القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث ارجاءات دعوى (حصر حق ارتفاق)

ارجاءات دعوى (حصر حق ارتفاق)

بحث ارجاءات دعوى (حصر حق ارتفاق)
بحث ارجاءات دعوى (حصر حق ارتفاق)
المحامي عارف الشعال

نعرض فيما يلي من ناحية مهنية بحتة، قضية نادرة قلما تُعرض على القضاء، كان الوكلاء فيها المحاميين الكبيرين "خالد المالكي ومحمد فهر الشقفة" رحمهما الله.

يملك أحد الأشخاص "سطح بناء" في حي المهاجرين بدمشق، مثقل بحق ارتفاق نشر الغسيل لصالح 8 مقاسم في البناء.
في أواخر الثمانينات من القرن الماضي سمحت محافظة دمشق بترخيص هذه الأسطحة وإشادة بناء عليها ذو سقف مائل يكسى بالقرميد يدعى (جملون).

وحيث إشادة بناء ذو سقف قرميدي مائل، يمنع بالضرورة من نقل حق الارتفاق بالنشر عليه، لأن طبيعته لا تسمح باستغلاله لهذه الغاية، ما أدى لامتناع محافظة دمشق عن ترخيص السطح المذكور قبل معالجة هذا الارتفاق.


حاول المالك التفاهم مع الجيران أصحاب حق الارتفاق، وعرض عليهم تخصيص جزء من السطح لهذا الحق، أو أن يتنازلوا عنه مقابل تعويض مقبول، فلم يصل معهم لنتيجة، علماً أنه من الناحية العملية لا يستعمل هذا الحق أحد من الجيران!!

قام مالك السطح بتوكيل المحامي الأستاذ "خالد المالكي" (رحمه الله) لإيجاد حل للموضوع عن طريق القضاء.
بتاريخ 15 تشرين الثاني 19899، رفع الأستاذ المالكي دعوى على أصحاب حق الارتفاق الثمانية أمام محكمة الصلح المدنية بدمشق، عرض فيها الوقائع المذكورة آنفاً، وطلب حصر حق الارتفاق بجزء من السطح تحدده الخبرة الفنية، أو في حال التعذر ترقين حق الارتفاق مع الاستعداد لدفع التعويض الذي تقدره المحكمة،

من الناحية القانونية، استند المرحوم المالكي في دعواه على الفقرة 3 من المادة 9922 مدني التي تسمح للمالك الذي أُرهق من حق الارتفاق، أن يعرض مكاناً سهلاً لاستعماله، ولا يحق لمالك حق الارتفاق أن يرفض العرض.

واستند أيضاً على المبادئ العامة لحقوق الملكية التي تمنع حرمان المالك من ملكه (7711 مدني) وإن وجود حق الارتفاق بهذا الشكل يحرم المالك من ملكه، 

واستند لاجتهاد لمحكمة النقض صادر عام 1969 منشور في مجلة القانون لعام 1970 – ص1055، مفاده وجوب التوفيق بين مصالح العقار المرتفق، واحترام حق الملكية، وفي حال تغلب حق الملكية، يقضى لصاحب حق الارتفاق بالتعويض، 
كما استند لمبادئ الشريعة الإسلامية التي تقضي بأن (الضرر الأشد يدفع بالضرر الأخف) وبأن حق الملكية أوسع وأكثر شمولاً من حق الارتفاق، وبالتالي لا يجوز لحق الارتفاق أن يعيق المالك من حق استعمال واستغلال ملكه.

قام ستة من المدعى عليهم بتوكيل المحامي الكبير "محمد فهر الشقفة" رحمه الله بالدعوى، وتغيب اثنان عن المحاكمة.

في الحقيقة، كان ملفتاً للنظر اتفاق المدعى عليهم الستة، على توكيل محام كبير بحجم المرحوم الشقفة، وتكبد أتعابه، في دعوى لن تعود عليهم بنفع يذكر، والدفاع عن حق هم لا يستعملوه أصلاً !! وهذه المسائل يأخذها المحامي المتمرس بالاعتبار.

بعدما أنكر الدعوى تركزت دفوع الأستاذ الشقفة حتى نهاية الدعوى التي ما فتئ يكررها في كافة مذكراته، بأن محكمة الصلح غير مختصة بنظر الدعوى، وأن الاختصاص معقود لمحكمة البداية المدنية باعتبار أن الدعوى لا تتعلق بنزاع على حق الارتفاق الثابت بالسجل العقاري، وإنما تتعلق بارتفاق تعاقدي، (نقض 3851 لعام 1951- أنس كيلاني - الأنظمة العقارية - ص374). 
ودفع الدعوى أيضاً بأن كل واحد من المدعى عليهم له حق الارتفاق على كامل السطح، وكل ذرة من ذرات العقار، وأن طلب حصر هذا الحق فيه انتقاص من حق الملكية،

ثم تقدم المرحوم الشقفة بـ (ادعاء متقابل) أكَّد فيه على اجتهاد ينص على عدم جواز الاتيان بعمل يقصر استعمال حق الارتفاق المسجل بالسجل العقاري، وأن المادة 992 مدني في فقرتها الأولى تحظر على مالك العقار أن يأتي بعمل يرمي إلى قصر حق الارتفاق أو جعله أكثر مشقة، 
وعاد وأكَّد مرة أخرى على عدم اختصاص محكمة الصلح بنظر الدعوى قيمياً، بحسبان أن الارتفاق بالنشر يعتبر من الحقوق التي تخضع لتقدير القيمة في مجال تحديد الاختصاص (نقض267 لعام 1978-المحامون لعام 1978 ص460)
وفي النهاية طلب باقتضاب شديد وذكاء أيضاً (إلزام الخصم بالتعويض)، دون أن يشير صراحة فيما إن كان هذا التعويض ناجم عن رفع الدعوى أم عن قصر الارتفاق المتوقع،


طبعاً لم يقم بتفصيل سبب طلب التعويض، حتى لا يظهر أمام المحكمة بموقف الراضخ أو المنصاع لمنطق الدعوى ولكنه ينازع بالتعويض فقط،

والذي دفع الأستاذ الشقفة لطلب التعويض، هو تمهد الطريق للمحكمة بالحكم به لموكليه، بحسبان أن المحكمة لا تستطيع الحكم بما لم يطلبه الأطراف.

قررت محكمة الصلح إجراء الخبرة على السطح وبيان فيما إن كان مكن تخصيص جزء منه لحق الارتفاق بالنشر، فجاءت الخبرة بالإيجاب وأرفق الخبير مخطط للسطح خصص به قسم لنشر الغسيل مساحته 25 متر، فاعترض المرحوم الشقفة على الخبرة اعتراضاً منطقياً قائلاً:

أن الخبير لم يحدد المعيار الذي اتخذه في تخصيص مساحة 255 متراً لهذا الحق فقط، وأن تقسيم هذه المساحة على ثماني شقق، ينتج عنه ثلاثة أمتار لكل شقة وهي لا تكفي لنشر الغسيل، سيما وأن موكليه جميعاً من أصحاب الأسر المتعددة الأولاد والتي تحتاج للغسيل والنشر بشكل يومي، وفي فصل الشتاء ستتضاعف المدة التي يحتاجها جفاف الغسيل إلى 4 أو 5 أضعاف، وأن غسيل العائلة الواحدة يستغرق كامل المساحة التي خصصها الخبير لهذا الحق!

ناهيك عن أن عدد الشقق التي لها حق الارتفاق ثماني، في حين أيام الأسبوع سبعة وبالتالي يتعذر تنسيق الدور بالنشر بينهم!


بتاريخ 30 كانون الأول 1991 بعد أكثر قليلاً من سنتين من رفع الدعوى، صدر حكم محكمة الصلح المدنية التاسعة بدمشق، حيث قضى للمدعي بطلباته وفق الخبرة الجارية، معتبراً أن دفوع الجهة المدعى عليها ليس لها مؤيد في القانون، وأن المساحة المخصصة لحق الارتفاق كافية، وتنسجم مع حقوق الجهة المدعية باستغلال ملكها والانتفاع به.

استأنف الأستاذ الشقفة الحكم الصلحي آخذاً عليه البتّ بالنزاع بالرغم من عدم اختصاص المحكمة الصلحية، وبأن الدعوى لا تستند لمؤيد قانوني، وأن الخبرة الجارية مسخت حق الارتفاق وجعلت استعماله مستحيلاً، مكرراً أقواله التي ساقها أمام محكمة الدرجة الأولى بهذا الصدد، وعدم الحكم بالتعويض للمدعى عليهم.

في الواقع لقد أبدى الأستاذ الشقفة، -وكان رحمه الله محامياً شديد المراس- مقاومة شديدة أمام محكمة الاستئناف لمنع حصر حق الارتفاق بجزء من السطح، حتى بلغ عدد المذكرات التي أبرزها أمام المحكمة 6 مذكرات إضافة إلى لائحة الاستئناف، وبالمقابل لم يبرز الأستاذ المالكي أي مذكرة أمام المحكمة مكتفياً بالجواب المقتضب على محضر الجلسة، وهذا شيء طبيعي إذ يجب على المدعي أن يحجم قدر الإمكان عن تقديم اللوائح والمذكرات بالدعوى اختصاراً للوقت الثمين، 
وقد استعان الأستاذ الشقفة في مذكراته بالعديد من الاجتهادات المتفرقة التي تعزز موقفه، كما أثار عدة مرات طلب إعادة الخبرة،

أثناء وجود القضية أمام محكمة الاستئناف صدر قرار من محافظة دمشق، بوقف منح تراخيص البناء لمثل هذه الأسطحة، فاستغل المرحوم الشقفة هذا التطور وطلب رد الدعوى لانعدام المصلحة فيها سنداً لهذا القرار.
استجابت محكمة الاستئناف لطلب الأستاذ الشقفة إعادة الخبرة، مع تكليف الخبراء بيان فيما إن كان قصر حق الارتفاق يستحق التعويض المادي لأصحاب هذا الحق، فقام الخبراء بإجراء تعديل طفيف بالجزء الذي تمَّ تخصيصه لاستعمال هذا الحق، مع الإبقاء على نفس المساحة المقدرة بـ 25 متر تقريباً، كما أنهم قدروا التعويض الذي يستحقه أصحاب هذا الحق بمبلغ 120 ألف ليرة سورية يوزع على أصحاب هذا الحق وعددهم 8 بالتساوي.

بتاريخ 10 نيسان 1997 بعد أقل من ثماني سنوات على رفع الدعوى، أسدلت محكمة الاستئناف الثانية بدمشق الستار على هذه القضية، ففسخت قرار محكمة الصلح جزئياً، وقررت حصر حق الارتفاق بالجزء والمساحة التي قررتها الخبرة الجارية أمامها، مع إلزام المدعي بدفع التعويض المقدر بمبلغ 120 ألف ليرة سورية.

ومن حيثيات هذا القرار نستخلص المبادئ القانونية التالية:


((لما كان المشرع أوجب حين الفصل بحقوق الارتفاق أن يوفق القاضي بين مصالح العقار المرتفق، وبين الاحترام الواجب لحق الملكية عملاً بأحكام المادة 986 مدني، كما أنه يجب الملاحظة أنه في حالة تغلب حق الملكية، يقضى لصاحب حق الارتفاق بالتعويض على النحو الوارد باجتهاد محكمة النقض رقم 1089 تاريخ 28/ 12/ 1969، المنشور في مجلة القانون لعام 1970 – ص150))

((من المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية التي هي من مصادر التشريع السوري عملاً بأحكام المادة 1 من القانون المدني، أن الضرر الأشد يدفع بالضرر الأخف))

((في مجال المقارنة والموازنة بين حقين لمعرفة أيهما أجدر بالحماية، فإن حق الملكية هو أوسع مدى وشمول من حق الارتفاق، وأن حرمان المالك من التصرف بملكه يؤدي إلى حرمانه من أحد أركان حق الملكية، بحسبان أن حق الارتفاق يخول صاحبه مباشرة عمل جزئي ومحدود في العقار المفروض عليه التكليف))

ومن الجدير بالذكر أن هذه الدعوى كان يكتنفها الانعدام حيث تبين بعد رفعها أن أحد المدعى عليهم كان متوفياً قبل رفع الدعوى، فاستحصل الأستاذ المالكي على حصر إرث له وطلب من المحكمة إدخال ورثته بالدعوى وتبليغهم، فاستجابت له محكمة الصلح فعلاً، وتمت دعوتهم للمحاكمة ولكنهم تغيبوا.

وقد أثار الأستاذ الشقفة هذه الناحية مرة أمام محكمة الصلح ومرة ثانية في لائحة الاستئناف، واستخدم حينها تعبير البطلان المطلق، ولم يستخدم تعبير الانعدام، ويبدو أن هذا التعبير لم يكن مطروقاً كثيراً في الأدبيات القانونية أواخر الثمانينات من القرن الماضي، ولكن بالمحصلة، كلا المحكمتين لم تلتفت لهذا الدفع وتم تجاهله تماماً.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع