القائمة الرئيسية

الصفحات

احتجاج الدولة بين واقع العلاقات الدولية والقانون الدولي الدكتور حيدر ادهم الطائي


احتجاج الدولة بين واقع العلاقات الدولية والقانون الدولي
 الدكتور حيدر ادهم الطائي



احتجاج الدولة بين واقع العلاقات الدولية والقانون الدولي
 الدكتور حيدر ادهم الطائي

      في احدى دورات انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في عقد التسعينيات من القرن الماضي ألقى احد رؤساء الدول الأفريقية خطاباً أمام الوفود المجتمعة قال فيه ان دول العالم الثالث وعلى وجه التحديد دول القارة الأفريقية الفقيرة تعتقد بصورة أكيدة ان لها الحق في العيش بكرامة والسعي إلى النمو والتقدم لكن ممارسات الدول الكبرى والمؤسسات التابعة لها تمارس سياسة مؤذية لهذا التوجه. ومع إدراك الدول الفقيرة عموماً بضعف إمكانياتها المادية على وجه التحديد, فإنها سوف تحتج على هذه الممارسات وستستمر باسماع صوتها للعالم عبر هذا التصرف القانوني الذي تعكس الدول من خلاله نظرتها إلى سوء النظام الذي تقوم عليه العلاقات الدولية على المستويات المختلفة فهي لا تملك غير الاحتجاج وستستمر بذلك.
     ان الاحتجاجات التي غالباً ما تطالعنا نشرات الاخبار بتفاصيل عنها هي مع تصرفات أخرى كاللوم والاستنكار والاستهجان ولفت النظر توصف بأنها تشكل نوعاً من الجزاءات المعنوية التي يعرفها النظام القانوني الذي يحكم العلاقات بين الدول, فالاحتجاج باعتباره (اعتراض شكلي تستطيع الدولة المحتجة بواسطته ان تجعل من المعروف بأنها لا تعترف بشرعية الأعمال التي وجه الاحتجاج ضدها وأنها لا توافق على الحالة التي تخلقها مثل هذه الأعمال أو التي تهدد بخلقها وانها لا تنوي التنازل عن حقوقها) انما يستهدف وكما أشار التعريف المذكور اظهار حالة عدم القبول بوضع معين ولحماية مصالح وحقوق الطرف المحتج نتيجة قناعة هذا الأخير بعدم مشروعية الحالة أو التهديد الذي تمثله لحقوقه ومصالحه سواء في خلق حالة واقعية او في خلق قواعد قانونية عرفية وبقصد استبعاد هذا الأثر.
     ان الاحتجاج باعتباره احد التصرفات القانونية الدولية التي تصدر من جانب واحد يمكن ان يتخذ أشكالاً متعددة كقطع العلاقات الدبلوماسية طبقاً لما يذهب إليه جانب من فقه القانون الدولي، أو ان يقوم المحتج بسحب سفيره لدى الطرف "الدولة" المحتج ضده، أو طرد سفير الدولة التي يراد توجيه الاحتجاج ضدها، أو اللجوء إلى جهاز سياسي دولي مختص وتقديم الشكوى امامه كمجلس الأمن أو الجمعية العامة.
    وطبقاً لما تقدم فان الاحتجاجات المتكررة التي توجهها الدول بعضها للبعض الآخر لا تخرج عن تحقيق  الأهداف أو الغايات المتقدمة إذا ما روعي في إصدارها وتوجيهها ما يتطلبه النظام القانون الدولي أو القواعد القانونية الدولية من شروط صحة لهذا التصرف حتى ينتج اثره القانوني المنتظر، وتجد الوظيفة التي يقوم بها الاحتجاج في نطاق القانون الدولي الأساس القانوني لها في مبدأ حسن النية, ومبدأ المعاملة بالمثل, وفي قاعدة عرفية تعطي هذه القيمة لهذا التصرف, وهذا ما تؤكده ممارسة الدول والفقه الدولي واتجاه القضاء الداخلي والدولي وبصرف النظر عن الصيغة أو الشكل الذي يتخذه التصرف المعبر عن الاحتجاج، فضلاً عن صيغة البيان الشفهي أو المذكرة الدبلوماسية التي تمثل الشكل الأكثر استعمالاً في التعبير عن مضمون هذا التصرف فانه يمكن ان يتخذ الاحتجاج صيغة التصرفات القاطعة في دلالتها على ذلك طالما اتخذت هذه التصرفات شكلاً مشروعاً في التعبير عن الرفض.
    والاحتجاج بوصفه تصرفاً دولياً صادراً من جانب واحد يخضع للقاعدة العامة التي تحكم هذه التصرفات بوصفها تصرفات اختيارية غير إلزامية، ومع ذلك فان الاحتجاج قد يعد شرطاً يجب استنفاده أولاً في بعض الحالات كما في اللجوء إلى اتخاذ تدابير مضادة.
      والاحتجاج بوصفه تصرفاً قانونياً يجب ان يستوفي الشروط التي يتطلبها القانون الدولي لإثبات شرعية كل تصرف قانوني، فيجب ان يصدر الاحتجاج عن احد أشخاص القانون الدولي المتمتع بالاهلية اللازمة للقيام بذلك، كما يجب ان يكون محل وسبب الاحتجاج مستوفياً للشروط القانونية اللازمة للقول بشرعية أي تصرف قانوني فيما يتعلق بمحله وسببه، ومع تحقق هذه الشروط فان الاحتجاج يجب ان يوجه إلى شخص القانون الدولي المسؤول عن العمل غير المشروع دولياً وفقاً لوجهة نظر الشخص القانوني المحتج أو ان يوجه إلى أشخاص قانونية أخرى معنية بموضوع الحقوق المنتهكة ويقع الحفاظ على هذه الحقوق ضمن مسؤولياتها أو مهامها بموجب القانون الدولي, كالمنظمات الدولية كل منها ضمن اختصاصها وواجباتها المحددة بموجب الميثاق.
    والقيمة القانونية للاحتجاج تظهر في مجالات عدة فهو أولاً وجد لتحاشي ان يكون صمت الدولة مفسراً بوصفه معبراً عن الموافقة الضمنية بخصوص حالة أو واقعة معينة، وهو كذلك يلعب دوراً مهماً في تكوين أو انشاء قواعد عرفية أو العكس، وهو يعد احد الوسائل المتاحة امام أشخاص القانون الدولي لإيقاف اعمال مبدأ التقادم المكسب في نطاق هذا القانون، وهذا في اقل تقدير طبقاً للاتجاه الذي يوسع من مجال تأثير أو دور هذا التصرف في القانون الدولي.
   أما بالنسبة لمدى فعالية الاحتجاج فان ذلك يرتبط بطبيعة الوظيفة التي يؤديها في النظام القانوني الدولي بوصفه جزاءاً معنوياً واجراءً شكلياً حامياً للحقوق ودور هذه الوظيفة في علاقتها ببعض العناصر البعيدة عن الاحتجاج ذاته بوصفه تصرفاً قانونياً يؤدي دوراً محدداً كما في خطورة التهديد أو الانتهاك المحتج ضده أو مرور الزمن. ومن ثم,  فانه في بعض الحالات قد يكون كافياً في حد ذاته لتحقيق الهدف المطلوب إلا انه في حالات أخرى قد لا يقود إلى ذات النتيجة وإنما يجب ان يتبع بتصرفات إرادية أخرى إذا ما أراد شخص القانون المعني المحافظة على ما يدعي من حقوق, وهذه النتيجة يمكن استخلاصها بصورة أو بأخرى من كتابات الفقهاء وممارسات الدول التي تعكس في جانب مهم منها هذا الاتجاه.
   ان ما تقدم يعكس الجانب القانوني لفكرة الاحتجاج باعتباره تصرفاً قانونياً دولياً صادراً من جانب واحد, وتبقى قيمة هذا التصرف أو الاجراء محكومة في ضوء الواقع الملموس للعلاقات الدولية، وفي هذا السياق ربما من المناسب ان نتذكر قول دبلوماسي ياباني قال في القرن المنصرم مخاطباً الغرب (لقد أظهرنا اننا نتساوى معكم على الأقل في علوم الدمار، وعندما تحقق ذلك سمح لنا على الفور ان نجلس على موائدكم باعتبارنا من المتحضرين)
     وإذا كنا لا نستطيع إلا ان نسلم ان قول هذا الدبلوماسي الياباني يتضمن جانباً من الحقيقة إذا أردنا ان نفهم واقع العلاقات الدولية المبنية على الصراع الذي يشكل جزءاً من طابع العلاقات الإنسانية على وجه العموم فانه سوف تبرز حقيقة جوهرية مضمونها ان القاعدة القانونية كانت وستبقى تعبر عن مصلحة الطرف الأقوى فهو الذي يحدد مضمونها وأبعادها ومجال تطبيقها والاستثناءات عليها, وهذا امر يشمل العلاقات البشرية المنظمة بموجب القوانين الداخلية للدول ايضا، فضلاً عن العلاقات الإنسانية المحكومة بموجب قواعد القانون الدولي، ويكفي أن نشير إلى ما نشرته بعض الصحف العربية قبل سنوات, وبصرف النظر عن مدى صحة الخبر" من قيام "إسرائيل" بتقديم احتجاج إلى السلطات الأردنية تشكو فيه من قيام الحمام الأردني بتهديد سياحتها من خلال تعمده إلقاء فضلاته على مدينة إيلات (أم الرشراش) الواقعة على خليج العقبة حيث طالبت "الدولة العبرية" الأردن بمكافحة الحمام حتى لا يتعرض لها ويسبب الإزعاج للسائحين ويلوث مبانيها!!!
     وبيت القصيد في التوضيح الذي تقدم للاحتجاج هو تساؤل مشروع طالما راود ذهني يتعلق بحقيقة وفعالية ما تقوم به الدوائر التابعة لوزارة الخارجية العراقية في حماية العراقيين الذين أصبحوا في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق يعيشون في المنافي شرق الأرض ومغاربها فما فعلت وزارة الخارجية العراقية لحمايتهم وهم الذين يتعرضون لاسوا معاملة ولو باستخدامها لاخف طريقة للتعبير عن عدم القبول, وهو الاحتجاج كما كانت تفعل دول القارة السوداء، ولكن يبدو ان المشكلة تبدو في كفاءة الكادر العراقي الذي يمثل العراق في الدول الأجنبية فهؤلاء أو بعضهم على حد تعبير احد الزملاء الأفاضل وهو بدرجة سفير كان يعمل في وزارة الخارجية العراقية الذي قال لي يوماً عندما سألته عن توجهات وزارة الخارجية فيما يتعلق بسياسة التعيينات اذ ذكر .. دكتور ما فعلناه في حقيقة الامر هو اننا قمنا بتعيين من كان يعمل قصاباً في مدينة... (وهي مدينة أوربية غربية) سفيراً لبلاد الرافدين فيها.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع