القائمة الرئيسية

الصفحات

المسؤولية المدنية للطبیب عن الخطأ الطبي في نقل وزراعة الاعضاء البشریة (ح: 1) م.م حسین جلیل القصير



المسؤولية المدنية للطبیب عن الخطأ الطبي في نقل وزراعة الاعضاء البشریة (ح: 1)
م.م حسین جلیل القصير


المسؤولية المدنية للطبیب عن الخطأ الطبي في نقل وزراعة الاعضاء البشریة
م.م حسین جلیل القصير 

    تعددت الأسس التي اقترحها الفقه القانوني بصدد تحديد أساس المسؤولية المدنية للطبيب عن الخطأ الطبي في نقل وزراعة الاعضاء البشرية، فمنهم من قال، بـ ان الأساس الذي يستند إليه هو رضا المتصرف المقترن بالمصلحة الاجتماعية، ومنهم من قال بانه السبب المشروع أو الباعث الدافع إلى التصرف، ومنهم من جعل الأساس حال الضرورة، بيد ان هذه الأسس جميعاً لا يعول عليها الا في حال غياب التشريع الذي يحسم أي خلاف حينما ينص على إباحة تصرف ما فيصبح المتصرف مستعملاً لحق مقرر له بمقتضى القانون مع ملاحظة ان اسباغ القانون طابعاً شرعياً على هذا التصرف لا يكون مطلقاً بل مقيداً باختلاف الآراء الفقهية والتشريعية حيال تحديد شروط المسؤولية المدنية للطبيب عن الخطأ الطبي في نقل وزراعة الاعضاء البشرية الواجب توفرها عند الإقدام على أي تصرف قانوني بعضو بشري ومجملها .
    تحقق التراضي بين المتصرف والمتصرف إليه والتراضي لا يكون صحيحاً الا بكمال الأهلية وسلامة الإرادة من العيوب، وان لا يكون التصرف بالعضو البشري منطوياً على مساس بالنظام العام والآداب العامة كالتصرف المفضي إلى وفاة المتصرف أو أصابته بعاهة مستديمة أو ذلك المفضي إلى اختلاط الأنساب.
وكما يؤكد قانون نقل وزرع الأعضاء البشرية والاتجار بها العراقي المرقم 11 لسنة 2016 في المادة ثانيا (لا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقي أو علاجه من مرض جسيم، وبشرط أن يكون النقل هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الضرورة وألا يكون من شأن النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم على حياته أو صحته، ويحظر زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة أو الخلايا التناسلية بما يؤدي إلى اختلاط الأنساب)كما يستهدف هذا التصرف بالعضو البشري تحقيق مصلحة علاجية راجحة للمتصرف إليه المريض، ولا بأس ان كان الهدف من وراء ذلك هو تحقيق مصلحة علمية قد تعود بالفائدة على المجتمع والمريض في آن واحد، وان إجراء أي عمل جراحي من شأنه بتر عضو من جسم شخص بغية زرعه في جسم شخص آخر يجب ان تقرر ضرورته لجنة طبية مختصة ومخولة بمقتضى القانون باتخاذ مثل هذا القرار، فتتولى عندئذ تبصير كل من المتصرف والمتصرف اليه او تنبؤهما بتبعات هذا التصرف ونتائجه المؤكدة والمحتملة هذا إذا كان المتصرف حياً اما إذا كان ميتاً فمهمة هذه اللجنة تنصرف بالدرجة الأساس إلى التيقن من وفاته لغرض الشروع باستئصال الأعضاء من جثته، وكما يؤكد القانون العراقي الخاص بنقل وزراعة الأعضاء البشرية بـ (ان نقل وزراعة الأعضاء هي عبارة عن نقل نسيج من شخص متبرع حي بموافقته أو ميت وفقا للموازين الشرعية والقانونية) و إن المسؤولية المدنية لا تنهض الا بتوفر أركانها من خطأ، وضرر، وعلاقه سببية بينهما، وأن للقاضي سلطة واسعة في تقدير التعويض عندما تكتمل الأركان التي أوجب القانون توفرها في المسؤولية المدنية والتي يجب ان تكون واضحة وصريحة لا لبس فيها ولا غموض حيث أن القاضي لا يحكم من منطق الشك وأحيانا قد يتطلب حكمه الاستعانة بأهل الخبرة ويجب أن يكونوا من الاختصاص المناسب.
ولعل مما يزيد في صعوبة تقدير الخطأ هو أن يصدر في عمل الطبيب، فيعد من الأعمال المتعلقة بفن المهنة الطبية وأصول قواعدها، فلا يحظى هذا العمل بأجماع أهل المهنة بل ان الطبيب قد يستند الى نظرية ممارسة عمله الطبي، وفي الوقت المعاصر يعرف العمل الطبي تحولات جذرية وهامة، يمكن تشبيهها بالانصهارات والحمم التي تسبق ثوران البركان، إذ أن مضمونه ظل يتغير ويتطور بتطور الأفكار والمراحل التي بات يشملها تحت نطاقه رغما عنه، بحكم الثورة الطبية الهائلة التي تعرفها البشرية، وما نجم عن تزاوج الطب بمختلف جزئيات العلوم التجريبية والدقيقة.
إن المعيار في خطأ الطبيب هو معيار موضوعـي يتمثل في سلوك الرجل  العادي والمجرد وهو شخص من طائفة الفاعل مجرد من ظروفه الشخصية ومحاط بذات الظروف التي أحاطت بالطبيب وهي ظروف خارجية مثل ظرفي الزمان والمكان وليست ظروفاً داخلية متعلقة بشخص الفاعـل من مثل الجنس والصحـة والحال النفسية ودرجة الحساسية والطباع والعلم والبيئة، ومـع ذلك فأنـه يستثنـى من هذه الظروف الداخلية ما هو معلوم منها فلو ان المريض كان على علم بعدم خبرة الطبيب أو حداثة عهده بالطب وقبل، مـع ذلك، بمـا وصف له من علاج فأصيب بالضرر لامتنع علينا استثناء ان نقيس فعل هذا الطبيب بفعل الطبيب المعتاد المحاط بالظروف الخارجية ذاتها.
إذ إن الظروف التي يعتد بها هي الظـروف الخارجية، فاذا جاء عمل الشخص المعتاد (وهو الطبيب المقيس عليه) علـى خلاف عمل الطبيب المعالج لتقررت مسؤولية الاخير.
فمثلا(اغفال اجراء اشعة على العضو المصاب وهو ما قـد يعتبر خطأ بالنسبة لطبيب المدن لا يمكـن ان يـؤاخذ عليه طبيب الـريف الذي لا تتوفـر لـه الوسائـل لاجرائها).
ومن هنا يتعين على القاضي الاخـذ بالمعيار الموضوعي والتحري عن الظروف الخارجية التي احاطت بالطبيب موضـوع المسؤولية واستبعاد المعيار الشخصي الذي ينظر فيه الى هذا الطبيب الاخير نفسه، إذ إن  تعلقه بالشخص نفسه يجعل منه أمراً داخلياً يستعصي الوصول الـى الحقيقة عن طريقه، فهو يقتضي المعرفة الدقيقة بالفاعل شخصيا فلو كان فـوق المستوى المعتـاد لأختلف حسابه عما لو كـان دون هـذا المستوى، وبذلك يحاسب الطبيب الـذي فوق المستوى المعتاد عن اقل خطأ يصدر منه ولا يحـاسب الطبيب الذي اعتاد الخطأ واللامبالاة، وفي ذلك ضرر كبير على المجتمـع والمـريض المضرور الذي لا يهمـه مـا اذا كان الطبيب دون المستوى المعتاد أو فوقـه انما يهمه جبر الضرر الذي لحقـه أو التعويض عما اصابه من ضرر جراء خطأ الطبيب.

المحور الثاني:الضرر في نقل وزراعة الأعضاء البشرية:
  إن ثمة أهمية كبيرة لعنصر الضرر في المسؤولية عموماً، فهي تدور معـه وجـوداَ وعدما تخفيفا وتشديداً، ويتجلـى ذلك فـي المسؤولية المدنيـة خصوصاً، فهي التزام بالتعويض، والتعويض يقـدر بقـدر الضـرر.
عرف القانون المدني العراقي قاعدة الضرر في المادتين (6 ـ 7) فأورد في المادة (6) القاعدة العامة في استعمال الحقوق وعدم ضمان ما ينشأ عن ذلك من ضرر إذا كان الاستعمال جائزاً.
فقد نصت هذه المادة على أن: (الجواز الشرعي ينافي الضمان، فمن استعمل حقه استعمالاً جائزاً لم يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر).
غير أن المشرع عاد في المادة (7) ليحرم الضرار في استعمال الحق، فنص في الفقرة الأولى منها على أنه: (من استعمل حقه استعمالاً غير جائز وجب عليه الضمان) ثم استعرض في الفقرة الثانية أحوال وضوابط الضرر والضرار فقال: (يصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية:
أ-إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير.
ب-إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مطلقاً مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ج-إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة).
ان الضرر الذي ينبغي التعويض عنه يجب ان تتوافر فيه عدة شروط اهمها:
1-ان يكون الضرر محققاً.
2-ان يصيب حقاً او مصلحة مالية للمضرور.
    إن الحق في الحياة وسلامة الجسم من الحقوق الملازمة للإنسان التي لا يمكن له ان يستغني عنها، لذلك قيل بحق بانها سابقة على القانون ويقتصر دور القانون على تنظيمها إذ هي في الواقع سبب وجود القانون وعلته، وقد اطلق عليها فلاسفة القرن الثامن عشر مصطلح الحقوق الطبيعية أو حقوق الإنسان، وذلك بتأثير من مدرسة القانون الطبيعي التي ترى ان الإنسان لمجرد كونه إنساناً يولد وتولد معه حقوقه الطبيعية وهو لم يقبل الخضوع لسلطان الدولة لأنها ستحافظ له على تلك الحقوق، ولم ينزل في سبيل ذلك عن جزء منها الا بالقدر الضروري.
وهذه الحقوق حرصت الكثير من دول العالم بالنص عليها في دساتيرها، بل ان دول العالم سعت نحو تعزيز تلك الحقوق والتأكيد عليها في العديد من المواثيق الدولية.
     وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية وما وقع فيها من اعتداءات بشعة على الحقوق الأساسية للفرد، طالب الرأي العام العالمي بإيجاد الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الإنسان، لذلك فقد جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ما يأتي:
(إن شعوب هذه الأمم تؤكد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد) وقد تبع ذلك اصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 استلهاما للمبادئ التي نص عليها الميثاق.
وعلى الرغم من كل ما قيل في حقوق الإنسان وتحديدا الحق في الحياة وسلامة الجسم، فأن لكل حق حدودا يتوقف عندها، وان مبدأ معصومية الجسم البشري كان لابد ان ينحني لمبدأ آخر يفوقه في الأهمية الا وهو مبدأ التضامن الاجتماعي وانصهار الفرد في بودقة الإنسانية المحكومة بقواعد دينية وقانونية.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع