القائمة الرئيسية

الصفحات

الهيمنة الامريكية والتحدي الصيني في الالفية الجديدة زيدون سلمان محمد نجم الكرطاني معهد العلمين للدراسات العليا



الهيمنة الامريكية والتحدي الصيني في الالفية الجديدة
زيدون سلمان محمد نجم الكرطاني
معهد العلمين للدراسات العليا

الهيمنة الامريكية والتحدي الصيني في الالفية الجديدة
زيدون سلمان محمد نجم الكرطاني
ان موضوع (الهيمنة الامريكية والتحدي الصيني في الالفية الجديدة) يعد من المواضيع المهمة في العلاقات الدولية لاسيما في ظل التطورات والتغيرات التي طرأت على النظام السياسي الدولي منذ بداية القرن العشرين وما تبعها في القرن الحادي والعشرين . اذ شهدت الساحة الدولية منذ ذلك الوقت تحولات عديدة في المنظومة الدولية بدءً من نظام متعدد القطبية و من بعدها التحول نحو نظام ثنائي القطبية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي السابق في عام 1945، حيث تمثلت هذه الحقبة في بروز قوتين عظميين كانتا كل منهما مركز لقطب ضخم، تدور في فلكه مجموعة من الدول، واستأثرتا هاتان الدولتين بالهيمنة العقائدية والسياسية على مجمل الدول المكونة لمعسكريهما على تلك المرحلة (الحرب الباردة)
لقد شهد النظام  الدولي مطلع تسعينات القرن الماضي تحولا كبيراً، لاسيما بعد تفكك القطب المنافس (الاتحاد السوفيتي) وتحوله الى نظام جديد تعددت في توصيفه الرؤى ما بين النظر اليه باعتباره نظام القطب الواحد المهيمن او ادراكه كنظام متعدد القوى او بأنه نظام مازال في طور التكوين، من ثم جاءت احداث 11/ايلول/2001 لكي تدعم في البداية الدور المهيمن للولايات المتحدة وتدخلها العسكري في افغانستان 2001 والعراق 2003، بالإضافة الى انعكاسات هذه الاحداث على نمط  علاقاتها بالعديد من الدول على رأسها (الصين). كما وطرأت العديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي دفعت بالنظام الدولي نحو بنيان عالمي تعددي ذات طبيعة هرمية اي تتعدد فيه مراكز القوة .
اضافة الى ذلك اصيب العالم بحدثً كبير في عام 2008 عرض دول الغرب ولاسيما الولايات المتحدة في الدخول بأزمة مالية كبيرة، فقد شكلت تلك الاحداث الى تراجع الهيمنة الأمريكية شبه المطلقة على العالم، والذي بات أمراً معقدا في ظل تلك الأحداث من الصعوبة ان تنجح أي قوة عالمية بالتصدي لها منفردة من دون اللجوء الى قوى دولية اخرى، ونتيجة لهذه التطورات التي عصفت النظام الدولي، ازداد الحديث حول تراجع الهيمنة الامريكية ودورها الفاعل في المنظومة الدولية مقابل تنامي قوى صاعدة جديدة وابرزها صعود القوة الصينية على المستوى العالمي والمتسارع في الوقت نفسه، وقد ترافق ذلك مع عدة تساؤلات طرحت نفسها بقوة حول القرن الحادي والعشرين هل سيصبح صينياً ؟، كما كان القرن العشرين امريكياً، لاسيما في ظل النقاش حول انتقال القوة من الغرب الى الشرق مع اكتساب الصين المزيد من الأهمية والقوة على الصعيد العالمي .
لذلك هناك تساؤلات عديدة حول التفوق الصيني المتسارع ومدى تأثيره على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن تعميق علاقاتها الدولية في ظل إقامة شراكات استراتيجية ترمي الى تعظيم الفرص المتاحة لها مقابل تحجيم التحديات والارتقاء بمكانة دولية مؤثرة في النظام الدولي تتيح للصين اعادة صياغة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب مستقبلا، والتمسك بطموحاتها في تبوء مكانة تحقق لها الزعامة الإقليمية والدولية، أم إنّ هذا التفوق السريع يوضع في إطار استراتيجي يهدف الى حماية الطموحات الصينية أمام الطموحات الأمريكية الجامحة في احتواء الصين وتحجيمه .
انطلقت أهمية الدراسة حول ( دور الصين المتصاعد والمتسارع في المجالات جميعاً، الذي حقق مؤشرات كبيرة فاقت جميع التوقعات، ليقود الصين باتجاه مسار القوى الكبرى، و تبوء  مكانة دولية مؤثرة في النظام العالمي، وفي أقل من نصف القرن تمكنت الصين من إبهار العالم بما حققته من انجاز كبير لم يسبق لدولة أخرى على تحقيقه، فمن دولة قدراتها محدودة وبسيطة عام 1949، لا تمتلك ما يميزها على الساحة الدولية الى دولة ذات ثقل ونفوذ دوليين لا يمكن تجاهلها، وقد جذبت أنظار دول العالم جميعاً، لاسيما القوة العظمى (الولايات المتحدة الأمريكية)، مما شكل هذا التفوق انعكاسات واضحة ألقت بظلالها على العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية و تأثيرها مستقبلاً )
ان دراسة الصين كطرف في هذه المعادلة مهم جداً، نظراً لما تمتلكه من مقومات وقدرات وقوة في جميع المجالات، كما انها وفق استمرار هذا النمو الاقتصادي ستكون بلا شك قوة عظمى في النظام السياسي الدولي، إن لم تكن هي القوة العظمى الاولى ولاسيما في المجال الاقتصادي ، والارقام تحدثنا عن ذلك ففي السنوات العشرين الاخيرة حققت قفزات هائلة على جميع الصُعد، ويكفي هنا ان أشير عن اعلان الصين عن اطلاق نظام الرصيد الاجتماعي بحلول سنة 2020 لتقييم جميع المواطنين، (بنظام نقاط دائم)، اذ يكافأ المواطنون بعلامات مرتفعة على مهام مثل (تبرع الدم، والقيام بعمل تطوعي)، فيما تؤدي اخطاءه مثل انتهاك قوانين المرور لعلامات منخفضة في رصيده، ويتحكم معدل العلامات او التصنيف في امور كثيرة، فعلى سبيل المثال، قد يمنع التصنيف المنخفض المواطن الصيني من الطيران او حجز تذاكر القطار، وحتى تقليص سرعات الانترنيت، اما التصنيف المرتفع فيعطي للمواطن خصومات على فواتير الطاقة واسعار فائدة افضل في البنوك والقدرة على استئجار الاشياء دون ايداع، وسيجري وضع نظام اخر لتقييم استقامة مسؤولي الحكومة وادارتها عن طريق قياس الالتزام بالعقود والتعهدات، وهي النتائج التي ستدرج في تقييمات الاداء للمسؤولين .
ومن وجهة نظر الباحث ان التقدم الصيني وتحديها للولايات المتحدة سيكون عامل تخفيف ضغط الولايات المتحدة على دول العالم، حيث ستكون الصين قطباً جاذب لكثير من دول العالم، وهذا الامر سيفرض على الولايات المتحدة من تغيير سياساتها وتخفيف من حدة ضغطها من اجل كسب ود دول العالم بدل الذهاب باتجاه الطرف الصيني، وعلى الدول العربية وخاصة العراق الاستفادة من هذه الحالة
فيمكن القول أن الصين قد دحظت جميع النظريات و الآراء السياسية القائلة من (أن التقدم العلمي والتكنولوجي وبذات الاقتصادي لا يمكن ان ينمو في الدول الشمولية بل النمو في دول ذات الانظمة الديمقراطية، لكننا نرى ان الصين ذات النظام الشمولي الاشتراكي الشمولي قد حققت هذا التقدم وهذا النمو ، فأن كل هذا التقدم الصيني سيؤدي بالنتيجة الى تأكل الهيمنة الامريكية
        ووفقاً لما تقدم في هذه الدراسة لاسيما حول وضع الصين الحالي، فأن الصين تسعى الى تبوّء مكانة مرموقة في النظام الدولي. لما تمتلكه من مقومات القوة الشاملة، لاسيما وأنّها أهم الدول الاسيوية، إذ تمتلك مقعداً دائماً في مجلس الأمن، والدولة الأكبر في العالم من حيث القوة البشرية، وتحتل المرتبة الثانية عالمياً في المجال الاقتصادي بعد الولايات المتحدة، والدولة الأولى عالمياً في حجم الاحتياطي النقدي، فضلا عن امتلاكها قوة عسكرية متطورة تكنولوجياً، اضافة الى عملها وفق تخطيطها الاستراتيجي بالاعتماد على "سياسة الصعود السلمي"، فقد باتت تشكّل هاجساً قلقاً للدول الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وإدراك  خطورة هذا الصعود المتنامي والمتسارع على مكانة الولايات المتحدة وهيمنتها على العالم.
        ثم استمرت الصين وفق تخطيطها الاستراتيجي في مسيرة التحديثات والإصلاح على المستويات كافة، فقد انخرطت في نمط العلاقات الدولية بالانضمام الى تكتلات إقليمية ودولية ذات طابع اقتصادي، والذي بدوره عكس نوايا الصين السلمية تجاه محيطها الإقليمي والدولي، فضلا عن أن هذا الانخراط في نمط العلاقات الدولية أضاف للصين مكاسب كثيرة، لاسيما في اقتصادها الصاعد بما يسهم في الإبقاء على حالة التوازن الدولي والإقليمي ضمن مناطق نفوذها ومجالاتها الاقتصادية .
        أن التفوق الصيني الملحوظ أثّر سلباً على دور الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي، وإنّ اكتساب الصين لمكانة إقليمية ودولية متميزة، كل ذلك شكّل تحدياً واضحاً للهيمنة الامريكية، ولاسيما بعد انتقال القوة من الغرب الى الشرق، فضلا عن عجز القطب الامريكي في السيطرة على القضايا الدولية المستجدة، مما أدى الى ظهور حالة من التأكل في الهيمنة الأمريكية، والتوجه الى نظام جديد تتساوى فيه نفوذ الدول الكبرى .
       وقد بينت الدراسة مقومات الهيمنة الامريكية التي تستند الى القوة والقدرات في المجالات السياسية والعسكرية والتكنولوجية والتفوق العلمي، والتي جعلت الولايات المتحدة الامريكية تتبؤء هذه المكانة في النظام السياسي الدولي، كما وتناولت أيضاً مقومات التحدي الصيني للهيمنة الامريكية والمتمثلة بالقدرات السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، والاخير بشقيه الاقليمي والدولي، كذلك مقومات القوة الصينية والمتمثلة بالعسكرية والامنية والقوة الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية أيضاً .
        ولقد وجدنا أيضاً ان سياسة الحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة الامريكية، وسياسة التعارض والتقاطع مع الحلفاء والاصدقاء والاعداء ايضا هو الاسلوب المؤدي الى تأكل الهيمنة الامريكية، في حين ان السياسة الناعمة والهادئة والاستثمار الاقتصادي الدولي للصين، هو الاسلوب الذي يرفع من مستوى تحديها للولايات المتحدة الامريكية ، كذلك تضمنت الدراسة الاحتمالات المستقبلية لهذا التحدي . فقد تم ترجيح احتمال التفوق الصيني وتأكل الهيمنة الامريكية في النظام السياسي الدولي، فيما اذا استمرت سياسة الولايات المتحدة الامريكية والصين على هذا المنوال .
        أن مستقبل النظام السياسي الدولي يتحدد وفق طبيعة سياسات الفاعلين فيه، لأنّ توزيع القوة بات يختلف عن الحقبات السابقة، فأن توزيع عناصر القوة تحدد فاعليه الطرف من عدمها، وعليه فأن النظام السياسي الدولي في وضعه الحالي أقرب ما يكون إلى وضع دولي، وإنّ صح القول فأنّه في طور التحول نحو التعددية القطبية، بسبب عجز القطبية الأحادية في مواجهة الأزمات التي عصفت الساحة الدولية، وهذا الأمر شكّل تحدياً كبيراً للهيمنة الأمريكية، وما يؤكد هذا الاتجاه توجهات الرئيس الامريكي (باراك اوباما) الذي انتهج استراتيجية جديدة تختلف عن السابق، بالسماح للفاعلين الأخرين في المشاركة في مواجهة الأزمات والقضايا الدولية الأخرى، التي أصبح لها تأثير في النظام الدولي، لاسيما القوة الآسيوية (الصين)
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع