القائمة الرئيسية

الصفحات

الارهاب ضد الدول الضعيفة أبادة جماعية د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

الارهاب ضد الدول الضعيفة أبادة جماعية

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 


الارهاب ضد الدول الضعيفة أبادة جماعية

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

    تطور مبدأ الابادة الجماعية في أعقاب الحرب العالمية الثانية نتيجة لدعوة (رافائيل ليمكين) المحامي البولندي الناجي من المحرقة ، حيث عمل على مساعدة الامم المتحدة المنظمة الدولية الناشئة حديثا على منع أي أشكال مستقبلية من الابادة الجماعية، والتي تم تعريفها في المجلة الامريكية للقانون عام 1947 بأنها : ( جريمة بمقتضى القانون الدولي ترتكب من قبل الحكومة بحق مواطنيها ويجب ان لا تمر دون عقاب في المستقبل) ليكون المعيار لوصف الابادة الجماعية هو قصد التدمير الكلي او الجزئي لجماعة أثنية وطنية او عرقية او دينية، وهو ما يتعارض مع حق الحياة  ، وهو الذي يعد من الحقوق الأساسية للإنسان ،والتي هي بمجموعها حقوق متكاملة غير مجزئة، فالجميع على قدم المساواة سواء بالنسبة لحقوقهم، أو لما يصيبهم حين تنتهك هذه الحقوق، لأن هذه الحقوق كما أوضحنا أمر الله سبحانه وتعالى بعدم الإعتداء عليها والتعدي على حرمتها، حيث أن إتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 تستند في تجريمها لأفعال الإبادة الى القواعد الدولية العرفية، وليس الى القواعد الاتفاقية الواردة في الاتفاقية ذاتها وهو ما يترتب عليه ذلك أن الالتزامات الواردة في تلك الاتفاقية هي التزامات تقع على عاتق جميع الدول بما فيها الدول غير الأطراف في الاتفاقية، وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي يعتبر جريمة الإبادة الجماعية من أخطر الجرائم الدولية، إلاَّ أن هناك قصورا في النهوض بمسؤولية مكافحة ذلك الخطر الداهم الذى يهدد السلم والأمن الدوليين، اذ توانى المجتمع الدولي في حالات عدة عن معاقبة المسئولين عن إرتكاب تلك الجريمة وذلك لمصالح وأغراض سياسية في معظم الحالات. وتأسيسا على ذلك تعد الابادة الجماعية أحد أهم الموضوعات في مجال القانون الدولي عموماً والقانون الدولي الإنساني على وجه الخصوص ، حيث ان تلك الجريمة تشكل خطراً داهماً وحضوراً ظاهراً في العالم وحدثاً قائماً أودى بحياة الملايين من البشر بأثر ممتد إلى الطبيعة والبيئة والحيوان.

    إن تناول جريمة الإبادة الجماعية أمر غاية الصعوبة ، حيث ان موضوعات القانون الدولي الإنساني من المواضيع حديثة التناول والعرض، ولم تجد الاهتمام الكافي من القائمين والمهتمين في هذا المجال على الرغم من سبق التنبه لها وتناولها بالتنظيم الدولي ، حيث لم يكن الاهتمام الدولي حديثاً في هذا الجانب حتى في أطار الدول العربية ، وبناء على ذلك فأن الواجب القانوني على المجتمع الدولي يبرز في  تحمل مسئولياته تجاه جريمة الابادة الجماعية ، وضرورة النص في الاتفاقيات الدولية الشارعة على إجراءات وترتيبات دولية تمكن المجتمع الدولي من ان يفي بالتزاماته تجاه الحد من جريمة الإبادة الجماعية.

   وحتى نكون أمام مجتمع دولي ، وان لم يكن مثالي ،ولكن مجتمع يتوافر فيه الحد الأدنى لإحترام القيمة الإنسانية والذات الآدمية وذلك من خلال منظار العدالة والمساواة، وهو ما ستوجب بالضرورة  إعمال ما ورد بالمواثيق والإتفاقيات الدولية وبصورة جادة وقائمة على أساس عدم التمييز بين أشخاص القانون الدولي وإلزامهم بالتقيد بها وإتخاذ ما يحفظ ويحقق ذلك الإلتزام وترك سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع قضايا الابادة الجماعية ضد الدول الضعيفة، وهو ما يوجب أن يتصف النظام العالمي الجديد بصفة العدل والمساواة حتى يتم جني ثمار ذلك ،والاَّ أصبح نقمة عليه، وكل هذا لا يتأتى الاَّ إذا عاد المجتمع الدولي الى جادة الطريق في حماية الإنسان بكل قيمه وحقوقه التي كفلها له التشريع الالهي والتشريعات القانونية ورعتها المواثيق الدولية ، فالإنسان حجر الزاوية وبيت القصيد في هذا الشأن، وعلى العموم تبقى جريمة الابادة الجماعية مظهراً من مظاهر القضاء على الحياة التي باتت ملازمة لأحداث عصرنا بالمفهوم العميق ، وان كان القانون الدولي الإنساني قد منحها الاهتمام الخاص عبر اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لسنة 1948 ، اذ انه ومما لا شك فيه ان جريمة الإبادة الجماعية تهدد وجود البشرية وتمثل أكبر هاجس للإنسانية في عصرنا الحاضر أذ تعتبر خطرا محدقا بالإنسانية، وهي من أكبر وأكثر الأفعال المجرمة قسوة وشراسة، اذ تتسبب في هلاك الشعوب وإفناء الحضارات، ومن هذا المنطلق  عمل المجتمع الدولي على محاربة هذه الجريمة منذ أكثر من خمسين عاماً تارة بالاتفاق دولياً على منعها وقمعها وتارة بتقديم مرتكبيها للعدالة ومرة بتمييزها عن بقية الافعال المجرمة دولياً وأخرى بعزلها عن دائرة الجرائم السياسة، وتأسيسا على ذلك أخضع المجتمع الدولي مرتكب جريمة الابادة الجماعية الى المحاكمة على نطاق دولي عبر الخضوع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية في حالة قصور القضاء الوطني عن تحقيق العدالة والاقتصاص من مرتكبي تلك الجرائم، وان كانت كيانات المجتمع الدولي من منظمات وهيئات ومجالس ومحاكم لا تؤدي أدوارها بالكيفية التي يجب العمل بموجبها ، فكثيراً ما يختلط القرار السياسي بالقرار القضائي، حيث وكثيراً ما تتدخل السياسة لتتقاطع مع القانون وتفقده هيبته وسلطانه وتضيع حقوق الانسان وتهدر آدميته، لتضحي أدوات المجتمع الدولي بلا حراك وبلا جدوى، حيث ان جريمة الابادة الجماعية قد يتم إرتكابها من قبل الأنظمة الحاكمة تنفيذاً لسياستها التي تتخذها وتراها متوافقة مع  أهدافها، وبالتالي فإي الدولة ترتكب هذه الجريمة يكون ذلك أما عن طريق النظام الحاكم أو بمساعدته أو تحريضه أو إسهامه في إرتكابها، وهنا ينتفي عدم العلم أو عدم القصد من جانب ذلك النظام أو تلك الدولة.

    وتأسيسا على ذلك نجد ضرورة إدخال مادة القانون الدولي الإنساني في مناهج المدارس والجامعات والكليات والمعاهد لتدرس ضمن المواد التي يتضمنها منهج هذه المؤسسات التعليمية لأهمية هذه المادة في حياة الأفراد على وجه العموم ، مع وجوب النص على تجريم الافعال التي تقع مخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني بما فيها الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية في التشريعات الوطنية لأي دولة عضواً بالأمم المتحدة، مع النص على إفراد عقوبات تتناسب وهذه الجرائم في تشريعاتها، مع وجوب انعقاد الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية للنظر في أي جريمة دولية حسب تعريف الجريمة الدولية التي ترتكب دون النظر الى مكان إرتكابها، مع مراعاة الإختصاص القضائي الوطني، عبر ايجاد نقط تلاقي بين مسميات المجتمع الدولي ومعالجة حالات الدول التي ليست عضوا في بعض الاجهزة الدولية وعلى سبيل المثال العضوية في المحكمة الجنائية الدولية، حتى يتضح الطريق في التعامل مع هذه الدول إذا ما بدر من رعاياها ما يوجب التدخل الدولي من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وتماشيا مع ما تم ذكره  لابد من إيجاد آلية قوية لتنفيذ أحكام وقرارات المحكمة الجنائية الدولية، فالمعوق الاول الآن يتمثل في عدم قدرة المحكمة على تنفيذ بعض قراراتها وأحكامها ، كما ان مبدأ التدخل الانساني لمنع جريمة الابادة الجماعية يجب أن يؤخذ وينفذ بحذر وتحفظ شديدين لما ينطوي عليه من خطورة وما يسبب من نتائج، كما ان الممارسات الاستثنائية من قبل القوى المتسلطة والمتلاعبة بمقدرات الدول والشعوب يجب الاَّ تثني المجتمع الدولي من التشبث بالقانون والتمسك بمقتضيات العدالة والحق والحرية، أضافة الى ذلك يجب منع وقوع الفعل المجرم دولياً والحيلولة دون وقوعه وعدم تركه يمتد بأثاره  إذا ما وقع لان تركه يحقق نتائجه لا يمكن أن يغير من حقيقية وجوب إخضاع من أرتكبه الى المحاكمة لأنها لا تقيم ولا تقاس بالجرم الذى وقع ولا الضرر الذى حصل، على الرغم من إيجابية الإخضاع للمحاكمة للاقتصاص من الجاني، لأن مبدأ الوقاية خير من العلاج أنفع واجدى، مع  وجوب تضامن وتوحد الدول والشعوب في سعيها لنيل حقوقها المسلوبة من خلال مبادئ وقواعد القانون الدولي والعمل على نصرة الدول والشعوب المستضعفة ، وتفعيل أدوار المنظمات والتجمعات الدولية العالمية والاقليمية لغوث ونجدة تلك الفئات من المتضررين في سائر إنحاء المعمورة، اذ من الضروري أن يعبر المجتمع الدولي في كل مناسبة عن احترامه وتقديسه لقواعد ومبادئ القانون الدولي ، مع التشديد على وجوب أن تقوم العلاقات الدولية بين الدول والاجهزة الدولية وفقا لأساس قانوني وأخلاقي واضح وسليم، على  أن تكون محكومة بقوة القانون الدولي الذي يكفل للدول سيادتها كاملة غير منقوصة ، وللإنسان حقوقه موفورة غير مهضومة.

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع