القائمة الرئيسية

الصفحات

في ذكرى احداث قصر الرحاب الدكتور حيدر أدهم الطائي



في ذكرى احداث قصر الرحاب الدكتور حيدر أدهم الطائي



في ذكرى احداث قصر الرحاب
 الدكتور حيدر أدهم الطائي

ستمر الايام ما شاء الله لهذا العالم ان يستمر, وستبقى ذكرى صبيحة يوم الرابع عشر من تموز عالقة في عقول ابناء الرافدين من العقلاء لانها تعبر عن تاريخ فاصل بين محاولة البناء الراسخ والتقدم الى الامام بخطوات واثقة, ومن نقطة الصفر حيث لا شيئ, وبين الخيار الاخر المستمر لغاية اليوم حيث النفق المظلم الذي لم يخرج منه العراق منذ التاريخ المذكور, فالسير مستمر للاحداث في الاتجاه الذي يقود الى المزيد من الازمات في بلاد عريقة كالعراق شهدت اول ثورة فكرية كبيرة في تاريخ البشر لتشكل منطلقا مفصليا في حياتهم جميعا, والمضمون المتقدم يشير اليه احد السياسيين الاكراد الراديكاليين بصراحة ووضوح كبيرين عندما يقول:(حسبما يمكن تفسيره, فاول ثورة فكرية عظمى في التاريخ حصلت في بلاد ما بين النهرين في الفترة ما بين 6000-4000 قبل الميلاد. انها الحقبة التي شوهدت فيها قدرة المجتمع والقوى الطبيعية بشكل شامل لاول مرة, واستخرجت منها النتائج العملية ذات الابعاد العملاقة. انها الحقبة التي قال فيها "جوردون تشايلد" انه لا يمكن مقارنتها الا باوروبا ما بعد القرن السادس عشر. والقسم الاكبر من المكاسب الاجتماعية في يومنا, ذهنية كانت ام اداتية, يعود الى تلك الحقبة).
في مقابل هذه الحقيقة التاريخية ذات الاهمية البالغة قديما, وذات الاهمية كذلك من الناحية الثقافية حديثا يبدو ان انتقال محور عدم الاستقرار الى منطقة الخليج العربي حيث العراق على وجه التحديد امر ذو اهمية بالغة, فطبقا لتعبير احد المنظرين الاتراك (يجمع العراق بداخله كل تنوعات المجتمعات المسلمة العريقة في الشرق الاوسط: العناصر العرقية التركمانية, والكردية, والعربية, والفارسية, والعناصر المذهبية السنية والشيعية. وينعكس هذا التنوع على توازنات العراق الاقليمية. ولذا , فان العراق يحظى بوضعية مفتاح في الشرق الاوسط من الناحية الجيوسياسية, والجيوثقافية, والجيواقتصادية...) فهل يمكن تصور بداية لهذه القصة مع نهايات الحرب الباردة ودخول القوات العراقية الى الكويت ام ان للقصة تاريخ مختلف ؟
 بقدر تعلق الامر بقناعاتي الشخصية اقول ان القصة تبدأ في العام 1958 عندما بدأت مرحلة فقدان المفتاح فلقد تجاوزت الاحداث يوم الرابع عشر من تموز كل التصورات الممكنة فضلا عن انعدام التفكير بالاثار السلبية لمثل هذه الحركات طالما لم يكن هناك تصور او سيناريو واضح للمستقبل في اذهان قادتها, وهذه حقيقة اكدتها مجريات الامور بعد اعلان الجمهورية, واذا كان النظام الملكي الذي قدر له ان يحكم العراق منذ العام 1921 لغاية العام 1958 قد عانى من مشاكل متعددة ناتجة عن صعوبات الخطوات الاولى التي ترافق بناء اية دولة في العالم بل ان هذه المعوقات تتضاعف في بلد كالعراق لاسباب معروفة ترجع الى طبيعة الشعب العراقي الذي يريد من حكامه باصرار كبير ان يمنحوه اخلاقيات علي بن ابي طالب وانساتيته المثالية في التعامل معهم, وهو شعب عنيد ايضا يريد من حكامه ان يمنحوه ما منعهم علي بن ابي طالب وهو محق في منعه,  فضلا عن التاريخ الحافل بالاحداث ذات الطابع السلبي منذ نهايات العصر العباسي الاول (132 – 247 هجرية) فان ما تم انجازه خلال فترة حكم الملوك الهاشميين "رحمهم الله" لا يمكن انكاره مطلقا, وباختصار شديد لقد تمكنوا من اقامة الدولة العراقية وسط عالم تحكمه امبراطوريات جبارة, وفي ذلك الوقت وجد العراق له مكانا بينها, فهل هناك انجاز اعظم من هذا الانجاز؟
اما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فقد قدر للمملكة العراقي ان تكون من الدول المؤسسة لاهم منظمة عالمية عرفها تاريخ البشر حتى الوقت الحاضر, ومع التسليم بوجود مشاكل اجتماعية واقتصادية عانى منها العراق الملكي وبرزت كعامل مؤثر في تكوين قناعات الناس او الغالبية منهم اذا ركزنا حديثنا ليشمل العوامل الموضوعية دون الرغبات الشخصية التي تراود كل انسان بنسبة معينة نقول ان حاجة العراق وشعبه في العام 1958 كانت تتمثل بمحاولة تغيير او ثورة تغيير ضمن النظام الملكي اي من داخله تعمل على تحقيق شكل من اشكال الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي بحيث تكون هذه الثورة خطوة لمصلحة النظام السياسي القائم في تلك الفترة لكن ما حصل هو ثورة من خارج النظام "ثورة ضد النظام" فكانت النتيجة كارثية على اقطاب النظام الملكي ومن تسلم السلطة ليتلاعب بها من بعده في مصير الناس والوطن مع عدم امكانية وصف هؤلاء باعتبارهم رجال دولة لانهم لم يستطيعوا المحافظة على ما صنعه الملوك ومن استظل بظلهم من رجالات العهد الملكي, فضلا عن سوء الحظ الذي اعتقد انه لازم العراق منذ وفاة الملك فيصل الاول "رحمه الله" شابا وهو في الخامسة والاربعين من العمر, فقد كانت المملكة الوليدة بحاجة كبيرة الى هذا الملك المؤسس لكن القدر اراد له وللعراق شيئا اخر.  
اما الملك فيصل الثاني "رحمه الله" فقد لازمه الظلم الذي حل به دون ان نعي سببا منطقيا لهذا الاصرار من جانب الغالبية العظمى من الكتاب وغيرهم من الذين تطرقوا في اكثر من مناسبة للحديث او ابداء الراي بشخصية هذا الملك الشاب فركزوا بشكل ملفت للنظر على الانتقاص من شخصية ملك شاب قتل وهو لم يتجاوز الثالثة والعشرين من العمر فهو اصغر من عرش العراق او كان العرش اقوى واكبر منه على حد تعبير احدهم عكس جده "فيصل الاول" الذي كان اكبر من العرش الذي جلس عليه في بلاد الرافدين. فهل كانت الرغبة في الكتابة عن الاحداث السياسية بنكهة رومانسية يشوبها شيئ من الشجن والحزن الدفين ملازمة لهؤلاء الكتاب للرغبة الكامنة في نفوسهم بزيادة المتعة من جراء الكتابة في مثل هذه المواضيع التي تثير احداثها المشاعر الانسانية العميقة ؟ فضلا عن كون هذا الاسلوب في الكتابة يترك اثرا اكبر في نفوس المتلقين لانه يخاطب مشاعر الناس اكثر من كونه يخاطب عقولهم.
لقد استطاع النظام الملكي في العراق اثناء فترة حكم فيصل الثاني ان يعلن عن تشكيل الاتحاد الهاشمي اما الاخرون من الذين لم يؤمنوا بالوحدة العربية ولم يكونوا يملكون افكارا منفتحة على العالم فقد تقوقعوا داخل افكارهم الضيقة في حين لم تؤدي سياسات المؤمنين بالوحدة العربية الا الى الكوارث بل والمزيد من التباعد مع الاشقاء والجيران, فالحكم في بلد مثل العراق لم يكن يمثل بالنسبة لهم سوى فرصة للنهب او للاستئلاه ومحاولة تحقيق شيئ من الخلود المعنوي, وربما كل ذلك مجتمعا, وهذا السلوك لا يمكن ان يعبر عن اية توجهات تعكس ابراز لشخصية رجل الدولة الذي يجب ان يضع مصالح بلده وشعبه في الاعتبار الاول لا ان يسخر السلطة لمصلحته الشخصية مستهدفا تحقيق ما كان يسعى كلكامش الى تحقيقه لذلك لا اجدني متفقا مع من يذهب الى ان فيصل الثاني خرج من الدنيا, كما هم العشاق والمحبين او بعضهم لا له, ولا عليه, لم ياخذ منها, ولم يعطها, فقد عاش عمره القصير على هامشها, وهذه دعوة الى امانة بغداد لنحت تماثيل للملوك الهاشميين الثلاثة توضع في احدى ساحات بغداد المميزة وعلى الجميع من المحبين وغير المحبين ان يتذكروا انهم – اي الملوك الهاشميين - من اسسوا الدولة العراقية الحديثة بعد قرون من فقدان الهوية وضياع الانتماء لكي نعطي كل ذي حق حقه, واذا كان من المتصور او المقبول في ذهن البعض بخصوص الموقف السلبي الذي تبناه حكام العراق في الفترة التي اعقبت الرابع عشر من تموز من النظام الملكي لضرورات ترسيخ الحكم الجديد وتثبيت دعائمه فان من المهم للغاية في الفترة الراهنة العمل على تقييم تلك المرحلة وميراثها الاقتصادي والسياسي لا لاغراض الدراسة التاريخية فقط – وهو امر جرت معالجة بعض جوانبه في مؤلفات ظهر بعضها في ثمانينيات القرن العشرين – ولكن لاغراض استخلاص فائدة سياسية ربما تعود على هذا البلد في هذه المرحلة الخطرة التي يمر بها والسلام.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع