القائمة الرئيسية

الصفحات

أزمة المياه ومستقبلها د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

 

أزمة المياه ومستقبلها

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 


أزمة المياه ومستقبلها

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

    تعد المياه قلب التنمية في عصرنا الحديث والمحرك الاساسي لكافة اوجه النشاطات الانسانية على سطح الارض، بل من الممكن ان نقول بأنها الحياة، وأحد أهم الضروريات لبقاء الإنسان على وجه الخليقة، فهي عماد كل حضارة ومهد النمو والازدهار، وفكرة أن المياه متوفرة على سطح كوكب الأرض على اعتبار أنها تغطي نحو (70%) منه فكرة مغلوطة، وذلك لأن نسبة المياه العذبة من إجمالي كمية المياه الموجودة على سطح الأرض تبلغ (2,5%) فقط، وأغلبية هذه الكمّيّة والتي تقدر بحوالي (99%) موجودة في الكتل الجليديّة في المناطق القطبيّة، في حين توجد فقط (3%)   من الماء العذب في الأنهار والبحيرات وفي الغلاف الجوّي، وهذا المورد المحدود والذي  يجب أن يدعم حياة (9.7 )مليار نسمة بحسب التوقعات لعام 2050 ، والذين بحلول هذا التاريخ سيتحتم على ان يعيش نحو( 3.9 ) مليار نسمة منهم  أي بما يقرب بأكثر من( 40%) من سكان العالم  في مناطق شبه جافة ،وتحت ضغط شديد في ما يخص توفير متطلباتهم اليومية من المياه،  في الواقع ليست زيادة عدد السكان فقط سبب زيادة الضغط على موارد المياه،  فإذا كان عدد سكان العالم زاد ثلاث مرات في القرن العشرين، فإن استعمال المياه زاد ستة أضعاف بمعنى أن حركة التنمية بمفاصلها المتعددة تعد احد الاسباب الرئيسية لزيادة الطلب على المياه، حتى أن بعض التقارير تقدر احتياج المصانع إلى المياه سوف تزداد بنسبة( 400%) بحلول عام 2050، اضف إلى ذلك ما يخلفه تصاعد النزعة القومية في مختلف أنحاء العالم من تأثر نصيب الفرد في المياه بمناطق بعينها.

    ولا تغيب عنا كذلك اعتبارات التغير المناخي وآثاره كأحد الاسباب الرئيسية لتفاقم مشكلة المياه.

    وفي ظل التحديات المتوقع تفاقهما بالنسبة لقضية المياه، فإن تقارير تتوقع أنها ستصبح سلعة اقتصادية تباع بأسعار تضاهي أسعار النفط في المستقبل القريب ، ليس هذا فقط بل إن قضايا المياه أصبحت ذات طابع جيوسياسي، وربما تتسبب في وقوع صراعات بين الدول وحروب يكون سببها الرئيسي هو التنازع على منابع المياه ، كما أنها أصبحت واحدة من أهم القضايا التي تطرح على طاولة النقاش في المحافل السياسية وفي مطابخ الدبلوماسية، ولعلنا لا نبالغ بالقول بأننا قريبون من مشاهد الصراع على المياه في المنطقة، واحد منها أصبح مشتعلاً في دهاليز العمل الدبلوماسي وأروقة المنظمات الدولية، ونقصد به الصراع بين أثيوبيا ودول حوض النيل بشأن سد النهضة، هناك بعد أساسي آخر للمياه والاستدامة متصل بالنظم البيئية ودور المياه في تسهيل عملية تلك النظم التي توفر لنا موارد غذائية من إنتاج أسماك وتوافر البيئة الطبيعية للحياة الحيوانية وغيرها.

    وفي منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا يواجه السكان ازمة خطيرة تتمثل في ندرة الموارد المائية والتي من المتوقع ان يعقبها ازمة غذائية تضرب شعوب المنطقة الامر الذي سيخلف مجاعات واسعة النطاق لن يستثنى منها احد والتي من نتائجها زيادة الضغط على الفئات الاكثر ضعفا في المنطقة وما يترافق معها من فوضى عارمة في شتى مجالات الحياة والتي نتوقع ان يتبعها اعمال عنف وتفاقم لازمة النزوح واللاجئين ، فمن المعروف ان نحو (60%) من سكان الشرق الاوسط وشمال افريقيا هم بالفعل يسكنون في مناطق اجهاد مائي ، فاذا ما استمرت معدلات تدهور الاراضي الزراعية فسيضيع ما مقداره (8,3) مليون هكتار من الاراضي الزراعية بحلول العام القادم ، وعلى الرغم من اختلاف الظروف بين دول المنطقة الا ان معظم السكان هم في مواجهة خطر وجودي يتمثل في ندرة المياه ، وفي العراق الذي يصنف من ضمن الدول التي تعاني من وجود الاجهاد المائي يقدر (3.7-5) وفق مؤشر الاجهاد المائي ليصنف بذلك ضمن الدول ذات الخطورة العالية بما يتعلق بندرة المياه، ولا سيما ان التوقعات تشير الى جفاف نهري دجلة والفرات بحلول عام 2040 نهائيا وبالتالي سيعاني العراق من الجفاف والعطش ، فالمعهد الدولي لإدارة المياه كان قد سبق وأشار الى ان منطقة الشرق الاوسط والعراق أحدها من اكثر المناطق توترا بما يخص الاستخدام غير المستدام للمياه التي (85%) منها لا يتم الاستفادة منها بشكل فعال على الرغم من زيادة الطلب على المياه وضعف العرض وهو ما يعني ان المنطقة سوف تتعرض الى اكبر الخسائر الاقتصادية بسبب ندرة المياه المرتبطة بالتغير المناخي ، الامر الذي يشير الى ضرورة التعاون بين دول المنطقة لمواجهة تلك الازمة الخطيرة ولا سيما ان معظمها تشترك في مكمن مياه جوفية واحد على الاقل وهو ما يبرز التعاون المشترك لإدارة ازمة المياه .

 تحديات المياه تحتاج منا إلى حسن إدارة الموارد المائية والطاقة ووجود استراتيجيات خلاقة وغير مسبوقة يجري من خلالها تعظيم الاستثمار في هذا المجال، وإدخال القطاع الخاص كشريك محوري فيها بالشكل الذي يضمن الوفاء باحتياجات التنمية المستدامة ولا سيما اننا ندرك ان ندرة المياه ذات صلة قوية بعدم الاستقرار الغذائي والصناعي والمعيشي في كافة مجالات الحياة.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع