القائمة الرئيسية

الصفحات

اثر عامل الوقت في النصوص القانونية الدكتور حيدر ادهم عبد الهادي




اثر عامل الوقت في النصوص القانونية الدكتور حيدر ادهم عبد الهادي


اثر عامل الوقت في النصوص القانونية 
الدكتور حيدر ادهم عبد الهادي


كان الخليفة الراشدي الرابع الامام علي بن ابي طالب يقول انما يجمع الناس الرضا والسخط، فمن رضي أمراً فقد دخل فيه، ومن سخط فقد خرج منه، ويؤكد الفقيه القانوني سافيني احد زعماء المدرسة التاريخية على ان القوانين تخرج من فطرة الشعوب واحتياجاتها كما يخرج النبات من الأرض. بينما يشير كاتب آخر إلى انه من الخطأ، أو لعله إسراف في سوء الظن بالنفس البشرية ان يتصور احد ان طموحات الفرد هي مجرد مطامع شخصية له فذلك ينزل بصناعة التاريخ من مستوى العمل السياسي إلى مستوى العمل الإجرامي ويجعل من القيادات السياسية صورة مزوقة لعصابات المافيا. ولعل سائل يسال ما الرابط بين هذه الأقوال التي لا تجتمع على فكرة واحدة متناسقة وأجيب ان من خط هذه السطور أراد ذلك ربما لحاجة في نفس يعقوب لم تقضى بعد، ثم لماذا يشيدون بعميد الأدب العربي طه حسين وهو يسرف في بعض كتاباته عندما يعلق على ما يكتب بينما لا أنال منهم سوى سهام النقد ؟ ومع ذلك سأوضح ما يجمع الأقوال المذكورة فالقاعدة القانونية التي هي وليدة المجتمعات البشرية تأخذ بنظر الاعتبار عندما يقوم المشرع بصياغتها جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتواجد في المجتمعات المختلفة، وهذه المؤثرات في القاعدة القانونية من المفروض انها نالت رضا الناس بحيث وجد المشرع نفسه غير قادر على إهمالها وغض الطرف عنها عند تشريعه للقانون، كما ان صناعة القانون عمل يعكس جانباً جوهرياً من الرؤية السياسية للمجتمع والدولة, وهي رؤية من الواجب ان تكون متكاملة وعارفة بالتفاصيل وواعية لمشاكل الناس، ان التصور المتقدم من المفروض ان يتمتع به كل من يريد مباشرة نشاط سياسي لكي لا ينزل العمل السياسي إلى مستوى العمل الإجرامي، وهكذا فبقدر تعلق الامر بعامل من العوامل المؤثرة في الأنظمة القانونية نرى ان المشرع وفي مختلف دول العالم يأخذ بنظر الاعتبار مسالة الوقت ويجعل لها تأثيراً في بعض المفردات القانونية منها على سبيل المثال ان العرف باعتباره احد مصادر القاعدة القانونية الدستورية أو غير الدستورية فلابد من ان يتوافر ركنين للقول بوجوه حيث ينظم مسالة معينة فهناك ركن مادي وركن معنوي، وإذا كنا نتحدث عن العرف الدستوري فان ركنه المادي يتمثل في سير واضطراد السلطات العامة في الدولة سواء في علاقتها مع بعضها البعض، أو في علاقتها مع بعض الافراد على اتباع منهج أو سلوك معين دون ان يصادف اعتراضاً حقيقياً من احدى السلطات العامة أو من الافراد, فالركن المادي من العرف هذا السلوك يتمثل في العمومية والتكرار والوضوح والثبات، فضلاً عن شرط المدة, وهو يرتبط بتكرار الممارسة ويرتبط أو يحتاج لفترة زمنية كافية رغم قول احد الحقوقيين ان العرف يبدأ بأول عمل او سلوك او تصرف، ولقد شهدت الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها ظهور عدة أعراف ذات طابع دستوري توزعت على فترات زمنية متباينة، ففي ظل دستور عام 1925 الملكي المعروف رسمياً بالقانون الأساسي العراقي نشأت قاعدة عرفية تقول بوجوب استقالة الوزارة عند انتقال العرش نتيجة وفاة الملك أو ممارسته لسلطاته الدستورية لبلوغه سن الرشد, وبعد تطبيقات متتابعة ومطردة لهذه القاعدة الدستورية اذ ان الوزارة كانت تستقيل كلما انتقل العرش في العراق نتيجة الوفاة أو تسلم السلطة وممارستها بصورة فعلية فوزارة رشيد عالي الكيلاني استقالت بعد وفاة الملك فيصل الأول وتولي الملك غازي عرش العراق عام 1933، كما استقالت وزارة نوري السعيد عند وفاة الملك غازي وانتقال العرش إلى الملك فيصل الثاني عام 1939، واستقالت وزارة جميل المدفعي عند انتهاء فترة الوصاية على العرش وتولي الملك فيصل الثاني لسلطاته الدستورية بعد بلوغه سن الرشد في مايس عام 1953.
وفي الفترة التي أعقبت زوال الملكية ذهب رأي فقهي إلى القول بوجود عرف مسقط ناتج عن عدم الاستعمال في ظل دستور 1970 المؤقت تم بموجبه إهمال العمل بقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر اعمالاً لحكم المادة 78 من دستور 21 أيلول 1968 المؤقت، وبعد سقوط الدولة العراقية الأولى (1921-2003) وتطبيق قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية, وهو أول دستور مؤقت وضع في ظل الاحتلال  الامريكي البغيض وبعده في ظل دستور عام 2005 الذي يعد أول دستور "دائم" للعراق بعد سقوط النظام الملكي جرى الحديث عن امكانية تحول المحاصصة القومية والطائفية إلى عرف دستوري وسط تهليل وتزمير المنتفعين !!! وبعد مرور تاريخ الحادي والثلاثين من شهر كانون الأول سنة الفين وسبعة تكلم بعض أعضاء مجلس النواب العراقي بما يفيد وجود عرف مسقط للمادة الدستورية التي تتعلق بكركوك نشأ نتيجة عدم الاستعمال, لينتهي الجدل المذكور بخصوص ما تقدم بقرار صادر عن المحكمة الاتحادية العليا, وبصرف النظر عن الرضا او الرفض لاتجاه القرار فالحقيقة الواقعية تقول انه صدر, ويجب ان يفهم في سياقه القانوني الكامل لا ان تجزا المعاني او تفصل المفاهيم لتحقيق غايات الاطراف السياسية التي لن تقود الا الى المزيد من الخراب, وذلك كله لمصلحة الفاسدين, وهم غالبية طاغية لمن يدعي وصلا بالعمل السياسي.
في نطاق القاعدة القانونية غير الدستورية يلعب الوقت/ الزمن دوراً مهماً أيضاً خارج اطار موضوع العرف في مجالات عدة فنظام التقادم المكسب والمسقط انما يقوم أو يستند إلى مرور الزمان على واقعة معينة، وهو على نوعين: مكسب ومسقط، الأول سبب من أسباب كسب الملكية والحقوق العينية إذا استمرت حيازتها المدة التي يتطلبها القانون، اما التقادم المسقط فيؤدي إلى سقوط الحق إذا أهمل صاحبه استعماله أو المطالبة به مدة معينة، وكلا النظامين المكسب والمسقط يستند إلى مرور الزمن، ومن ابرز التبريرات التي قيلت في دعم قبول نظام التقادم هو انه يعتمد في جوهره على فكرة المصلحة العامة اذ يستهدف استقرار الأوضاع التي تستمر على حال معينة مدة من الزمن، ونظام التقادم يسهل على أصحاب الحقوق المشروعة أنفسهم فلولا هذا النظام لأصبح من الصعب على المالك ان يثبت ملكيته. ويلاحظ ان نظام التقادم القائم على الإقرار باثر لعامل الزمن لا يقره الفقهاء المسلمون لقول رسول الهدى محمد (ص) "لا يسقط حق امرىٍ مسلم وان قدم" الا ان المتأخرين من فقهاء الحنفية والمالكية اقروا الاخذ بمبدأ مرور الزمان كمانع من سماع الدعوى لا كمسقط للحق أو مكسب له، والنظام المذكور يستفيد منه واضع اليد والمدين وبموجبه يمكن ان تسقط الدعوى واقامتها دون الحق، والمدة التي لا تسمع الدعوى بعدها هي ثلاثون سنة على ما ذهب اليه بعض الفقهاء أو ثلاث وثلاثون سنة على ما ذهب اليه آخرون أو ست وثلاثون سنة طبقاً لرأي ثالث، بينما حددت مجلة الاحكام العدلية, وهي تمثل مدونة القانون المدني للدولة العثماني التي بقيت مطبقة في العراق لغاية العام 1953 سنة نفاذ القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951, هذه المدة وجعلتها خمس عشرة سنة، فيما عدا الدعاوى العائدة لأصل الوقف حيث لا تسمع بعد مرور ست وثلاثين سنة، والتوجه المذكور اخذ به القانون المدني العراقي فعالج التقادم (مرور الزمان) باعتباره دفعاً للدعوى أي مانعاً من سماعها (المادة 429، 158/ف مدني عراقي) اما مرور الزمان على حيازة الأراضي الاميرية فلا يعد سبب مانع من سماع الدعوى لكنه سبب يؤدي إلى كسب حق التصرف فيها (المادة 1184/1 مدني عراقي)
اما قانون المرافعات الذي يعبر عن مجموعة قواعد التنظيم القضائي في الدولة المقترنة بجزاء يضمن لها الاحترام فان أهمية هذا الفرع من فروع القانون تظهر باعتباره يوفر نوعاً من الامن والاطمئنان للحياة في المجتمع فهو وسيلة الوصول إلى الحق وأداة العدل، وفي مجمل التنظيم الوارد في هذا القانون يلاحظ قيامه على الاخذ بمبدأ الاقتصاد في الإجراءات بالشكل الذي يضمن عدم الهدر في الجهد أو الوقت أو المال عند محاولة الوصول إلى القرار العادل والعاجل في اية دعوى تنظرها المحاكم، فالعدل الذي يأتي متأخراً أو بعد مضي فترة زمنية طويلة ليس عدلاً، ويترك في النفوس الما من الصعب ان ينساه الانسان, وإذا كان الاقتصاد نصف المعيشة على حد تعبير احد الحكماء فان الاقتصاد في الإجراءات نصف قانون المرافعات.
 ان ما تقدم من أمثلة سقناها على أهمية عامل الوقت في النصوص القانونية بل وفي مجمل النظام القانوني مدنياً كان ام جزائياً انما تعبر عن أهمية هذا العنصر ودوره في النظام القانوني وينبغي على كل مشرع ان يكون أشجع من الأسد، وأعجل من نعجة، واجمع من نملة، واخف من فراشة في اعماله لهذا العامل وتضمينه فيما يجري تشريعه من قوانين إياه, ولا ينطبق ما تقدم على من يدعي وصلا بالعمل السياسي في العراق الفيدرالي التعددي الديمقراطي حيث الفساد ومستويات المعيشة لغالبية طاغير من العراقيين الى ما دون مستوى خط الفقر!!!
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع