القائمة الرئيسية

الصفحات

الاليات القانونية في أحكام القانون الدولي د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

الاليات القانونية في أحكام القانون الدولي

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 


 

الاليات القانونية في أحكام القانون الدولي

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

    تعد من أعظم إنجازات الأمم المتحدة تطوير مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات والمعايير المركزية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية على نطاق المجتمع الدولي ، وبالإضافة الى ذلك دفع عجلة السلام والأمن الدوليين، لتشكل العديد من المعاهدات التي عقدت تحت رعاية الأمم المتحدة الأساس القانوني الذي يحكم العلاقات بين الدول، على  الرغم من أن جهود الأمم المتحدة في هذا المجال لا تلقى الاهتمام من قبل اطراف عدة في المجتمع الدولي ، ولكن لا يمكن انكار التأثير الذي تحدثه وتتأثر به في حياة الناس يوميا في كل مكان.

    اذ يدعو ميثاق الأمم المتحدة على وجه التحديد المنظمة أن تقدم المساعدة في تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، بما في ذلك التحكيم والتسوية القضائية وفقا لأحكام المادة( 33 ) من الميثاق، وتشجيع التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه وفقا لأحكام المادة (13) من الميثاق.

    وعلى مر سنين عدة  تم أيداع أكثر من ( 500 ) معاهدة متعددة الأطراف لدى الامم المتحدة من قبل الدول و الكيانات الأخرى في المجتمع الدولي ، وتغطي هذه المعاهدات طائفة واسعة من الموضوعات مثل حقوق الإنسان ونزع السلاح وحماية البيئة ، حيث بالإمكان ان نعد الجمعية العامة كمنتدى لاعتماد المعاهدات المتعددة الأطراف ، اذ تتكون الجمعية العامة من ممثلين عن كل دولة عضو في الأمم المتحدة وتعتبر الهيئة التداولية الرئيسية بشأن المسائل المتعلقة بالقانون الدولي، وفي واقع الحال فقد اعتمدت الجمعية العامة العديد من المعاهدات الدولية والتي  أتيحت في وقت لاحق للتوقيع والتصديق عليها ، حيث تساعد اللجنة القانونية  السادسة والتي تتكون من ممثلين عن جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة الجمعية العامة من خلال تقديم المشورة بشأن المسائل القانونية الموضوعية .

وطوال تاريخها الذي يمتد لعقود مضت فقد اعتمدت الجمعية العامة عددا من المعاهدات المتعددة الأطراف بما في ذلك:

 

-         اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لسنة 1948.

-         الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة 1965.

-         العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.

-         العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966.

-         اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979.

-         اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982.

-         اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989.

-         معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية الشامل لسنة 1996.

-         الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999.

-         الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي لسنة 2005.

-         اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة 2006.

-         اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود النقل الدولي للبضائع كليا أو جزئيا عن طريق البحر لسنة 2008.

-    البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 2008.

 

   ومن الجدير بالذكر ان العمل القانوني للأمم المتحدة كان رائدا في العديد من المجالات، ومنها معالجة المشاكل التي تأخذ بعدا دوليا، حيث كانت جهود الأمم المتحدة في طليعة الجهود الرامية الى توفير إطار قانوني للحماية في مجالات مثل حماية البيئة، وتنظيم العمالة الوافدة والحد من تهريب المخدرات ومكافحة الإرهاب. ليستمر هذا العمل وبشكل متواصل حيث يلعب القانون الدولي دورا أكثر مركزية في طائفة واسعة من القضايا، بما في ذلك قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

   ففي نطاق تطوير وتدوين القانون الدولي عمدت الجمعية العامة في عام 1947 الى تأسيس لجنة القانون الدولي بهدف تعزيز التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه. وتتألف اللجنة من( 34 ) عضوا يمثلون بشكل جماعي النظم القانونية الدولية الرئيسية ن حيث يعملون كخبراء بصفتهم الشخصية وليس كممثلين لحكوماتهم ودواهم ، اذ تتناول اللجنة مجموعة واسعة من القضايا ذات الصلة بتنظيم العلاقات بين الدول، وتتشاور في كثير من الأحيان مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومحكمة العدل الدولية ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة، تبعا للموضوع الذي يجري يتم بحثه، ليتمثل عمل اللجنة في معظم جوانبه في العمل على إعداد المسودات التي تغطي  جوانب القانون الدولي المختلفة.

   حيث تقوم اللجنة باختيار بعض المواضيع ، اوقد يتم إحالة البعض الآخر إليها من قبل  الجمعية العامة، وعند انتهاء اللجنة من العمل على الموضوع، تقوم الجمعية العامة أحيانا بالدعوة إلى عقد مؤتمرا دوليا للمفوضين من أجل  تحويل المشروع إلى اتفاقية والتي يتاح امام الدول أن تصبح أطرافا فيها ،وهذا يعني أن تتفق هذه الدول رسميا على الالتزام بأحكامها، حيث تشكل بعض هذه الاتفاقيات الأساس القانوني الذي يحكم العلاقات بين الدول، ومن الأمثلة على ذلك:

 

    اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في لأغراض غير الملاحية، والتي تم اعتمادها من قبل الجمعية العامة في عام 1997، واتفاقية قانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية أو بين المنظمات الدولية، والتي اعتمدت في مؤتمر عقد في فيينا في عام 1986، وكذلك اتفاقية فيينا للخلافة في ممتلكات الدولة ومحفوظاتها وديونها ، التي اعتمدت في مؤتمر عقد في فيينا في عام 1983، واتفاقية منع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفين الدبلوماسيين، والتي اعتمدتها الجمعية العامة في عام 1973.

اما في نطاق القانون الإنساني الدولي والذي يشمل المبادئ والقواعد التي تنظم وسائل وأساليب الحرب، فضلا عن توفير الحماية الإنسانية للسكان المدنيين، والمقاتلين المرضى والجرحى، وأسرى الحرب، وتشمل الصكوك الرئيسية على اتفاقيات جنيف لعام 1949 لحماية ضحايا الحرب وبروتوكولاتها الإضافية المبرمة في عام 1977 تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وبناء على ذلك تقود الأمم المتحدة الجهود الرامية إلى تعزيز القانون الدولي الإنساني، وأصبح مجلس الأمن يشارك على نحو متزايد في قضايا حماية المدنيين في الصراعات المسلحة، وتعزيز حقوق الإنسان وحماية الأطفال في الحروب.

وفي تطاق التسوية القضائية للنزاعات فتعد محكمة العدل الدولية، ومقرها لاهاي ، هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة حيث تعتبر محكمة العدل الدولية التي تأسست في عام 1946والمعروفة أيضا باسم المحكمة العالمية الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة لتسوية المنازعات الدولية، ومنذ تأسيسها فقد نظرت المحكمة في أكثر من( 170 ) قضية، وأصدرت العديد من الأحكام والفتاوى في المنازعات التي قدمتها الدول وأصدرت الآراء الاستشارية استجابة للطلبات المقدمة من قبل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة،  كما قد تم التعامل مع معظم الحالات من قبل المحكمة بكامل هيئتها، ولكن منذ عام 1981  تم إحالة ستة حالات إلى دوائر خاصة بناء على طلب الطرفين (طرفي النزاع).

   اذ تعمد المحكمة في أحكامها لمعالجة خلافات دولية تتعلق بالحقوق الاقتصادية وحقوق المرور، وعدم استخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعلاقات الدبلوماسية، وأخذ الرهائن، وحق اللجوء والجنسية، حيث تقدم هذه الدول منازعاتها أمام المحكمة للبحث عن حل غير متحيز لخلافاتها على أساس قانوني. ومن هذا المنطلق فقد ساعدت المحكمة في منع تصاعد النزاعات في الكثير من الحالات من خلال تحقيق تسوية سلمية بشأن مسائل مثل الحدود البرية والحدود البحرية والسيادة الإقليمية.

 

   اما في نطاق العدالة الجنائية الدولية فمنذ فترة طويلة كان المجتمع الدولي يطمح لإنشاء محكمة دولية دائمة لمحاكمة أخطر الجرائم الدولية، و في القرن العشرين تم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن تعريف الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث عالجت محاكمات نورنمبرغ وطوكيو جرائم الحرب والجرائم ضد السلام وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية، وواصلت المحاكم المخصصة والمحاكم التي انشاتها الأمم المتحدة المساهمة في مكافحة الإفلات من العقاب وتعزيز المساءلة عن الجرائم الأكثر خطورة، وفي عام 1990 وبعد نهاية الحرب الباردة أنشأت المحاكم الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ورواندا للنظر في الجرائم المرتكبة داخل إطار زمني محدد وخلال صراع معين، وهو الامر الذي ينطبق كذلك على ثلاث محاكم أنشئت من قبل الدول المعنية بدعم كبير من الأمم المتحدة وهي: المحكمة الخاصة لسيراليون لسنة 2002، والدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا لسنة 2006، والمحكمة الخاصة بلبنان لسنة 2007 ، ويشار إليها ايضا باسم المحاكم المختلطة والتي تعد  مؤسسات غير دائمة ينتهي دورها بمجرد الانتهاء من مهمتها التي انشأت من أجلها وفي جميع الحالات.

    اما المحكمة الجنائية الدولية والتي جاءت فكرة إنشاءها لأول مرة في الأمم المتحدة في سياق اعتماد اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 لمنع الجرائم ضد الانسانية ، ولسنوات عديدة استبقت الاختلافات والتطورات في الآراء، وفي عام 1992 وجهت الجمعية العامة لجنة القانون الدولي لإعداد مشروع النظام الأساسي لهذه المحكمة بعد المجازر في كمبوديا ويوغوسلافيا السابقة.

    حيث تختص المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، على ان يكون من اختصاصها كذلك معالجة جريمة العدوان عندما يتم التوصل إلى اتفاق حول تعريف جريمة العدوان، ومن الجدير بالذكر إن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة من مستقلة من الناحية القانونية والوظيفية ،وهي ليست جزءا من منظومة الأمم المتحدة.

ويخضع التعاون بين الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية الى اتفاق يعمل على تنظيم تلك العلاقة عبر التفاوض، ويمكن لمجلس الأمن رفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، وإحالة الحالات الجنائية الدولية التي لا تندرج إلا تحت اختصاص المحكمة، وتضم المحكمة( 18 )قاضيا  تنتخبهم الدول الأطراف لمدة تسعة سنوات، حيث يتوجب على القاضي البقاء في منصبه حتى إتمام أي محاكمة أو استئناف قد بدأ بالفعل، ولا يجوز أن يكون في تشكيلتها قاضيان إثنان من نفس البلد.

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع