثلون قيادات عليا في البلاد إذ يسترشد في هذا الجانب بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، وغير ذلك من الصكوك ذات الصلة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وإعلان وبرنامج عمل فيينا، مع الاشارة إلى قرارات لجنة حقوق الإنسان بشأن حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وهي كل من القرار  (2005/70)،  وقرار الإفلات من العقاب المرقم (2005/81)، وقرار الحق في معرفة الحقيقة المرقم (2005/66)، و قرار الجمعية العامة المرقم (60/147) بشأن المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، فضلاً عن قراري المجلس الاول بالرقم ( 4/102) بشأن العدالة الانتقالية والقرار المرقم (2/105 ) بشأن الحق في معرفة الحقيقية، والذي يتضمن الاشارة إلى تقرير الأمين العام بشأن سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع المرقم (S/2004/616) مع الاشارة الى مجموعة التوصيات ذات الصلة الواردة فيه، و التقرير المقدم الى الأمين العام والمعنون (لنوحِّد قوانا) والمتعلق بتعزيز الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة من أجل سيادة القانون الذي يعيِّن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بوصفها الكيان الرائد داخل منظومة الأمم المتحدة بشأن جملة أمور، منها العدالة الانتقالية، وإذ يشير ذلك التقرير كذلك إلى مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها من خلال الإجراءات الرامية إلى مكافحة الإفلات من العقاب ، فضلاً عن تقرير لجنة حقوق الإنسان بشأن استقلال القضاء، وإدارة العدل، والإفلات من العقاب حيث  يشير إلى قرار مجلس الأمن المرقم (1325) لعام2000 بشأن المرأة والسلم والأمن والاعتراف بمساهمة المرأة في حل النـزاعات وتحقيق السلم المستدام حيث يرحب بالدور الذي تؤديه لجنة بناء السلم في هذا الصدد، مع الاشارة بضرورة قيام تلك اللجنة بتكثيف جهودها، في إطار ولايتها، بالتعاون مع الحكومات الوطنية والانتقالية وبالتشاور مع كيانات الأمم المتحدة ذات الصلة، من أجل إدماج حقوق الإنسان عند الحاجة الى إسداء المشورة بشأن استراتيجيات بناء السلم والامن المجتمعي ، أو لدى اقتراح استراتيجيات لبناء السلم خاصة ببلدان بعينها رافقت الاوضاع فيها ظروفا خاصة  فيما يتعلق بأوضاع ما بعد الصراع في الحالات  حيثما ينطبق ذلك على اي من تلك الحالات، ومن هذا المنطلق نجد انه من  المسلم به الاعتراف بدور المحكمة الجنائية الدولية في إطار نظام متعدد الأطراف يهدف إلى وضع حد للإفلات من العقاب، وإرساء سيادة القانون، وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان، وتحقيق سلم مستدام وفقاً لمقاصد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الامم المتحدة، اذ نجد ان الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة من الممكن ان تسهم وبشكل فاعل في الحد من تلك الانتهاكات وذلك عبر وجودها الميداني في مساعدة الدول على تصميم وإنشاء وتنفيذ آليات للعدالة الانتقالية وتعزيز سيادة القانون، وفي هذا الاطار نجد ان  العمل المفاهيمي والتحليلي الذي تضطلع به بشأن العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان ذو دور مهم في تفعيل تلك الاليات بما لا يدع مجالا للشك ، واستنادا الى ما سبق ذكره نجد ان الإدماج المتزايد لمنظور حقوق الإنسان عن طريق الأنشطة التي تضطلع بها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بالتعاون مع الجهات الأخرى المعنية في منظومة الأمم المتحدة في أجهزة الأمم المتحدة المتصلة بالعدالة الانتقالية ذو أهمية كبرى في مجال تفعيل العدالة الانتقالية ، فضلاً عن الأهمية التي يجب إيلائها لسيادة القانون كونه اولى الخطوات لتفعيل وتحقيق تلك العدالة، ولا بد من التأكيد على أن المجموعة الكاملة من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ينبغي أن توضع في الاعتبار في أي سياق للعدالة الانتقالية من أجل تعزيز جملة أمور منها سيادة القانون والمساءلة ليظهر أهمية الجهود الوطنية والدولية الرامية إلى استعادة العدالة وسيادة القانون في أوضاع الصراع وما بعد الصراع وكذلك حيثما يكون ذلك ذا صلة في سياق العمليات الانتقالية ، وهو ما يؤكد على ان من الاهمية الأخذ بنهج شامل إزاء العدالة الانتقالية تُدمَج فيه المجموعة الكاملة من التدابير القضائية وغير القضائية، بما في ذلك عمليات الملاحقة القضائية الفردية، وعمليات الجبر، والسعي إلى معرفة الحقيقة، والإصلاح المؤسسي، ومساءلة الموظفين والمسؤولين الحكوميين، أو مجموعة من هذه التدابير التي يتم  تبنيها ، من أجل التوصل إلى ضمان المساءلة، وخدمة العدالة، وتوفير سبل انتصاف للضحايا، وتعزيز التعافي والمصالحة، وإنشاء هيئة مستقلة للرقابة على النظام الأمني، واستعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وتعزيز سيادة القانون، وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان ، وتماشيا مع ما تم ذكره نجد أن العدالة والسلم والديمقراطية والتنمية هي ضرورات حتمية يُعزِّز بعضها بعضاً، وهو ما يؤكِّد على أهمية وجود عملية شاملة للحوار الوطني، ولا سيما مع المتضررين من جرّاء انتهاكات حقوق الإنسان عبر الإسهام في استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية مع الاخذ في الاعتبار الظروف المحدَّدة لكل حالة وبما يتوافق مع حقوق الإنسان، مع ضرورة التشديد على أهمية منح المجموعات الضعيفة بما فيها تلك المجموعات المهمَّشة لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك من الأسباب دوراً في هذه العمليات، وضمان التصدي للتمييز والأسباب الجذرية للصراع، ومن الجدير بالإشارة يجب التسليم بالدور الهام الذي تؤديه الجهات المعنية في تحقيق أهداف العدالة الانتقالية وفي إعادة بناء المجتمع، وكذلك في تعزيز سيادة القانون والمساءلة وهي كل من :

1- رابط الضحايا، والمدافعون عن حقوق الإنسان، وفعاليات المجتمع المدني فضلاً عن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المُنشأة وفقاً لمبادئ باريس.

2- المنظمات النسائية المساهمة في تصميم وإنشاء وتنفيذ آليات للعدالة الانتقالية من أجل ضمان تمثيل النساء في هياكلها والأخذ بمنظور جنساني في ولاياتها وعملها.

3- وسائل الإعلام الحرة والمستقلة في إعلام الجمهور بأبعاد حقوق الإنسان في مجال آليات العدالة الانتقالية محلياً ووطنياً ودولياً.

4- التشديد على ضرورة توفير تدريب في مجال حقوق الإنسان يراعي الاعتبارات الجنسانية في سياق العدالة الانتقالية، وذلك لصالح جميع الفعاليات الوطنية ذات الصلة، من بينها أفراد الشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات والأمن، وموظفو النيابة العامة والعاملون في جهاز القضاء، في التعامل مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وبخاصة النساء والفتيات.

5- التأكيد على ضرورة احترام حقوق كل من الضحايا والمتهمين، وفقاً للمعايير الدولية، مع إيلاء اهتمام خاص لمن هم الأشد تضرراً من جراء الصراعات وانهيار سيادة القانون، وخاصة فئات النساء والأطفال والمهاجرون واللاجئون والأشخاص ذوو الإعاقات والأشخاص المنتمون إلى أقليات وأفراد الشعوب الأصلية، وضمان اتخاذ تدابير محدَّدة لتأمين مشاركة هؤلاء مشاركة حرة في المجتمع ،وحمايتهم لضمان العودة  واندماجهم في المجتمع  بأمان وكرامة ومن ضمنهم  اللاجئين والنازحين داخلياً.

    لذا نجد انه حري بالمجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية مساعدة البلدان التي تقبل تلك المساعدة  في سياق العدالة الانتقالية على ضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان وإدماج أفضل الممارسات في عملية وضع وتنفيذ آليات العدالة الانتقالية ، وهو الامر الذي يتطلب يطلب من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن تُسهم في تعزيز دورها الرائد في تلك العملية.

 بما في ذلك فيما يتعلق بالعمل المفاهيمي والتحليلي بشأن العدالة الانتقالية، ومساعدة الدول على تفعيل وإنشاء وتنفيذ آليات للعدالة الانتقالية من منظور حقوق الإنسان، مع التشديد في الوقت نفسه على أهمية التعاون الوثيق بين المفوضية وغيرها من الاجهزة ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة، وكذلك مع المنظمات الدولية وغير الحكومية الأخرى فيما يتعلق بإدماج حقوق الإنسان وأفضل الممارسات في عملية وضع وتنفيذ آليات العدالة الانتقالية، وفي العملية الجارية لتعزيز منظومة الأمم المتحدة في مجال سيادة القانون والعدالة الانتقالية.

    بالإضافة الى ذلك يتطلب الامر أيضاً من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن تقدم وبالتشاور مع الجهات الأخرى المعنية في منظومة الأمم المتحدة، والمجتمع المدني، وغير ذلك من الجهات المعنية دراسة تحليلية تتناول حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية مع تضمنها استعراضاً عاماً للأنشطة التي تضطلع بها أجهزة منظومة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، بما في ذلك العناصر المعنية بحقوق الإنسان ضمن بعثات إحلال السلم مع وضع جدولة للعمل المُنجَز من جمع الدروس المستفادة وأفضل الممارسات، ووضع تقييم للاحتياجات الإجمالية فضلاً عن ذلك حبذا لو تضمن ذلك استنتاجات وتوصيات الهدف الرئيسي منها مساعدة البلدان المتضررة في سياق العدالة الانتقالية، فضلاً عن أجراء جرد شامل لجوانب حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في اتفاقات السلم المبرمة لنكون امام آلية متكاملة في لك النطاق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع