القائمة الرئيسية

الصفحات

ملامح ومؤشرات المشروع الجديد للربيع العربي بقلم الباحث: عمار المكَوطر معهد العلمين للدراسات العليا


ملامح ومؤشرات المشروع الجديد للربيع العربي بقلم الباحث: عمار المكَوطر معهد العلمين للدراسات العليا

ملامح ومؤشرات المشروع الجديد للربيع العربي
بقلم الباحث : عمار المكَوطر

   حدثان تزامنا سويةً من حيث الزمان ، زيارة رئيس الكيان الصهيوني نتنياهو لسلطنة عمان و لقاؤه مع سلطانها قابوس ، و القمة الرباعية في اسطنبول بين رئيس فرنسا ماكرون ، و رئيسة وزراء المانيا ميركل ، و الرئيس الروسي بوتين ، و الرئيس التركي اوردوغان . زيارة و قمة مفاجئة لم يعلن عنها ، في ذات الزمان ينبأك بحدث مهم مترابط في الغاية و المضمون . و قبل تفكيك و تحليل و اعادة تركيب للحدث ، لابد من بيان الوضع السابق لهذا الحدث . لم تكن هناك زيارات و علاقات رسمية متبادلة و معلنة بين سلطة عمان و الكيان الصهيوني كما هو بينه و بعض الدول العربية كمصر و الاردن و سواها . كما أن موقف كل من فرنسا و تركيا خاصة ، و حتى المانيا و إن بدرجة اقل ، قد تغير حيال سوريا بشكل ملفت سريع و مفاجئ ، فقد كانت شرطها الاول رحيل الرئيس السوري بشار الاسد ، ثم يعقبها بقية الخطوات ، كإعادة اعمار سوريا و عودة اللاجئين السوريين ، و الخطوات السياسية الاخرى ، من كتابة دستور و اجراء انتخابات حرة . حيث لم يذكر احد منهم هذا الشرط المسبق الذي طالما تمسك به . كما ان غياب ايران الشريك في مفاوضات سوتشي و الاستانة و الحليف الرئيس للرئيس السوري و الروسي ، وكما عبر عن ذلك الرئيس الروسي في القمة ذاتها .
أمر يثير التساؤل و الاستغراب ، كما ان غياب الطرف الامريكي الذي له قوات ميدانية في سوريا و له شروط و دور في الازمة و حلها امر لافت ايضاً . كما ان هذه الاحداث سبقت و تزامنت مع ازمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا بصورة مروعة ، و هيجان او تهييج الرأي العام العالمي حيال ذلك ، و معظم وسائل الاعلام خاصة في الغرب و الولايات المتحدة ، و تدخل الكونكرس الامريكي بشدة ، و تبني بعض السيناتورات الامريكان للقضية بشكل ملفت ، حتى كأنهم استيقظوا و صدموا من انتهاكات حقوق الانسان للنظام السعودي !. و لم يعرفوا انه نظام عائلي بلا دستور و لا احزاب و لا ديمقراطية ، و وسائل تنفيذ حكم الاعدام تتم بقطع الرؤوس بالسيوف ، و الاعدامات و الاعتقالات المتكررة ، و استخدام ابشع وسائل التعذيب النفسي و الجسدي بحق المعارضين مهما كان حجمهم و وزنهم العلمي و الديني كالشيخ الشيعي النمر ؟ .
كل ذلك يحدوا بنا لإثارة كثير من الاسئلة و علامات السؤال ، ما الذي يجري و ما هو المقصد وراء ذلك ؟. لعل هناك سيناريوهات متعددة يمكن للباحث و المتتبع للشأن الاقليمي و الشرق اوسطي و العالمي ان تصوره ريشته ، و لكل ذلك ما يدعمه من مؤشرات و دلائل قوية مقنعة .
غير ان السيناريو الاقوى من وجهة نظرنا هو ماله صلة بما سمي بالربيع العربي ، و ذلك يمتلك من الادلة و الحجج التي لا تخلو من عناصر في غاية القوة ، و الاهداف الاستراتيجية لجميع اطراف الحدث ، من قوى اقليمية و دولية فاعلة . كانت احداث الربيع العربي التي لم تؤت أُكلها كاملاً ، بل لعله فشل في كثير من جوانبه الاستراتيجية ، و حين لم يبلغ مقصده جاءت الخطة باء . فما هي الخطة الف و ما هي باء ؟ .
كانت الهدف الاول لما سمي بالربيع العربي هو اعادة تقسيم المنطقة العربية ، اي سايكس بيكو جديد بعد مرور مئة عام على سايكس بيكو القديم . و ذلك للحفاظ على المصلحة الاستراتيجية الكبرى للغرب ، المتمثلة بالحفاظ على امن و سلامة اسرائيل وبقاءها قوة فاعلة و مؤثرة في المحيط كله ، والقوة الاكبر عسكرياً . واهداف تتعلق بالهيمنة الفعلية على مصادر الطاقة و خطوط و عُقد المواصلات والاتصالات، والتموضع الامريكي خاصة في المنطقة ، و بناء قواعد امريكية عسكرية ثابتة، بعد فشل مشروع الربيع العربي في خطة الف التي جندت له دول اقليمية، في مقدمتها العربية السعودية و الامارات و قطر، وحصول الشرخ الكبير بين الحلفاء، خاصة مع قطر، وانشقاق مجلس التعاون الخليجي الى مجموعتين الاولى تضم الحلفاء وهم السعودية، الامارات، البحرين، والآخر يتألف من الكويت ، قطر، عمان.
وفشل المحور الاول في تحقيق غايات الولايات المتحدة و الدول الغربية ، و ما كلفت به من دعم الفصائل الارهابية المسلحة كداعش ، و النصرة ، و غيرها في اسقاط النظام السوري ، و فشل حربها في اليمن ، و قلة خبرة و كفاءة معتمدها الجديد في العائلة الحاكمة السعودية ، ولي العهد محمد بن سلمان في ادارة و تنفيذ ما طلب منه ، دعا الولايات المتحدة و حلفاءها الغربيين نحو العمل بالخطة باء ، المتمثلة بتقسيم المملكة العربية السعودية ، خاصة بعد استنزاف مئات المليارات منها ، و انهاكها بصفقات سلاح و ابتزاز مالي كبير ، فليس من السهل ترك اكبر دولة عربية من ناحية المساحة و مخزون الطاقة الاول ( النفط )، تعمل بحرية في ظل عالم متسارع التغير ، و تقلب الاوضاع و الاحداث ، و شيخوخة النظام السعودي، و ظهور النزاعات و الخلافات بين الامراء الشبان، و حدوث تصدعات و عداوات بالغة بينهم ، تمثلت مؤخراً في اعتقال كبار رجال العائلة المالكة و مصادرة اموالهم ، و وصل الحال حد الاغتيالات و القتل في ظل حكم الملك سلمان و ولي عهده محمد بن سلمان . كما ان ايران الدول الكبيرة و المؤثرة في المحيط الاقليمي، و ما تمثل من ثقل سياسي ، عسكري ، جغرافي و سكاني كبير ، و فشل السعودية و حلفاؤها في تحجيم دورها ، و الوقوف بوجه مشروعها التوسعي ، وعدم فاعلية سياسة العقوبات و التهديدات الامريكية معها، والشرخ الحاد في الموقف العالمي والغربي، خاصة حيال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وعدم استجابة الكثير من دول العالم لمشروع المقاطعة الامريكي لإيران ، و عدم استيراد النفط الايراني، دفع بالولايات المتحدة لفتح باب التفاوض معها عبر البوابة العمانية ، الدولة التي ظهر سلطانها بمظهر الرجل المحايد الذي يتبع سياسات متوازنة ، وسياسة هادئة مع جميع الاطراف، او هكذا اريد منه، لإنهاء الازمة مع ايران وتحقيق مصالح جميع اطرافها ، عبر حل سياسي تحافظ به الولايات المتحدة وحلفاؤها على مصالحهم ، وفي مقدمتها ضمان امن اسرائيل، وتحقق ايران وتحافظ على مصالحها في الاعتراف بها كقوة اقليمية و شرق اوسطية فاعلة، وتتجنب اي عقوبات اقتصادية قاسية ، او ربما حرب عسكرية لاحقة، والمحافظة على حلفاءها في لبنان و سوريا ونفوذها في العراق و غير ذلك .
في ظل مباراة المصالح، هذه جاءت زيارة نتنياهوا الى عمان للقاء سلطانها، والاطمئنان عن كثب عما سيجري من مفاوضات امريكية ايرانية.
الا ان في جميع هذه الوقائع و الاحداث المهمة يبقى الطرف العربي الخاسر الابرز، الذي تأتي مكاسب الجميع على حسابه، وخاصة العربية السعودية وحلفاؤها التي ربما ينتظرها مستقبل يهدد ليس مصالحها الحيوية فحسب، بل وجودها كدولة موحدة.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع