القائمة الرئيسية

الصفحات

المسؤولية المدنية للطبیب عن الخطأ الطبي في نقل وزراعة الاعضاء البشریة (ح: 2) م.م حسین جلیل القصير




المسؤولية المدنية للطبیب عن الخطأ الطبي في نقل وزراعة الاعضاء البشریة (ح: 2)
م.م حسین جلیل القصير


المسؤولية المدنية للطبیب عن الخطأ الطبي في نقل وزراعة الاعضاء البشریة
م.م حسین جلیل القصير 

الفرع الأول :موقف المشرع العراقي من نقل وزراعة الأعضاء البشرية
إن التشريع في أي بلد من بلدان العالم ينبغي ان يتماشى مع تطورات العصر وبوجه خاص ما تسفر عنه عقول العلماء العباقرة من اكتشافات طبية، والتي تعود بالنفع الكبير على المجتمع الإنساني.
وفي مجال عمليات نقل الأعضاء البشرية ساير المشرع العراقي هذا الانجاز الطبي، فتناوله بالتنظيم ابتداء من اصدار قانون مصارف العيون المعدل ، ثم قانون عمليات زرع الكلى رقم (60) لسنة 1981 الملغى، وانتهاء باصدار قانون عمليات زرع الأعضاء البشرية في عام 1986، واستناداً إلى هذا القانون الأخير، فقد اصدر وزير الصحة التعليمات رقم (3) لسنة 1987 بشأن موت الدماغ ، وكذلك التعليمات الخاصة بالتبرع بالأعضاء البشرية رقم (1) لسنة 1989، وكذلك كما ذكر في قانون حماية الأطباء رقم 26 لسنة 2016 وفي قانون عمليات نقل وزراعة الأعضاء البشرية رقم 11 لسنة 2016 في المادة السابعة ( للمتبرع العدول عن تبرعه في أي وقت قبل القيام بعملية الاستئصال دون قيد او شرط)
    وفي المادة الثامنة من قانون زرع الأعضاء البشرية والتجارة بها  (يكون التبرع بالعضو او النسيج البشري  والايصاء به دون مقابل)
    وأرى من المناسب هنا الحديث عن مدى شرعية التصرف بالعضو البشري لأجل إجراء التجارب الطبية، إذ انقسم الفقه القانوني في هذا الصدد إلى اتجاهين، أولهما يذهب إلى عدم اباحة التجارب الطبية على جسم الإنسان المريض ومن باب أولى على جسم الإنسان السليم، على اعتبار ان مصلحة الأول أي المريض من هذهِ التجارب تبدو احتمالية ولا تكفي بحد ذاتها لاباحة التدخل الطبي، اما بالنسبة للشخص السليم الذي يخضع جسده لتجربة طبية ما انطلاقا من مبدأ التضامن الاجتماعي، فيرى انصار هذا الاتجاه ان مصلحة الغير من هذه التجارب غير واضحة وغير قوية، كي تبرر المساس بجسد المتبرع، بيد ان الاتجاه الثاني يوافق على اجراء مثل هذه التجارب وفقاً لشروط معينة وهي:
(1- يجب ان تجرى التجربة على شخص مريض بالمرض الذي تستهدف التجربة ايجاد علاج له.
2- يجب ان تكون التجربة الطبية قائمة على أسس علمية واضحة تقرها الجمعيات الطبية المعترف بها.
3- يجب ان لا تعرض التجربة حياة المريض المتبرع للخطر، بمعنى ان لا تنطوي على مخاطر أو اضرار جسيمة قد تلحق بالمريض).
    ومن وجهة نظري ان الاتجاه الثاني الذي يذهب إلى تقييد اجراء التجارب الطبية على الجسم البشري بقيود معينة هو الأصوب والأصح، فهو يضمن للمتبرع أكبر قدر من الحماية وفي الوقت نفسه يضمن للمجتمع أكبر قدر ممكن من النفع الاجتماعي، الذي يتولد في حال نجاح التجربة.
ولقد تبنى المشرع العراقي موقف الاتجاه الثاني، وذلك في البند السابع من دستور السلوك المهني الطبي النافذ الذي ينص على الآتي :
1_تعد التجارب الطبية على المريض عملاً جنائياً الا إذا اجريت بموافقة المريض أو المخولين بالنيابة عنه عند عدم امكان استحصال موافقة من المريض وضرورة مرضه، وعلى ان تجرى هذه التجارب لأغراض علمية بحتة وفي مراكز بحث علمي أو معاهد علمية تعليمية معترف بها من هيئة علمية عليا، على ان يكون الهدف منها مصلحة المريض نفسه أولاً والحالات المرضية المماثلة ثانياً.
2- المبدأ في اطلاق تطبيق نتائج التجارب العلمية العلاجية الايجابية هو ان تكون تلك التجارب قد خضعت للبحث العلمي ونجحت عند الحيوانات المختبرية ثم عند مجموعة متبرعة بصورة كتابية موثقة من المرضى من بني الإنسان.
3- يجب الامتناع عن اجراء أي تجربة فيها احتمال وجود خطر على حياة أو صحة الشخص بصورة واضحة.
كما ان ما يباح نقله من الأعضاء غير المتجددة، فيمكن القول اجمالاً بأنها القرنيات والكلى واجزاء من الأمعاء وإلى غير ذلك.
      اما في مصر فإن أول تشريع صدر بهذا الشأن كان قانون بنك العيون المرقم (274) والصادر في عام 1959 الملغى بقانون (103) لسنة 1962 النافذ والخاص بعمليات نقل القرنية، كما اصدر المشرع المصري قانون بنوك الدم رقم (178) في عام 1960، ومنذ ذلك الحين اكتفى المشرع المصري بهذين التشريعين.
    إذ لا يزال مجلس الشعب في مصر يناقش مشروع قانون يتعلق بتنظيم استئصال الأعضاء البشرية وزرعها وتجريم الاتجار بها، ويُحظر بموجب هذا المشروع اجراء هذا النوع من العمليات الا وفقاً للشروط والاوضاع المنصوص عليها قانوناً، كما ينص هذا المشروع على حظر اجراء عمليات نقل الأعضاء البشرية أو اجزائها من إنسان حي إلى إنسان حي آخر، أو من جثة ميت موتاً شرعياً إلى إنسان حي الا في الاطار القانوني، كما يحظر استئصال عضو أو جزء منه من اجساد مصابي الحوادث أو مجهولي الهوية أحياء كانوا ام اموات، ودون الاعتداد بموافقة أية جهة، واناط بوزير الصحة مهمة اصدار قرار يتم بمقتضاه تحديد المراكز التي تتولى حفظ الأعضاء المتبرع بها وكيفية الاستفادة منها، ولقد اشترط المشروع أيضاً ان يُقدم تقرير طبي عن حالة المريض الصحية، وانه استنفذ كافة وسائل العلاج، والتأكد من حاجته الماسة لنقل عضو بشري إليه.
    وتنص المادة (17) من قانون التبرعات التشريحية الصادر سنة 1976 في زمبابوي على الآتي : (لا يجوز ان يستلم أي شخص سوى مؤسسة مخولة أي اجر أو ربح مقابل تسليم شخص آخر نسيجاً بشرياً سواء لأغراض علمية أو علاجية باستثناء الدم ومشتقاته الذي ينقل من جسم أي شخص متوفى أو حي، وأي مبلغ يستلم من جراء تسليم أي عضو أو نسيج يعاد إلى الشخص الذي دفعه)،كالجلد والدم يجوز التصرف ولكن في نطاق ضيق أي عدم السماح لناقصوا الاهلية بالتصرف.
    اما نقل الجلد الذي يتم في اطار عمليات التجميل، فهو مباح أيضاً، إذ إن الجلد كذلك يعد من الأعضاء المتجددة، الا ان هذه الاباحة قد تنتفي في بعض الحالات، كما في حالة اجبار جراحي التجميل على اجراء عمليات تجميل لتجار المخدرات في أمريكا الجنوبية، حيث تزدهر تلك التجارة على نطاق واسع، مما يعرض حياة اولئك الجراحين لخطر القتل من قبل عصابات المخدرات سواء اقاموا بعملية التجميل ام لا، مما حذا بهؤلاء الأطباء إلى التنسيق مع السلطات وابلاغها في حال تعرضهم لتهديدات مماثلة.
   اما في فرنسا فقد صدر تشريع في 21/7/1949 يتعلق بتنظيم زراعة القرنية، وفي 22/12/1976 صدر القانون المرقم (1181) بشأن استقطاع الأعضاء البشرية لغرض الزرع، وفي عام 1968 وضع اتحاد المحامين في الولايات المتحدة الامريكية نموذجا لقانون موحد اطلقوا عليه تسمية قانون (هبة الأعضاء التشريحية) وينظم هذا القانون التبرع بالأعضاء البشرية، ولقد كانت ولاية اركنساس في مقدمة الولايات الامريكية التي تبنت هذا الانموذج وسنت تشريعاً على غراره في عام 1970، وبحلول عام 1990 كانت جميع الولايات الامريكية قد تبنته.
وجدير بالذكر ان المنظمة الطبية الامريكية قد حددت بعض القواعد الأساسية، التي يجب على العاملين في مجال نقل الأعضاء البشرية التقيد بها باعتبارها خطوطاً عامة وهي :
(1- احاطة المريض المتلقي علماً بالظروف المتعلقة بالعملية كافة.
2- مقارنة المخاطر الناجمة عن اجراء عملية زرع العضو بالفوائد التي سيحصل عليها المريض، بمعنى انه لو كان بالإمكان علاجه بواسطة الادوية، فلا يجوز اجراء العملية.
3- يجب ان لا يكون المريض مصاباً بأمراض أخرى غير مرض العضو.
4- مراعاة سن المريض بمعنى ان الأصغر أولى بالعناية من الاكبر سناً.
5- تقوية الوضع النفسي والعاطفي للمريض).
ونظراً  للأهمية البالغة التي تتسم بها عمليات نقل الأعضاء البشرية، لذا لم يقتصر الأمر على اصدار التشريعات الوطنية لمعالجة الجوانب القانونية والطبية المتعلقة بها، بل تعداها إلى التنظيمات الصحية على مستوى الاقطار العربية بل على مستوى دول العالم اجمع بهدف توحيد تشريعاتها في هذا المضمار. وأيضا تباينت آراء الفقهاء حول طبيعة حق الإنسان على جسده، فمنهم من عده حقاً مالياً وبعضهم عده حقاً شخصياً ، ومنهم من عده حقاً عينياً، وهناك من رأى خلاف ذلك فاستنكروا  جعل حق الإنسان على جسمه حقاً مالياً فعدوا هذا الحق نوعاً خاصاً من الحقوق سميت بالحقوق الملازمة للشخصية تكريماً للكائن البشري وتقديساً لآدميته، والرأي الأخير هو الراجح استناداً إلى مبرراته الوجيهة ، وبناءً عليها لا يمكن المساس بالجسم البشري الا بموجب أساس شرعي وكمالا يجوز إجراء عمليات زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة وفق المادة خامسا من قانون نقل و زرع الأعضاء البشرية ومنع الاتجار بها لمرقم 11لسنة 2016 بنقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي أو من جسد إنسان ميت بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا طبقًا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له ، وبالتالي نرى من الضروري ان ينص المشرع على منع أي تصرف بالأعضاء البشرية يفضي إلى الوفاة أو إلى الإصابة بعاهة مستديمة أو إلى اختلاط الأنساب نصاً صريحاً وواضحاً لا لبس فيه للحيلولة دون الالتفاف على النصوص القانونية العامة وتفسيرها على نحو مغلوط.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع