القائمة الرئيسية

الصفحات

دور السلطة القضائية في مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

 

 

دور السلطة القضائية في مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 


    مع القلق المستمر من التحديات المستجدة التي تمثلها مشكلة المخدرات سواء على المستوى العالمي والمحلي على حد سواء واستنادا الى مبدأ المسؤولية العامة والمشتركة لجميع السلطات في الدولة والسلطة القضائية كأحد تلك السلطات التي تمارس دورا رقابيا ووقائيا مهما على الصعيد العملي عبر ملاحظة الصلات المتزايدة بين الاتجار بالمخدرات والفساد وسائر أشكال الجريمة المنظمة بما فيها الاتجار بالبشر والاسلحة والجرائم السيبرانية وغسل الاموال المرتبطة بتمويل الارهاب ليغدوا للسلطة القضائية دورا مهما في تتبع ومصادرة حصيلة العائدات المتأتية من الجرائم المرتبطة بتجارة المخدرات والمؤثرات العقلية والتي تضطلع الجماعات الارهابية في ذلك بدور بارز سواء على الصعيد العالمي او المحلي على حد سواء ، وهو الامر الذي يتطلب تنفيذ التدابير الوقائية والتدابير الخاصة بإنفاذ القوانين من اجل مكافحة شتى اشكال الانشطة الاجرامية التي قد تكون مرتبطة بتجارة المخدرات والمؤثرات العقلية ولاسيما في ظل وجود صلات متزايدة بين الاتجار بالمخدرات والفساد وسائر اشكال الجريمة المنظمة والتي ترتبط فيما بينها بأشكال متفاوتة تبعا لحجم الجماعة الارهابية الضالعة فيه إذ بينت دراسة عالمية بشأن الاتجار بالمخدرات والارهاب جرى توثيق مجموعة متنوعة من الصلات ففي تقرير اعده المكتب المعني بالمخدرات والجريمة ومكتب مكافحة الارهاب في عام 2020 وبناء على مدخلات من (50) دولة تأكد وجود صلات انتهازية بين جماعات الجريمة المنظمة الضالعة في تجارة المخدرات والجماعات الارهابية والتي تصنف الى تقاسم الاراضي والرغبة في تحقيق الربح او الروابط الشخصية التي تكونت في السجن ، اما خلال فترة انتشار جائحة كورونا على الصعيد العالمي وتعطلت معظم اسواق الادوية عالميا وان كان بشكل مؤقت الا ان الجائحة حفزت اتجاهات جديدة او ساهمت في تسارع وتيرة اتجاهات موجودة مسبقا في مجال الاتجار والتي منها زيادة حجم الشحنات وزيادة استخدام الطرق البرية والممرات المائية والطائرات الخاصة والشحن الجوي والطرود البريدية ، فعلى الرغم من التقلبات قصيرة الاجل الناجمة عن التقييدات المتعلقة بجائحة كورونا في بعض البلدان استمر الاتجار بالمخدرات وبكافة الطرق المعهودة وغير المعهودة ، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن العوامل التي تزيد الصلات القائمة بين تجارة المخدرات وسائر أشكال الجريمة ، وهل يمثل الضعف في مجال سيادة القانون وانعدام الفرص الاقتصادية احد العوامل المرتبطة بتفاقم تلك الظاهرة وزيادتها؟ ما هي التحديات التي لوحظت في اطار الكشف عن جرائم الاتجار بالمخدرات المرتبطة بجرائم اخرى ، وكيف أسهم ذلك في ملاحقة مرتكبيها قضائيا؟ على سبيل جمع المعلومات الاستخبارية وتبادلها والتنسيق المحلي واعتراض الحدود وتأمينها والملاحقة القضائية بشكل فعال ، أضف الى ذلك التعاون الدولي وإدارة السجون.

    وما هي التدابير التشريعية والتنفيذية والقضائية الامثل للتصدي لهذه التحديات؟ قبل التطرق لذلك حري بنا التطرق لتعريف المخدرات وما هي السبل لتلافي أضرارها وشرورها على الفرد والمجتمع، وللوقوف على الموضوع بكافة جوانبه ينبغي الاحاطة بالموضوع من جوانب عدة

     فالمخدرات افة انتشرت في الآونة الأخيرة في مجتمعنا واصبح سماعنا لأخبارها امراً يطرق اسماعنا يوميا لأن تلك الظاهرة شبح مخيف يؤرق بالنا بما تمثله من تهديد لمستقبل جيل ناشئ ولا سيما بعد تقرير لمنظمة اليونيسف والذي تناولت فيه كون المخدرات باتت تصبح ظاهرة متزايدة بين أطفال العراق ولاسيما ان احصائية للمنظمة أظهرت أن مدمني المخدرات بين الأطفال بحدود (10%) ، لا يمكن انكار ان تلك النسبة تمثل رقما يثير الرعب اذا ما تبادر الى الذهن ان تلك النسبة تستقطع من جيل كامل اذا لم يتم تدارك الامر مع الاشارة لكونها قابلة للزيادة في حالة اهمال الاجراءات الرادعة والعلاجية لتلك الظاهرة، وهو ما يدفع للتساؤل الاتي : ماهي المخدرات ؟وما هو السبيل لتلافي شرائها ؟كيف نحمي أبناءنا ومجتمعنا منها ولاسيما مؤخرا تم ارتكاب العديد من الجرائم التي كان مرتكبوها قد ادمنوا المخدرات قبل ارتكابها والتي كانت من البشاعة مما يندى لها ضمير الإنسانية ، وهل تشريعاتنا الجزائية تتضمن عقوبات تتوافق مع التطور السريع في نوع الجرائم المرتكبة والأنواع المستجدة من تلك الجرائم،  وهل تعد الاجراءات المتخذة من قبل الجهات المختصة متناسبة مع التدفق الكبير الذي يتم عبر العديد من المنافذ الحدودية أو بوسائل أخرى؟.

   ولاسيما بعد تقرير لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة الذي أكد أن المخدرات تدخل للعراق من مدخلين رئيسيين ليتحول العراق إلى مخزن تصدير تستخدمه عصابات الجريمة المنظمة والعصابات  المتاجرة بالمخدرات والتي تستفيد من ثغرات الحدود سواء البحرية أم البرية ، ليصبح العراق بعد أن كان محطة ترانزيت منطقة توزيع وتهريب وتعاطي ، تفاصيل اكثر اوردها التقرير الامر الذي يتطلب منا أن نقوم بتعريف المخدرات وماهي المخدرات .

   المخدرات هي كل مادة طبيعية او ترحيبية او مواد مدرجة في جدولين ملحقين بقانون المخدرات العراقي رقم( 68 ) لسنة م1965 ،في حين عمدت  تشريعات أخرى الى تعريفها بأنها: ( كل مادة طبيعية او مصنعة تذهب العقل البشري جزئيا أو كليا وتجعل متعاطيها غير مدرك لما يفعل او يتصرف ،كما أنها تهيئ للشخص بعض الامور غير الحقيقية)، فمن المعروف أن بعض الانواع تستعمل في المجالات الطبية تحت إشراف طبي وفقا للحاجة الماسة لها وبكميات قليلة لا تسبب الإدمان، اما التعريف العلمي لها فهي عبارة عن : ( مواد كيميائية تتسبب في غياب الوعي لمتناولها مع تسكين الألم ).

   اما من الناحية القانونية فيتم تعريفها بأنها : ( مواد تتسبب في تسمم الجهاز العصبي والإدمان وفقدان متناولها التواصل مع المحيطين به ) الأمر الذي جعل  القانون يمنع زراعتها وانتاجها وحتى تداولها ولا يتم استعمالها الا بترخيص وتحت الرقابة الآنية، ومن المعروف أن العراق قد شرع قانون المخدرات منذ عام 1965م بالرقم (68) واورد عدة مواد ليشملها لان تكون من ضمن المواد المخدرة وليتناول الاتجار غير المشروع والاستيراد والتصدير والمتاجرة ،  اما تعاطي المخدرات والذي يمكن ان يعرف بانه : (إساءة استعمال المواد المخدرة أو الأدوية النفسية والأنشطة والتي غالبا ما يكون تعاطيها متضمنا لمشاكل في السيطرة على الانفعالات والاندفاع نحو إثارة المشاكل ) ، وقد نها شرعنا الحنيف عن تعاطي ما يضر بالعقل لقوله تعالى في سورة المائدة ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر آلله وعن الصلاة فهل انتم منتهون ) صدق آلله العظيم .

   لتكون أضرارها تبعا لذلك على المجتمع من خلال تدني مستوى أخلاق المتعاطي او المدمن ،إذ تهبط نظرته لنفسه لمستوى الحضيض مع انتشار الجرائم في المجتمع مثل السرقة إذ يحتاج المدمن إلى الجرعات مهما كلفه الثمن فقد يفرط بعرضه او يسرق في سبيل تأمين الجرعة التي يحتاج إليها ، ليكون انهيار المجتمع بانهيار اللبنة الأساسية فيه الا وهي الأسرة التي تقدم الروابط فيها فيعود جو العنف والمشاكل لينعكس على المجتمع والدولة ككل من خلال انخفاض انتاجية الأفراد فيه لتفقد الدولة الكثير من الأموال اضافة لتكاليف علاج المدمن من التعــــــاطي مما يؤثر على دخلها واقتصادها.

   ومن الجدير بالذكر تعد الفئة الاكثر تأثرا بالمخدرات وتعاطيها هم الأشخاص ضعيفو الشخصية أو من يعانون  مشاكل أسرية واجتماعية او اضطرابات نفسية هم الفئة الاكثر إقبالا على تعاطي المخدرات.

   وتأسيسا على ذلك ومن أجل الوقاية من أخطارها وعدم الانجراف تحت مخاطرها يستوجب على الاسرة الانتباه لسلوك ابنائها وتصرفاتهم وتوجيهها لما فيه الخير، ولتحقيق ذلك لا بد أن يكون جو العائلة مفعما بالحيوية والحب والابتعاد عن الكلمات الفظة التي تتسبب في مقتل شخصية الأبناء الأمر الذي يجعلهم يبحثون عن الاهتمام خارج المنزل وصحبتهم لرفاق السوء وضياع حياتهم ،مع تفعيل دور منظمات المجتمع المدني عن طريق حملات التوعية حول مخاطر تلك الآفة التي تغزو مجتمعنا مع تفعيل الدور الرقابي على مختلف الصعد مع إيجاد آليات ردع فعالة تتلاءم مع التطور الحاصل في اساليب دخول المخدرات إلى البلد وطريقة وصولها للشارع وكيفية توزيعها وصولها لكافة الشرائح ومعالجة تلك الثغرات في عمل الجهات الأمنية التي تجعل تلك الآفة خطرا لا يستهان به .

   وفي نطاق التجريم فقد عمد المشرع العراقي لمواجهة جرائم المخدرات عبر تشريع القانون رقم (50) لستة 2017م والذي انتهج من خلاله المشرع العراقي الى انتهاج سياسة تجريمية قد تكون مختلفة عن التشريع الملغي وقانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 النافذ والذي يمكننا ملاحظة انه لا يتضمن نصا يجرم المخدرات والمؤثرات العقلية الا بشكل عرضي ، اذ ان ما ورد فيه من نصوص انما جاءت لتنظيم سريان قانون العقوبات على سبيل المثال نص المادة (13) منه والتي تنص على : ( في غير الاحوال ... تسري أحكام هذا القانون على كل من وجد في العراق بعد ارتكابه جريمة من الجرائم التالية : تخريب او تعطيل وسائل المخابرات ... والاتجار بالنساء او بالصغار او بالرقيق او المخدرات) حيث يمكننا الملاحظة بإن القانون في نص تلك المادة من القانون لم يشر للعقوبة التي تفرض على مرتكب تلك الجرائم وهو ما يتنافى مع سلوك المشرع في تحديد الافعال المجرمة والعقوبات التي تفرض على مرتكبيها، أضف الى ذلك النصوص العقابية التي تناولت المواد المخدرة وتحديدا المواد المتعلقة بموانع المسؤولية الجنائية في المواد (60-61) والتي عدت الاولى منها مانعا من موانع المسؤولية الجزائية ارتكاب الجريمة تحت تأثير مادة مخدرة وبالإكراه، في حين عمدت المادة الثانية الى تشديد العقوبة اذا ما تمت الجريمة تحت تأثير مادة مخدرة تناولها الجاني عمدا لغرض ارتكاب جريمته ، وهو ما يظهر القصور التشريعي في هذا الجانب في ظل خطورة تلك الجرائم وتناميها وصعوبة تجريمها لعدم امكانية تحديد المواد المخدرة دون الاستعانة بالخبرة الفنية والعلمية والتي تتطور بشكل مستمر مع الاكتشافات العلمية المتواصلة في هذا الجانب ، وانطلاقا من ذلك عمد المشرع الجنائي العراقي لتشريع القانون رقم (50) لسنة 2017م الخاص بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والذي تضمن حماية المجتمع بالأمن الصحي بما ينسجم والتطورات الحاصلة في المستجدات الحاصلة في ظهور مواد مخدرة جديدة قد لا تكون معروفة في ظل القانون الملغي ، حيث عمد الى انتهاج سياسة جنائية تتسم بالمرونة في مواجهة جرائم المخدرات فالمشرع عمد الى عدم تحديد المواد المخدرة بشكل قطعي بل عمد الى الاحالة الى قوانين اخرى او تشريعات اخرى تتمثل فيما يصدر عن وزارة الصحة من تعليمات وبيانات لتسهيل تنفيذ القانون في نص المادة (49) منه والتي تنص على : ( لوزير الصحة اصدار ما يأتي : أولا : تعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام القانون. ثانيا: بيان يتضمن تعديل الجداول الملحقة في هذا القانون عدا الجدول الحادي عشر الخاص بالرسوم بالحذف او بالإضافة او بتغيير النسب الواردة فيها بما يتفق مع تعديل الجداول الملحقة بالاتفاقية الوحيدة لسنة 1961م وتعديلاتها واتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971م وتعديلاتها واتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988م وتعديلاتها او بما يتفق مع نتائج الدراسات التي تقوم بها وزارة الصحة او تعتمدها على المواد المخدرة او المؤثرات العقلية على ان ينشر البيان في الجريدة الرسمية)،وهو ما يمكن ان نعده تفويضا تشريعيا في نطاق التجريم لتلك الجرائم .

وحول العقوبات القانونية للتعامل مع المتورطين والتي تتم وفق المواد( 27-28-32 )من قانون مكافحة المخدرات، اذ ان المادة( 27 ) تتضمن الحكم بالإعدام بحق المتاجرين، والمادة( 28 )تحكم المروجين والحائزين بين الحكم المؤبد وخمسة عشر عاما ، اما المادة( 32 ) والتي تخص المتعاطين والحكم بحقهم والذي يتراوح من ستة أشهر للسنة وغرامة مالية ما بين الثلاثة الى الخمسة ملايين دينار عراقي ، ومن هذا المنطلق نلتمس من السلطة القضائية الى التشديد في فرض العقوبة من خلال فرض الحد الاعلى للعقوبات التي تتضمن حدين أعلى وأدنى ، أضف الى ذلك وان كان ليس بمقدور السلطة القضائية تقديم مقترحات او مشاريع قوانين الى السلطة المختصة وبشكل مباشر الا انها وبالإمكان ان تسهم في صياغة و تشريع القوانين عبر تقديم تلك المقترحات للجهات المختصة لتأخذها بعين الاعتبار كونها السلطة التي تعد المحل للتطبيقات القضائية وبشكل يومي مع الدعوة لتكون السلطة القضائية رديفا للسلطة التشريعية في ذلك الجانب لكونها السلطة التي تعمل بتماس مباشر مع المواطن وبشكل يومي وهو ما يمنحها القدرة على تحديد جوانب القصور التشريعي لتداركه بالتعديل والاضافة وفق الحاجة.

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع