القائمة الرئيسية

الصفحات

إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في ظلّ الرئيس دونالد ترامب (ج: 2) الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي



إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في ظلّ الرئيس دونالد ترامب (ج: 2)
الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي
American National Security Strategy under President Donald Trump



إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في ظلّ الرئيس دونالد ترامب
الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي
وقد فرضت مرحلة النظام الدُّوْلي الأحادي القطبية على مؤسَّسة الأمن القومي الأميركي أن تجري عملية تقويم للمحاور الّتي تشكل مصادر تهديد أمنيَّة للمصالح الحيوية الأميركية، وهي: منطقة آسيا الوسطى، إذ تضمُّ دولاً نووية منها: الهند وباكستان، ودُوَل تعتبر مصدر للإرهاب منها: أفغانستان، ودُوَل تمثل مصدر للتنافس القطبي منها: الصين وروسيا، ومناطقة مهمَّة للطاقة منها: بحر قزوين، بالإضافة إلى منطقة جنوب شرق آسيا، حيث تعتبر السَّيطرة الأمنيَّة الأميركية والقِوى الحليفة لها ضرورياً لتطويق القِوى الآسيوية الناشطة في الإقليم الآسيوي من جهة جنوب شرق آسيا، وكذلك منطقة الخليج العربي، حيث تحتل مكانة جيواستراتيجية سواء في طرق المواصلات الدُّوْلية أو في موارد الطَّاقة، بالإضافة إلى ضمان أمن إسرائيل ومكانتها في الصِّراع العربي الاسرائيلي، إذ يوجد ترابط بين الأمن الإسرائيلي ومصالح الولايات المتَّحدة في المنطقة.
ونتيجة انتشار الأسلحة في الدُّوَل المُناهضة للسِّياسة الأميركية، ولا سيّما امتلاك بعض الدُّوَل ترسانات عسكرية متطوُّرة تضمُّ صواريخ بعيدة المدى، وأسلحة نووية، فضلاً عن التهديدات غير المتماثلة، والمتمثلة في تجارة المخدرات، وانتشار العصابات المنظمة المعادية للديمقراطية، والمجاميع الإرهابية، وبناءً عليه، صدرت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي لقرن جديد خلال إدارة الرئيس "بيل كلينتون" (Bill Clinton) عام 1996، وصدرت النسخة المعدلة منها عام 2000، حيث قسمت المصالح الأميركية إلى ثلاثة مستويات، هي: الأوَّل، المصلحة الملحة المتعلقة بالبقاء، ويشمل الوجود المادي للولايات المتَّحدة وحلفائها، فإذا تعرضت للخطر لن تتردد الولايات المتَّحدة في استخدام القوَّة العسكرية، والثاني، المصالح المهمَّة الّتي تؤثر في نمط الرفاهية الأميركية، ويشمل ذلك مناطق المصالح، والثالث، المصالح الإنسانية، إذ قد تتدخل الولايات المتَّحدة في الكوارث الطبيعية، أو تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية بعنوان التدخُّل الدُّوْلي الإنساني.
وبعد سيطرة المحافظين الجُدُد على مقاليد السِّياسة الأميركية في ظلّ تفجير برجَي التِّجارة العالمية ومبنى البنتاغون في أيلول/سبتمبر 2001، طرح الرئيس الأميركي "جورج دبليو بوش" (George W. Bush) مجموعة من الأهداف الّتي شكّلت إستراتيجية الأمن القومي، أهمُّها: استمرار الهيمنة الأميركية من خلال تحصين الأمن القومي من التحدِّيات والتهديدات، والعمل على حماية النظام الدُّوْلي الأحادي القطبية، ومنع بروز أيّ قوَّة دولية منافسة أو معادية في المناق ذات الأهميَّة الإستراتيجية، بالإضافة إلى حماية المصالح الإقتصادية من خلال الحفاظ على قوَّة الإقتصاد الأميركي، المتمثلة بالتبادلات التجارية والاستثمارات العالمية، والسَّيطرة والتحكم بمصادر الطَّاقة في العالم، وطرح مبدأ الحروب الوقائية والاستباقية والدرع الصاروخي في السِّياسة الخارجية الأميركية بذريعة مكافحة الإرهاب والأصولية الإسلاميَّة وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك حماية الأصدقاء والحلفاء، وخاصَّة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي، ودحر الأعداء من خلال الحفاظ على قوَّة عسكرية ضاربة منشرة في كل العالم، واستخدام الطائرات غير المأهولة، والحروب الإلكترونية.
وفي عهد الرئيس الأميركي "باراك أوباما" (Barack Obama) عام 2009، طرح خطَّة بعنوان: "إستراتيجية جديدة لعالم جديد: إعادة بناء تحالفاتنا"، وقد سعى لاستعادة مكانة الولايات المتَّحدة عالمياً في ثلاثة مسارات، وهي: الأوَّل، استخدام إستراتيجية "القوَّة الناعمة" (Soft Power)، وتعني القدرة على تحقيق الأهداف من خلال الثَّقافة، والقِيَم السِّياسيَّة، والتعاون الدُّوْلي، ومزاوجتها بـ"القوَّة الذكية" (Smart Power)، الّتي تتكون من الدمج بين القوَّة الصِلَبة المتمثِّلة بالقوَّة الإقتصادية والعسكرية، وبين القوَّة الناعمة، والثاني، عدم إمكانية شنّ الحروب الوقائية والاستباقية مع رفض عبارة "التطرُّف الإسلامي"، تمهيداً لإقامة مصالحة حضارية مع العالم الإسلامي والعربي، وتقبُّل استراتيجيات بديلة عن السِّياسات التصادمية مع الدُّوَل المارقة، حيث استعاضت عنها بالمفاوضات، والثالث، التحوُّل عن الإستراتيجية الأحادية القطبية، والاعتماد على مفهوم أوسع للأمن، إذ أن هناك أزمات دولية تقتضي تعاوناً مكثَّفاً مع القِوى، والمؤسَّسات الدُّوْلية.
وقد اشتملت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي عام 2010، على استخدام القوَّة العسكرية الأميركية بشكل أكثر حكمة، وأقل تدخُّلاً، لأنَّ السِّياسة تتطلّب الدبلوماسيَّة المتأنية، والصبورة، وكذلك تعزيز النموذج الديمقراطي الأميركي القائم على الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، بوصفه نموذجاً ملهماً لكلِّ من هم في الخارج، لأنَّ القيادة الأخلاقية تقوم على قوَّة النموذج، وليس على فرض النظام على الشّعوب، كما إنَّ الحروب في الشَّرق الأوسط، ليست حرباً عالمية تكتيكية على ديانة معيَّنة، لا سيّما الديانة الإسلاميَّة، وإنَّما حرب قائمة على محاربة الإرهاب الّذي تقوده منظَّمات تدَّعي الإسلام، واعتماد الولايات المتَّحدة على سياسة الانخراط الشامل مع المنظمات الإقليميَّة والدُّوْلية، وخاصَّة منظَّمة الأمم المتَّحدة، من خلال التعامل مع الأمم والمؤسَّسات والشّعوب على أساس المصالح المشتركة، واستخدام الولايات المتَّحدة القوَّة الذكية في أغلب تحركاتها ومبادراتها، واعتماد الولايات المتَّحدة على إستراتيجية الفوضى الخلّاقة في التعامل مع الأنظمة المُناهضة.
وبعد وصول الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" (Donald Trump) عام 2017، فقد عكف فريق من مؤسَّسة الرئاسة على أعداد وثيقة الأمن القومي الأميركي بعنوان: "أميركا أولاً" (America first)، وهم كلٌّ من مستشار الأمن القومي الأميركي "هربرت رايموند مكماستر" (Herbert Raymond McMaster)، ومستشار الأمن القومي الأميركي للشؤون الإستراتيجية "دينا باول" (Dina Powell)، ومستشار الأمن القومي الأميركي "ناديا شادلو" (Nadia Shadlow)، و"مركز سيث" (Seth Center)، وقد ركَّزت الوثيقة على محاور أساسيَّة، وهي: المحور الأوَّل، "حماية الشعب الأميركي، الأوطان، طريقة الحياة الأميركية"، وذلك عن طريق حماية الشّعب الأميركي وحدوده، ومتابعة التهديدات الخارجية من مصادرها، وهزيمة الجماعات الإرهابية وتفكيكها، وإبقاء الولايات المتَّحدة آمنة في عصر الإنترنيت، وتعزيز القدرة على الصُّمود، والمحور الثاني، "تعزيز رخاء الولايات المتَّحدة"، من خلال تعزيز العلاقات الإقتصادية الحرة والعادلة والمتبادلة، وتعزيز وحماية قاعدة الابتكارات الأمنيَّة الأميركية، والهيمنة على الطَّاقة، وخاصَّة النفط والغاز في المناطق الحيوية من العالم، والمحور الثالث، "الحفاظ على السِّلام من خلال القوَّة"، عبرَ تجديد المزايا التنافسية الأميركية، وتجديد القدرات العسكرية الأميركية، وتعزيز الاستخبارات العسكرية، وتعزيز الدبلوماسيَّة الأميركية التنافسية والإقتصادية والفن، والّتي تخدم المصالح الأميركية، والمحور الرابع، "التأثير الأميركي المتقدّم"، من خلال تشجيع الشركاء الطموحين، وتحقيق نتائج أفضل في المنتديات المُتعدِّدة الأطراف، وحماية القِيَم الأميركية.
أما على المستوى الإقليمي والدُّوْلي فقد ركَّزت الوثيقة على القدرات الروسية والصينية المتصاعدة، والّتي تزاحم المكانة الأميركية، وبالتالي، فإن على الولايات المتَّحدة منافسة الصين في المحيط الهادئ من خلال تعزيز الشراكات الإقتصادية والعسكرية الطويلة الأمد، والحفاظ على قوَّة عسكرية مُتقدِّمة في المنطقة، والسّعي نحو إزاحة النفوذ الرّوسي والصيني من القارة الأوروبية، وتطوير قدرات حلف شمال الأطلسي، وخاصَّة الجناح الشَّرقي في الحالتين الردع والدفاع، وجرى التأكيد على ذريعة ضرورة معالجة التهديدات الأمنيَّة الإيرانية ضدَّ القارة الأوروبية من خلال الصواريخ الباليستيّة، وتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة.
أمَّا في منطقة الشَّرق الأوسط وما تعانيه من تفشي الإرهاب، والجماعات الإسلاميَّة المُتشدِّدة، والأنظمة السِّياسيَّة غير المستقرة، والواقع الإقتصادي المتراجع، والهجرة غير الشَّرعية نحو القارة الأوروبية، ناهيك عن استمرار حالة الصِّراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي، أكَّدت الوثيقة بأن الولايات المتَّحدة سوف تعمل على تعزيز الشراكات للنهوض بالواقع الأمني، ودعم الجهود الرمية إلى التصدي للأيديولوجيات العنيفة، ولا سيّما مساعدة مجلس التعاون الخليجي، وتعزيز الشراكة الإستراتيجية مع العراق باعتباره دولة مستقلة، وتسوية الحرب الأهلية في سورية، والعمل مع الشركاء لمكافحة الإرهاب، وخاصة تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة في العراق والشام "داعش"، ومن الجانب الإقتصادية سوف تدعم الولايات الاصلاحات الإقتصادية وتحفيز التطوُّرات الإيجابية، ومن الجانب الأمني العسكري سوف تحتفظ الولايات المتَّحدة بكافة قواعدها وجيوشها في المناطق الحيوية، ودفع الحلفاء لشراء منظومة الدرع الصاروخي الأميركي، والسّعي لحرمان إيران من امتلاك السِّلاح النووي.
وفي جنوب ووسط آسيا مواصل الشراكة الإستراتيجية الأميركية مع الهند وأفغانستان لتعزيز السَّلام مع الضغط على باكستان، وتشجيع التكامل الإقتصادي لوسط وجنوب آسيا، وتبني العلاقات التجارية والاستثمارية، والعمل على تحسين الواقع الأمن، وفي الجانب الأمني والعسكري دعم الحكومة الأفغانية في الإجراءات الرامية إلى الاستقرار، ومواصلة القتال ضدَّ طالبان، وتنظيم القاعدة، ومكافحة الإرهاب.
وفي نصف الكرة الغربي "إفريقيا"، ولا سيّما بعد تفشي العصابات والتكتُّلات للمنظمات الإرهابية، والنُّظُم الاستبدادية، والتنافس الصيني الرّوسي ضدَّ المصالح الأميركية في إفريقيا، فإنَّ الولايات المتَّحدة سوف تعمل على حثَّ الجهود الإقليميَّة لبناء الأمن والرخاء والاستقرار، والعمل على عزل الحكومات الّتي ترفض التعاون للنهوض بالسَّلام العالمي، وكذلك تشجيع الاتِّفاقيات التجارية، والإصلاحات الإقتصادية، وتعزيز سيادة القانون والإصلاح القضائي، ومكافحة الإرهاب، والعمل مع الشركاء لهزيمة المنظمات الإرهابية، وخاصة تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة في العراق والشام "داعش"، وجماعة "بوكو حرام" في نيجيريا، وكذلك الاستجابة للاحتياجات الإنسانية.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع