القائمة الرئيسية

الصفحات

تكنولوجيا الاتصال وتداعياتها الاجتماعية في ظل الحريات الفردية الباحث مصطفى حسن السراي


تكنولوجيا الاتصال وتداعياتها الاجتماعية في ظل الحريات الفردية
 الباحث مصطفى حسن السراي



تكنولوجيا الاتصال وتداعياتها الاجتماعية في ظل الحريات الفردية
الباحث مصطفى حسن السراي

    يحتاج الانسان باعتباره كائن اجتماعي إلى وجوده داخل الجماعة للبحث عن سبل التكامل بين عناصرها، وذلك من أجل تجاوز كل ما يهدد سلامته وأمنه ويحقق احتياجاته، ويحتاج إلى مجالا أرحب للتواصل مع أفراد المجتمع بدون أي رقابة أو تحكم أو منع أو عقاب إلا فيما يهدد حياة الآخرين ويمس بكرامتهم فإنه يخضع فيه لقيود قانونية وأخلاقية، وباعتبار الانسان ذو طبيعة تميل به إلى البحث عن فرض ذاته ورأيه على الآخرين بمختلف الطرق التي قد يستنكر بعضها المجتمع لما تنشره من تفسخ او انتهاكا لقواعد أخلاقية - دينية او مبادئ عرفية تعتبر السلوك تقليلا من احترام الفرد لمحيطه، فقد تترتب عليها المجتمع استنكارا يجعل من قام بها منبوذ من طرف أفراده أو تحرك ضده المتابعة أمام "شيخ القبيلة" أو "أمغار" في الاعراف التي تحكم القرى أو أمام جهاز القضاء في التنظيم العصري للجماعة " الدولة ". ويتم التواصل والتعبير بين افراد المجتمع عبر وسائل تطورت بتطوره، فأصبحت السرعة تحكم كل علاقاته وتعاملاته، ولم يعد معنى للوقت في تواصله وتعبيره عن كل ما يشعر به من مشاعر وأحاسيس وأصبح بمقدور كل افراد المجتمع ان يمنحوا آرائهم وإرتساماتهم حسب ما تتيح الدولة من حقوق وضمانات ومؤسسات تحميهم وتسعى الى ضمان حرية الرأي والتعبير، وحسب ما وصلت اليه الدولة من وعي داخل الافراد والجماعات المكونة لها حتى لا تتحول الحرية الى فوضى وانتهاك لخصوصيات الاخرين داخل المجتمع، وتعتبر حرية الرأي والتعبير من أساسيات الممارسة الديمقراطية التي تسهر المواثيق الدولية والوثيقة الدستورية لأغلب الدول على ضمان هذه الحرية وغيرها من الحريات والحقوق التي توسع من مجال ممارسة المواطن لحقوق كونية لصيقة به منذ الولادة ومرتبطة بماهيته كإنسان كرمته مختلف الشرائع السماوية وعلى رأسها الشريعة الاسلامية التي جعلته خليفة الله في الارض.
غير أن هذه الشرائع السماوية وضعت ضوابط وقيودا على هذه الحقوق والحريات ورتبت على مخالفتها الجزاء ان لم يطلب الانسان الصفح والمغفرة، وفيه قال عزوجل في كتابه الحكيم " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " وقوله تعالى " أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ " وقد انتشرت في الآونة الاخيرة وسائل للتواصل والتعبير يحكمها التطور والسرعة، حيث تجاوزت الوسائل التقليدية في التعبير التي كانت حكرا على فئات دون أخرى نظرا لسهولة مراقبتها والتحكم في من يتواصل او يعبر عن طريقها، ومن هنا كانت سهولة ضبط الآراء والتوجهات وتنزيل عليها الضوابط الاخلاقية-القانونية فيمنع نشر او ترويج اي شيء ينتهك خصوصيات الاخرين او يتهمهم دون أدلة دامغة ترفق بكل اتهام، وليس لكل الناس بل فقط لمن يشغلون مصالح عامة فيرتكبون خيانة للأمانة توجب متابعتهم او حتى التشهير بهم الى حين تحريك الدعوى العمومية لمتابعتهم امام الجهاز الموكول له سلطة توجيه الاتهام والمتابعة، او الذين يقومون بأفعال يعاقب عليها القانون، فكان الإعلام وليس الصحافة فقط سلطة رابعة للمراقبة تتحمل مسؤوليتها في التحري عن صحة ما ينشر بها أو يصرح به تفاديا للتشهير بشخص ما وانتهاك حرمته، قبل أن يتوسع هذا الحقل الذي اصبح يتحكم فيه هاجس الربح المادي والميول الشخصية والحزبية وان على حساب تشويه سمعة الاخرين وانتهاك حرمتهم، لاسيما مع اتساع نطاق وسائل الاعلام لتشمل المواقع الالكترونية، الامر الذي ساهم بلا شك في اضعاف رقابة الحكومات على هذه الوسائل التي ساهمت في "تغول" الحقل الاعلامي. وعلى صعيد آخر برزت وسائل جديدة للتواصل او ما يطلق عليه بالمواقع الاجتماعية، وان كانت خرجت الآن عن ما هو اجتماعي الى أغراض هدامة واضحة المعالم، حيث من خلالها تستغل بعض العقول التي تحمل أفكارا خارجية إلى ترويج أفكار تدمر القيم الاجتماعية والدينية والسياسية، ومن خلالها اتسع نطاق الاعتداءات على حرية الاخرين وحقوقهم، إذ من السهولة بما كان الانتقام بين افراد المجتمع بنشر اخبار او صور او بيانات وترويجها على اوسع نطاق ما يشكل ضربة قوية قد تجعل من وجهت اليه يفقد كل شيء وتسوء حالته بعدما تسوء سمعته.
إن الذي يلقي نظرة على هذه المواقع الاجتماعية يصاب بالدهشة التي تدفعه الى الاعتقاد منذ الوهلة الاولى بانه عالم لا يحكمه قانون ولا تدركه يد العدالة فضلا على أن الجالس خلف الشاشة يختبئ خلف أسامي مستعارة قد لا تكشف عن هويته، وبالتالي يصعب معرفته ومتابعته، وان كانت الدولة تحاول أن تؤطر هذا الحقل وتجرم بعض الافعال التي تتم عبر الوسائل المعلوماتية، وهو الامر الذي يشكل نوعا ما ضمانة لحماية الحياة الخاصة للأفراد.
إن الحديث عن ضمانات حماية الحياة الخاصة مع انتشار وسائل التواصل وتشعبها والتي لم يعد للزمان والمكان أمامها اي اعتبار يبقى غير متحكم في حدوده ويبقى نسبي جدا، وذلك لان هذه الوسائل خارجة عن رقابة الحكومات ومن الصعب ضبطها بقانون، فلا يحكمها
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع