القائمة الرئيسية

الصفحات

إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في ظلّ الرئيس دونالد ترامب (ج: 1) الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي


إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في ظلّ الرئيس دونالد ترامب (ج: 1)
الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي
American National Security Strategy under President Donald Trump



إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في ظلّ الرئيس دونالد ترامب
الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي

إنَّ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، مثل ذروة الترتيبات الأمنيَّة العالمية حيث الانقسامات الدُّوْلية، وتمخض عنها انشقاق النظام العالمي إلى النظام الثنائي القطبية، إذ أصبحت الولايات المتَّحدة القائد للنظام الرأسمالي، وأصبح الاتِّحاد السُّوفياتي القائد للنظام الشيوعي، وعلى اعتبار أن الأمن القومي خلال تلك الفترة كان يمثل مقدار القوَّة العسكرية بوصفها الدرع الواقي لأركان الدَّولة، وهو الّذي يعزَّز حماية المصالح والأهداف الإستراتيجية العُليا للدَّولة، فقد اهتمت كِلاِ الدَّوَلتين بالقوَّة العسكرية سواء الدفاعية أو الهجومية، ولا سيّما تطوير القوَّة النووية الرادعة الّتي ادخلت العالم في مرحلة من التنافس النووي الحرج، وتشكيل الأحلاف العسكرية، حيث دفعت الولايات المتَّحدة نحو تشكيل حلف شمال الأطلسي "الناتو" (NATO) باعتباره الذراع العسكري ضدَّ التوسع الشيوعي، وهو ما حفَّز الاتِّحاد السُّوفياتي نحو تشكيل حلف "وارسو" (Warsaw).
وبدأ التوسع الرأسمالي والشيوعي تحت ذريعة الصِّراع القطبي، إذ أخذ ينتشر في أغلب دُوَل العالم، وبات من الضرورات الدُّوْلية أن تنضوي أيّ دولة إلى أحد الأقطاب المتنافسة، ممَّا دفع الولايات المتَّحدة إلى خوض حروب قاسية سواء من خلال قوَّاتها المسلّحة أو من خلال حروب الوكالة الّتي يخوضها الحلفاء والأصدقاء بذريعة أن التوسع السُّوفياتي يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وأن الهيمنة السوفياتية على المناطق الحيوية ذات الثقل الإستراتيجي الطاقوي والجيوبوليتيكي تعني تهديداً للأمن الأميركي، وبدعوى الحفاظ على الأمن القومي ومواجهة الاتِّحاد السُّوفياتي العدو المُنافس في النظام الثنائي القطبية، فقد استخدمت الولايات المتَّحدة العديد من الوسائل الإستراتيجية، أهمُّها: إستراتيجية الحصر أو "الاحتواء" (Containment)، إستراتيجية "الانتقام الشامل" (Comprehensive revenge) أو حافة الهاوية، وإستراتيجية التَّدمير الشامل المؤكَّد في الضربة الثانية الانتقامية، وإستراتيجية الرّدع المُتعدِّد الأشكال أو إستراتيجية الرَّد المرن "الاستجابة المرنة" (Flexible response)، ومبادرة الدفاع الإستراتيجي "حرب النجوم" (star Wars)، ونظريَّة الحروب المحدودة.
وبعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكُّك الاتِّحاد السُّوفياتي في كانون الأول/ديسمبر 1991، وانفراد الولايات المتَّحدة على الصعيد العالمي ركَّزت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي بقيادة الرئيس "جورج هربرت واكر بوش" (George Herbert Walker Bush) على عدَّة أهداف رئيسيَّة، وهي: الأوَّل، حماية الأمن الداخلي والخارجي عبرَ إيجاد بيئة أمنيَّة عالمية، والاستجابة للتهديدات والأزمات الآنية والمستقبلية، والثاني، تحقيق الرفاهية الإقتصادية من خلال حماية المناطق ذات الأهميَّة الطاقوية والتجارية للولايات المتَّحدة، والثالثة، تشجيع الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الصالح، بدعوى أن القمع وعدم الاستقرار في دُوَل أو أقاليم معينة سوف يهدِّد الأمن العالمي، والرابعة، حماية الحلفاء والأصدقاء، والخامسة، ترسيخ دعائم النظام الأحادي القطبية، والحفاظ على المكانة الأميركية باعتبارها قوَّة عُظمى وحيدة في العالم، ومنع صعود الأقطاب الدُّوْليين المنافسين روسيا والصين. أمَّا وزير الدفاع الأميركي "ديك تشيني" (Dick Cheney) عام 1993، فقد عدد مصالح الأمن القومي الأميركي بأنها تشمل بقاء الولايات المتَّحدة آمنة حرة مستقلة، وسلامة قِيَمها الأساسيَّة ومؤسساتها وشعبها، وكذلك المحافظة على اقتصاد قوي مُتقدُّم لضمان الرفاه والرخاء، وإقامة علاقات سياسيَّة رصينة مع الحلفاء والأصدقاء، وإيجاد عالم مستقر وآمن من حيث الحريَّة والحقوق السِّياسيَّة والإقتصادية.
وجرى الحفاظ على إستراتيجية الأمن القومي الأميركي من خلال عدَّة مستويات، أهمُّها: المستوى العسكري، وهو امتلاك قدرة عسكرية رادعة دون مُنافس أو مزاحم، ونشر القوَّات، والأساطيل، والقواعد، وتطوير الأسلحة الإستراتيجية، والصواريخ العابرة للقارات، والاستخبارات والتجسُّس الإلكتروني، والأقمار الاصطناعية، وعلى المستوى السِّياسيّ، اعتبار منظَّمة الأمم المتَّحدة أداة لإضفاء الشَّرعية على التحرّكات الأميركية، وعلى المستوى الإقتصادي، وهو السَّيطرة على المنظَّمات الإقتصادية والمالية العالمية، وعلى المستوى الثَّقافي، وهو تعميم النموذج الليبرالي الأميركي والثَّقافة الغربية، وعلى المستوى السِّياسيّ العسكري، وهو تكثيف العمل السِّياسي الدبلوماسي المدعم بالقوَّة العسكرية لمقاومة الإرهاب ومحاربته أينما وجد.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة

التنقل السريع