القائمة الرئيسية

الصفحات

ربيع أوروبي أم تغير في البوصلة الأمريكية الاستاذ الباحث عمار المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا



ربيع أوروبي أم تغير في البوصلة الأمريكية
الاستاذ الباحث عمار المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا


ربيع أوروبي أم تغير في البوصلة الأمريكية
 الاستاذ الباحث عمار المكوطر معهد العلمين للدراسات العليا

 ما شهدته فرنسا منذ خمسة أسابيع من تظاهرات وما سميت باحتجاجات السترات الصفر، التي بدأت مطالبة بإلغاء قرارات ضريبية حكومية ، ثم تصاعد حد المطالب برحيل الرئيس ماكرون ، رغم ما قدمه من تنازلات سياسية وإلغاء قراراته السابقة، والذي أمتد صداه بشكل أولي نحو إيطاليا ، ولربما سيطال دولاً أوربية أخرى .
إن كل ما جرى أو سيجري يدعونا للتساؤل : ما غاياته ودوافعه ؟ . وهل هو بفعل متغيرات داخلية أم خارجية ؟. أو كلاهما ؟.  لعل العامل الرئيس لأي حراك اجتماعي وجود اختناقات وأزمات عدة ، يأتي العامل الاقتصادي في مقدمتها، ضف الى ذلك تراكمات نفسية ومشكلات تنامت واتسع محيطها عبر فترات طويلة من الإهمال أو عدم التصدي الحقيقي لوضع حلول ناجعة لتلك المعضلات . إن النظام الرأسمالي بطبيعته يدعو الى تعظيم الثروة، وتراكم لرأس المال بأي صيغةٍ كانت، واعتباره العنصر الأول في حياة الإنسان، قاد الى الانعزال والاغتراب والتوحش، بعد أن هدم هذا النظام الأسس والمعايير الأساسية للأسرة، التي هي النواة في البنية الاجتماعية ، والعنصر الرئيس لتماسك المجتمع والدولة، ثم عززت العولمة من ذلك وسعت الى تسليع الإنسان، وجعل الفرد سوقاً ومادة، وليس روحاً وعواطفاً ومشاعراً، فألغت النزعة الروحية لصالح المادة أو الجسد، فعطلت نصف الإنسان وأصابته بالشلل .
وازدادت تلك النزعات بشكل كبير، حتى بات الفرد رحى تدور وألة تعمل لأجل الإنتاج، ويلهث لإشباع حاجاته دون طائل، فأصابه الملل واليأس والإحباط من واقعه ومستقبله، مما دفعه لشجبه والثورة عليه . أما على الصعيد الخارجي والمتمثل بالدور السلبي للولايات المتحدة وسياساتها العدوانية الابتزازية للعالم، فقد كان لأوروبا نصيباً منه وقد يتسع لاحقاً .
بالمجمل أوربا بطبيعتها الجغرافية قارة فقيرة الموارد، تعوزها كثير من المواد الأولية ومصادر الطاقة المهمة ، خاصة النفط والغاز، والتي هي بمسيس الحاجة إليه، لإدامة صناعتها وديمومة حياتها ورفاهها، وقد أعان أوروبا في العقود المنصرمة منطقة الشرق الأوسط، خاصة المنطقة العربية، فضلاً عن دول وأقاليم اخرى في توفير حاجاتها عبر استعمار تلك المناطق وجعلها أسواقاً لمنتجاتها أيضا.
وبعد الإنكفاء الغربي عقب الحرب العالمية الثانية وتقهقر أوربا عموماً و تدمير بناها التحتية ، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو مالية وغير ذلك ، وأفول قواها الفاعلة كألمانيا وتراجع بريطانيا وفرنسا ، بزغ نجم قوتين فاعلتين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (الدولة التي تفككت و زالت من الوجود عام 1991) . تحولت أوروبا من مستعمِرة، الى منطقة مستعمَرة، ومنطقة تقاسم نفوذ للدولتين العظميين، وأصبحت ساحة صراع لهما.
وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وزواله، انفردت الولايات المتحدة بالسيطرة على أوربا وأصبحت بأسرها منطقة نفوذ أمريكي أو مجالاً حيوياً لها ومحمية أمريكية. بيد أنه بقى شيء من مناطق النفوذ والمصالح لبعض القوى الأوربية القديمة الكبرى في مستمراتها السابقة، أعان تلك الدول على تنمية قدراتها .
 إلا أنه نزوع دول أوربا نحو الوحدة، وصولاً الى مطالب ماكرون بجيش أوربي، واجهه غضب وامتعاض أمريكي، خاصة حين جاء طلبه في ظل رئيس أمريكي يحمل إستراتيجية جديدة، وسياسات مغايرة للولايات المتحدة تجاه أوروبا حينما عدها محمية أمريكية ويجب على الدول التي تحميها أمريكا دفع ثمن حمايتها.
وهذا ما دفعته بعض دول الخليج العربي له، بالأخص العربية السعودية تحت مسميات عدة منها صفقات السلاح .
أوروبا التي لم ترضها سياسات الولايات المتحدة تجاهها أعربت عن غضبها الشديد لتلك السياسات بمواقف متعددة ، منها وقوف أوربا مع إيران وإدانة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، في حين إلتزمت هي به، وعدم إلتزام كثير من دول الاتحاد الأوروبي بقرار الحظر الأمريكي على صادرات النفط الإيراني، مما أثر على سمعة الولايات المتحدة عالمياً، وأربك سياساتها وحساباتها، دفعها للسعي لخلخلت الوضع الأوروبي، الذي بدأته في فرنسا كحراك سياسي شعبي، ولعله سيمتد خارج أسوارها نحو الدول الأوربية لاحقاً ، مستغلة الولايات المتحدة الوضع الاقتصادي المنهك لدول الاتحاد الأوروبي والاعتمادية الأوروبية عليها.
إن بقاء أوروبا في وضعها المتأرجح بين الإتكال أو التبعية للولايات المتحدة وبين محاولتها في استقلالها بقرارها السياسي والبحث عن مصالحها ، سيزيد من حرص الولايات المتحدة لخلخت وضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي بل وحتى بريطانيا، ولعل ذلك سيطال كثيراً من القوى الكبرى ايضاً، كروسيا والصين وكذلك الدول الصاعدة في سلم القوة العالمية كالبرازيل والهند .
وعليه لابد لتلك القوى مجتمعة من السعي لإيجاد سياسات مشتركة وتعاون إيجابي فعال فيما بينها على الصعيد السياسي والاقتصادي والمالي والإعلامي للوقوف بوجه السياسات الأمريكية، وامتلاك زمام المبادرة والفعل المؤثر، الذي يجبر الولايات المتحدة للكف عن سياساتها العدائية تجاهها، أو جعلها تعيش عزلة سياسية ولو تدريجياً حتى تبزغ قوى موازنة، تجعل القوة والهيمنة الأمريكية تعاني انكسارا، قبل أن تتمادى الولايات المتحدة في سياسات تدمر العالم, أو تجعله يقدم صكوك الطاعة والإذعان لها، فيلغِ نفسه ووجوده وكرامته .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع