قضية واقعية لجريمة قتل زوج

من خلال تدوين اقوال وافادات الشهود وذوي العلاقة في موضوع كيفية وقوع الحوادث الخطيرة والمشتبه بوقوعها والجرمية قد ترد بعض المعلومات تبدومن ظاهرها ليس ذات اهمية ولكن لدى المحقق الكفؤء النشط المتابع ذوقوة ملاحظة تكون لديه وقفة عندها حتى يعرف ماذا ورائها من اخبارتفيد التحقيق ومدى علاقتها باصل الحادث ؟ كما في المثال التالي :--

في مساء احد الايام من عام 1976 ورد اخبار الى مركز شرطة الرشاد في بغداد

الجديدة بوجود شخص مقتول امام داره في منطقة المشتل تحرك ضابط المركز على الفور الى محل الحادث بعد اخبار قاضي تحقيق خفر العاصمة واجرى الكشف على محل الحادث وعلى جثة القتيل ووجد ان سبب الوفاة اصابته بعدد من الاطلاقات النارية ادت الى وفاته , ايد ذلك تقرير الطب العدلي لاحقا.

اتضح لمحقق الشرطة ان القاتل كان قريبا من مكان ارتكاب الجريمة تمكن من اطلاق العيارات نحو المجنى عليه قبل فتحه الباب الخارجي للدار وا صابته وارداه قتيلا في الحال في وقت كان ما بعد الغروب لم يشاهد من قبل احد حسب المعلومات الاولية التي حصل عليها محقق الشرطة ومن ذوي اهل المجنى عليه ؟

كما بدا للمحقق ان القتل عمدي مقصود بذات الجنى عليه من طبيعة اسلوب ارتكاب الجريمه كما رئاها المحقق ؟

تبقى الاستفسارات تحوم حول اسباب ارتكابها ودوافعها ومن هو الفاعل الحقيقي--- المجرم القاتل ؟ ومن خلال التحقيق وردت معلومات في افادة شقيق المجنى عليه انه قبل شهر من الحادث خطب بنت من اهلها في المنطقة للزواج منها ورفضوا طلبهم ولكن كما اتضح للمحقق لم تحدث بينهما اية مشكلة بسبب ذلك .ولا يستوجب الموضوع ان يقوم احد من اهل الفتاة المخطوبة بهذا الحادث الخطير(القتل) . كما وجد المحقق من خلال الكشف على محل الحادث على عود من الثقاب –شخاطة –محشورة في داخل فتحة القفل وقد استنتج المحقق ان الغرض من ذلك هو اعاقة فتح القفل ما يؤدي الى تاخر فتح الباب الخارجية مما يساعد القاتل من تنفيذ جريمته بنجا ح بتوفر الوقت المساعد له للتصويب نحو الضحية المقصودة بحرية ودقة تامة , ومن هنا يتضح اهمية الكشف على محل الجريمة . وهكذا وقعت جريمة القتل بدم بارد .

كما استنتج المحقق من ذلك احتمال وجود شخص مساعد للمجرم القاتل قام بحشو عود الكبريت في فتحة القفل بالاشتراك معه فيها لاسباب معينه كان لابد له من معرفة بذلك من خلال وضع هذه الامور باهتمام في التحقيق .كما وردت معلومة في افادة شقيق المجنى عليه ان شقيقه اشترى مسدس وبعد شهر تم مصادرته من فبل مركز شرطة الرشاد بناءا على اخبار ورد اليهم ولم يعرفوا من كان المخبر عن ذلك وما هو الغرض منه . وكانت تلك المعلومة ذات اهمية للمحقق لابد من الوقوف عندها بكل اهتمام للبحث عن موضوع مصادرة المسدس ومن هو وراء الاخبارعنه وما هي المصلحة الحقيقية له منه ؟

اتضح ان المخبر شخص من منتسبي الامن العامة تم استقدامه وبعد استجوابه ذكر ان ابن عمه هو الذي اخبره عن موضوع المسدس وطلب منه اخبار مركزشرطة ارشاد عن حيازة المجنى عليه له .

 وكان لا يعرف مسبقا عن اسباب استدعائه وهذه الاجرءات اخذت بطابع من السرية حفظا على عدم تسرب المعلومات التحقيقية .وتم ا حضارابن عمه المقصود في افادة المنتسب وتم مواجهته عن اسباب قيامه بتكليف ابن عمه بهذا الاخبار عن المسدس وما هو الغرض منه وما علا قته بالمجنى عليه وقد نكر قيامه بذلك جملة وتفصيلا , وحصلت قناعة تامة ان هذه الادلة تصلح ان توجه له التهمة عن احتمال ضلوعه في ارتكاب الجريمة .وقرر قاضي التحقيق المختص توقيفه بناءا على تلك الادلة والبراهين الثابتة في التحقيق , واستكما ل التحقيقات اللازمة بصدد الحادث ؟ وبعد الرجوع الى شقيق المجنى عليه لاستكمال مناقشته على ضوء المعلومات الجديدة عن موضوع المسدس والمخبر الحقيقي عنه من قبل المحقق المختص تبين ان المتهم كان لديه تكسي يقوم بايصالهم الى محل عملهم (الحدادة) الواقع في منطقة المشتل يوميا بعد الانتهاء من عملهم يقوم باعادتهم الى المنزل كما يقوم بالاعمال الخاصة وبامور ومستلزمات العائلة الضرورية وكان المجنى عليه يثق به تماما ولكن كما ورد في اقواله قد ساءت علاقته معه واستغنى عنه وابعده نهائيا لتدخله في شؤون العائلة الخاصة وعدم الاطمئنان من تصرفاته غير الاصولية ولم تتضح للمحقق ما هي ابعاد وحقيقة هذه التدخلات واسباب الخلاف الحقيقية بينهما حتى الان؟

بعد ان اتضحت تلك الحقائق للمحقق حصلت لديه القناعة بوجود علاقة بين المتهم السائق وبين زوجة المجنى عليه وتم احضارها في الحال وتوجيه التهمة اليها على ضوء تلك الحقائق ومواجهتها بها وبالاشتراك مع المتهم بقتل زوجها كما تم مواجهة المتهم السائق بها و بتهمة الاشتراك مع زوجة المجنى عليه بقتل زوجها للتخلص منه نهائيا واستمرار العلاقة المشبوهة بينهما , ومن بعد التحقيقات والاستجوابات والمناقشات المستمرة مع المتهمين تمكن المحقق بطريقته المهنية الذكية من انتزاع اعترافهما بارتكاب الجريمة بالاشتراك معا في الاعداد لتنفيذها وقامت الزوجة الخائنة بوضع عود الثقاب في فتحة القفل لغرض تاخير الزوج عند فتحه الباب وقامت ايضا باخبار المتهم العشيق بشراء زوجها المسدس كما ورد في اعترافها واعتراف المتهم بتلك الاعمال وكيفية تنفيذ جريمة القتل العمد مع سبق الاصرار بالاشتراك معا ودونت اقوالهما امام قاضي التحقيق المختص .

واحيلا الى المحكمة المختصة لينالا الجزاء العادل. وفق المادة( 406) من ق .ع .ع . لتوفر الباعث الدنئ للجناة من ارتكابهم الجريمة .المشدد للعقوبة بحقهم من قبل المحكمة المختصة .

مما يتضح من خلال سير التحقيق ان المحقق اعتمد اولا السرية في عمله وكتم الامور التحقيقة . واعتمد في استمرار مناقشة الشهود على ضوء المعلومات المستجدة لديه للحصول على ايضاحات وافية وعلى مدى علاقتها بالحادث والمتابعة المستمرة من دون ملل واعتماد الاسلوب المهني والاصولي في التحقيق المبني على الخبرة والتجربة من غير اتباع الاساليب غير الانسانية كالتعذيب كما يمارسه بعض الضعفاء وغير الكفؤين الذين لا يجدون وسيلة اسهل منها لتوفر لهم الوقت والجهد لانتزاع الاعتراف من المتهم بالقوة او اجباره على الاعتراف وان كان بريئا .هذه الاعمال مرفوضة قانونا وشرعا ومناقضة للمبادئ الانسانية التي يجب على المحقق المخلص النزيه الكفؤ ان يراعي عمله المهني مع اي متهم وفي اي حادثة كانت يتكلف بالتحقيق فيها من اجل معرفة الحقيقة وهي الغاية الاساسية التي يتطلع اليها في كل لحظة خلال عمله بكل همة واقتدار واخلاص .ونرجو ان يكون ذلك نموذجا يحتذى به المحققين المختصين مما يساهم ذلك باشاعة الامن والاستقراروالطمانينة في المجتمع.

المحامي فاروق العجاج