القائمة الرئيسية

الصفحات

الدور المتصور للقانون في احداث التغيير الاجتماعي الدكتور حيدر ادهم الطائي



الدور المتصور للقانون في احداث التغيير الاجتماعي
الدكتور حيدر ادهم الطائي


الدور المتصور للقانون في احداث التغيير الاجتماعي
الدكتور حيدر ادهم الطائي

  بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 جرى اعتماد سياسات مختلفة تماما عن تلك المتبناة في فترة زمنية تسبق التأريخ المذكور, وهكذا استعمل القانون كأداة للتغيير الاجتماعي في العراق حاله في ذلك حال ادوات اخرى, واذا كان من الصعب إنكار هذه المسالة, فالمتتبع لكمية التشريعات الصادرة في العراق الفيدرالي التعددي الديمقراطي!!!! وتوجهاتها يلاحظ الغايات المختلفة عما كان معمولا به, وبشكل خاص في الفترة الجمهورية من عمر الدولة العراقية الأولى 1958 - 2003 عن الأهداف المطروحة للتشريع في الوقت الحاضر, ومثل هذه الممارسة تطرح تساؤلا عن نجاعة هذه الأداة المستخدمة في العراق للتغيير!!! حيث ينظر الى القانون باعتباره يشكل مجموعة من القواعد التي يتم تطبيقها في المجتمع بعضها ذات مصدر تشريعي والبعض الاخر ذات مصدر عرفي, وتبرز مع هذه النظرة مشكلة الدور المتوقع للقواعد القانونية ذات المصدر التشريعي في إحداث صورة من صور التغيير الاجتماعي, ويطرح علماء الاجتماع والقانون أراء بهذا الخصوص مستمدة أساسا من المسلمات التي يؤمنون بها للقول بتحديد مدى الدور المتوقع للتشريع باعتباره المصدر الأول للقواعد القانونية ذات المصدر الرسمي في إحداث التغيير الاجتماعي. بمعنى هل يمكن أن نحدث تغييرات في المجتمع عن طريق التشريع ؟ والى اي مدى يمكن لنا ان نتصور حدوث ذلك الامر ؟
الماركسيون يطرحون من جانبهم موقفا يعبرون من خلاله عن قناعاتهم وتصوراتهم المستندة لاسس واعتبارات معروفة المصدر او المنبع, فالقانون لا يمكن تصور وجود تأريخ مستقل له عن تأريخ المجتمع. انه حسب وجهة نظرهم انعكاس للظروف الاقتصادية والاجتماعية فيه, وعندما يحدث التناقض بين هذه الظروف والقواعد القانونية المطبقة فأن ذلك يحدد اللحظة التي يبدأ فيها التغيير او المخاض, الم يكن كارل ماركس يقول "ان الثورة هي قابلة كل جماعة جائها المخاض" وبالنتيجة فأن المتصور في هذا السياق ان القانون نتاج الظروف المذكورة, ومنها العامل الاقتصادي تحديدا, فالقانون لا يخلق المجتمع وإنما العكس هو الصحيح, ومن الصعب تصور تسليم مطلق بهذه النتيجة, فالعديد من الشواهد التاريخية القديمة والحديثة تؤكد استخدام القانون بمصدره التشريعي كأداة لإعادة توزيع الثروة والحقوق لصالح الطبقات الاجتماعية المختلفة مما يعني خضوع الكثير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأداة التغيير القانوني في حين تطرح المدرسة التاريخية المؤمنة بالعرف والمناهضة لفكرة التقنين "تدوين القانون" نظرة تقوم على ان القانون ينمو في ضمير الجماعة بصورة تلقائية بتفاعل العوامل الكامنة في المجتمع, "فالقوانين تخرج من فطرة الشعوب واحتياجاتها كما يخرج النبات من الارض" على حد تعبير "سافيني" ويترتب على ذلك ان القانون ينمو نتيجة لتطور المجتمع ولا يمكن عده أداة عقلية لإحداث التغيير فيه مما يعني وجود نوع من النظرة المحافظة في تصورات المدرسة التاريخية لدور القانون في احداث التغيير بل وجود نوع من النظرة السلبية للدور المذكور الامر الذي لا يمكن قبوله مطلقا حسب تصوري رغم اهمية ما تطرحه تصورات هذه المدرسة لانها اكثر قبولا لعامل المحافظة على الاستقرار لكن هذا الاستقرار الذي يشكل ميزة في توجهات المدرسة التاريخية لا يمكن ان يكون مقبولا او مستساغا اذا لم يتسم بنظرة ايجابية, بمعنى قبول التغيير طالما استدعت الحاجة تغيير الاشخاص او انماط الحياة او القناعات الفكرية المنظمة لعلاقات البشر في المجتمعات الانسانية.
صفوة القول بخصوص ما تقدم, وعند التحليق بعيدا عن هذه الطروحات الفكرية يلاحظ إن دور القانون لا يمكن ان يقتصر فقط باتجاه المحافظة على الواقع الاجتماعي القائم بتفاصيله المختلفة والمتنوعة, لان في ذلك ابراز غير مبرر لخاصية الجزاء في القاعدة القانونية في مقابل تجاهل الخصائص الاخرى الاساسية لها, لكنه دور يجب ان يمتد الى ما هو اعم واشمل ليسهم في تطوير المجتمع وفي استحداث مجموعة من العوامل التي يمكن لها ان تساهم في حدوث التغيير الاجتماعي الايجابي. فهل نجحت التشريعات العراقية الصادرة بعد العام 2003 بما فيها النصوص الدستورية في إحداث تغيير اجتماعي حقيقي في العراق؟
على المستوى الشخصي وطبقا لما توافر من قناعات في مخيلتي لا اعتقد ان الإجابة ستكون ايجابية في ضوء حجم المشاكل الموجودة بل والمتفاقمة باستمرارية عجيبة رغم ذهاب الديكتاتوريات التي حكمت العراق بعيدا عن الساحة السياسية, ربما الى ما هو ابعد من وراء الشمس, وعلى كل حال فان أكثر المتفائلين لن يجد إجابة أفضل من التمسك بالحجة التي مضمونها عدم استيعاب مديات النصوص الجديدة الصادرة حتى الان من جانب المخاطبين بأحكامها حيث يردون لهذا العامل سبب الإخفاق, وبهذا الشكل يطيلون من عمر المشكلة. اما القابضون على السلطة "بالادوات الديمقراطية الهزيلة" التي يجري التلاعب بها فهم في عالم اخر يناقشون مشكلة التزوير في الانتخابات البرلمانية الاخيرة حيث المسالة التي تهمهم وتسمن جيوبهم في حين تبقى على سبيل المثال لا الحصر مشاكل الانسان العراقي, ومنها مشكلة مياه الانهار الدولية "دجلة والفرات وديالى على سبيل المثال لا الحصر" بعيدا عن دائرة اهتمامهم الحقيقي بعد ان امنت لهم مناصبهم الملايين التي سمحت لهم بضمان مستقبلهم ومستقبل اسرهم في بلدان اخرى مما يشكل حلقة مضافة الى حلقات الفساد الظاهر لا المخفي في العراق الديمقراطي الفيدرالي التعددي!!!.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع